عندما يتحدث أعداء سوريا وحلفاؤها عن الفدراليّة بقلم : محمد صالح الفتيح

الجمعة, 4 آذار 2016 الساعة 04:12 | مواقف واراء, زوايا

عندما يتحدث أعداء سوريا وحلفاؤها عن الفدراليّة  بقلم : محمد صالح الفتيح

جهينة نيوز:

وكأنّه لا يكفي هذا العام أنّ يجلب معه الذكرى المئوية لاتفاق «سايكس ـ بيكو» المشؤوم، فكان أنّ جلب لنا أنباءً عن تقسيمٍ جديدٍ مقبل. فجأةً بدت فكرة «فدرلة» سوريا، أو تقسيمها، شيئاً يتفق عليه أعداء سوريا وحلفاؤها. ولكن الحقيقة هي شيءٌ آخر تماماً. فبينما يطرح أعداء سوريا تقسيمها كمحاولة لإبقاء النزيف مستمراً، يدرك حليفها الروسيّ أنّ الفدراليّة قد تكون العلاج المرّ الوحيد.

أعداء سوريا: السعي لاستدامة الصراع

لم تُرسم خطوط «سايكس ـ بيكو» بشكلها الّذي نعرفه فقط لمراعاة العدالة في المحاصصة بين بريطانيا وفرنسا، بل رسمت، هي وخطوط التقسيم التّالية، بكلّ عناية، لكي تبقى هذه البقعة من العالم في حالةِ توترٍ واحترابٍ مستمر. فعلى سبيل المثال، أنشأ البريطانيّون، في حصتهم، مملكتين هاشميّتين، في الأردن والعراق، حكمهما الشقيقان عبد الله وفيصل. لكن البريطانيّين أيضاً منعوا هاتين المملكتين من الاتحاد. فلم يكن مقبولاً أنّ يُصبح العراق، بموارده البشريّة والطبيعيّة الهائلة، على حدود فلسطين. وبينما منع البريطانيّون مثل هذا الاتحاد بدا أنهم لا يمانعون سعي العراق الهاشميّ للهيمنة على سوريا خلال الخمسينيات. ولكن الحقيقة هي أنّهم كانوا يدركون أنّ مثل هذه السيطرة لم تكن لتحصل أساساً، بل إنّ المحاولة ستبقي العراق وسوريا مشغولين عن القضايا الأخرى الأكثر أهمية، وستثير حفيظة الكيانين الكبيرين الآخرين في المنطقة، مصر والسعودية، اللذين سيحاولان محاربة النفوذ العراقيّ، وهذا ما حصل فعلاً. حصل هذا برغم أنّ الدول الثلاث يومها، العراق والسعودية ومصر، كانت متحالفةً مع بريطانيا، ولكن مَن قال إن البريطانيّين يريدون حلفاء عرب أقوياء؟ ألم يكن البريطانيون أنفسهم مَن رسم حدود الممالك والإمارات الخليجيّة، ورعاها جميعاً، ونقل ـ بقلم السير بيرسي كوكس وممحاته ـ الأراضي من مملكة آل الصباح إلى مملكة آل سعود؟ وبرغم ذلك لم يبدُ الإنكليز حريصين على منع العداء بين قطر والبحرين مثلاً، أو بين آل الصباح وآل سعود، أو الاقتتال الشهير حول أراضي «البريمي».

هكذا كانت خطوط «سايكس ـ بيكو» تتبع خطوط الصدوع وتفصل الكيانات المتناقضة، بما يضمن استمرار الصراع واستمرار الهيمنة الغربيّة، وإذا ما اقتضت الحاجة رُسمت خطوطٌ جديدة. لماذا ينصح الأوروبيون والأميركيون كردستان العراق بتأجيل الاستفتاء على الاستقلال؟ إذا ما حصل الاستفتاء وأصبح الاستقلال أمراً ناجزاً، أصبح للإقليم الكرديّ حدودٌ ثابتةٌ ولتطوى صفحة الاقتتال مع الباقي من العراق. ولكن هل يناسب هذا «الغرب»؟ لا يبدو أن الأمر كذلك. فبينما ينصح «الغرب» الأكراد بتأجيل الاستفتاء على الاستقلال، نراهم يستمرون بتسليحهم ويباركون مساعيهم بالسيطرة على مساحات أكبر من العراق، ما يعني إبقاء الوضع في العراق حرجاً كبرميل بارود بفتيلٍ طويلٍ جداً، والسلام ممنوع بين مكونات العراق. كذلك هو الحال في سوريا. فإذا ما طرح وزير الخارجية الأميركية، مثلاً، فدرلة سوريا، أو تقسيمها، فلن يكون هذا من باب الحرص على هذا المكوّن أو ذاك. بل لخلقِ خطوط صراعٍ واستنزافٍ جديدة. دام القتال بين بغداد والأكراد لعقود، ولم ينته العداء بعد، واستمر القتال برغم اتفاقية الحكم الذاتي الموقعة في 11 آذار 1970. فكم سيستمر القتال، إن حصل، بين دمشق والأكراد؟ قد لا يكون من الصعب إيصالُ بلدٍ ما إلى الحرب والدمار، ولكن بمجرد النجاح بإيصال ذلك البلد إلى تلك الحالة من الدمار يصبح الهدف التالي إبقاءه في تلك الدوامة. هذا ما يريده الأعداء.

روسيا: العلاج الوحيد؟

منذ أكثر من 150 يوماً، تدخلت روسيا عسكرياً لتوقف الانهيار الحاصل ولتمنع حصول زلزالٍ يتردّد صداه إلى آسيا الوسطى، وربما إلى موسكو نفسها. وبرغم أنّ الروس كانوا يعرفون تماماً حجم المهمة التي تنتظرهم، إلا أنّ المعلومات المنقولة عنهم، في مطلع تشرين الأول، كانت تقول، على سبيل المثال، إنهم يخططون لاستعادة كامل محافظة إدلب خلال ثلاثة أشهر. ولكن معركة إدلب لم تنطلق حتى اليوم، بعد خمسة أشهر. بالطبع هناك أسبابٌ موضوعيّةٌ لهذا التأخر، ولكنها بالمقابل لا تعني أبداً أنّ التأخر بلا ثمن. حرص الروس دوماً على العمل لحشد أكبر شريحةٍ ممكنةٍ من السوريّين في جبهةٍ واحدةٍ ضد الإرهاب. وقد تكون دعوة سيرغي لافروف الأولى المعارضة السورية للتصدّي للإرهاب إلى جانب الجيش السوري في نهاية العام 2013. وفي منتصف العام الماضي كُررت هذه الدعوة مرات عدة، ولكن بلا جدوى.

وحتى عندما بدأ الروس عمليتهم العسكرية في سوريا، نُقل عنهم أنهم طلبوا من القيادة السورية ضم قوات «الدفاع الوطني» إلى الجيش العربي السوري. وبرغم إعلان رئيس الأركان السوري عن تشكيل «الفيلق الرابع»، الذي فُهم أنه سيضمّ قوات «الدفاع الوطني» تحت مظلة الجيش العربي السوري، لم يتغيّر أي شيء على أرض الواقع. لم يطلب الروس هذا الدمج سعياً لمزاحمة الغير على نفوذه، بل طلبوا ذلك لإدراكهم أن الجيش هو المؤسسة الموحّدة والجامعة والضامنة لتمثيل جميع السوريين، ولهذا فلا بد من تقويته وجمع الكل تحت رايته. لم يُكلل هذا المسعى بالنجاح المطلوب. وهكذا، وبرغم تيقنهم من أنّ الأكراد السوريين قد خطوا خطواتٍ متقدمةٍ في تحالفهم مع الولايات المتحدة، أدرك الروس أنه لا مناص من دعوة الأكراد للقتال إلى جانب الجيش العربي السوري، بعد فشل كل المحاولات السابقة لحشد المزيد من القوات في وجه الإرهاب. بالطبع لا يمكن لعاقل أنّ يتوقع أن يكون انضمام الأكراد للقتال من دون الحصول على امتيازات لطالما طالبوا بها. يدرك الروس هذا أيضاً بشكلٍ جيدٍ جداً، وهم الذين احتضنوا الأكراد منذ أربعينيات القرن الماضي. ولكن من المنظور الروسي لا يبدو أن هناك الكثير من الخيارات البديلة. إذا ما استمر القتال في سوريا على هذه الوتيرة فقد يستهلك ما بين 5 و10 في المئة سنوياً من موازنة الدفاع الروسية التي تترنّح أساساً تحت عبء الحرب في أوكرانيا ومشاريع التطوير العسكرية التي قُلّصت ميزانيتها بسبب تدهور أسعار النفط والعقوبات الغربية. كما أن الأكراد المدعومين من الغرب قد يصبحون خصوماً جدداً يحاربون روسيا والجيش السوري. لا تملك روسيا أنّ تُهزم في سوريا أو أنّ تتخلى عنها أو أنّ تتركها تتمزّق كما يريد الغرب، ولكن بالمقابل ما هي الخيارات البديلة المتاحة؟ لكل هذه الأسباب تبدو الفدرالية من المنظور الروسي خياراً معقولاً. وبغضّ النظر عن مكانة سيرغي ريباكوف، أو عن الطريقة والسياق الذي أطلق فيها رأيه، يبقى الأكيد أنّ افتتاح مكتب تمثيل «لكردستان سوريا» في موسكو في 10 شباط الماضي، هو مؤشر مادي ملموس لا يمكن تجاهله.

السوريون فقط هم مَن يملك أن يشقّ طريقاً يحفظ وحدة البلاد. أيّ شيءٍ آخر، يتراوح بين الكلام المعسول عن اللحمة الوطنية وصيحات الاحتجاج على الإملاءات الخارجية، لا قيمة له. إن كنا عاجزين عن القيام بما ينبغي للحفاظ على وحدة البلاد، فلا يجوز أن نستغرب الحلول التي يقترحها حلفاؤنا. لا يقصد من هذا القول تبرير الفدرلة، بل هو الدعوة للتحرّك الحقيقي لمنعها.

 السفير


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا