جهينة نيوز-خاص:
نشرت بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي منذ أيام صورة كتاب رسمي -ثبتت صحته- صادر عن وزير العدل القاضي المستشار هشام الشعّار، مؤرخ في 8/5/2017 وموجّه إلى السيد رئيس مجلس الوزراء جواباً على كتابه الذي يحمل رقم 4856/1 تاريخ 20/4/2017 والمتضمن "العمل على إعداد مذكرة تفصيلية حول ما تتناوله بعض الوسائل الإعلامية الخاصة وبعض الإعلاميين في الإعلام الرسمي من قضايا ومواضيع تستهدف العمل الحكومي وتساهم في إضعاف هيبة الدولة والانتماء الوطني لدى المواطنين."...ويرجو السيد وزير العدل من السيد رئيس الحكومة "التعميم على وزارات الدولة كافة لموافاة وزارة العدل بالمواضيع الصحفية المتعلقة بالموضوع الآنف الذكر، ليصار إلى معالجتها وفق الأنظمة والقوانين النافذة"...
وفي أول تعليق له على الموضوع صرّح السيد وزير الإعلام المهندس محمد رامز ترجمان بالقول "إننا لن نسمح لأحد أن يعيق حرية الإعلام ولكن وفق قوانين الدستور السوري، وأضاف قائلاً "عندما يريد الصحفي أن يتكلم عن تقصير معين يجب أن تكون بين يديه وثائق، فنحن نخوض حرباً لذا يجب أن تكون هناك استراتيجية عمل للإعلام وهذا من حق الدولة ومن حق المواطن ويجب أن نكون على قدر المسؤولية..."وقد وصف السيد وزير الإعلام لإذاعة "شام إق إم" امس ما ورد في الكتاب عن "إضعاف هيبة الدولة والانتماء الوطني للمواطنين..." بأنه خارج عن الإطار...
وبالعودة إلى صيغة الكتاب الموجه من السيد وزير العدل إلى السيد رئيس الحكومة، نرى فيها صيغةً مفاجئةً بعد المخاضات الكبرى التي خاضها إعلامنا في حالته من أزمة إعلام إلى إعلام أزمة...فقبل الأزمة شهد هذا الإعلام أشواطاً من التحكُّم الحكومي لا يتسع المجال لذكرها، وفيما قدّم هذا الإعلام خلال الأزمة -بنوعيه الرسمي والخاص- العديد من الشهداء والتضحيات –بما يعكس جدّيته وتفاني العاملين فيه- تصدر هذه الأيام قرارات ليست كالقرارات وكأنها تسكب على رؤوس الإعلاميين سطولاً من الماء البارد ليصحو جميعهم من حلم لازمهم طيلة الأحداث وانفراجات بعضها من أن دروس ما حدث في البلاد قد تقدّم الموعظة لسادة القرار الحكومي بضرورة مكافحة الفساد جنباً إلى جنب مع مكافحة الإرهاب، وفيما قطع الجيش العربي السوري أكبر وأطول الأشواط في مجال مكافحة الإرهاب، فإننا نكاد لا نرى مشهد مكافحة الفساد سوى مشهدٍ لسلحفاة متأهبة دون أن تسير، ومطمئنة إلى عدم وجود من ينافسها في قطع مسافة أو الوصول إليها، ومرتاحةً لحصانة ظهرها ورأسها الذي يختبئ مع تسليط أي ضوء.
رقابة "العدل" على "الإعلام"...هل هو مسمار جديد في نعش الإعلام الوطني المتأزّم الرسمي والخاص؟
فالقارئ الصحافي لكتاب السيد وزير العدل إلى السيد رئيس الحكومة يرى في هذا الكتاب السهم الأخير في جعبة الحكومة ضد صرخة الإعلام في وجه الفساد الذي تراكم بتصاعد ملفت، كما لا يمكن لهذا القارئ الصحافي –لأول وهلة- سوى مراجعة ما نشره في الفترة الماضية في أعمدة الصحف والمجلات وأثير المواقع الالكترونية، وذلك برفقة محامٍ قديرٍ من الأصدقاء ليدلّه على ما اقترفت يداه –ربما- بحق القوانين والأنظمة النافذة–بمفاهيم الحكومة ووزارة العدل-...تلك القوانين والأنظمة التي لا يتذكرها البعض إلا ضمن مفهوم "الجريمة والعقاب"، فأية جرائم ارتكبها إعلامنا ليُحال إلى وزارة العدل؟...وهل تعمل الحكومة وفق مبدأ انتظار الضحية إلى أن تصل إلى منتصف الطريق حيث نياشينها التي لا تخطئ؟!...لماذا لم تعالج وزارة العدل المواضيع المذكورة في حينها، وذلك إذا افترضنا صحة ما ورد في الكتاب عن وجود مواضيع صحافية "أضعفت هيبة الدولة والانتماء الوطني لدى المواطنين" ؟!...
من يُضعف هيبة الدولة، أداء بعض الحكوميين أم الإعلام الوطني؟!
لا نتهكّم إذا قلنا إن هناك خياراً وفقّوساً في موضوع هيبة الدولة، فنحن كصحافة محلية لدينا مئات الشواهد والأدلّة المتراكمة منذ سنين وإلى لحظة إرسال كتاب وزير العدل إلى رئاسة الحكومة، حول مسؤولين لم يُضعفوا هيبة الدولة فحسب، بل جعلوها في مهب الريح دون أن تهب عليهم رياح تغيير في معظم الأحيان بسبب الرضا الحكومي وبسبب بعض التضليل الذي تقع فيه الحكومة، أما إذا انتفض صحافي من أبناء البلد ليقول كلمة أبناء البلد في أولئك المسؤولين، فيصبح مشبوهاً بمصطلحات الحكومة ووزارة العدل، وكأنه كائنٌ غريبٌ عن البلد أو غازٍ فضائي هبط فوق المؤسسات الرسمية ليحوّلها إلى "هليون"!...وبالتالي فإن أهم ما يقال في الأمر إن هيبة الحكومة جزء لا يتجزّأ من هيبة الدولة، وإذا فقد أعضاء الحكومة ومسؤولوها هيبتهم، تتضرر هيبة الدولة، ولا نعتقد أن صحافياً سورياً واحداً يحيا بثبوتيات الحكومة وبطاقات تعريفها قد أضرَّ بهيبة الدولة، لأنه يعمل من أجل تلك الهيبة وغيرةً عليها.
ومن المثير هنا أن نتحدث عن مقياس لهيبة الدولة –أية دولة- يعتمد العمل الصحافي تجاه القضايا الحكومية، فأية درجة تنالها هيبتنا أمام هيبة دول يُعتَبَر فيها الإعلام سلطة حقيقية لا يشوبها شائب ولا يعيقها عائق؟!...بالتأكيد ستحتل هيبتنا درجة عظمى بين الدول لأن ما يتطرق إليه إعلامنا تجاه العمل الحكومي هو بسيط وبسيط للغاية إذا ما قورن مع دول أخرى في العالم تعتز بهيبتها من خلال إعلامها الحر والجريء والمستقل والذي لا يترك شاردة أو واردة في عمل حكوماته!
هل كرّس الأداء الحكومي الانتماء الوطني لدى المواطنين كما يجب؟
يعتبر موضوع الانتماء الوطني لدى المواطنين من اختصاص إعلامنا كناطقٍ هام باسم الدولة باعتبار وجود التخصصيين فيه، ولهذا الإعلام دور كبير في توضيح وترسيخ مسألة الانتماء لدى المواطن، وحين يشعر إعلامنا بخطر يتهدد هذا الانتماء فلا شك أنه سيتدخل نظراً لأن ذلك من مسؤولياته ونظراً لأنه يمتلك كل القدرات الثقافية والأدبية والسياسية للخوض في هذا المجال، والسؤال هنا هو متى يتدخل إعلامنا في هذا الموضوع؟ والجواب هو بالتأكيد حين يتعرض موضوع الانتماء إلى أخطار خارجية لم تجد في وجهها سدّاً حكومياً منيعاً، وحين يتّضح تقصيرٌ حكومي ما في هذا المجال، فسيضيء الإعلام على ذلك حتماً، وهو ما لا يروق لبعض الحكوميين، ومن المؤسف حقاً أن يصبح كرسي المسؤولية معياراً يحدد من يفهم أكثر في مسألة الانتماء الوطني، أهو المسؤول المستهتر أحياناً أم الإعلامي المختص والمتمكن وصاحب التجارب والوثائق والأدلّة؟!
لقد مضى وقت طويل على انتهاء صلاحية اتهام الآخرين بـ"إضعاف هيبة الدولة" و"الشعور القومي" و"الانتماء الوطني" و"وهن نفسية الأمة" و"عدم استيعاب المرحلة"، وخاصة حين يكون هذا الاتهام بلا طائل وبهدف التهويل...ونحن لا ننفي وجود ارتكابات قديمة جديدة في هذا المضمار، إلا أنها لا يمكن أن تكون ثوباً جاهزاً لإلباسه لكل من يواجه الخطأ الحكومي، فالخطأ الحكومي في هذه المواضيع أخطر بكثير من الخطأ الفردي، ولا شك أن خطأ حكوميٍّ ما لا يعكس خطأ الدولة كلها لأن الحكومي المغرّد وحيداً في بعض الأحيان لا يمثّل كل الدولة ولو رأينا العديد من النماذج الفردية التي تعتبر نفسها الدولة كلها هرباً من تحمُّل المسؤولية الشخصية.
تخوين الإعلام الوطني...هل هو من مصلحة الدولة؟!
لقد اشتمّ العديد من الإعلاميين المختصين رائحة تخوين للإعلام الوطني الرسمي والخاص من خلال صيغة الكتابين الرسميين المتبادليْن بين وزارة العدل ورئاسة الحكومة، فإذا كان تسليط الإعلام الضوء على أخطاء حكومية ما إضعافاً لهيبة الدولة، فأية حكومة تلك التي لا تُخطئ، وهل يستحق أداء حكومتنا قيام الإعلام بوضعها ضمن هالة ربانية وإطار روحي، والأخبار شبه اليومية تؤكد الخلل في بعض إجراءات تلك الحكومة؟!...ثم لماذا يعترف حكوميون كبار بعد عزلهم بخطأ بعض إجراءاتهم؟!...هل لأن اللقاء بهم بات متاحاً للكثير من الناس دون غطاء الحصانة وحصانة الغطاء؟!
تكليف وزارة العدل بمراقبة الإعلاميين ومنشوراتهم...أيُّ قانون ينص على ذلك؟
لا شك أنه إذا تمَّ هذا الأمر فإن على وزارة الإعلام أن تحل نفسها وتفتتح لها مديرية في وزارة العدل تحمل اسم "مديرية إعلام الدولة" ليكون ذلك سابقة في تاريخ عدل الدول وإعلامها، وسيرتّب ذلك على السيد وزير العدل مسؤوليات إضافية جمّة، ولكن هل ستقف تعاميم الحكومة عند حد ما في هذا الخصوص؟! فالمراقب لتلك التعاميم منذ سنوات يلاحظ آنيّتها في شكل يعكس بعض الأمزجة الفردية، وهي تعاميم لا تعكس استراتيجية واضحة في صياغة العمل الإعلامي...ومن الغريب أن يتزامن كتاب الحكومة إلى وزارة العدل، ثم كتاب العدل إلى الحكومة مع المؤتمر الوطني الأول الذي حمل عنوان "حق المواطن في الإعلام، ونحو إستراتيجية إعلامية سورية ..." وفي هذا المؤتمر أوضح السيد وزير الإعلام أن "قانون الإعلام السوري نص على أن الإعلام بوسائله كافة مستقل ويؤدي رسالته بحرّية ولا يجوز تقييد حريته إلا وفقاً لأحكام الدستور والقانون..."
هل هو قرار قمعي بغطاء وزارة العدل؟
فما نعرفه أن هنالك قضاءً خاصاً بقضايا الدولة (المحكمة الإدارية –مجلس الدولة)، فلماذا لا تُعالج الأمور عن طريق هذا القضاء كما هو متعارف عليه قانونياً وبدون صدور القرار المذكور؟! هل لأن الاحتكام إلى القُضاة سيفسد -ربما- رغبة البعض في تغييب الحقائق؟!
وختاماً فإننا نريدها حرباً معلنة على الفاسدين...حرباً لا هوادة فيها ضد رافضي الإصلاح، ولا نريد إدراج حلقة جديدة إلى حلقات الضغط على الإعلام الوطني ومضايقة الإعلاميين الجادّين...ومع الأسف فكلّما حوصر بعض المخطئين يلجأ إلى حجة "إضعاف هيبة الدولة" و"الانتماء الوطني لدى المواطنين"...وما تكليف السيد وزير العدل بهذا الموضوع سوى لتخويف الإعلاميين وإرباكهم بالسلطات القضائية وما يرتبط بها...وهنا ستحدث فوضى كبيرة وكبيرة جداً، فما ورد في صيغة القرار من أن "وزارة العدل ستعالج المواضيع المذكورة وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة"، يشكّل تهديداً واضحاً، وكان حَرِياً بوزارة العدل معالجة ما ورد في الإعلام الخاص والرسمي من انتقادات للأداء الحكومي معالجة إيجابية وليس تهديد من انتقد هذا الأداء...وقد تمنينا لو أن صيغة كتاب العدل -وقبله كتاب الحكومة- قد وردت كما يلي: "إعداد مذكرة تفصيلية حول ما تتناوله بعض الوسائل الإعلامية الخاصة وبعض الإعلاميين في الإعلام الرسمي من قضايا ومواضيع تهمُّ العمل الحكومي وتساهم في إنجاحه وتعزيز هيبة الدولة وترسيخ الانتماء الوطني لدى المواطنين."...على أن يرجو السيد وزير العدل من السيد رئيس الحكومة "التعميم على وزارات الدولة كافة لموافاة وزارة العدل بالمواضيع الصحفية المتعلقة بالموضوع الآنف الذكر، ليصار إلى معالجتها وفق الأنظمة والقوانين النافذة" و"بما يكفل حرية الصحافة الوطنية واستقلالها مع حق المواطن في الإعلام"...
23:15
23:18
23:21
23:23
23:29
23:32
15:01
15:06
15:09
15:12
15:17
15:21
15:23
15:32
15:35
15:42
15:46
15:52
16:00
16:05
16:10
16:16
16:24
17:16