جهينة نيوز-خاص
أخفق الأكراد خلال تاريخهم الحديث في الانفصال بدولة ضمن الدول التي يعيشون فيها، فبعد توقيع اتفاقية "سايكس بيكو" الشهيرة (1916م) وبسط السيادة الأجنبية –البريطانية والفرنسية- على سورية الطبيعية، شعر الأكراد بفشلهم في استغلال الحرب العالمية الأولى وخاب أملهم في الوعود الدولية لإعطائهم كياناً منفصلاً...
من "مصطفى البرزاني" إلى نجله "مسعود"، هل يتحقق "الوطن الموعود"؟!
لعل الإجراء الأكثر وضوحاً على الأرض حتى الآن هو الفعل الكردي الممتد من ما سمي "كردستان العراق" إلى ما سمي "بـ"روج آفا" على الأراضي السورية، وذلك بعد قرابة ست سنوات على بدء تنفيذ المخطط الشيطاني في المنطقة، دون أن نطوي ربع قرن شهد خلاله العراق غزوين أميركيين دوليين دغدغا الحلم الكردي بزعامة الانفصالي "مسعود البرزاني" الذي دعا في 23 كانون الثاني الماضي –عبر "الغارديان" البريطانية وبعد يومين من دعوة وزيرة العدل الإسرائيلية لإقامة دولة كردية بين العراق وسورية- دعا جميع زعماء العالم "للاعتراف بفشل اتفاقية سايكس بيكو التي رسمت الحدود في منطقة "الشرق الأوسط"، وحثهم على التوصل الى اتفاق جديد تمهيداً لقيام الدولة الكردية، مضيفاً بصلافة أن المجتمع الدولي بدأ يتقبل بأن العراق وسورية سوف لن يعودا كدولة موحدة من جديد بسبب الأوضاع المضطربة على مدى العقد الماضي، وتابع قائلاً: "لا يمكن ان نفرض التعايش الإلزامي بين المكونات بعد الآن"، كما "يجب ان يعرف قادة العالم بأن حقبة اتفاقية سايكس بيكو قد انتهت، سواء أعلنوا ذلك أم لا، فهذا هو الأمر الواقع على الأرض"، وأوضح البرزاني، "بأنه اذا ظلت الخارطة السياسية في المنطقة على حالها فإنها ستؤدي الى تفكك ودمار أكثر في المنطقة، أما بالنسبة لاستقلال "إقليم كردستان"، فهذا كان من طموح "الكرد" ومنذ عقود لكن هذه الخطوة لاقت معارضة كبيرة من الدول الجارة في المنطقة، إلا ان إعلان الدولة الكردية الآن أقرب من أي وقت آخر، فإقليم كردستان –والكلام للبرزاني-لم يكن يوماً مصدر تهديد لأي من جيرانه، وتجربتنا طوال السنوات الخمس عشرة الماضية أثبتت بأننا عنصر الاستقرار حسب البرزاني الذي كشف أن العراق معرض للتقسيم في الوقت الراهن، وأن الأكراد غير مسؤولين عن ذلك، بل بذلوا قصارى جهدهم للحفاظ على وحدة العراق الديمقراطي(!) بدلالة ذهابهم إلى بغداد للتفاوض عام 1991 و 2003 ، ولكن عدم توحد الثقافات في العراق –كما ادّعى البرزاني- لا يشجع على التعايش معاً، وقال "إذا كنا لا نستطيع أن نعيش معاً، فعلينا ان نبحث عن بدائل أخرى." !
ثناء إسرائيلي على كلام البرزاني:
في مطلع شهر آذار الماضي، أعلن سفير الكيان الإسرائيلي لدى واشنطن «رون درامر» أن كيانه يؤيد ما أسماه "نضال الشعب الكردي من أجل الاستقلال"...وهو بذلك يعيد إلى الأذهان انطلاق العلاقات السرية بين الكيان الإسرائيلي وأكراد العراق خلال ستينات القرن الماضي والتي تم تجميدها خلال حرب تشرين1973، لتعود من جديد مع بداية التسعينات وتتعمق مع أحداث الحرب على العراق...أما دوافع تلك العلاقة من وجهة النظر الإسرائيلية فهي فاعلية الأكراد في محاربة القوى المعادية للكيان الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن هذا الكيان اتخذ من الأكراد قاعدة لعملياته الاستخباراتية في العراق وربما في المنطقة كلها.
هل من صلة بين مشروع "روج آفا" المزعومة وكيان "كردستان العراق"؟
بتاريخ 17/3/2016 جاء إعلان "فدرالية روج آفا" في سورية التي يراها الانفصاليون مقدمة لضرورة اعتماد نظام مماثل في الأراضي السورية كافة ما بعد الحرب، ورأينا كيف أن بعض وسائل الإعلام ربط على الخريطة شريط هذه الفدرالية بمثيله العراقي... أما هذه "الفدرالية" فتجسّد الخطر على الهوية السورية والحرب على مكوّناتها التاريخية وأصولها الموغلة في القدم وفروعها التي حقّقت الاستمرار، وقد لاحظنا سلسلة المساعي الخاصة بإقصاء الكنعانيين وأهم ما يشير إليهم في سورية، ثم الحرب المفتوحة على التركة الآرامية وخاصة في المواقع الآرامية التي اقتحمها ثالوث الأطماع الاستعمارية التركية، والإرهاب الأصولي التكفيري، والانفصال الكردي، كما شهدنا الحرب على التراث اللغوي الآرامي ومحاولات طمسه، وشهدنا إجراءات عدوانية ارتكبتها وترتكبها العصابات الإرهابية الصهيونية –بدعم وتوجيه من منظمات يهودية- ضد خصوم الانفصاليين الأكراد ممن يمثّلون امتداداً حضارياً للآراميين والسريان والآشوريين والكلدان والأرمن بهدف إبعادهم وتهجيرهم، كونهم يمثلون أهم مكونات الهوية السورية القديمة، ويسكنون المناطق التي يستأثر بها الانفصاليون الأكراد بعد أن استضافتهم وآوتهم قبل أربعة قرون مضت جرّاء هجرتهم القسرية من موطنهم الأصلي في إيران... وقد أكدت ذلك أحداث حلب وريفها والرقة ودير الزور والحسكة،، وأحدثها ما جرى مطلع عام 2015 في ريف مدينة الحسكة من إجراءات حركة داعش الإرهابية لاقتلاع الآشوريين والسريان وإحراق بيوتهم وكنائسهم خاصةً في قريتيْ تل شاميرام وتل هرمز في محيط قرية تل تمر... وفي الجانب العراقي، حيث تعرّضت آثار مدينة الموصل وأوابدها الآشورية تحديداً –ومنها ما ضمّها متحف الموصل- لهجوم همجيّ على يد العصابات الصهيونية/داعش في مطلع عام 2015 أيضاً، وذلك في إطار الحرب غير المسبوقة على مكونات الهوية التاريخية في المنطقة التي تحاول قوى دولية تفكيك مزيجها الحضاري وتأصيل العنصر الكردي فيه...واليوم فإن الازدحام الدولي على طريق الرقة-الموصل إنما ينذر بخطر تطويق المدينتين بالحزام الكردي، وقد لاحت مؤشرات ذلك في كركوك.
التلازم بين "مسير" داعش و"مسيرة" الأكراد الانفصاليين في المنطقة:
جل عمليات الاحتلال التي قام بها تنظيم "داعش" في المنطقة –وخاصة في الشمال والشمال الشرقي السوري والشمال العراقي- أُعطي الأكراد في "التصدي" له دور البطولة...بل ورُفعت في ساحاته أعلام الانفصال الكردي، مما يؤكد تلازم مساريْ داعش والأكراد الانفصاليين، وكلاهما بدعم أميركي وأوروبي، وأمس فإن الأمم المتحدة تشير إلى إمكانية أن يتعرّض "عرب كركوك" لمتاعب وعقوبات جماعية بعد قيام الوحدات الكردية بطرد المتسللين من داعش إلى المدينة التابعة للموصل وتحميل الكرد لعربها مسؤولية ما جرى...إذاً فداعش ذريعة الانفصاليين في عمليات الاستئثار بالأرض واستئصال مالكيها الأصليين والتطهير العرقي.
تركيا في ضوء التوجه الدولي لإقامة دولة كردية، ترفع سقف مطامعها لتحافظ على مصالحها:
فمراراً وتكراراً أعلن الأتراك رفضهم لقيام دولة كردية تهدد حدودهم من غربي الفرات، وكان ذلك ذريعة -إلى جانب حجة القضاء على داعش-جلبت جيشهم إلى الأراضي السورية في الشمال، لكن الإجراء العسكري التركي توسعيٌّ في الأراضي السورية ومن شأنه أن يبعد الأكراد فعلاً عن الحدود التركية، إلا أنه سيمكّنهم من حدود ينشدونها برعاية دولية لإقامة كيان مستقل، فإذا أخلى الأتراك المواقع السورية التي اقتحموها بإيعاز وإشراف أميركيين فستكون تلك محاولة لصالح الأكراد الانفصاليين ضمن خطة محكمة بإسهام من أردوغان الذي يهدد بإلغاء اتفاق لوزان 1923 والذي يُلزم تركيا بالحدود الحالية، وما إصرار الأتراك اليوم على المشاركة في معارك الموصل -بعد تقدّمهم في عملية "درع الفرات" وصولاً إلى مدينة الباب السورية- إلا لهدف بسط السيطرة "العثمانية" على الحد الأقصى من الأراضي التي ستشكّل لهم أيضاً ما يشبه حزاماً آمناً ضد تهديد الأكراد.
كيف يجب أن يكون شكل المواجهة السورية لكلا الخطرين التركي والكردي الانفصالي؟
أعلنت الدولة السورية أن الإجراءات التركية العسكرية ضد الأراضي السورية هي غزو مرفوض وسيتم التعامل معه بموجب قوانين السيادة والحرب، كما أعلنت الدولة أن معركة الموصل هي معركتها، وسابقاً أعلنت الدولة السورية أن إعلان "فدرالية" كردية في الشمال والشمال الشرقي السوري لا قيمة قانونية له، ومؤخراً دعا القيادي في جبهة التغيير والتحرير "المعارضة" فاتح جاموس إلى "خلق جبهة شعبية واسعة لمواجهة الاحتلال التركي الخطير، تدعم دور الجيش العربي السوري..." كما دعا رئيس هيئة العمل الوطني السوري "المعارض" إليان مسعد إلى "ضرورة تشكيل جبهة واسعة من القوى المناهضة للسياسة التركية لمواجهة الوقاحة التركية بالعدوان على سورية والتصدي لعدوان الجيش التركي وأذنابه، وذلك بتعاون تلك الجبهة مع الجيشين السوري والعراقي والقوى السورية الكردية..." وقد أكد مسعد على "ضرورة زيادة مستوى التنسيق دون تأخير بين الجيش السوري والفصائل السورية الكردية بالشمال لرد العدوان التركي"...ومن جهته أعلن النائب في مجلس الشعب "عمر أوسي" عن قيام "مقاومة شعبية عربية كردية مسيحية موحدة لمقاومة وصد الغزو التركي"، وأشار إلى أن هذه المقاومة "تضم قوات سورية الديمقراطية ووحدات حماية الشعب وقوات العشائر وقوات سريانية"...
دعوا الجيش العربي السوري ينتصر!
يجدر بالذكر أنه تنتشر على جدران مراكز ما يسمى "قوات سورية الديمقراطية" الخريطة النهائية للكيان الكردي الانفصالي التي قد تصل حدودها إلى شاطئ المتوسط والتي يتم الترويج لها بهذه الصيغة، أما تلك القوات فتضم ثمانية فصائل، هي: "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة" و"جيش الثوار" و"غرفة عمليات بركان الفرات" و"قوات الصناديد" و"تجمُّع ألوية الجزيرة" و"المجلس العسكري السرياني" و"التحالف العربي السوري" ...ومن ناحية أخرى فإن فرز النائب "أوسي" لمكونات المقاومة الشعبية على شكل عربية و كردية ومسيحية وسريانية هو فرزٌ في غير محله لأن المفروض أن هؤلاء جميعاً سوريون، وإطلاقهم لمقاومة في وجه الغزو التركي واجبٌ وطني لا يجب أن تشوبه برامج مرفوضة وطنياً...وبالتالي فإن أهم ما يجب أن يتمخّض عن مقاومة شعبية تضم إليها المكونات السورية في المنطقة –والمذكورة في بيانيْ "مسعد" و"أوسي"- هو دحر الغازي التركي وتثبيت سيطرة الجيش العربي السوري على المناطق المحررة ورفع العلم السوري فيها وعودة المؤسسات السورية إلى العمل هناك كسابق عهدها.
المصدر جهينة نيوز
12:48
12:59
18:01
18:07
18:38
18:41
18:45
18:53
18:58
02:53
06:12
15:29