سلام سيئ لسوريا..بقلم نصري الصايغ

الإثنين, 17 تشرين الأول 2016 الساعة 23:59 | مواقف واراء, زوايا

سلام سيئ لسوريا..بقلم نصري الصايغ

جهينة نيوز:

اسم المكان الذي حلّت فيه الحرب، سوريا. كانت حرباً تَعِد بالخسائر، وتفي بالوعد. طالت الحرب كثيراً. ولم تصبح سوريا اثنتين. صارت أكثر بكثير. توزّعت. تبدّدت. تفتتت. جهاتها المتعادية لا تُحصى. ضيوفها، براً وبحراً وجواً، يصوّبون القتال بحرفية تقطيع الأوصال، وتعميم الانتماءات المتنافسة دينياً وأقوامياً. بلغت سوريا عصر الصحوات البربرية، الدينية والمذهبية والاثنية والعشائرية. ومع ذلك ستحتفظ سوريا باسمها، ولكنها لا تشبه سوريا أبداً. سوريا المعروفة، منذ إطلالة التاريخ بها على العالم، تسأل مَن أنا؟ أو مَن نحن؟ سنّة الحروب أن تقتلع بشراً وتغيّر دولاً وتزيل أنظمة وتفرض سياسات، وتكون الآمرة لتحالف الفائزين الأقوياء. لا قيمة عندها للمعايير الأخلاقية، للمبادئ الإنسانية، للعقائد السياسية، للمسؤوليات التاريخية. كل العمل ينصبّ على ما تيسّر من فرص. تتيح للمتصارعين المنهكين، أن يجلسوا إلى طاولة، للتوقيع على ما تم التفاهم عليه بين زعماء وملوك ورؤساء وسلاطين، رعوا الحرب بأبناء سوريا.

التذكّر مفيد جداً. به تعرف وجوه سوريا التي سيحلّ فيها سلام سيئ، بهويات سياسية قيد التوافق، أو برسم الميثاقية.

لنتذكّر ما اجترحته الحروب. هنا وهناك. الحرب الكونية أزالت ثلاث امبراطوريات. لبنان ولد، أو استولد في تلك الحقبة. رسم «سايكس ـ بيكو» كيانات المشرق. الموارنة كانوا في الجهة الرابحة. أخذوا حصة من لبنان، ظلت تتأرجح حتى رسخت في الانتداب. نتذكّر أن المتصرفية ماتت، أن الوحدة قتلت، أن التحرّر تحوّل احتلالاً باسم الانتداب. خسرت سوريا أطرافها. باتت وحيدة في حراسة حلم الوحدة... «إسرائيل» ولدت في الحرب الأولى.

الحرب العالمية الثانية أعطت لبنان استقلاله. حققت حلم الصهيونية بإقامة دولة «إسرائيل». انحسر الاستعمار وازدهر الاستتباع. ومَن لم يكن مطيعاً، عوقب بالنبذ والإهمال والحرب.

الحروب ولّادة كيانات.

الحرب الكونية غيّرت أوروبا. بدّلت روسيا القيصرية. صارت سوفياتية. انهت الإمبراطورية المجرية ـ النمساوية. خلقت كيانات جديدة، مريضة بالتعصب والعرقية والقوميات المقموعة. ولدت المؤسسة الدولية الفاشلة، عصبة الأمم. لم تحرس السلام. عجزت وانتحرت، عندما نهضت النازية والفاشية في أوروبا. عدد الدول الديموقراطية بعد الحرب الأولى كان ضئيلاً في أوروبا. الديكتاتوريات ظلت قائمة وتقرع أبواب الأنظمة الضعيفة. يقال إن الحرب الكونية كانت بفصلين: الأولى مهدّت للثانية. والثانية مهّدت للحروب بالوكالة. فارتاحت أوروبا من صراعاتها المزمنة.

الحروب ولّادة حلول سيئة. الذين يفوزون في ميادين القتال، لا يتقنون صناعة سلام دائم. الجبهات التي ترسم السياسات، فاشلة جداً.

مثال قريب جداً، طحنت الولايات المتحدة العراق، بعد حصار مجرم لأعوام. لم يولد، كما كانت الدعاية الأميركية والغربية تفبرك، نظام ديموقراطي على أنقاض النظام الديكتاتوري. العراق، ما بعد الحرب، لم يعُد موجوداً إلا على الورق، أو على الخريطة. الديموقراطية مثخنة بالدماء. السلطة على شاكلة مذاهبها وطوائفها وأقوامها. لا سلطة واحدة في العراق. العراق مسرح لإيران والسعودية وتركيا وأميركا والإمارات وقطر و... إسرائيل. لم يعُد العراق وطناً. الحرب استولدت نظاماً ينزف حروباً من كل الجهات، ومن كل الأنواع. الأهم، أن العراق صار بلا أنياب، وصار بلا سياسة خارجية. وعلاقته بفلسطين، على قارعة التخلي. إسرائيل كسبت في العراق بلا حرب.

قبل الحرب على العراق، حصلت «النكبة». حروب إسرائيل غيّرت أنظمة. محت فلسطين كدولة. لولا الحرب لما حصل كل ذلك. وبعد ذلك انتهت «حرب حزيران» بنكسة كارثة. أنهت المشروع الناصري إقليمياً ومهدت للسادات بأن يأخذ الأوراق كلها ويضعها في يد أميركا، وأنعشت الحلف الثلاثي في لبنان الذي مهّد الطريق على الفتنة الداخلية، وخراب لبنان. حروب لبنان انقضّت على الجمهورية الأولى (البعض يسمّيها ثانية) واستُبدل النظام بواقع سياسي تحت سيطرة سورية، وسوريا هي إحدى الدول التي كسبت إذناً، بعد مشاركتها في الحرب على صدام، إثر احتلاله الكويت. لبنان ظل اسمه لبنان. ولكنه لا يشبه لبنان الأول. كما لا يشبه المتصرفية.

حروب، حروب، حروب. واللائحة تطول.

لعل سقوط الاتحاد السوفياتي سلمياً هو استثناء. تغيّر العالم كثيراً بعد السقطة. صار أكثر عنفاً وتوحّشاً وأقل توازناً. استفردت أميركا بالعراق وبالعالم. تطوّر الإرهاب بعد 11 أيلول، كان محلياً وإقليمياً. صار دولياً، وبدرجة من الفتك والتوحّش لم يشهد العالم الحديث لها مثيلاً.

من قواعد الحروب الأهلية، التي لا ينتصر فيها أحد في الداخل، أن تتحكّم به القوى الخارجية، إما بحضور القواعد العسكرية أو بالأمرة السياسية. اليابان نموذجاً، وألمانيا نموذج آخر بعد الحرب العالمية الثانية.

من قواعد الحروب الأهلية، أنها تكرّس الفسحة في النظام والإدارة والجغرافية، إذا تعذّر التقسيم. يُضاف إلى ذلك، أن حضور العسكر من الخارج، لضمان الحلول، هو حتمي. بعد حرب السنتين، حضرت «قوات الردع العربية». بعد تمرّد الجنرال عون، حضرت سوريا وحكمت لبنان، بواسطة وكلاء لبنانيين. ألن يحدث مثل ذلك في سوريا؟ الممثلون الفعليون للخنادق والمعارك: منظمات مدعومة من تركيا، فرق مدعومة من السعودية، قوى مدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، أنصار مدعومون من إيران، نظام مدعوم من إيران وروسيا إلى آخره من مئات الفئات. هؤلاء جميعاً سيكونون حاضرين في عهد السلام السيئ، إذا سارت الأمور وفق مندرجات «وقف إطلاق النار».

في الظنّ المرجح أن سوريا لن تكون للسوريين، بل لكل هؤلاء. وهؤلاء أهل أهواء وولاء، تتخطّى حدود الكيان.

«إسرائيل» ستفوز بحصة في سوريا غير السورية. ضمانات السلام مطلوبة من كيان العدو. قد لا يولد الحل إلا إذا فرضت أميركا ذلك الحل فتطمئن إسرائيل.

سوريا البشعة، هي مشروع ما بعد ا

المصدر السفير اللبنانية


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا