نهاية «الجيش الحرّ».. بقلم عامر محسن

السبت, 26 آذار 2016 الساعة 18:51 | مواقف واراء, زوايا

نهاية «الجيش الحرّ».. بقلم عامر محسن

جهينة نيوز:

في خضم الأحداث التي تتسارع في سوريا، والإنتاج المستمر للشعارات والمزايدات والتنظير، يبدو أنّ الإعلام والمثقفين الذين ينطقون باسم المعارضة السورية أهملوا أن يشرحوا لجمهورهم المعنى الأساسي والأهم للهدنة التي أقرّت منذ أسابيع: أنّ «الجيش الحرّ» أخرج نفسه، فعلياً وبشكلٍ كامل، من الحرب ضد النّظام.

وفقاً لشروط الهدنة، في وسع فصائل «الجيش الحرّ»، من الآن فصاعداً، أن تحارب تنظيم «الدولة الإسلامية»، أو «جبهة النصرة»، أو أن تتقاتل في ما بينها؛ ولكن لم يعد من المسموح لها، تحت أي ظرفٍ من الظروف، أن تطلق رصاصةً ضدّ الجيش السوري أو أن تتقدّم الى مناطق تسيطر عليها الدولة. هذا هو المغزى الأساس للهدنة، وهو وقفٌ لإطلاق النّار مفتوح وبلا أجل، ما يعني أن «الجيش الحر» وافق، عن وعي ودراية، على الخروج من الصراع العسكري ضد النظام، مقابل الحصول على تمثيلٍ ما في حكومة مستقبلية؛ ويبدو أن أحداً في صفوف المعارضة لم يطرح أمام جمهوره هذه الحقائق البسيطة كما هي.

لمزيدٍ من الإيضاح: لا يهمّ إن طالت المفاوضات أو قصرت، وإن أعجبتهم نتائجها أو لم تعجبهم، هذه الحرب بالنسبة الى «الجيش الحرّ» انتهت، وقد صار «تغيير النظام» مطلباً «سياسياً» (و»المفاوضات» قد تستمرّ لسنوات ولا تثمر شيئاً، إذ إن اميركا وروسيا، بعدما حيّدتا أسباب التوتّر بينهما في الميدان، وصار التركيز على «مكافحة الإرهاب»، لم يعد لديهما سببٌ لاستعجال التسوية، وخطة دي ميستورا دليلٌ على ذلك). بهذا المعنى، فإن خصوم «الجيش الحرّ» في «الدولة» و»النصرة» محقون في اتّهامه بأنه أوقف قتاله للنظام مقابل وعدٍ بمكاسب سياسية، وأنّ هذا القرار سيريح الجيش العربي السوري على جبهاتٍ تستهلك الكثير من الرجال والموارد، ويسمح بتركيز الجهود ضدّ «الدولة» و»النصرة». والجيش السوري وحلفاؤه ــ وليس «الفرقة 13» أو «أسود السنة» ــ هم الأقدر على استغلال الوضع والتوغّل في مناطق «داعش»، واستعادة أقاليم الشرق السوري حيث تتركز الموارد الطبيعية والزراعية للبلد.

ولكنّ هذه ما هي الّا بداية المسألة. فمفاعيل الهدنة في الميدان (هي تقتصر عملياً على مناطق نفوذ «جيش الإسلام» في الغوطة، وريف حلب الشمالي، وأجزاء من جنوب سوريا، فيما ظلّت الأكثرية الساحقة من الأرض السورية خارجها) تطرح، من جديد، أسئلة مزمنة حول ماهيّة هذا «الجيش الحرّ»، الذي أُعطي حمولةً أيديولوجية مكثفة طوال الحرب السورية: هل هو ــ كما رددت التقارير الغربية وإعلام «الثورة» ــ تسمية لفصائل كثيرة محلية «معتدلة»، قوامها «أساتذة وفلاحون وأطباء أسنان»، تشكّل العدد الأكبر من مقاتلي المعارضة؟ أم هو عبارة عن مجموعات تمثّل التمويل الخارجي ومصالح الدول الراعية؟ وما هو ميزان القوى بينه وبين المنظمات «الجهادية»؟

حين نقرأ عن حروبٍ مضت، وتبدو لنا أحداثها الأساسية ومساراتها مفهومة وواضحة، فقد تغيب عنا حقيقة أن هذه الأدبيات كُتبت بعد سنواتٍ على مرور الأحداث وحسمها، وأن الحرب «من داخلها» تبدو مختلفةً تماماً. قلّة من الأعمال التاريخية تتحدّث عن الرأي العام والنظرة التي يشكلها الإعلام عن الحرب خلال حصولها. العرب يسخرون، الى اليوم، من الدعاية الناصرية خلال حرب حزيران التي أقنعت جمهورها بأن ألوية الجيش المصري تتقدم في فلسطين؛ ولكن قلّة تتكلم عن أنّ الشعب البريطاني كان معمياً عن هزائم بلاده، خلال الحرب العالمية الثانية، وعن الخسائر البشرية لجنوده حتى أواسط سنوات الحرب (وكانت هناك رقابة مماثلة على الجانب الأميركي). الجمهور الأرجنتيني بقي مقتنعاً، حتى نهاية حرب «فوكلاند»، بأن جيشه يهزم الأسطول البريطاني؛ و»المجاهدون» في أفغانستان كانوا، في الرواية الرسمية الغربية والصحافة، «مقاتلين من أجل الحرية» يواجهون، بلا دعمٍ من أحد، الإمبراطورية السوفياتية.

حرب سوريا هي مثالٌ على ذلك، حيث أدى الضخ الإعلامي، مقترناً باحتكار الإعلام الخليجي والغربي (وهو، في حالة سوريا، كان «إعلاماً حربياً») للتغطية، الى استحالة النقاش في الموضوع السوري مع عددٍ كبير من العرب والغربيين، لا لاختلاف على تقدير الوقائع أو أسس السياسة والأخلاق، بل لأنّهم يتحدثون عن سوريا غير سوريا، وعن حربٍ غير تلك التي تجري؛ وهم، بصرف النظر عن أي إعلامٍ يتابعون، لن ينالوا إلا سردية أيديولوجية عن الخير والشر. منذ الصدامات الأولى بين «حزب الله» وقوى المعارضة على الحدود الشمالية ــ الشرقية للبنان، كانت التقارير الأولية واضحة في التمييز بين ما يسمّى فصائل «الجيش الحرّ»، وأنها غير جادة في الحرب ولا تمثل تشكيلات عسكرية فاعلة، وبين الفصائل السلفية كـ»النصرة» (قبل ظهور «داعش»)، والتي كان واضحاً أنها من يملك تأثيراً عسكرياً وإرادة، وإليها ينجذب الشباب الراغب في القتال. غير أنّ الدعاية الغربية ظلّت تتكلّم على «الجيش الحر» كالواجهة الأساسية لـ»الثورة» في سوريا حتى أشهر قليلة مضت؛ وقد أقسم لي صحافيّ غربي يدّعي معرفة سوريا عن كثب، مثلاً، بأن «جبهة النصرة» أقلية في شمال سوريا، وأن تنظيم جمال معروف يمثّل ثاني أو ثالث أقوى تشكيلٍ عسكري في البلد ــ قبل أيام من أن تحلّه «النصرة» في معركةٍ دامت ساعات.

في تقريرٍ لـ»معهد واشنطن» (الصهيوني) حول كيفية «طرد» النصرة من شمال سوريا باستخدام «الجيش الحر»، يستخلص المؤلف، بكلمات مهذبة، أن ذلك مستحيل، وأن التاريخ الحقيقي للحرب في الشمال هو تاريخ تنافسٍ بين فصائل سلفية، وأن «الجيش الحر» (بصرف النظر عن المكانة التي أعطيت له في الإعلام) كان على هامشها. ويضيف أنّ «أحرار الشام» هم «النصرة»، مع فارق البيعة لـ»القاعدة»، وأن من يفاضل بينهم وبين «النصرة» اليوم هو كمن كان يفاضل بين «الدولة الإسلامية» و»النصرة» منذ سنتين ويحتفل بانتصارات الأخيرة.

بعيداً عن التوقعات بـ»تهدئة» و»سلام»، فإن نظرة سريعة الى الميدان السوري تُفهم بأن الحرب لا تزال طويلة، و»الهدنة» ما هي إلا فصلٌ في متنها، وإن كانت تعني نهاية أساطير؛ بينها «الجيش الحرّ»، خلقتها المسافة بين الإعلام والواقع (في جنوب سوريا، مثلاً، التقاتل على النفوذ اليوم يجري أساساً بين «النصرة» و»داعش»؛ وفي تظاهرة في بيروت للذكرى الخامسة لـ»الثورة» تحتفي بـ»الجيش الحر»، لم يحضر إلا العشرات، أكثرهم «ناشطون» والكثير منهم لبنانيون، وهذا في بلدٍ فيه ما يقارب المليوني سوري من كلّ المناطق والمشارب). وطالما أنّ الحرب وأهوالها مستمرّة، فلا ضرر في أن نخوض غمارها محمّلين بأقلّ قدرٍ من الوهم والأساطير.

المصدر جريدة الاخبار

 

 


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا