جهينة نيوز:
ليس مستغربا أن تطورات الأحداث في سوريا سيكون لها انعكاسات و ارتدادات تطال بتأثيراتها دول الشرق الاوسط ، فبين التحالفات الجديدة التي أفرزتها الحرب السورية على مستوى العلاقات الاستراتيجية ، يبدو أن بعض الدول التي أدركت مؤخرا أن المشروع الأمريكي السعودي في المنطقة يسير نحو الهاوية ، و من باب أولى تغير مسار التحالفات و الانضمام إلى الحلف المتصاعد ، و الحد من تدخلات الدول التي تعتبر أن السير في المشروع الأمريكي يعد ضامنا قويا لمستقبل الدول ، من هنا سعت مصر إلى التنصل من المشروع الأمريكي السعودي مع إبقاء باب التحالفات مواربا ، ريثما يتكمل المشهد الجيوسياسي في منطقة الشرق الاوسط .
مصر التي لعبت خلال السنوات الأخيرة دورا هامشيا في التعاطي مع بعض قضايا المنطقة ، و لهذا نرى اليوم بأن مصر بدأت في السير بطريق التخلي عن استراتيجيتها الماضية ، و القياد بدور فعال و جوهري في القضايا التي تعصف بالمنطقة ، و البداية كانت بتصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حين قال : " بأن لديه الرغبة في تخفيف حدة التوتر مع طهران وتحدث علنا في أنه يأمل أن يلعب دورا أيحابيا لتحسين روابط بلاده مع طهران والتي انقطعت لمدة 40 عاما " ، وفي سياق متصل تحدث السيسي حول الأزمة السورية وصرح بأن " الحفاظ على وحدة وسلامة هذا البلد، يُعد من اهم القضايا التي تضمن أمن وسلامة المنطقة واكد على ضرورة الحفاظ على الحكومة الوطنية في سوريا ولفت إلى انه من الضروري اقامة انتخابات شعبية في سوريا لترسيخ السلام فيها ومن جهة اُخرى اكد بأن الطريقة الوحيدة لإنهاء الاضطرابات والأزمات في المنطقة وخاصة في سوريا وليبيا والصومال، هي بمواجهة التطرف " ، و بالنظر إلى مضامين تصريحات السيسي ، هناك الكثير من الأسئلة التي تتمحور حول دوافع القاهرة في اعتماد نهج جديد في السياسة الخارجية لمصر ، الأمر الذي من شانه أن يعيد مصر إلى مربع الدول ذات القرارات الاستراتيجية الفاعلة في قضايا المنطقة .
لقد تولت حكومة السيسي السلطة في مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين ، و قامت في غضون ذلك بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية ، و يذكر بأن هذه الجماعة كانت تتلقى الدعم من تركيا وقطر وكانت تحارب في سوريا ضد حكومتها الشرعية ، لذلك قام السيسي بعد توليه السلطة بحظر جماعة الإخوان في مصر و محاكمة أعضاءها ، و العمل على تقوية علاقاته الخارجية مع حكومة دمشق لمواجهة الإخوان المسلمين ، حيث يمكن الاستفادة من تجارب دمشق في محاربة الإخوان إبان جرائمهم في سوريا في ثمانينيات القرن الماضي ، و في هذا تغير في مسار السياسة الخارجية المصرية نحو دعم وحدة سوريا والاعتراف بشرعية الرئيس “بشار الأسد” ، يضاف إلى ذلك بأن دمشق و محور المقاومة بالكامل ، لعب دورا جوهريا في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي ، و بالتالي ايقنت حكومة مصر بأنه يجب توجيه التعاون نحو بلدان محور المقاومة لمواجهة التنظيمات الإرهابية، كتنظيم داعش الإرهابي، الذي أنشأ له مقرات في بعض مناطق صحرا سيناء.
أما في العلاقات المصرية السعودية ، فعلى الرغم من أن السعودية سعت في كثيرٍ من الآحيان إلى الإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين بقيادة “مرسي” في مصر ، وحاولت التقرب من حكومة القاهرة الحالية ، و إرسال الكثير من المساعدات الاقتصادية لها، إلا أنها لم تستطع إقامة علاقات قوية معها ، وذلك بسبب وجود خلافات سياسية قوضت هذه العلاقات ، خاصة تلك التي تخص الشأن السوري والعراقي والدعم الذي تقدمه السعودية للجماعات الإرهابية التي وسعت نطاق عملياتها إلى أن وصلت إلى مصر ، فكان لزاما على مصر التنصل من علاقتها بآل سعود ، و الحد من تدخلاتهم في سياسة مصر الداخلية و الخارجية ، وفي هذا الصدد ، يرى الكثير من المواطنين المصريين بأن تلك المساعدات الاقتصادية التي ترسلها السعودية لمصر، ما هي إلا ذريعة للسيطرة على استقلالية الحكومة في سياساتها الخارجية.
هي جملة من المعطيات الواضحة في مسار السياسة الاستراتيجية الجديدة لدى مصر ، هي معطيات تشي باستعادة مصر تدريجيا لمكانتها الإقليمية ، فبعد ازدياد المشاكل الداخلية في مصر، أصبحت الحكومة المصرية في وضع لا تحسد عليه ، خاصة بعد حدوث ما سمي بثورات الربيع في بعض الدول العربية ومن بينها مصر ، و لكن في الوقت الحالي بدأت السلطات المصرية بالعمل على العودة إلى مكانتها السابقة في العالم العربي ، وبناءً على ذلك فإن الحكومة المصرية تحاول إظهار أثرها الإيجابي على أحداث المنطقة ، من خلال سعي السيسي لمشاركة قوات محور المقاومة فوزها والتعاون معها للقضاء على التنظيمات الإرهابية في سوريا ، وذلك عندما رأى بأن الحكومة السورية وبمساعدة محور المقاومة ، تسعی إلى تطهير الأراضي السورية من تنظيم داعش الإرهابي ومن بعض الجماعات التكفيرية ، ونظرا لسياسات السعودية ، التي قدمت وتقدم الكثير من الدعم للجماعات التكفيرية، فضلا عن إشعالها لحروب إقليمية في المنطقة ، كتلك التي تقوم بها في اليمن وتدخلها في الشؤون الداخلية للبحرين ، فكل تلك السياسات قد تسببت في ازدياد حالة السخط والكراهية لآل سعود في المنطقة ، ولهذا فإن الحكومة المصرية تحاول الرجوع إلى مكانتها الإقليمية في المنطقة، بالابتعاد عن السعودية ولذلك، فإن التقرب من محور المقاومة وداعمهم الرئيسي، روسيا ، هو أحد اهتمامات القاهرة الخاصة والتي ذكرها الرئيس “السيسي” في تصريحاته الأخيرة.
أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي ، هو مثال واقعي جسده السيسي في مواقفة الأخيرة ، فقد أدرك بأن الخيار الأنسب لحل العديد من القضايا الإقليمية كمكافحة الإرهاب والتطرف ، هو التعاون مع محور المقاومة والاستعانة بالحلول السياسية والدبلوماسية بدلا عن الحلول العسكرية لحل ألازمات المشتعلة في المنطقة.