سوريا .. من يهتك سرّها تحلّ عليه لعنتها بقلم ميشيل كلاغاصي

الإثنين, 26 كانون الأول 2016 الساعة 02:40 | منبر جهينة, منبر السياسة

 سوريا .. من يهتك سرّها تحلّ عليه لعنتها    بقلم ميشيل كلاغاصي

جهينة نيوز:

"حكاية حضارة"

منذ أن خُلق الإنسان دخل في صراع ٍ مع عوامل البيئة من أجلِ إثبات نفسه كجنس ٍ متميز ٍ يبتكر تاريخه الخاص , مبتعدا ً عن الأجناس الأخرى التي خلّفها وراءه و بلا تاريخ مستسلمة ً لآلية الطبيعة, وجاءت حضارتنا ثمرة ذلك السعي الدؤوب الذي استمر مئات الألوف من الأعوام , وأثبت علم الآثار الحديث وعلم الحياة النباتية لما قبل التاريخ , أن أول أشكال النمو والتطور الفكري الإنساني وبدايات التجارب الإنسانية في الزراعة والتدجين الحيواني , قد بدأت في سهول سوريا وغربي البحر الميت منذ الألف الثامن قبل الميلاد.

واُعتبر ذلك ثورة ً وثقافة ً أولى , جاهدت لإكتساب العالم واكتملت في سومر , ثم انطلقت نحو الهند و مصر فكانت المحرّض الأول للنهضة الأولى في مصر عام 2800 ق. م, ثم اتجهت نحو كريت غربا ًو الهند شرقا ًعام 2600 ق. م, و وصلت الصين عام 1600 ق. م , وأخيرا ً عبرت المحيط الهادي نحو العالم الجديد فوصلت أمريكا الوسطى والجنوبية بين القرن السابع والرابع ق. م و بذلك يمكننا القول أن الحضارة الإنسانية عبارة عن شجرة واحدة ذات أصل واحد و فروع متعددة.

بما لاشك فيه أن الرقعة التي نضجت فيها تأملات الانسان البدائية و تصوراته الدينية وأساطيره يمكن اعتبارها نقطة البداية التي انطلق الإنسان منها وتعلّم الكتابة و سمّى الأشياء بأسمائها و قدمها كفنون تشكيلية في صور و رموز شتى . و انطلق بعدها واثقا ً يراكم علومه وما أكتسبه في بنيان ٍ و تجمعات ٍ إنسانية مذهلة, فكان ظهور ما يسمى بالمدن الكبيرة ذات التنظيمات المدنية والسياسية والاقتصادية المعقدة, على أنقاض النظام الزراعي البسيط بصورة تعكس تشعب الاختصاصات و تقسيم العمل في المجتمع الجديد. 

ولا تقتصر انجازات هذا الإنسان عند هذا الحد , بل ترافق و تعدّى ذلك إلى كل ما يتعلق بفكره الديني من خصائص و وظائف وطقوس وأساطير وتراتيل , ففي سومر أوجد آلهة المياه الأولى " نمو" و" إنانا " آلهة الطبيعة والخصب والثورة الزراعية , وفي بابل " ننخر ساج ", وفي كنعان "عناة" , وفي مصر "نوت" و" ايزيس", و في جزيرة العرب "اللات"و"العزى", وليست هذه الأمثلة إلا غيضا ً من فيض في جذور الحضارات جميعا ً.

ففكرة الأسطورة الدينية وما انبثق عنها من إبداعات تجسّدت في اّلهة ٍ متعددة ليست إلا نواة تفكير ٍ واحد انطلق بأشكال متعددة يمكن تسميته بالأم الأولى والتي اشتهرت في حضارة بابل باسم "عشتار" البابلية , حيث كانت بوجدانهم وتفكيرهم تمثل ربة الحياة و خصب الطبيعة وهي الهلاك و الدمار و ربة الحرب وفي الليل عاشقة و في النهار مقاتلة ترعى المواقع , وهي الأم الرؤوم التي ترعى الحوامل والمرضعات وهي البوابة المظلمة ملتهمة جثث الأعداء , هي القمر المنير هي النور بشعلتها الأبدية , هي الأم المنجبة هي البتول ربة الحكمة هي الاشراق بالعرفان والكثير من صفاتها التي تعكس طيبها وحتى غضبها و انتقامها , فمن يجرؤ على هتك سرّها حلّت عليه لعنتها , إنها الأنثى الخالدة الكامنة في ضمير كل منّا.

نعم إنها حكاية سوريا, وطن الأوطان.. أخي العربي , أخي السوري .. لقد خلقنا الله من تربة وعليها نقف و نعيش , نفخر ونعتز بها و بأنها وطننا الرائع و بيتنا الحنون و أمنا الرؤوم سوريا, وعندما تنظر إلى الوراء و ترى اّثار أقدامك و يعرف من يتتبعك من أنت ومن أين أتيت , سيعرف تماما ً أنك الأصيل و ابن الغالية , كيف لا نعتز بوطن تروي أرضه و كل ذرة تراب فيه حكاية البداية و تعد بخلود الرسالة و أكثر من تسعة ألاف عام و لا تزال سوريا الأرض المنجبة حامية الشعلة والقمر المنير و ربة الحكمة.

كم هو رائع ٌ أن يجود فكرنا و خيالنا و وجداننا في كنفها و بين أحضانها و نُطلق عليها مختلف الأسماء و نُصورها بأحلى الصور و نُعلي بنيانها و نُمتن أسوارها.. وكم هو مؤلم ٌ أن تُنجب من لم تنمو جذوره لتلتحم َ برحمها و يتجرأ على قطع حبله ِ السري معها . ويقف أمامها و ينكرُ فضلها و يحمل السلاح بوجهها و يدمرها و يَجن جنونه من تاريخها و يدمر آثارها و لا يستطيع أن يرى وجهها إلا من خلال العمى الذي أصيب فيه أهو الجهل أم المال أم ماذا ؟؟ ..

ماذا ستجني لو قتلت أمك ؟؟.. من ستكون عندها و ما أسمك ؟ و من أين أتيت ؟ أتفضل أن تكون لقيطا ً وبلا أصل ألا تعلم أن غيرة العالم من أمك و من عمق جذورها هم من دفعوك لتدميرها ؟. 

ألا تدري أنها تدافع عنك ولا تزال تحبك وتريدك أن تعود لحضنها لأنها تعرف أنك غدوت ضعيفاً هزيلا ً كالريشة تتقاذفك رياح الجهل والحقد والغضب, من سيكون وفيا ً لك و لشر أعمالك ؟ هل يَصدقك من كانَ كاذبا ًو يَحنّ عليك من كان بلا قلب ووحشٌ مفترس. 

أخشى أنك لن تعرف قيمة أمك , ولا تخشى الندم و بماذا سينفعك ؟.. ألا عُد أخي فأمك تسامحك و بدفء ذراعيها تستقبلك و أسمعها صوتك و قل لها ماذا تريد ؟... فلن تبخل عليك لأنها كما وصفها أجدادك الأم المنجبة و ربّة الحكمة والأم الرؤوم.

و أنظر من هم أعدائنا , و تأكد من أهدافهم ومشاريعهم وعقائدهم الشريرة الحاقدة , و راقب كل ما فعلوه بك و بأهلنا , وبأطفالنا ونسائنا وكهولنا , فلم تسلم من شرورهم دور عبادتنا و مدارسنا و أوابدنا و آثارنا , و بنانا التحتية ومزارعنا وحقولنا , فقد سرقوا مالنا وعرق جبيننا و ثرواتنا , وخيرة شبابنا , وعقولنا وكفاءاتنا .. وراقب أيضا ً تضحيات إخوانك في الوطن و شلال الدماء المسفوك, وألم الأمهات والزوجات والأولاد.. و راقب إنتصارات أقرانك في الجيش العربي السوري , و ممن هبّوا للدفاع عن وطننا واللذين تعرفهم جيدا ً فهم من لعبت معهم في صغرك و كبرت بينهم وكنت واحدا ً منهم , و راقب إنكسار العالم أمام إرادتهم , لقد اسقطوا كل الأقنعة المزيفة , وحان وقت الإنتصار وطرد الغرباء , هيّا عُد إلى مكانك الطبيعي ابنا ً و أخا ً و رفيقا ً و صديقا ً , لك ما لنا وعليك ما علينا , جل ّ من لا يسهوا و من لا يخطئ , و دائما ً كان العود أحمدُ . 

أحبك سوريا ....نعم نحن جميعا ً نحبك سوريا ....


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا