فرنسا تنتخب رئيساً ولا تنتخب قائداً بقلم : ميشيل كلاغاصي

الأربعاء, 26 نيسان 2017 الساعة 23:18 | منبر جهينة, منبر السياسة

فرنسا تنتخب رئيساً ولا تنتخب قائداً    بقلم : ميشيل كلاغاصي

جهينة نيوز:

لم يكن مفاجئا ً عدم حسم نتائج الإنتخابات الرئاسية الفرنسية في الجولة الأولى , وحتمية اللجوء إلى الجولة الثانية في السابع من أيار القادم .. إن تقارب نسب الأصوات التي حصل عليها المرشحون الأربعة ( ماكرون , فيون , لوبان , ميلانشون ) , في الجولة الأولى يدل على عدم وجود قيادات فرنسية كبرى قادرة على استحواذ الإلتفاف الجماهيري الواسع حولها .

كما يعكس ذلك حالة الإنقسام الشديد في الشارع الفرنسي خصوصا ً , و الأوروبي عموما ً , داخليا ً بما يتعلق بقضايا الإقتصاد المتردي واللاجئين , وحول مختلف القضايا والصراعات الدولية و سياسات حكوماتها الخارجية , تجاه محاربة الإرهاب , ومواقف تلك الدول من الحرب الكونية في سورية وعلى سورية.

إن طرح بعض المرشحين وعودا ً إنتخابية تتعلق بخروج فرنسا من مظلة حلف الناتو , يعكس محاولتهم لإستمالة الفرنسيين الرافضين والغاضبين من تورط بلادهم بالسياسة الأطلسية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية , والتي لم تستطع أن تقدم لهم ما يكفي لحمايتهم من الهجمات الإرهابية التي طالت فرنسا خصوصا ً و أوروبا عموما ً.

إن سرعة التعبير الألماني عبر وزير داخليتها و المتحدث بإسم حكومتها , عن سعادتهم و دعمهم لفوز ماكرون مقابل الإعراب عن مخاوف هذا الأخير من فوز لوبان , ووصفه ب " الكارثة", يعكس إهتمام الحكومة الألمانية الحالية بالإنتخابات الفرنسية , و تدخلهم فيها , ويأتي كمؤشر على إحتمالية تدخل غير دول من القوى العالمية و اللوبيات والأيدي الخفية , فليس من مصلحة ألمانيا عودة فرنسا إلى سابق عهد قوتها و منافستها على قيادة أوروبا .

إن الصعود السريع والمفاجئ للمرشح الوسطي إيمانويل ماكرون , قد يجد تفسيرا ً ليس في صناديق الإقتراع , إنما في قدرة من يستطيع التحكم بخيارات الفرنسيين و توجيه أصواتهم نحوه , عبر طرح رغباتهم في برنامجه الإنتخابي , الأمر الذي قد يوصله نحو المقعد الرئاسي قولا ً لا فعلا ً , و لن يكون ماكرون مجبرا ً على تنفيذ وعوده , و لن يخسر سوى من رصيده و تأييده الشعبي على غرار من سبقوه في حكم فرنسا خلال الربع قرن ٍ الماضية , بدءا ً من الرئيس شيراك وصولا ً للرئيس هولاند .

إن خسارة فيون و ميلانشون و هامون وغيرهم , ودعواتهم إلى مؤيديهم للتصويت ل ماكرون لا يعني فوزه وفق عملية جمعٍ حسابية للأصوات التي حصدوها مجتمعين , فالمواجهة في السابع من أيار القادم تخضع لحسابات أخرى ... لكن ماكرون ومع إصدار وزارة الداخلية الفرنسية نتائج الفرز الأولية التي تؤكد فوزه و إنتقاله للجولة الثانية , حاول أن يكون ذكيا ً و سعى ببعض الكلمات إلى استقطاب وضمان إنضمام جماهير المرشحين الخاسرين إلى صندوقه و التصويت له , عبر إطلاقه وعود تشكيله حكومة ً تضمن أوسع التمثيل الشعبي ,وبما يسمح لكل الخاسرين من الديمقراطيين والجمهوريين والإشتراكيين و بعض الليبراليين بالإنضمام إلى مؤيديه , لضمان الفوز أمام زعيمة اليمن المتطرف ماري لوبان , وأطلقها معركةً ل "الوطنيين" في وجه "القوميين" , اللذين يرى مؤيدوه و حلفائه وداعميه وجيرانه الألمان أن في نجاح القوميين " كارثة" .

فمن هم الوطنيون و القوميون الفرنسيون ؟ إذ يحتاج القارئ العربي التمييز بين هذين المصطلحين بما يوازيهما من إسقاط و معنىً في حياتنا السياسية على مساحة الوطن العربي ودوله وشعوبه , فلطالما كانت فرنسا دولة ً إستعمارية , قامت عبر تاريخها بإحتلال عديد الدول في قارتها و غير قارات , ودأبت على استقدام البشر تحت عناوين كثيرة , عبيد , جنود , خدم , عمال , أو سكان – سمهم كما تشاء- , ناهيك عن الهجرات الطبيعية أو عمليات التهجير التي وقفت ورائها فرنسا و شركائها في دول الإستعمار القديم و الحديث و الحالي , وحصلت على حصتها من مئات الألوف وربما الملايين من الوافدين ( المواطنين ) الجدد , من الاّسيويين و الأفارقة و الشرق أوسطيين عربا ً كانوا أم غير ذلك , ناهيك عن الهجرات غير الشرعية و من عبروا حدودها و مكثوا فيها , ومن استحوذتهم عبر موجات اللجوء القديمة منها و الحديثة.

إن حاجة فرنسا للجنود و للأيدي العاملة , ولمن يملئون أريافها الفارغة , و للخبرات المجانية عبر الوافدين , دفعها لتجنيس ملايين البشر , و أصبحوا فرنسيين بحكم الإقامة و الهوية الجديدة و الإندماج في المجتمع الفرنسي , فهؤلاء ينظرون إلى وطنهم الجديد كوطنٍ يعيشون فيه , و يهتمون يسلامهم و أمنهم ورزقهم و ربما رفاهيتهم , ولا تعنيهم الدولة الفرنسية من حيث الإرث التاريخي و البعد القومي , ولا تعنيهم هيبة فرنسا و لا سمعتها الدولية أو ترتيبها وتصنيفها بين الأمم , ولا تنهمر دموعهم لدى سماعهم السلام أو النشيد الوطني الفرنسي , على العكس تماما ً من أولئك الفرنسيين الحقييقين ( الأصليين ) اللذين يُفاخرون و يتباهون و يعتزون بوطنهم و تاريخه و هيبته و سمعته و حاضره و مستقبله , ويستعدون لتقديم مصالح "فرنسا العظمى" على مصالحهم الشخصية , هذا التباين يفرض إيمان الوطنيون بفرنسا كمزرعة يعيشون فيها , لا ينتمون إليها في العمق , في حين أن القوميين يملكون إنتماءا ً قويا ً يصل لدى البعض حد التعصب و التطرف.

هذا الفارق سمح بولادة مصطلح "الشعبوية" الدارج في فرنسا , و الذي إنتقل مع الأسف إلى الإعلام العربي ترجمة ً لا فهما ً صحيحا ً , فالشعب و المواطنة مختلفان شكلا ً و مضمونا ً عمّا يعنيه الأمر بالنسبة إلينا نحن العرب .

