دراسة: إذا أردنا أن نعرف ماذا في "التربية"، علينا أن نعرف ماذا في "الثقافة"!

الخميس, 28 أيلول 2017 الساعة 02:24 | تقارير خاصة, خاص جهينة نيوز

 دراسة: إذا أردنا أن نعرف ماذا في

 

جهينة نيوز- خاص

انتهى مسلسل "صح النوم" منذ عقود وتوفي جل أبطاله دون أن يكمل "حسني البورظان" دراسته الشهيرة التي افتتحها بالقول: "إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، علينا أن نعرف ماذا في البرازيل"...!...وهذا هو حالنا اليوم في مسلسل التربية والثقافة، فإذا أردنا أن نعرف ماذا في التربية، علينا أن نعرف ماذا في الثقافة، وكلُّنا أملٌ في أن تكتمل هذه الدراسة قبل أن ينتهي المسلسل، علَّ أُولي الشأن وأصحاب القرار يوقفون أحداثه ويضعون لها ولأبطالها حداً قبل أن تخلد في الذاكرة الأبدية للشعب الذي لن يجد آنذاك من يقول له حتى "صح النوم"!

مناهج الصدمة الكبرى

لقد شهدنا في الأيام المنصرمة ضجة شعبية كبرى حول ما استجدَّ في مناهج وزارة التربية الجديدة، وما نجم عن تطويرها من أخطاء وُصفت من قبل العديد من الأوساط الحزبية والشعبية بـ"الجرائم"، وكَثُرَ القيل والقال وتعددت التفاسير والاجتهادات، وكلُّها أشار إلى صدمة كبرى لدى الناس من سوء ما وجدوه في المناهج، ولعل هذا الأمر طبيعي لدى المواطن السوري الذي كان ينام ويستيقظ مطمئناً -منذ عقودٍ طويلة- على حُسن سير العملية التربوية الوطنية، وكان كلما مرّ بالقرب من مدرسة يسترجع شريط ذكريات سريع في دماغه يعيد على مسامعه أجمل ما تغنّى به شعراء الوطن بالوطن، وأقدس ما تلقاه على مقاعد الدراسة من معاني الوطن والعَلَم الوطني والهوية والخريطة، بل وأنبل المبادئ العلمية والأخلاقية التي أتاحت للسوري صولات وجولات في عالم المعرفة والتقدُّم العلمي والتفوّق...فكيف إذاً حدثت الصدمة الكبرى؟! وهل من خلفيات لذلك؟

بين النهج والمناهج عناوين متطابقة

لا شك أن سعة الاطلاع على المناهج المدرسية قد قامت بالدور الأكبر في حدوث الصدمة، وكما نعرف فعدد التلاميذ وأهاليهم كبير، ويضاف إليه عدد المعلّمين، هذا فضلاً عن المطّلعين والمهتمين، وكل هؤلاء انتبه إلى هول ما رأى في المناهج، وقد ساعد على ذلك انتشار وسائل الاتصال وفعاليتها...أما خلفيات الصدمة الكبرى فتعود إلى النهج الثقافي الذي ترك أثره على المناهج الدراسية، مما يؤكّد أن ما جرى ويجري في قطاع الثقافة إنما كانت له أهدافٌ أُريدَ لها أن تنسحب على مجالاتٍ أخرى ومنها مجال التربية والتعليم، أما كلمة السر الضائعة بين قطاعيْ التربية والثقافة، فتستند إلى أن حجم من يطلّع على أخطاء الثقافة هو أصغر بكثير من حجم من يطلع على أخطاء التربية، ولو كان الحجمان متماثليْن، لما رأينا صدمةً كبرى لدى الأهالي وأوساط الشعب المختلفة...

إن التدقيق في كوارث المناهج المدرسية الجديدة يشير إلى وجود عناوين لتلك الكوارث، وهذه العناوين تنطبق مع أسماء ملفاتٍ عدة حول الأداء الثقافي هي في مجملها مخالفات وسنوات من العمل الأجنبي المغرض في شؤون التراث الوطني تحديداً...وفيما يلي تفاصيل مختزلة عن الواقع الثقافي وارتداداته في واقع التربية والمناهج:

أولاً: موضوع الخريطة السورية:

إن الملاحظ المدقّق للخريطة السورية المستخدمة لأغراض بحثية أثرية وتاريخية والمنشورة في مجلة الحوليات الأثرية العربية السورية -وهي الناطق الرسمي باسم الآثار السورية منذ عقود- يكتشف أن مصدرها والمُعمِّم الرئيسي لها هو المعهد الفرنسي للشرق الأوسط بدمشق، وذلك منذ عام 2003، وهي خريطة مرسومة بدون لواء اسكندرون وبدون الجولان...وقد نُشرت في العدد 45-46 من مجلة الحوليات الأثرية السورية/2003/خريطة لسورية على حدودها الجنوبية "إسرائيل" بدلاً من فلسطين، وبدون لواء اسكندرون، ومن المؤسف أن حذف الأجزاء الشمالية والجنوبية المحتلة من تلك الخريطة، إنما يستند إلى ممارسة استعمارية تستبدل الواقع التاريخي الحقيقي لسورية بواقع استعماري سياسي، وتُشرك الأمر الواقع الحالي الناجم عن سلخ لواء اسكندرون واحتلال فلسطين والجولان في التشويش على الواقع التاريخي، إذ أنه من غير المعقول أن تعبّر الخريطة المذكورة عن سورية في عصور سابقة تعود إلى الألف الأولى ق.م مثلاً... وهذا لا يغيب بالتأكيد عن أذهان راسمي الخريطة، بمعنى أنهم كانوا يخططون للقيام بإجراءات على الأرض تجعل من الخريطة المجزّأة واقعاً أبدياً...ولكن كيف يمكن لذلك أن يحدث سوى بدراسات مغرضة مفروضة على الأرض الأثرية تتلخص في العزل التاريخي والأثري والديموغرافي القسري التام لكل الأجزاء المحذوفة من الخريطة؟!...وموضوع العزل هذا هو موضوع معقّد للغاية ويمكن الإشارة إليه عبر عدة مشاريع أثرية أجنبية تمت سابقاً، ومن خلال عدة منشورات ومؤلفات ضخمة صدرت في السنوات السابقة، وهنا لا بأس من التذكير بأن أحد مشاريع المعهد الفرنسي للشرق الأوسط بدمشق -انطلاقاً من سنة 2003 -وهو مشروع توثيق قلاع بلاد الشام وحصونها-كان قد استثنى قلاع الجولان وفلسطين من خارطته...وهنا نؤكّد أن المشروع المذكور هو على سبيل المثال لا الحصر.

النهج مستمر والاعتراض ممنوع

وللضرورة نشير إلى أن الخريطة محذوفة الأجزاء التي ذكرناها -وبعد نشرها في المجلة الأثرية السورية الرسمية- قد وُضعت قيد الاستخدام من قبل مسؤولي المديرية العامة للآثار والمتاحف حتى في بعض المحاضرات التي كانوا يلقونها، ولم تعد تقتصر على جهات أجنبية...أما موضوع الاعتراض عليها فنُحدِّث ولا حرج...إذ أنه أحرج المعترضين ووضعهم ظلماً وتعسُّفاً في خانة المهدِّدين لهيبة الدولة، كما لم يأتِ هذا الاعتراض بنتيجة ولم يغيّر النهج القائم، ولم يكن رد فعل كل المسؤولين المطّلعين على الموضوع ليساوي رد فعل مواطن بسيط الآن، مما أدّى إلى استفحال الأمر، ففي عام 2011 نشرت مديرية الآثار في العدد -13-14-2011 من مجلة مهد الحضارات(ص31) –خريطة لسورية القديمة وفيها زج خطير ومؤسف لكل من الكيانين الوهميين "إسرائيل" و"يهودا"، علماً أن زج الكيانين المذكورين في خرائط المنطقة لا يستند إلى أي دليل أثري، وفي الوقت الذي تشتد فيه الحرب على سورية من قبل الدوائر الصهيونية والإرهابية منذ مطلع عام 2011 فإنه لا بد من تسليط الضوء على ما يوصف بأنه حرب تستهدف خريطة سورية منذ أقدم العصور، ومن المؤسف أن تتكرر فصولٌ من تلك الحرب ويتم تفعيلها من خلال أداء بعض المسؤولين والأساتذة الجامعيين ممن يتولون موضوع النشر في مديرية الآثار والمتاحف التابعة لوزارة الثقافة...وللإشارة فبعض المسؤولين عن عدد مجلة "مهد الحضارات" الناشر للخريطة المتضمنة للكيانين الوهميين "إسرائيل" و"يهودا" هو ضمن قائمة المؤلفين والمراجع لمعظم مناهج التاريخ الجديدة التي أصدرتها وزارة التربية لهذا العام، ومنهم المدير العام الجديد للآثار والمتاحف!

المصادر أجنبية والمنفذون موظفون رسميون

وتعليقاً على موضوع الخريطة، فإننا نجد أن المصادر أجنبية في منشورات كل من وزارة التربية والثقافة، أما المنفّذون فهم موظفون رسميون مشاركون في أنشطة تابعة لمعاهد أجنبية أو برامج تعاون أجنبية منها الاتفاقات مع الاتحاد الأوروبي، وحين يسلّط الإعلام الضوء على هذا الارتكاب يتم التهرُّب من الإجابات الصحيحة ويُعزى الأمر إلى خطأ ما...

خريطة سورية خلال السنوات الثلاث الماضية

ولعله من الضروري ذكر ما تعرّضت له الخريطة السورية خلال السنوات الثلاث الماضية من تحريف للواقع الأصلي، فشهدت الساحة الإعلامية عرض خرائط لسورية تم فيها تلوين الأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية منها على أنها خريطة الدويلة الكردية "روج آفا" التي يعمل انفصاليو الأكراد على الاستئثار بها بدعم صهيوني وغربي استعماري...أما اللافت للانتباه فهو أن الدوائر الثقافية الرسمية لم تحرّك ساكناً تجاه الخرائط المنشورة بالرغم من أن أخطر المزاعم والمساعي لإنشاء الدويلة المذكورة قد نجمت عن مجموعات تعمل في حقول الآثار السورية في الشمال والشمال الشرقي السوري بدعم أجنبي ومحلّي تقوده المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق وفرعها في محافظة الحسكة، ففي إطار الحرب على الهوية والخريطة السورية وتكريساً لمخطط التقسيم، يقوم انفصاليون أكراد في محافظة الحسكة -تابعون لمديرية الآثار الرسمية- بعملية نقل التراث السوري هناك من حالة تراث سوري إلى حالة تراث كردي ضمن إجراءات خطيرة تستهدف هوية العصور السورية، وذلك بدعم أميركي أوروبي ومن قبل جهات أثرية لا زالت تتعامل حتى تاريخه مع السلطة الأثرية الرسمية في دمشق وتنال ثقتها...وإلى جانب مواقع "تل موزان" و"تل بيدر" و"تل عربيد" و"تل صبي أبيض" و"تل حلف" وغيرها، أُقيم في ربيع هذا العام معرض أثري مشبوه في محافظة الحسكة حول تنقيبات "تل شعير الأثري"، وذلك في أحدث مثال على الارتباط السياسي المغرض لبعض مشاريع البعثات الأثرية الأجنبية في سورية والجزيرة السورية بشكل خاص، بما حدث ويحدث الآن على الأرض السورية، فقد أقام المعرض المذكور موظفون تابعون للمديرية العامة للآثار والمتاحف/دائرة آثار الحسكة- شعبة آثار القامشلي/جمعية سوبارتو الكردية الانفصالية، وذلك تحت إشراف الموظف في مديرية الآثار د. سليمان إلياس –مدير بعثة تل شعير منذ 2006، والذي صرّح لوسائل إعلام أن "الثورة السورية" ساعدتهم على إقامة جمعية تُعنى بما سماه زوراً وبهتاناً "التراث الكردي"... هذا ولم يشر المعرض بأية إشارة إلى كون تل شعير الأثري موقعاً سورياً بل اعتبره المشرفون عليه تراثاً تابعاً للـ"الشعب الكردي" يحمل اسم "تربه سبي"... كما ذكر اسم مدينة القامشلي بصيغة "قامشلو" –على أنها مدينة كردية كما يدّعي الانفصاليون الأكراد-...ومن الجدير ذكره أن مدير الموقع –أي سليمان إلياس- يذكر أن الموقع يعود إلى "شعبه الكردي"، أما الخريطة المنشورة في المعرض فلم يذكر فيها حتى اسم البلد الذي ينتمي إليه وهو سورية.

استهداف الخريطة السورية عبر المعلومات

وفيما يخص موضوع الخريطة السورية، فإننا نشير أيضاً إلى المعلومات التي تستهدفها، وكما نعلم، فالخريطة ليست شكلاً بخطوط حدودية –مصطنعة أو طبيعية- فحسب، بل هي حامل للمعلومات، وإن كان جل الخرائط المنشورة لا يستوعب ذكر كل المدن والقرى ضمنه-وهذا يعود إلى نوع الخريطة وتخصصها- فإن النصوص "العلمية" لا يجب أن تحذف أية مدينة أو قرية أو تغيّر اتجاهها الجغرافي لدى تطرُّقها إلى منطقة بعينها أثرياً أو تاريخياً، وخاصة في فترة زمنية محددة، أما إذا حدث الحذف، فإنما يستهدف خريطة البلاد بأكملها، وهذا ما لاحظناه من خلال حذف مجموعة من المدن الكنعانية الفينيقية السورية، والحديث عن وقوع مدينة إيبلا في الغرب السوري بدلاً من الشمال، وذلك في كتاب المديرية العامة للآثار والمتاحف المنشور عام 2013 تحت عنوان "الإرث الأثري في سورية 2011-2013" من تأليف د.مأمون عبد الكريم، وتدقيق لجنة من الخبراء السوريين والأجانب...

ويبدو الترابط بين ملف الآثار -ببعض تفاصيله- والأزمة الخطيرة التي تتعرض لها سورية، من خلال العبث بالخريطة الأثرية الديموغرافية القديمة ومحاولات طرح مشاريع تقسيم قد تتمرأى فيها الخريطة المشار إليها بتحديد اتجاهات جديدة بغرب سوري جديد و....إلخ، أُعدّت -ربما- كبرنامج عمل منذ سنوات قبل نشوب الأحداث في سورية، بمعنى أن خريطة جغرافية جديدة تتقلص فيها المساحة الأصلية للبلد لا بد لها من واقع تاريخي وأثري وديموغرافي مختلق وقسري وجديد يتناسب وحدودها، الأمر الذي عكسه ما طُرح من مشاريع وإقصاءات لحضارات ومراحل تاريخية من سورية نالت مصادقة من قبل المديرية الرسمية....وقد ثبت أن بعض علماء الآثار الأجانب الذين عملوا في المواقع الأثرية السورية خلال سنوات ما قبل الأزمة كانت لهم ارتباطات مع مشاريع وأهداف دول معادية لسورية، حيث قاموا بتحريف معطيات تخص جغرافية المواقع الأثرية والتاريخية للبلاد لصالح أغراض "جيوسياسية" تستثمر تحريف الواقع الأثري والتاريخي في السياسة... مما خلق بالقوة واقعاً تاريخياً وأثرياً قسرياً جديداً ومرفوضاً على الأرض السورية عبر مشاريع تم نقدُها علمياً ورفضُها من قبل باحثين سوريين قلّة، منها مشروع ARCANE -الذي شاركت فيه ثلاثون دولة بما فيها الكيان الإسرائيلي- وما نتج عنه من قاعدة بيانات علائقية عملاقة بالتنسيق بين جامعة توبنغن الألمانية ومعهد وايزمن في الكيان الإسرائيلي(من 2003-2011) وعبر مشروع CDLI (من 2003-2006) وعبر مشروع قواعد بيانات إيمار(2004-2007) بمشاركة إسرائيلية وعبر مشروع ستاشيم (2010) وعبر مشروع إيتانا، وعبر سلسلة مشاريع الصهيوني الأميركي "ليون جيروم ليفي" (وآخرها في عام 2010 والتي ارتبط العديد منها بالجزيرة السورية بإشراف الأميركي المدعو "جورجيو بوتشيلاتي" الحائز على جوائز من الكيان الإسرائيلي والمقرّب من مديرية الآثار وعرّاب مشاريع الحسكة والذي يدعو الانفصاليين الأكراد فيها إلى أن يكونوا أوصياء على الآثار هناك)... و"اللائحة الحمراء للآثار السورية المعرّضة للخطر"-2013 التي تنتقص من قيمة الآثار السورية وحقيقتها والتي أعدّها أجانب بالتنسيق مع مديرية الآثار والمتاحف وبتمويل من الخارجية الأميركية في 24/9/ 2013... وكل هذه المشاريع المخالفة للقانون تتحمّل مسؤوليتها المديرية العامة للآثار والمتاحف ووزارة الثقافة ورئاسة مجلس الوزراء التي أُحيطت علماً بكل ذلك دون اتخاذ إجراءات –ولو علمية- على الأقل بخصوص أخطر المؤلفات الأجنبية المرخَّصة والتي ظهرت ملامحها على الأرض متوِّجةً للأغراض السياسية المعادية، ونقصد بها كتاب آثار سورية:

THE ARCHAEOLOGY OF SYRIA From Complex Hunter-Gatheres to Early Urban Societies(ca.16000-300b.c),PETER M.M.G.AKKERMANS AND GLENN M. SCHWARTS, CAMBRIDGE , First Published 2003,Fifth Printing 2009

الذي تم انجازه من قبل بعثات أجنبية عملت في سورية، ويبحث في آثار سورية منذ نهاية العصر الباليوليتي وحتى سنة 300 ق.م، والمؤلفان هما "بيتر أكرمانز" أمين قسم الشرق الأدنى القديم في المتحف الوطني للآثار-ليدن/هولندا، وأستاذ عصور ما قبل التاريخ في جامعة ليدن، شارك في عدة مشاريع أثرية في سورية لمدة تزيد عن 12 عاماً، عمل فيها في موقعيْ "حمام التركمان" و"الصبي أبيض"...أما "غلن شوارتز"، فهو أستاذ الآثار في قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة "جونس هوبكنز"، شارك في عدة مشاريع تنقيب في سورية أهمها في "ليلان" و"أم المرا" على مدى 12 عاماً...وقد أسهم علمياً أيضاً في الكتاب كل من علماء الآثار التالية أسماؤهم والذين عملوا سابقاً في أهم المواقع الأثرية السورية، وهم "باولو ماتييه" و"جورجيو بوتشيلاتي" و"ديفيد وجون أوتس" و"ستيفانيا مازوني" و"مارك لوبو" وغيرهم...

وهذا الكتاب عبارة عن سلسلة مدروسة من الادعاءات الزائفة والمسيئة والمحرفة لتاريخ سورية القديم ومعطيات تراثها، حيث يقدم فيه المؤلفان سورية القديمة كأقاليم منعزلة حضارياً، ويبتعدان تماماً عما يجمع السوريين القدماء من عناصر حضارية ثابتة ومستمرة منذ أقدم العصور، وعلى سبيل المثال لا يأتي المؤلفان على ذكر الحضارة الكنعانية أو الكنعانيين ضمن عصور سورية القديمة، كما لا يقدمان "الفينيقيين" على أنهم استمرار للكنعانيين في سورية القديمة، بل على أساس الشراكة المتوسطية مع الإغريق، أما المملكة السورية الكنعانية "أوغاريت" –التي تعتبر بمثابة أم المدن الكنعانية- فيعرّفها المؤلفان بأنها مدينة على البحر الأبيض المتوسط كانت تتبادل التجارة مع "قبرص" و"سوريا"!-وكأنها ليست سورية-...ومن ناحية أخرى يسلّط المؤلفان الضوء على أبجدية أوغاريت المسمارية على أنها تعبّر عن "لغة سامية محلية" ، دون الحديث عن أنها الأبجدية الأولى في التاريخ، طوّرت النظام الكتابي القديم، ومنها تطورت الأبجدية الهجائية الكنعانية ثم سائر حروف أبجديات العالم القديم.

وقد كانت محاولة المؤلفيْن المذكوريْن في كتابهما واضحة في فك الارتباط بين عناصر الحضارة السورية، هذا فضلاً عن ظهور اتجاهات جغرافية جديدة في كتابهما، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فهما يتحدثان عن مدينة "إيبلا" كمدينة تقع غرب سورية، الأمر الذي ثبّته وأقرّه مدير الآثار والمتاحف في كتاب رسمي من تأليفه عام 2013-كما رأينا- في انسجام خطير ومصادقة مؤسفة على العمل الأجنبي المذكور.

كما يحدد الكتاب الغرب السوري من خلال السلسلتين الجبليتين المتوازيتين جبال الأنصارية (أي جبال العلويين) وجبل الزاوية تلك السلاسل الممتدة من الشمال إلى الجنوب، مع تحديد جبال الأمانوس في أقصى الشمال، ويحدد نهر العاصي على أنه أكبر نهر يقع في الغرب السوري!

أما الشريط الساحلي الضيق فيسميه الكتاب " السهل المتوسطي الساحلي" ويَذكر بأنه يُحَد من الشرق بـ جبال الأنصارية ولبنان وسلاسل الأمانوس وله خصائص طبيعية وحضارية قائمة بذاتها، ولا يسمي الكتاب هذا الشريط الساحلي بالشريط السوري أو السوري-اللبناني في أية صفحة منه ...أما الشمال الشرقي فقد حُدد بالمنطقة الواقعة بين الفرات والخابور بما يسمى "الجزيرة"، كما تم تحديد الجنوب الشرقي بالمنطقة الأكثر جفافاً في سورية فشملت عند المؤلفين كلاً من تدمر ومنطقة الكوم القريبة من جبل بشري (القريبة من وسط الفرات السوري) (؟) كما حُدد الجنوب -في الكتاب المذكور- من جبال لبنان الشرقية (القلمون) حتى دمشق وحوران...!...لقد بنى العالمان لاحقاً كل المواقع الحضارية على الأرض السورية استناداً إلى هذه الجغرافية المقلصة حتى بحدود سايكس-بيكو، مما قد يشير إلى أن لدى المؤلفيْن المذكوريْن –والمسهمين "العلميين" معهما- تصوّر خريطة جغرافية مسبقة مسيّسة قاما بوضع دراستهما وتحديد الاتجاهات الجغرافية الغريبة وغير المنطقية على أساسها، حيث قدّما الجغرافيا السورية مقلصة فقط بالداخل السوري وعبّرا عنها بطرق خاطئة بادّعاء تمايز الجغرافيا والحضارات السورية عن فلسطين والأردن ولبنان وعن جنوب الرافدين، بينما تتداخل حضارياً بين الشمال-الشرقي وشمال العراق وجنوب شرق الأناضول...! كما اعتبر المؤلفان المستوى الحضاري السوري مجرد أرض عبور للحضارات الكبرى في ذلك الوقت من مصر إلى الأناضول ومن الساحل المتوسطي إلى الرافدين! وأسقطا عن الأرض السورية الصفة المتعارف عليها عالمياً ومن مصادر وموسوعات متنوعة على أنها "مهد الحضارات"، واستندا إلى نظرية لا يؤخذ بها عالمياً وسقطت منذ الخمسينات باعترافهما وهي بناء التمايز الإثني استناداً إلى التمايز في تشكيل نماذج الحضارة المادية للمنتج نفسه!!؟؟ على سبيل المثال "الاختلاف في أشكال الفخار بين عناصر حضارية مختلفة من الأرض السورية يدل على الاختلافات الإثنية"!!؟؟ هذا فضلاً عن قيام المؤلفين ببناء الدليل العلمي الأثري فقط من خلال الحضارة المادية والمجتزأة، واعتبار إيمار (مسكنة التابعة لحلب) على أنها مملكة أقيمت على أرض محاطة بالأجانب... كما أزاح المؤلفان "الكنعانية" بالمطلق عن الأرض السورية ولم تستخدم في الكتاب إطلاقاً إلا في صورة واحدة لرأس رمح يعود إلى الألف الرابع ق.م باسم الشفرة الكنعانية... وهكذا فإن هذا الكتاب والذي لاقى انتشاراً واسعاً، أراد له المؤلفان أن يكون مرجع المتخصصين الأول في مجال آثار سورية القديمة، وذلك فضلاً عن الغاية الأساسية الواضحة فيه، وهي توظيف تلك المعلومات الخاطئة في عملية استهداف وحدة التراب السوري وعناصر الهوية التاريخية لسورية. فكيف وافقت المؤسسة الأثرية السورية على هذا الكتاب؟

ثانياً: موضوع الهوية الوطنية ووحدة البيئة السورية:

عكس بعض مناهج التربية الجديدة ضعفاً كبيراً في مفهوم الوطن والهوية الوطنية، وجعل من الشعب السوري تاريخياً شعباً ثانوياً في أرضه، وشوّش بعض الإعلانات التربوية التوعوية على حقيقة وحدة البيئة السورية في الماضي والحاضر...وكما رأينا في هذه المقالة أعلاه فقد اتّضحت على الأرض خلال السنوات الماضية –ومن ضمنها سنوات الحرب على سورية وحتى تاريخه- حقائق الحرب الفعلية على الهوية السورية ومكوناتها عبر مشاريع أثرية عالمية معادية وخطيرة ومشوِّشة للحقائق تمت بترخيص من مسؤولين في مديرية الآثار ووزارة الثقافة حتى تاريخه، وتطابق بعض نتائجها مع توجهات بعض المناهج التربوية الجديدة.

ثالثاً: موضوع الإساءة إلى الرموز الوطنية:

بعض الملاحظات على مناهج التربية الجديدة يؤكد أن هناك إساءة إلى أهم رموز الأمة التاريخيين، ولعلنا نخص بالذكر شخصية السيدة مريم العذراء الجليلة والتي قدّستها الآيات القرآنية والروايات الدينية المسيحية والإسلامية تحديداً، بينما أساءت الروايات اليهودية إليها وإلى السيد المسيح...وهنا فنحن لسنا بصدد الحديث عن الحرب التي تعرضت وتتعرض لها الديانة المسيحية من قبل الصهيونية العالمية، فهذا موضوع طويل، ولعل من أخطر فصوله سياسات تهجير المسيحيين من وطنهم الأم، ومحاولات تدمير التراث المسيحي الوطني كتراث يشير إلى أصالة سورية عبر عصور التاريخ... وفي المجال الأثري والثقافي تعرّض بعض أدلّة الحضور المسيحي العائد إلى فترة المسيحية الأولى في المنطقة إلى محاولات طمس، كما تعرّض التراث السرياني إلى عمليات محو، هذا بالإضافة إلى محاولات تهويد حروف اللغة الآرامية التي تحدثها السيد المسيح، تلك المحاولات التي أتى رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي "نتنياهو" بمثلها حين ادعى أمام بابا الفاتيكان في القدس المحتلة عام 2015 أن لغة السيد المسيح كانت العبرية!...

ومن ناحية أخرى فبعض معارض الآثار السورية في الخارج استُغلت –بعلم المسؤولين عنها- لصالح تسريبات معينة مسيئة للرموز الوطنية، فمعرض "أنا زنوبيا" الذي أقامته المديرية العامة للآثار والمتاحف بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس سنة 2001-2002، نتج عنه نشر معلومات تسيء إلى الملكة السورية زنوبيا، وتتحدث عن إمكانية أن تكون هذه الملكة يهودية، وأن باني تدمر هو الملك التوراتي سليمان...وقبل أن تسيء هذه المعلومات إلى زنوبيا وتدمر، فهي خاطئة، وهي من ضمن سلسلة التزوير الاسرائيلي الذي يسعى بشكل محموم لنسب الشخصيات الهامة في التاريخ إلى اليهود و"إسرائيل"...وحديثاً فإن المقالة التي تحمل عنوان "الأوراق السرية لزنوبيا ملكة تدمر" والمنشورة في عدد مجلة المعرفة 632-أيار 2016، تسيء بشكل مفرط وملحوظ وخطير إلى تدمر والتدمريين وإلى السيرة الشخصية والتاريخية للملكة زنوبيا وزوجها وأبيها.

وكذلك تم تشويه سيرة القائد صلاح الدين الأيوبي في معرض مماثل للآثار السورية في فرنسا، بالإضافة إلى عرض قطع أثرية مصدرها "هيئة الآثار الاسرائيلية"، إلى جانب القطع السورية حسب دليل معرض صلاح الدين الأيوبي، معهد العالم العربي بباريس 2001-2002، ص 98، 101)...وقد صدر هذا الدليل بموافقة المديرية العامة للآثار والمتاحف.

خاتمة

وختاماً ينبغي أن نشير إلى أن الارتكابات في المجال الثقافي، ليس بالضرورة أن تتطابق حرفياً مع الارتكابات في المناهج التربوية الجديدة، لكن الملاحَظ أن النهجين الثقافي والتربوي متطابقان، ولعل أكبر قاسم إداري مشترك بين النهجين هو حضور غير المتخصصين في عملية القرار العلمي على حساب المتخصصين، والنتيجة الأولى لهذا القاسم المشترك هي الارتكاب والوقوع في الخطأ وتمريره...وبالتالي فلو حدثت ضجة جماهيرية ضد الارتكابات في المجال الثقافي، لما وقع ما وقع في مجال التربية، والمعادلة الآن هي ضرورة تحقيق السيطرة على المرتكبين لئلا يستمروا في نهجهم، وإرضاء الشعب الغاضب، ليس فحسب عبر استجواب وزير التربية تحت قبة مجلس الشعب، ذلك أن مناهجه الجديدة تجيب أكثر وبشكل أوضح، وإنما باتخاذ قرارات نوعية مع ضرورة استثمار عوامل النصر أكثر مما يستثمر المغرضون عوامل الهزيمة.


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 جلال قدوري
    28/9/2017
    06:01
    فعلاً صح النوم
    لمن استيقظ ورأى الأمور كما وصلت إليه اليوم...قوى الفساد تتحكم بكل شيء ولا رادَّ لها ولا رادع...التربية -التعليم-الثقافة وهلم جرا...استفتاءات انفصالية-حكم ذاتي...استعمارات جديدة-أحداث يندى لها الجبين.......يبدو أنه ما فاز إلا النوّم...!
  2. 2 رؤى
    28/9/2017
    07:38
    وهاقد عرفنا ماذا في التربية وماذا في الثقافة...وماذا بعد؟
    فعلاً ماذا بعد إذا كان النهج مستمراً بلا هوادة!
  3. 3 مانودريان
    28/9/2017
    22:09
    أيلول شهر المآسي التربوية والثقافية والسياسية
    دفعة واحد...مناهج التربية وما فيها وما عليها ثم "إمكانية" الحوار والتفاوض بخصوص حكم ذاتي للأكراد الانفصاليين ثم تعيين مدير عام جديد للآثار والمتاحف كغطاء على كل الجرائم وكاستمرار للنهج القائم...
  4. 4 مانودريان
    28/9/2017
    22:14
    أيلول شهر المآسي التربوية والثقافية والسياسية
    دفعة واحدة: المناهج التربوية الجديدة وما فيها وما عليها، و"إمكانية" الحوار والتفاوض بشأن حكم ذاتي للأكراد الانفصاليين، وتعيين مدير عام جديد للآثار والمتاحف كغطاء جديد على كل الجرائم وكاستمرار للنهج القائم...
  5. 5 مجد
    29/9/2017
    00:50
    كان الله في عون الرئيس بشار الأسد
    فهو يحارب على أكثر من جبهة ...لقد استطاع احتواء الاختراقات في الجبهات العسكرية بما يشبه المعجزة، حيث لا توجد دولة تستطيع الصمود لو تعرضت لما تعرضت له سورية...لذا اتجه الأعداء إلى الأساليب الخبيثة التي -على ما يبدو- كانت تُطبَخ منذ فترة معتمدةً على عملاء يتخفّون بعدة أشكال...إن كشف الأقنعة عن وجوه أولئك العملاء لهو النصر الجديد والأهم لبقاء سورية...وكما نلاحظ فمعارك العملاء تُشن فجأةً وبتواقيت مختارة، وأخبث أهدافها هو ضرب المعنويات ومقايضة الانتصارات على الجبهات العسكرية بداخل ضعيف ومهتز، ومن الممكن أن يهتز أكثر في حال وجود مخططات خفية معدة بالتنسيق مع العملاء.
  6. 6 كميل
    2/10/2017
    04:14
    الاحباط القاتل عنوان المرحلة
    من لم يُقتًل برصاص الإرهابيين أو قذائفهم الحاقدة سيقتله الإحباط لأنه عنوان المرحلة التي يقول فيها الفساد للجميع في الوطن هاأنذا...
  7. 7 محمد جمعة
    2/10/2017
    04:16
    حسب الملف، وزارتا الثقافة والتربية خارج السيطرة
    هل هناك كلام آخر؟
  8. 8 محمد حمدان
    3/10/2017
    04:19
    الجمهور السياسي يرفع دعوى على دارم الطباع!!!
    أحد الأساتذة الجامعيين والمحللين السياسيين للقنوات المحلية يرفع مع مجموعة من زملائه دعوى على مدير مركز تطوير المناهج بخصوص اقتصاص جزء من البلاد في الخريطة المنشورة في أحد المناهج الجديدة...نؤيد رفع هذه الدعوى ويجب دعمها بملف خرائط مديرية الآثار...فدارم الطباع ليس وحيداً في هذا الجرم...الرأي العام بدأ يفهم ويطّلع...ولا يجب أن يتصرف بمفرده طالما هنالك جهات يمكنها اختصار وقت القضاة!!!
  9. 9 بديع
    3/10/2017
    04:25
    إلى قارئ التعليقات الجديد
    أنت واحد من زملاء سبقوك...تعرف دورك وستتعرف عليه أكثر في وسائل الإعلام وستحاسب طال الزمن أم قصر
  10. 10 مهندددد
    13/10/2017
    18:28
    سكتة قلبية للملف!!!
    وزير التربية اعترف بس بغلطين وكأنهما معدان مسبقاً ليكونا الخطئين الوحيدين الجاهزين والمجهزين للاعتراف.!!!..وما عدا ذلك فالمناهج -ما شاء الله- قمة في العبقرية والنزاهة والتطور!!!!...إسألوا نجدت اسماعيل أنزور أين أصبح الملف؟
  11. 11 زهدي
    13/10/2017
    18:30
    كل هذا يعني أن الرأي العام والصحافة بفرنك مصدّي
    مع الأسف
  12. 12 صبحي
    14/10/2017
    03:49
    وزراء ثقافة بلا ضمائر
    يكفيهم ما قرأنا في هذه المقالة...والأيام قادمة.
  13. 13 متابع بسيط
    14/10/2017
    03:52
    متى يصبح للمحاسبة قانون وقرار؟
    تسكت الدولة على كل شيء إلى أن تحدث المفاجآت بعد انتهاء فصول المسرحيات...الآن نشهد تصفيات كبيرة بين رجال أعمال الأزمة...وين كانت الدولة...؟
  14. 14 سميح القاسم
    15/10/2017
    02:52
    بيهتمّوا بالآي بي أكتر من كل شي
    وممكن يخزنوا عندن نمرة بنطلون المواطن االمسحوق...لإنو ما عندو غيرو...فلوين بدو يروح ؟ مدير الآثار باع التاريخ والجغرافيا ونال هدايا وجوائز ومباركات أجنبية... ويتابع مهمته ولا أحد يسأل عما فعل ويفعل...لكن المعترضين عليه تلاحقهم الشرطة...!...مهزلة هذا العصر.

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا