جناية براقش .. بقلم د .فتح الله عمر

الثلاثاء, 31 أيار 2016 الساعة 05:29 | مواقف واراء, زوايا

جناية براقش .. بقلم د .فتح الله عمر

جهينة نيوز:

رنّ جوالي قاطعاً نشوة عارمة أعيشها عادة خلال تصوير المشهد الأخير من كل عمل درامي. اختلستُ نظرة سريعة إلى شاشته لأتبيّن ذلك المزعج، فلمّا قرأت كلمة ( البيت ) ألغيت الاتصال، وطلبت من مساعدي الاستعداد لمتابعة التصوير.

رنّ الجوال ثانية، ثم ثالثة. انتابني قلق شديد، فأقررتُ فترة راحة قصيرة، وفتحت الاتصال. فوجئت بابنتي الصغرى على الطرف الآخر. بادرتني باكية تكاد تختنق: " تعال حالاً يا أبي. أنا في مصيبة، ولن ينقذني أحد غيرك ".

جفّ الدم في عروقي، ودمدمتُ:

- اهدئي يا روان.. اهدئي يا حبيبتي، وأخبريني ما الذي حدث ؟

- لا أستطيع الكلام. تعال حالاً..

أعدتُ سؤالي عمّا بها، وأعادت جوابها ذاته بضع مرات. استسلمتُ وطلبت منها أن تعطني أمّها، فقالت إنّها خرجت مع جدّتها للتسوّق، سألتها عن أخيها حمزة، فأجابت بصوت مخنوق إنّه في الجامعة، ثمّ أعادت طلبها بحضوري فوراً.

أنهيتُ اتّصالي مع صغيرتي، وشرعت في اتّصال آخر مع أمّها، فإذا بجوالها مغلق، وكذا الأمر مع حمزة.

يا إلهي. ما الذي حدث ؟

اعتذرتُ من فريق العمل، وهرعتُ إلى بيتي محاطاً بعشرات الهواجس والمخاوف والظنون.

" أنا في مصيبة ".. رحماك يا رب.. أيّ مصيبة يمكن أن تقع بها طفلة لم تبلغ الثامنة بعد ؟!

خلال طريقي كدت أصطدم تباعاً بسيارتين وشاحنة صغيرة. ومع هذا لم أخفّف سرعتي، بل ربّما زدتها..

بعد ربع ساعة خلتها دهراً وصلتُ إلى البيت. هرعت روان نحوي منتحبة، احتضنتها بحنوّ. لم تضطرني إلى سؤالها، بل دمدمت بأسى خنق صوتها مراراً:

- لقد سرقني حمزة. إنّه لصّ قذر.

- هذا الكلام عيب يا حبيبتي. ما الذي حدث ؟

- كما قلتُ لك. لقد سرقني. لم يُعطني حصّتي من المبلغ الذي أخذه منك البارحة كأجرة على تعليمي.

اتّضح الأمر. تنفّستُ الصعداء وغرقتُ في الضحك. قبل شهر طلبتُ من ابني أن يُدرّس أخته مقابل مكافأة شهرية تشجيعية، وهي الآن تريد نصف المبلغ كعمولة، وتعتبره حقّاً واجباً سلبه حمزة منها.

حاولتُ جاهداً إقناعها أنّ لا حقّ لها بما تطلب، لكن عبثاً، فقد أصرّت على موقفها، وحاججتني أنّها كانت قادرة أن تقصيه عن تعليمها بأن تدّعي عدم الفهم منه.

استغربتُ كثيراً كيف يمكن لطفلة صغيرة أن تفكّر هكذا، لكنّ دهشتي لم تطل؛ إذ أنبأتني بالسبب وهي تحاججني مجدّداً، وتتّهمني بالازدواجية والتناقض، فقد شاهدت في مسلسلي قبل الأخير سائق سيارة أجرة يتقاضى عمولة من إدارة فندق، بعد أن أتى لها بسائح أجنبي.

وهكذا، وبعملية استقراء بسيطة، اقتنعت روان أنّ لها حقّاً بالعمولة من أخيها، كحقّ ذلك السائق بالعمولة من إدارة الفندق.

حاولتُ بكلّ ما أوتيت من حجّة وجدل إقناعها بأنّ تقاضي العمولة على تلك الطريقة أمرٌ شائن لا يليق بها، ولا بأيّ إنسان شريف، فاتّهمتني بالمراوغة وعدم النزاهة.

لم أستسلم، وظللتُ أسوق الحجّة تلو الحجّة حتّى هزّت رأسها دلالة الاقتناع التامّ.

عشاءً حدّثتُ زوجتي عمّا عانيته في إقناع روان بخطئها. ابتسمتْ ابتسامة ساخرة نفذت إلى صميم عظامي، وأخبرتني أنّي واهم، فروان لم تقتنع مطلقاً بكلامي، وقد أسرّت لها قبل أن تخلد للنوم بأنّي نصّاب كبير اتفقتُ مع أخيها عليها، وتقاسمنا المبلغ مناصفة .

عن جهينة

http://jouhina.com/magazine/article.php?id=3674


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 نبيه
    31/5/2016
    09:03
    ذكية
    حضرة الكاتب خسرت ثقة أعز إنسان، ماذا ستفعل لاسترداد الثقة؟
  2. 2 السّا موراي الأخير - سوا
    1/6/2016
    01:12
    طفلة رائعة!
    سيدي الدكتور: بعد التحية و الاختصار؛ ثبت لي بأنك قليل الحيلة في المواقف الصعبة الطّارئة و لا تستطيع تدوير الزوايا و اجتراح الحلول. أما صغيرتك الرائعة , أتمنّى لها الصحة الكاملة و العمر المديد, فقد أثبتت بأنها تمتلك شعوراً بأهميتها و ثقةً بنفسها و إصراراً على الاحتفاظ بحقوقها؛ و هي هنا مواطنة سورية بامتياز! أرجو أن تسهّل لها دراسة الاقتصاد أو السياسة أو كليهما معاً. صحيح أنك خسرت أمامها جولةً, و لكنك ربحت علامة تربية و تنشئة طفلة رائعة تستطيع مواجهة الحجّاج بن يوسف الثقفي. شكراً لأنك منحتنا إطلالةً إلى داخل بيتك. إيجابي . شكراً.

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا