أوروبا - حشائشٌ تحت أقدام الفيلة بقلم : ميشيل كلاغاصي

الأحد, 4 حزيران 2017 الساعة 02:36 | منبر جهينة, منبر السياسة

أوروبا - حشائشٌ تحت أقدام الفيلة     بقلم :  ميشيل كلاغاصي

جهينة نيوز:

لطالما كانت فرنسا وألمانيا وإسبانيا وبريطانيا و روما دولاً استعمارية و"عظمى" في الشرّ والإجرام .. فالأوروبيون يتغنون بالحضارة , ويخفون وجههم القبيح , فقد احتلوا نصف العالم , وسرقوا كنوزه و ماله وأرضه وشعوبه , أنجبوا الأغبياء بعد العباقرة , وخاضوا الحروب العالمية وفق الأجندة الصهيونية , فخرجوا مهزومين , أقنعهم نفوذٌ "أممي" نالوه و لم يستحقوه , وبالإتحاد حاولوا رص الصفوف وفق نفس الأجندة , لكنهم وجدوا أنفسهم على باب سيدهم الأمريكي الجديد , الذي أكل العنب وتركهم يضرسون , هكذا خُدعت أوروبا , وأرهقت نفسها وشعوبها بغباء قادتها ووصلت أن تكون تابعا ً وأداة ً أولا تكون.

"نجحت" أوروبا وغدت الأداة الطيعة في يد الولايات المتحدة الأمريكية , وراحت تنزف من رصيدها ومصالحها وسلامها و أمن شعوبها وهيبتها وحتى كرامتها , وتاهت كالحشائش تحت أقدام الفيلة , ولقبوها بال"عجوز" التي لا تثير حتى غرائز الرجال.

لم تتلقف أغلب الدول الأوروبية رسائل التحذير من شعوبها وشعوب الدول المظلومة , فاستعاضت عن العقل و الدبلوماسية بالإنخراط في المشاريع والمخططات المجنونة بالقوة العسكرية والسلاح والتسليح وإراقة الدماء لتمرير مشاريع الهيمنة والتقسيم وقتل الشعوب , فإحتضنت كافة القوى الإرهابية المجرمة وأعتاها تطرفا ً, و راحت تمدّها بكافة أشكال الدعم المالي والعسكري وتؤمن لها الغطاء السياسي لتنفيذ جرائمها تحت مسمى "الربيع العربي" الأمريكي النكهة - اسرائيلي البصمة , ما أفقدها إرادتها و إرادة شعوبها.

عاشوا أوهام الزمن الواحد والقطب الواحد , بعد أن تربعت أمريكا على العرش كقوة ً عظمى ووحيدة , وأناطت بهم , وبالأمم المتحدة مهمة خدمة مشروعها وسياساتها و مصالحها , ومنحها الموافقة على القيام بعملٍ عسكري ضد أي دولةٍ بما فيها أعضاء تلك المنظمة العالمية , وبإنقياد العالم وراء سياستها الخارجية لتقوم بخلق الإستقرار الدولي الجديد بقوة السلاح , انطلاقا ً من اعتماد اقتصادها وحلفائها على النفط , وضرورة إمداد حلفائها الصناعيين به مقابل دعمهم لها ماليا ً لتوسيع جهازها العسكري دون المس بمكانتها المالية والإقتصادية.

و لكن .. ما حدث فعليا ً في هذه الشراكة "المتوحشة", أن الدول الأوروبية "العظمى" , قدمت ولسنوات ما إلتزمت به من شرّ , وساعدت واشنطن و أيدتها في نشر الفوضى حول العالم وفي استعمال القوة العسكرية المفرطة و بقنل المدنيين والعسكريين , وتدمير البنى التحتية والإجتماعية والإقتصادية بالقوة العسكرية في عديد الدول العربية ( لبنان حرب تموز 2006 , وفي سورية و العراق وليبيا واليمن ) لوضعها لاحقا ً تحت رحمة و وصاية البنك الدولي عبر مؤتمرات الدول المانحة وإعادة الإعمار.

بعدما تفردت أمريكا بحكم العالم , لم تعد تقنعها قواعد" سايكس – بيكو" للشراكة والمحاصصة , وفاجئت الجميع و أدخلت العالم دوامة عصرها الجديد , وجرته لحروب ٍ ساهمت بإنقسام العالم وإضعاف حلفائها قبل أعدائها.. وبدا واضحا ً أن سايكس–بيكو- الأمريكي الجديد , يستهدف هزّ استقرار راسميه ومبدعيه الأوروبيين أيضا ً, فجعل بريطانيا تهرب إلى الأمام بخروجها من الإتحاد الأوروبي, وترك الفرنسيون يتألمون بصمت و يجترون مرارة خوفهم من جولات الإرهاب الجديدة , في حين واصل الألمان بحثهم عن موطئ قدمٍ بين العداء والصداقة مع روسيا .

هل هي الصحوة أم الخوف , التي تجعل ألمانيا – ميركل تفقد محبتها" للاجئين السوريين , ويندم أردوغان على استعداء أوروبا , وهل من الصدف أن تتفرغ وسائل الإعلام الأوروبية للصراخ والحديث عن الخطر الإرهابي المنظم لعودة الإرهابيين إلى أوروبا , وتساهم بكشف وفضح الطروحات الإيدولوجية الإرهابية التي استهدفتهم في قلب عواصمهم و مدنهم , بات من الواضح أن أوروبا قد خُدعت وخسرت مرتين.

لقد ساهم صمود سورية وحلفائها , في تغير شكل العالم وموازين القوى فيه , وخياراته و وجوه لاعبيه , وأصبح البحث عن التوازن الجديد عنواناً و مطلباً , فقد أسفر العبث بأمن واستقرار العالم انطلاقاً من دمشق , إلى نتيجة لم يكن ليتوقعها العابثون , إذ أعلن العالم إنتهاء زمن القطب الواحد , وأكد ولادة نظامٍ عالمي جديد متعدد الأقطاب , غابت فيه شموس دولٍ لطالما وقفت على المسرح الدولي , وصعود و بروز أقطاب عالمية جديدة كروسيا والصين والهند وباكستان ...إلخ.

فقد جاء الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب كالعاصفة في وجه حلفائه قبل خصومه وأعدائه , وأطلق من الوعود , ما أثار حفيظة ومخاوف شركائه الأوروبيين , ورفع شعار أمريكا أولا ً في الخارج قبل الداخل , انتظروا شهور عدة , عساه يقدم من التوضيحات ما يريحهم , لكنه لم يكترث بأسئلتهم و هواجسهم , و راح يبتلع الغنائم والهدايا والعقود والصفقات , فيما هم يتفرجون .

قرع سلوكه جرس الإنذار في رأس الدولة الألمانية كزعيم ٍ أكبر للدول الأوروبية الغربية وأقواهم إقتصاديا ً , ولم يكتف بتحيدهم عن مصالحهم , بل ذهب ليطالبهم بدفع الجزية والديون الأطلسية أسوة ً بعرب الخليج , وإلى إحتقارهم ومخاطبتهم عبر تغرديات التويتر, بعد فشل الإجتماع الأخير لدول ال G7 في إيطاليا خروجه بنتائج سلبية، ما دفع ميركل لحشد الأوروبيين خلفها وتدعي أن "ألمانيا ستكون بخير ما دامت أوروبا بخير" , وللقول أن:"فترة الثقة الكاملة بالبلدان الأخرى قد مضت", وأنه "ينبغي على الأوروبيين أن يتحكموا في مصيرهم بأنفسهم", لكن ترامب تجاهل وجودها في لقطة الصورة الختامية في إيطاليا , دون أن ننسى ورفضه مصافحتها أثناء استقباله لها في البيت الأبيض في اّذار الماضي , لقد بدت نواياه واضحة في “تخريب” علاقات واشنطن مع دول الاتحاد الأوروبي , على الرغم من معرفته أن مواقفه الأخيرة ستجعل الأوروبيين يتحركون أكثر فأكثر نحو روسيا.

يبدو أن ترامب يغامر بعقلية التاجر ورجل الصفقات , ويسعى لإختبار وإبتزاز وفرز شركائه و مدى ولائهم لواشنطن في الصراع مع روسيا والصين و"الخطر الإيراني" في عديد الملفات والقضايا , كالعقوبات على روسيا , والأزمة الأوكرانية ونشر الدرع الصاروخية والعقوبات الغربية على روسيا وتوسيع حلف الناتو شرقا ً، ومسألة التعاون والتقارب مع إيران , إذ يدرك الرئيس ترامب خطورة الإنقسام داخل دول حلف الناتو حول ما يدعونه ب"التهديدات الروسية المحتملة" , الأمر الذي يدفعه عبر بث الخلافات لإخضاع بعض الدول الأطلسية للتخلي عن ودها لروسيا, دون الإكتراث لمصالح دولهم , ما دفع المستشارة ميركل للتأكيد على أهمية التماسك الأوروبي في ظل الركود و الأزمات الإقتصادية والخلافات العميقة مع واشنطن , حتى لو أتى ذلك على مصلحة صمود اليورو ، إذ تبقى ألمانيا المستفيد الأكبر بإعتبارها أكبر الإقتصادات الأوروبية , فيما يتأثر معدل ربحية رؤوس الأموال الأمريكية في الأسواق الأوروبية , الأمر الذي يسعى ترامب لإيقافه تماما ً أو بسحب رؤوس الأموال و إعادة تموضعها في الولايات المتحدة.

من الواضح أن العودة الأوروبية باتت أمرا ً صعبا ً , يبدو معه تعويل ألمانيا على وصول ماكرون إلى سدة حكم فرنسا , أمرا ً يجنح نحو الأوهام و الأحلام , فقد وصل ماكرون إلى السلطة كرئيس و ليس كقائد ٍ قادر ٍ على تغيير قواعد اللعبة الأممية في العصر الحديث , وقد يسهم الإجتماع القادم لدول الناتو في بلورة الحجم الجديد للدولة الألمانية ومن يلف لفها , وقد يفعلها ترامب ويطيح بالحلف الأطلسي الحالي كما وعد , و يرسم قواعد الحلف الجديدة بوجود أو بغياب ميركل و في إطار روح "الصداقة" التي تحدثت عنها.


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا