جهينة نيوز:
يبدو أن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، مصمم على أن يحذو حذو أسلافه الأمريكيين في نهجهم العدائي تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
حيث أن التصريحات العلنية الأولية من قبل إدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن إيران خلقت الانطباع السائد بأن الولايات المتحدة ستتبنى موقفا أكثر عدوانية تجاه الجمهورية الإسلامية من موقف رئاسة باراك أوباما، لكن على الرغم من التحذيرات التي وجهها مستشار الأمن الوطني السابق مايكل فلين وترامب نفسه لطهران، فإن السياسة الأمريكية تجاه إيران التي بدأت تتبلور في الأسابيع الأولى لإدارة ترامب تبدو مماثلة تماما لأوباما وللتقليد الأمريكي.
السبب في ذلك, هو أن سياسة إدارة أوباما تجاه إيران تعكس وجهات نظر فريق الأمن القومي الذي لا يختلف كثيرا عن الفريق الموجود لدى إدارة ترامب من حيث العقلية المتشددة.
فبعد نجاح الثورة الإيرانية الإسلامية عام 1979 وإسقاط نظام الشاه الموالي للغرب، بدأ الصراع بين إيران والدول الخليجية بقيادة المملكة السعودية خشية أن تقوم إيران بتصدير تلك الثورة إلى باقي دول المنطقة.
نفس المخاوف من أن تقوم الثورة الإيرانية بإلهام الأغلبية بالعراق للقيام بتمرد كانت الدافع الرئيس في قيام الرئيس العراقي السابق صدام حسين – بدعم أمريكي خليجي- بغزو إيران عام 1980 وتورطه في حرب طويلة استمرت ثمان سنوات كلفت كلا الطرفين خسائر بشرية واقتصادية كبيرة.
وحتى هذا اليوم, يستمر العداء من قبل الدول الخليجية تجاه إيران، حيث يظهر جليا في حرب تصريحات إعلامية متبادلة وحروب بالوكلاء على النفوذ الإقليمي في مختلف أنحاء المنطقة. وظلت احتمالية الحرب العسكرية المباشرة تلوح في الأفق رغم التحذير من عواقبها الوخيمة على المنطقة ككل.
مع تحول بوصلة الصراع بعيدا عن العدو الصهيوني وباستخدام سلاح " الطائفية "، قامت مملكة بني سعود بمطاردة الوجود الإيراني في كل مكان في المنطقة وتورطت في حروب وصراعات غير محسوبة، بدعم من حليفتها التقليدية الولايات المتحدة الأمريكية، لتنفيذ المخطط ( الصهيو - أمريكي ) وتحقيق الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد.
دعمت المملكة السعودية وحلفاؤها التنظيمات المسلحة الإرهابية في سوريا من أجل إسقاط الحكومة السورية وضرب الجيش العربي السوري وتقسيم سوريا. وأرسلت المملكة السعودية قوات " درع الخليج " إلى البحرين للقضاء على انتفاضة الشعب البحريني ضد القمع السياسي والظلم الاجتماعي من قبل النظام الملكي الحاكم في البلاد. والحجة أن هذه الانتفاضة من صنع إيران.
وعندما اندلعت احتجاجات شعبية عارمة في اليمن بقيادة حركة أنصار الله ضد الإجراءات التقشفية والفساد والمحسوبية من قبل الحكومة التابعة للغرب. أعلنت المملكة السعودية تشكيل ما يسمى " تحالف عربي " – بدعم وموافقة من الإدارة الأمريكية – لبدء حرب على اليمن وأطلقت عملية " عاصفة الحزم " في مارس 2015 لإنهاء سيطرة أنصار الله على السلطة.
لم يكن الدافع وراء العدوان السعودي ضد اليمن إعادة الرئيس عبد ربه منصورهادي للحكم بل في الأساس هو القلق بشأن نفوذ إيران التي تعتقد السعودية أنها تقود حركة أنصار الله في اليمن, حتى الآن.
الجدير بالذكر هنا أن قوات ما يسمى " التحالف العربي " بقيادة بني سعود لم تستطيع تحقيق أي إنجاز في اليمن, بل تحملت وتكبدت المملكة السعودية خسائر باهظة اقتصاديًا وأمنيًا وبشريا.
الاتفاق النووي :
ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاهل عن قصد قلق " السعودية " بشأن التوصل لاتفاق مع إيران ومضى قدما فيه. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وخليجيين قولهم " أن السعودية اعتمدت على صور المراقبة والمعلومات الاستخباراتية الأمريكية لبدء الهجوم على اليمن ".
يبدو أن تلك المعلومات جعلت المملكة السعودية تعتقد أن الأهداف واضحة ومن خلال عدة ضربات قوية سريعة العملية لن تستغرق سوى أسبوع أو اثنين على الأكثر. لكن الحقيقة كانت عكس ذلك. صمدت المعارضة اليمنية بأكثر مما توقعته المملكة. الأمر الذي وضع " السعودية " في موقف حرج وأدى إلى تكفلها بنفقات هذه الحرب الباهظة لعدم قدرتها على مطالبة الدول المشاركة في " التحالف العربي " بدفع تكاليف حرب خاضتها دون دراسة وافية.
السؤال هنا بعد أن نجحت إدارة باراك اوباما في توريط المملكة " السعودية " في حرب تعلم مسبقا أنها ستكون طويلة الأجل بين حليفتها والشعب اليمني، وهل يتجه دونالد ترامب الآن لتوريط دول الخليج في حرب مع إيران؟.
منذ الحملة الانتخابية، أعطت تصريحات ترامب انطباع أن إدارته ستتبنى موقفا عدائيا تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر من موقف أوباما، حيث تعهد ترامب بتمزيق وتخريب الاتفاق النووي.
لكن بعد عدة أسابيع من تنصيبه رئيسا، بدأت سياسة إدارة ترامب تجاه إيران تتبلور وتبدو مماثلة تماما لأوباما. يرجع ذلك إلى أن الملامح الرئيسية للسياسات الأمريكية تأتي دائما من وجهات نظر مؤسسات الأمن القومي الدائمة للدولة وليس من مجرد أفكار رئيس، وذلك, وفقا لتقرير موقع " ميدل ايست أي ".
لكن من ناحية أخرى نجد تقريرا آخر لصحيفة " وول ستريت جورنال " مؤخرا يكشف عن محادثات تجري بين الإدارة الأمريكية والقادة العرب بشأن تشكيل ( تحالف عسكري عربي – إسرائيلي ) لمواجهة النفوذ الإيراني. وهذا التحالف سيشمل دول على رأسهم ( السعودية والإمارات ومصر والأردن )، وفقا لتصريحات مسؤولين مشاركين في المناقشات.
وأوضح المسؤولون – وفقا للصحيفة الأمريكية - أن هذا " التحالف " يضمن عنصر الدفاع المشترك على غرار حلف الناتو لكن المثير للاهتمام أن الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي لن يكونا جزءا من اتفاقية الدفاع المشترك!!.
وفي السياق ذاته، ذكر موقع شبكة بلومبيرج أن " السعودية ودولًا أخرى في الشرق الأوسط حولت تركيزها في الإنفاق العسكري نحو الأسلحة ذات الطابع الهجومي تحسبًا للمواجهة مع إيران "، وفقا لتقرير مجموعة " جينز " البريطانية المتخصصة في الاستشارات العسكرية والأمنية.
ويؤكد التقرير أن اتجاه دول الشرق الأوسط نحو مزيد من الإنفاق العسكري جاء في أعقاب توقيع الاتفاق النووي بين طهران والدول الكبرى. ومن المرجح أن يؤجج ذلك سباق تسلح في المنطقة بأسرها.
حيث ابرمت دول الخليح صفقات كبيرة خلال معرض الدفاع الدولي " آيدكس 2017 " الذي يعقد مرة كل عامين، يوم الأحد 19 شباط فبراير، في أبوظبي.
حيث طلبت الإمارات شراء ما يصل إلى 60 مقاتلة. من شركتي "داسو" للطيران الفرنسية، و"بي.إيه.إي سيستمز" البريطانية.
أما المملكة السعودية فمن المحتمل أن تشتري نظامي "يوروفايتر" و"إف-15" .
كما طلبت الكويت 28 طائرة من طراز "بوينغ إف/إيه-18 إي/إف سوبر هورنت" مع خيار شراء إجمالي 40 طائرة.
أما البحرين فأبدت اهتماما بالمقاتلة إف-16 التي تنتجها شركة "لوكهيد مارتن".
وإضافة إلى المقاتلات تسعى دول بالمنطقة إلى تطوير أنظمتها الصاروخية وشراء طائرات هليكوبتر، ودبابات، وطائرات بلا طيار وغيرها لتعزيز أمنها في الداخل والخارج.
وتتمسك دول الخليج بسياسة إنفاق مليارات الدولارات على الدفاع رغم أسعار النفط المتدنية التي تسببت بعجز حاد في ميزانياتها ما أجبرها على تطبيق إجراءات تقشف وخفض الإنفاق.
يشار هنا أن شركة "تيل غروب" للتحليل الدفاعي، ومقرها الولايات المتحدة، أعلنت أن ميزانية الدفاع المتوقعة في المملكة السعودية 82 مليار دولار خلال عام 2016 ترتفع باطراد إلى 87 مليار دولار في عام 2020.
في حين يتوقع أن تبلغ في الإمارات 15.1 مليار دولار عام 2016 وتصل إلى 17 مليار دولار في 2020. كما توقعت الشركة زيادة الإنفاق في الكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين.
هل سيتم استخدام القوة العسكرية الأمريكية ضد إيران ؟
يمكن للمرء أن يعترض بأن هذه المقارنة لا تغطي سوى الخطوط العريضة الأولية لسياسة ترامب تجاه إيران، ويجادل بأن واشنطن تخطط لتصعيد الضغوط العسكرية، بما في ذلك احتمال استخدام القوة.
صحيح أن احتمال وجود سياسة عسكرية أكثر عدوانية من قبل ادارة ترامب لا يمكن استبعادها، ولكن أي اقتراح سياسي ينطوي على تهديد أو استخدام للقوة يجب أن تتم الموافقة عليه من قبل وزارة الدفاع وهيئة الأركان المشتركة، وهذا من غير المرجح جدا أن يحدث.
آخر مرة فكرت الولايات المتحدة في الدخول بمواجهة عسكرية مع إيران كانت في إدارة جورج دبليو بوش. في عام 2007 اقترح نائب الرئيس، ديك تشيني، أن الولايات المتحدة تهاجم قواعد عسكرية في إيران في سياق التدخل الإيراني في حرب العراق ضد القوات الأمريكية.
لكن وزير الدفاع، روبرت جيتس، بدعم من هيئة الأركان المشتركة، رفض الاقتراح وأصر على أن تشيني لم يدرك كيف ستنتهي عملية التصعيد.
في عام 2007، أي هجوم على إيران كان سيخاطر بفقدان جزء كبير من الأسطول الأمريكي في الخليج من خلال صواريخ إيرانية مضادة للسفن.
لكن اليوم، ستكون تكلفة الجيش الأمريكي أعلى من ذلك بكثير بسبب قدرة إيران الأكبر على الرد بصواريخ وضربات ثقيلة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في قطر والبحرين والمملكة السعودية.
مصادر متابعة أكدت لموقع جهينة نيوز, أن " صواريخ الجيش اليمني واللجان الشعبية التي باتت تستهدف الأراضي السعودية هي في الواقع رسائل مشفرة من قبل طهران ", وأكدت المصادر أن " دول الخليج ليست هدفاً لإيران وإنما القواعد الأمريكية التي يوجد بعضها في الأراضي الخليجية ".
وتابعت المصادر, " مع ترامب تغيرت السياسة الأمريكية بشكل نوعي, حيث يسعى الرئيس الأميركي إلى أن تعود العلاقات مع الجمهورية الإسلامية إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي, الأمر الذي يفرض على دول الخليج إعادة حساباتها وهي التي قبلت على مضض التقارب الأمريكي - الإيراني في عهد إدارة باراك أوباما إثر الاتفاق النووي الذي أعاد طهران إلى حظيرة المجتمع الدولي بعد عقود من العزلة ".
يرى مراقبون, أن استراتيجية دونالد ترامب تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تستهدف على الأرجح تحقيق شعارات حملته الانتخابية التي دعت إلى إلغاء الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران في تموز يوليو 2015 مع ست قوى عالمية، بل التشديد في مدى تنفيذ الاتفاق والضغط على إيران لدفعها لإعادة التفاوض على بنود رئيسية، بما في ذلك السماح بزيارة المواقع العسكرية الإيرانية وإلغاء البنود التي تتيح السماح ببدء انتهاء آجال بعض القيود على النشاط النووي الإيراني خلال عشر سنوات ورفع قيود أخرى بعد 15 عاما.
في النهاية، الملامح الرئيسية لسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران تعكس دائما وجهات نظر ومصالح الأمن القومي الدائمة للدولة أكثر بكثير من أفكار الرئيس. صحيح هذا الواقع ضمن عداء لا ينتهي من قبل الولايات المتحدة تجاه إيران، ولكن أيضا من المرجح جدا أن يعني استمرارية وليس تحولات جذرية في السياسة تحت إدارة ترامب.
00:44