جهينة نيوز-خاص:
لم تغادر "المؤامرة" ملاعب السياسة وقصور الحكّام في كل تاريخها المعروف منذ نشأة الدول والكيانات، وكانت لها –رغم أنها مؤامرة- قواعد وأعراف وأصول، ولكن أن تحط تلك المؤامرة رحالها أولاً في أروقة المساجد ومحاريبها وتكتسي ثوب الدين وتعتمر عمائم سلاطينه وتُمشِط لحى أدواتها إلى أسفل سافلين، فهو أمرٌ استجدَّ في سورية، ومن رسم لها هذا المخطط إنما غاص في أعماق تاريخنا العربي الإسلامي، لا لكي ينهل من معارفه ومآثره ويجني العبر والمواعظ ويكافئنا على حُسن صنيع أجدادنا، وإنما لكي يدس لنا سُمَّ ما لم نستوعبه من خطورة بعض فصول تاريخنا وما لم نتّعظ به من حكمة قدمائنا، ولو كان قدماؤنا قد تجرعوا ذلك السُّمَّ لما كنّا "خير أمة أُخرجت للناس..."...فكنّا وكانت الأمم وكان لنا بينها شأنٌ يُذكَر لا يُذكَر منه الآن –حسب الترجمات والهرطقات الآتية من وراء البحار والمحيطات- سوى عناوين بلا شروحٍ ولا مقدمات، وتسميات قديمة لا عدَّ لها ولا حصر، أُلبست قسراً حلّة العصر!
جبهة "فتح الشام"، النصرة" سابقاً، منظمة صهيونية بامتياز أميركي ودمغة وهّابية:
لا يمكن للمتابع لأخبار الحرب على سورية وتفاصيلها -المعلن منها وغير المعلن- إلا أن يعود بذاكرته إلى المنظمات الإرهابية الرديفة لجيش الاحتلال الإسرائيلي والتي انطلقت منذ مطلع عشرينات القرن الماضي حين شرع اليهود الصهاينة يتسربون إلى فلسطين برعاية الاستعمار البريطاني، ولعل أخطر هذه المنظمات هي:
"الهاجاناه": وهي منظمة صهيونية تأسست في القدس المحتلة سنة 1920 وهي حجر الأساس لجيش الاحتلال الاسرائيلي بعد انضمامها إليه سنة 1948.
"الأرغون": (أو الإتسل) منظمة إرهابية صهيونية، نشأت عام 1931 بعدما انشقت عن منظمة الهاجاناه، وكان شعارها يتكون من خريطة فلسطين والأردن وعليها صورة بندقية كُتب حولها عبارة "راك كاح" أي هكذا فقط...ومن أبرز قادتها "مناحيم بيغن" وإسحق شامير"، وقد ارتكب أعضاء هذه العصابة عشرات المجازر في فلسطين منها مجزرة دير ياسين عام 1948.
"البالماخ": هي القوة الضاربة في منظمة الهاجاناه، ساعدت في إنشائها وتدريبها بريطانيا.
"شتيرن" (أو ليحي): هي عصابة صهيونية تأسست عام 1940 على يد الإرهابي "ابراهام شتيرن" الذي قتل عام 1942، وقد قاد عمليات هذه العصابة في الأربعينات الإرهابي إسحق شامير.(1)
واليوم فإن ما كانت تسمى بـ"جبهة النصرة" وأضحت تسمى بـ"جبهة فتح الشام"، يمكن أن تضاف إلى قائمة المنظمات الإرهابية الصهيونية، أفلا تخدم هذه المنظمة بلحى مجرميها وسكاكينهم ومفخّخاتهم استراتيجيات الكيان الإسرائيلي ومخططاته؟! ألا تتلقى من هذا الكيان كل الدعم المادي واللوجستي والطبي؟! ثم ألا تقيم تحصيناتها في الأراضي السورية كسورٍ دفاعي متقدّم لصالح الكيان الإسرائيلي؟! أما في الظهور الناعم الأثيريّ المتلفز لزعيم إرهابييها "أبو محمد" المنسوب زوراً وبهتاناً إلى أهم قطعة محتلة من الوطن السوري، فيكمن ألف سؤال وسؤال تجيب عليها تفاصيل المخطط القذر ضد سورية لتفتيتها وتقسيمها وتحويلها إلى جحيمٍ طائفي ومذهبي وعرقي، ومن الخطورة بمكان ما تسرّب من تصريحات لبعض غلمان السياسة والإدارة –معاً- توحي بـ"النُّصرة" كأمر واقع حتمي في المنطقة، وكذلك ما ذهب ويذهب إليه من يسمون بـ"المعارضة السورية" –وخاصة أولئك الغربان الذين يقلّدون مشية البطّة في الوطنية والسياسة ويحلقون لحاهم قبل كل بث مباشر من جنيف- من تأييد لحركة "أبو محمد" وما وراء حركة "أبو محمد" لإظهار جبهته الإرهابية وكأنها مولود ديمقراطي معتدل جديد ووحيد في المنطقة، تخلّص من نفاس "القاعدة" وقطع حبله السرّي معها وطهّر "نسله السوري" منها وركب يخت القش الصغير مبحراً إلى شط أمان المسلمين!!!
المفهوم الحقيقي للفتوحات الإسلامية:
كان من أهم نتائج الفتوحات الإسلامية الحقيقية التي انطلقت سنة 630 ميلادية، تطهير الجزيرة العربية ونجد والحجاز، وتحرير الأقاليم التي احتلها البيزنطيون في الشام وشمال أفريقيا ومصر، ونشر الإسلام المتحضّر واللغةالعربية ووضع حد للتطرّف الديني اليهودي وخلق حالة وئام بين المسيحيين والمسلمين لم يعرف تاريخ الشعوب لها مثيلاً، وكل ذلك أدّى إلى ظهور الحضارة العربية الإسلامية التي وجدت لها أرضية ثقافية هامة في بلاد الشام أكثر من غيرها من البلدان نظراً للحضارات الشرقية التي تعاقبت على تلك البلاد وأهمها الكنعانية والآرامية السريانية ذات الصلات الهامة والوثيقة بالثقافة العربية على مستوى اللغة بالدرجة الأولى.
في سنة635م فتح العرب المسلمون دمشق...كان ذلك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب واثنين من أبرز قادة العرب هما خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح، وإلى سنة 743م امتدت هذه الفتوحات من شواطئ المحيط الأطلسي وقمم البيرينيه، حتى الأندلس وحدود الصين، وهذا يعني الكثير في تاريخ الشعوب، ويفوق تصور بعض المؤرخين في تعليلهم المنقوص لحركة الفتوحات الإسلامية، إذ أن الفاتحين وأهل البلاد عبّروا عن انسجام وتفاهم فيما بينهم لا حدود لهما في الوقت الذي لم تُقطَع فيه بتلك البلاد شجرة أو يُحتَزَّ فيها رأس مسكين... (2)
دولة فاتحين لا تنقرض مع السنين:
سجّل مخطوط يوناني تفاصيل حدث مجيء الخليفة عمر بن الخطاب إلى القدس (3)، ومنها: "لما اشتد حصار جيوش المسلمين ببيت المقدس سنة 636م، أطلّ البطريرك صفرونيوس على المحاصِرين وقال لهم: إنّا نريد أن نسلّم ولكن بشرط أن يكون التسليم لأميركم، فقدّموا له أمير الجيش، فقال لا، إنما نريد الأمير الأكبر، نريد أمير المؤمنين، فكتب أمير الجيش إلى عمر ابن الخطاب يقول: إن القوم يريدون تسليم المدينة لكنهم يشترطون أن يكون ذلك ليدك شخصياً.
فخرج عمر من المدينة قاصداً بيت المقدس ومعه راحلة واحدة وغلام، فلما صار في ظاهر المدينة قال لغلامه: نحن اثنان والراحلة واحدة، فإن ركبتُ أنا ومشيتَ أنت ظلمتُك، وإن ركبتَ أنت ومشيتُ أنا ظلمتَني، وإن ركبنا الاثنان قصمنا ظهرها، فلنقتسم الطريق مثالثةً. وأخذ عمر يركب مرحلةً ويقود مرحلةً، وتمشي الراحلة أمامهما من حمل أحد مرحلةً. وهكذا استمر عمر يقسم الطريق مثالثة بين نفسه وبين غلامه وبين راحلته من المدينة حتى بلغ جبلاً مشرفاً على القدس صادف أن كانت ببلوغه قد انتهت مرحلة ركوبه، فقال لغلامه: دورك، إركب، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين! لا تنزلنّ ولا أركبنّ، فإنّا مقبلون على مدينة فيها مدنية وحضارة، فإن دخلنا على هذه الصورة هزئوا بنا وسخروا من أمرنا، وقد يؤثر ذلك على نصرنا، فقال عمر: دورك...ولو كان الدور دوري ما نزلتُ وما ركبتَ، أما والدور دورك فوالله لأنزلنّ ولتركبنّ. ونزل عمر وركب الغلام الراحلة وأخذ عمر بمقودها فلما بلغ سور المدينة وجد نصاراها في استقباله خارج بابها المسمى بباب دمشق، وعلى رأسهم البطريرك صفرونيوس، فلما رأوه آخذاً بمقود الراحلة وغلامه فوق رحلها، أكبروه...ثم انتحى البطريرك ناحية وبكى، فتأثر عمر، وأقبل عليه يطيّب خاطره ويواسيه قائلاً: لا تحزن، هوّن عليك، فالدنيا دواليك، يوم لك ويوم عليك، فقال صفرونيوس: أظننتَني لضياع المُلك بكيتُ...؟ والله ما لهذا بكيتُ، وإنما لما أيقنتُ أن دولتكم على الدهر باقية ترق ولا تنقطع...فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة، وكنتُ حسبتُها دولة فاتحين تمرّ ثم تنقرض مع السنين".
وخطب عمر في تلك الجموع الحاشدة مستهلاً خطبته بقوله: يا أهل إيلياء (القدس)، لكم ما لنا وعليكم ما علينا.
ثم دعاه البطريرك صفرونيوس لتفقُّد كنيسة القبر المقدس(كنيسة القيامة) فلبى الدعوة، وأدركته الصلاة وهو فيها، فالتفت إلى البطريرك وقال له: أين أصلّي؟ فقال: مكانَك صلِّ، فقال: ما كان لعمر أن يصلّي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلّى عمر ويبنون عليه مسجداً. وابتعد عنها رمية حجر وفرش عباءته وصلّى، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على مصلاه مسجداً وهو قائم على رمية حجر من كنيسة القيامة إلى يومنا هذا.
فتح القدس نموذج حضاري يحتذى ومفهومٌ راقٍ للفتوحات:
أعطى الخليفة عمر بن الخطاب عهداً إلى أهل القدس، اعتبره الباحثون أحسن معاهدة في التاريخ للتعامل بين الشعوب (4)، وفيما يلي النص الكامل للعهد –أو العهدة العمرية- الذي أُعطي للمسيحيين بعد الفتح الاسلامي:
"بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبد الله عمرُ أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان؛ أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها؛ أنه لا تُسكن كنائسهم ولا تُهدم، ولا يُنقص منها ولا من حيّزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحدٌ من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثلُ ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلُبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان، فمن شاء منهم قعد وعليه مثلُ ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يُحصَد حصادُهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين...
وخلال عقد من الزمان فقط غيّر الفاتحون المسلمون الحقيقيون وجه المشرق العربي، وتمكنوا خلال قرن من تغيير وجه العالم المتمدن وجعل البحر المتوسط بحيرة أمان، مختتمين بذلك العصر القديم لتبدأ العصور الوسطى ويقيم العرب فيها الدليل على أن الفتوحات الإسلامية كانت عاملاً حاسماً –بمفهومها الحقيقي- في تطوير مجتمع تلك العصور.
الصهاينة ينتقمون من الفاتحين الحقيقيين بالعملاء التكفيريين:
فعن أي "فتح للشام" يتحدث البعض الآن؟! وأي تشويهٍ طال عصر الفتوحات الحقيقية ومعانيها الحضارية؟! تشويه تمَّ على أيدي عملاء امتهنوا الخيانة وارتضوا الصهيونية معلّماً وموجّهاً لهم ومارسوا ذبح الوطن باسم الدين وشعاراته وعناوين برّاقة مختزلة مفصولة الرأس عن جسد تاريخه المضيء؟!
الفاتح الحقيقي الجديد:
في ظل هذه الظروف العصيبة والاستثنائية التي تمر بها سورية، واستناداً إلى معايير العصر، يعد الجيش العربي السوري بقائده الآن الفاتح الحقيقي الجديد للمنطقة ولعصرٍ جديدٍ فيها، فهو من كرّس ويكرّس أهم وأجمل ما في اتفاقية عمر-صفرونيوس في كل مدينة وقرية سورية ويضفي عليها المزيد من محبته والمزيج من خصاله وسجاياه الفريدة، وهو الحامي الأول الآن للدولة التي انطلقت منها الفتوحات الحضارية الأهم إلى العالم بأسره قبل أربعة عشر قرناً، والمحافظ على روح تلك الانطلاقة ومنجزاتها، كما أنه هو من يلملم الآن جراح هذه الدولة ويقف صامداً مقاوِماً في وجه كل تيارات الإبادة والتقسيم التي تريد القضاء على وحدتها واقتلاع منجزاتها، وهو الذي يحظى بقبول وإجماع واحترام كل السوريين والعرب الشرفاء وكل الأحرار في شتّى أنحاء المعمورة، ويحقق الانتصار تلو الانتصار كانتصارات "خالد" و"أبي عبيدة" و"صلاح الدين"...
يلتحق القائد بجنوده في أرض المعارك في كل شبر من الوطن بلا خوذة أو سترة مضادة للرصاص أو حتى جلسة وداع، ويلتحم مع أبناء الشعب في أفراحهم وأتراحهم...فلتتعدد عواصم التفاوض ولتأتِ المرحلة الانتقالية ولينتقل إليها وبها من يشاء، أما الوطن فبالطبع سيستمر قائده بالذود عنه ويقود جنده إلى ساحات الوغى ويُعلي كلمة الله والوطن، ولعله هو المنتصر وليخسأ الخاسئون.
***
الحواشي
(1) حول هذه المنظمات أنظر بالومبو.ميخائيل: "كيف طُرد الفلسطينيون من ديارهم عام 1948"، ترجمة: زينب شرف الدين، ط1، بيروت 1990، ص46-47...وأصل الكتاب هو:
Michael Palumbo: The Palestinian Catastrophe, the 1948 expulsion of a people from their homeland, faber and faber, London – 1987
(2): حول فتوح الشام أنظر: إبن الأثير، الكامل في التاريخ..تحقيق عمر عبد السلام تدمري، ج2،ط4، بيروت 2004، ص 248 وما بعدها
(3): وقد عُثر على هذا المخطوط في دير المصلبة في القدس، أنظر حوله: التل عبد الله: "خطر اليهودية العالمية على الاسلام والمسيحية"، القاهرة 1964 ص127- 129، وأيضاً: ظفر الاسلام خان: تاريخ فلسطين القديم ط6، بيروت 1992، ص 138-141
(4): نفس المرجع، ص 141-144، وأيضاً: التل: المرجع السابق ص130، وأيضاً: تاريخ الطبري، الجزء الثالث، ص609، وحول فتح القدس أنظر ابن الأثير، المصدر المذكور سابقاً ص 329
21:31
21:36
21:46
21:53
21:56
22:16
22:22
22:25
22:43
16:21
16:32
17:01
17:06
04:58
19:29
19:40
19:48
20:03
20:14
21:07
21:20
21:31
21:39
02:47
03:05
03:09
20:09
20:41
20:45
21:28
18:32
01:02
17:29
17:32
22:21
01:21
23:42
18:13
18:17
18:26
16:32
16:51
16:59
17:10
21:51
08:14
15:58
20:22
20:24
20:27