جهينة نيوز:
جاءت العملية الروسية في سوريا لتكون تحولا مفصليا في خريطة الأحداث في الشرق الأوسط. فهذا التدخل العسكري الروسي الأول من نوعه بشكل رسمي ومعلن، اكتسب شرعية مطلقة عبر دخوله من البوابة الكبيرة للدولة السورية.
في الحقيقة، قدمت الشراكة الروسية-السورية المباشرة في مواجهة الإرهاب بعد عام من انطلاقتها، نموذجا للعلاقة التي تعزز التوجه العام نحو نظام عالمي جديد أكثر توازناً، نظام يؤكد احترام مبدأ السيادات المتساوية للدول، ويعد واحداً من أهم مبادئ القانون الدولي. إذ أن الاحترام المتبادل للسيادة يؤسس لعالم أكثر أمناً وسلاماً ولعلاقات دولية بعيدة عن الهيمنة والسيطرة.
العام الأول من التدخل العسكري الروسي في سوريا، ساهم بشكل واضح بإعادة كتابة تاريخ المنطقة بعد إمساكه بالموقع السوري، وتحصين الدولة السورية من السقوط في سيناريو يراد منه أن يكون شبيها بالسيناريو الليبي. فعشرون ألف طلعة جوية نفذتها القوات الجوية الفضائية الروسية خلال هذا العام، غيرت الكثير في مصير هذا البلد ومستقبله.
في 30 أيلول/سبتمبر 2015، وافق مجلس الاتحاد الروسي بالإجماع على طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين السماح باستخدام القوات الجوية الروسية خارج حدود البلاد. وجاء هذا القرار استجابة لطلب الرئيس السوري بشار الأسد لمساعدة الجيش السوري في محاربة الإرهابيين.
في اليوم نفسه، بدأت القوات الجوية الفضائية الروسية توجيه ضرباتها إلى مواقع الإرهابيين انطلاقا من مطار حميميم في ريف اللاذقية. ودخلت في تعداد القوة العسكرية الروسية في المرحلة الأولى أكثر من 50 طائرة مقاتلة وقاذفة ومروحية، ركزت على ضرب مواقع تنظيمي "داعش" و"النصرة".
في النتائج الأولى للعملية، أعادت "عاصفة السوخوي" للجيش السوري الزخم الميداني للإمساك بالميدان والجغرافيا السورية. إذ استأنف الجيش السوري خلال عام 2015 ما كان قد بدأه صيف العام 2012 لاستعادة التجمعات الديموغرافية السورية الكبرى، والتمدد خلف أسوار ما يسمى "سوريا المفيدة" - من درعا في أقصى الجنوب، حيث أسقط الجيش هنا تحديدا خمس موجات من عاصفة الجنوب ودمر قاعدة المجموعات المسلحة الاجتماعية بعد أن ألحق بها خسائر بشرية كبيرة. وإلى الشمال في دمشق، استرجع الجيش السوري كامل الغوطة الغربية، وحاصر ما تبقى منها في الغوطة الشرقية، وكان الإنجاز الأبرز أخيرا في داريا، التي تم إفراغها من أي تهديد نهائيا، وعزل "داعش" في مخيم اليرموك والحجر الأسود ويلدا.
واليوم تودع منطقة الوعر في حمص (المنطقة الوسطى) آخر فلول المجموعات المسلحة، ليبسط الجيش سيطرته الكاملة على قلب سوريا، من تخوم دمشق، فالقلمون، فحمص، فطرطوس، صعودا حتى الحدود مع تركيا، بعد استعادة ريف اللاذقية بمعظمه.
التدخل الروسي أفلح في نقل القوات السوريّة من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم على معظم الجبهات. وانقسمت العمليات التي خاضها الجيش السوري تحت غطاء روسي إلى شقين أساسيين: استهدف الأول مناطق سيطرة تنظيم "داعش"، وأسفر عن استعادة مدينة تدمر التاريخية ومساحات واسعة من ريف حلب الشرقي وفك الحصار عن مطار كويرس العسكري، فيما استهدف الشق الثاني مناطق معظم الجماعات المسلحة، وأثمر عن استعادة أجزاء واسعة من ريفي حلب الجنوبي والشمالي، وفك حصار نبّل والزهراء، إضافة إلى استعادة معظم مناطق ريف اللاذقية الشمالي، وتقدّم كبير في غوطة دمشق.
وموسكو التي بدأت عمليتها العسكرية في سبتمبر/ أيلول العام السابق، كانت تعي تماما ضرورة إرفاقها بعمليات على الصعيد السياسي والإنساني، فكان لقواتها في سوريا دور إنساني عابر للجغرافيا السورية، واضطلع مركز المصالحة الروسي في حميميم بدور ومسؤولية كبيرة في المصالحات التي شهدتها وشهدت عليها العديد من البلدات والقرى السورية.
ومنذ إنشاء مركز حميميم، تم اللقاء بمجموعة من الناشطين السياسيين وقادة الأحزاب المحلية الوطنية المعارضة، وأنجزت مئات المصالحات بهدف تجنيب القرى السورية الدخول في أتون الحرب وكوارثها.
وحتى اليوم، بلغ عدد المدن والبلدات التي انضمت للهدنة 619 بالإضافة إلى توقيع اتفاقات حول وقف الأعمال القتالية مع 69 فصيلا مسلحا.
العمل الإنساني لروسيا لاقى صدى كبيرا في نفوس السوريين، وساهمت المساعدات الإنسانية في التخفيف من معاناة الشعب السوري في مناطق الحصار وخارج مناطق الحصار التي أصابها الفقر وتدني مستوى المعيشة بسبب الحصار الاقتصادي وارتفاع الأسعار.
وكان لسلاح الجو الروسي دور أساسٌ في فك الحصار عن أهالي دير الزور الذين تعرضوا لحصار جائر من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، حيث ألقى سلاح الطيران الروسي مظلات المساعدات الإنسانية، التي كان لها أكبر الأثر على المستوى الوطني. وانخرط الجندي الروسي بشكل مباشر في توزيع السلات الغذائية على الأهالي في المناطق المحاصرة والفقيرة في عدد من المحافظات السورية، وهذا كان له أثر كبير في نفوس السوريين.
ومنذ أن أطلق العسكريون الروس عمليتهم الإنسانية واسعة النطاق لإسقاط المساعدات الإنسانية من الجو، سلمت روسيا ما يقارب 1000 طن من المواد الغذائية، والأدوية، والمستلزمات الأولية للمدنيين السوريين المحتاجين.
إذا، مع مرور عام على العملية الروسية تبدو نتائجها فارقة على كل الصعد (عسكريا وأمنيا وإنسانيا).
والآن، تدخل عملية موسكو في سوريا عامها الثاني في ظل مشهد ينذر بتصعيد كبير تجاهها وتجاه حليفتها دمشق. وقد تكون الأشهر القليلة المقبلة من أكثر الأشهر حسما، في ظل توقعات باشتعال جبهات حلب، وحماة، والغوطة، ودرعا، والقنيطرة، مع عدم استبعاد احتمال التهاب جبهات أخرى.
وعلى الرغم من نجاح روسيا في خلق مشهد ميداني جديد في سوريا خلال عام على عمليتها العسكرية، فهي تعرف أنها ما زالت بعيدة عن وضع حد نهائي للحرب في هذا البلد، لكن ذلك لا يعني كما يبدو التراجع عن تحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها "عاصفة السوخوي".
المصدر: روسيا اليوم