إن حساسية الظروف الدولية و خطورة المرحلة السياسية و سخونة العديد من الملفات , وإحتمالية حدوث ما يخشاه الفرنسيون و العالم كله من حروب عالمية , وتصاعد الهجمات الإرهابية , بالإضافة للدور السلبي – مزدوج المعايير الذي تلعبه فرنسا تجاه دعم التطرف والإرهابيين في سورية و الشرق الأوسط , ومحاربتها التطرف في مالي و بعض الجغرافيا الأفريقية , يعكس تطرفا ً فرنسيا ً على مستوى "الوطنيين" و ال"القوميين" على حد ٍ سواء , و"الكارثة" التي يتحدثون عنها ستحصل دون شك مع غياب قيادات فرنسية وقامات رفيعة على غرار الملك لويس الرابع عشر و الرئيس شارل ديغول.

فتطرف الوطنيين , يُسهم بإضعاف فرنسا أكثر فأكثر , على مستوى السياسة الخارجية التي يَعد بها ماكرون , وبخروجها من حلف الناتو , سيجعلها أضعف ما تكون لجهة حماية نفسها حتى داخليا ً , بالتوازي مع إنتشار التطرف و الإرهاب والمخاطر الداخلية التي يتسبب بها نشاط بعض "الأئمة" , وحساسية موضوع الحجاب , والخلايا الإرهابية النائمة و عودة الإرهابيين الفرنسيين إليها من ساحات " الجهاد".. ناهيك عن مدى الرضى الأمريكي حول خروجها من حلف الناتو , مما سيعرضها إلى مخاطر إضافية في محيطها الحيوي الأوروبي و في شرق المتوسط و يهدد مصالحها في أفريقيا و حول العالم .

أما تطرف "القوميين" فقد يجعلها أكثر قوة ً من الناحية النظرية , ويضعها أمام مواجهةٍ مباشرة مع روسيا الإتحادية و ألمانيا , و دفعها إلى مقارعتهم في مجمل الصراعات و الملفات الأوروبية و الدولية , وفي تقاسم النفوذ و المحاصصات الكبرى , الأمر الذي سيفرض عليها فتح مروحة أعدائها يمنة ً و يسرة ً , و بما لا تحتمله فرنسا داخليا ً وخارجيا ً.

فما تَعد به مرشحة و زعيمة اليمين المتطرف من مواجهة مع التطرف والعولمة و معارك الحفاظ على الهوية الفرنسية , وما ألمحت إليه من إسترداد الوظائف العامة و الهامة ووضعها بعهدة القوميين فقط , ناهيك عن حديثها عن خروج فرنسا من الإتحاد الأوروبي , ومواقفها من الحرب على الدولة السورية , و مواقفها من التنظيمات الإرهابية , بالقياس إلى عداء فريقها اليميني " للإسلام السياسي" , والذي قد يدفعها لسلوكٍ عدائي مضاعف.

يبدو أن فرنسا لا تزال عالقة في مستنقعٍ عميق , لا يمكن لها أن تكتفي برغبات و تصريحات ووعود كلامية , للنهوض من جديد , ويبدو أنه من الأفضل لهال أن تبقى مستسلمة لرغبات من يتحكمون و يؤثرون في وضعها و تموضعها الدولي , و أن تحافظ على قدرٍ من القناعة بما يقدمونه لها و يضعونه في سلتها , لحين أن تمتلك مفاتيح نهضتها و عودتها مجددا ُ , بعد أن تُنجب الأقوياء و على خطى "العظماء" ممن مروا في تاريخها , ويستطيعون إيصالها إلى حيث تنظر و تصبو , وبات من الواضح أن فرنسا تنتخب رئيسا ً و لا تنتخب قائدا ً .

هنيئا ً لمن سيفوز .. يبدو أن الرحمة تجوز على الدولة الفرنسية للأعوام القادمة .. ولن يُفاجئ العالم بتكرار مسلسل صعود ترامب في أمريكا , و فوزه المفاجئ – الصادم للكثيرين , كذلك قد يأتي فوز إيمانويل ماكرون , الذي جمع سهامه و سهام فيون وهامون واّخرون قبل أن يمتلك القوس , ولربما يكون فوزه محسوبا ً و جزءا ً من الخطة B و من خديعة اللعبة الديمقراطية لمن يتحكّمون !.


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا