الولايات المتحدة تهمش "محاربيها" القدامى وتعاقب حلفاءها وترمي بهم إلى المجهول!

الجمعة, 27 آذار 2020 الساعة 01:25 | تقارير خاصة, خاص جهينة نيوز

الولايات المتحدة تهمش

جهينة نيوز- خاص:

يكفي أن نتأمل مشهد إنزال علم الاتحاد الأوروبي ورفع علم الصين بدلاً منه في إيطاليا، لندرك إلى أين وصل المزاج الشعبي في بعض البلدان الأوروبية والعالم تجاه ما يُسمّى "الأحادية القطبية" التي تربّعت على عرشها الولايات المتحدة ردحاً من الزمن، وإلى أين يسير مستقبل التحالف الأوروبي- الأميركي، بعد تخلي قادة البيت الأبيض وزعماء الدول الكبرى عن حلفائهم وخذلانهم مع بدء أزمة جائحة "كورونا" الأخيرة، كما خذلوا سابقاً بعض حلفائهم في الشرق الأوسط، ومثال ذلك قانون "جاستا" الذي يستهدف السعودية، الحليف المفترض لواشنطن في المنطقة.

بالتأكيد لن نستغرب الموقف الأمريكي إزاء الخارج، ولاسيما ونحن نسمع عن سلوك أشدّ قسوة وبشاعة وعنصرية يمارسه هؤلاء القادة –داخلياً- تجاه الأمريكيين أنفسهم، وفي مقدمتهم الجنود المتقاعدون الذين خدموا في جيشهم لسنوات عدة، وها هم مهمشون مشردون اليوم تتقاذفهم النوائب والأقدار. فقد تناولت الكاتبة كريستينا لين أزمة هؤلاء المشردين في الولايات المتحدة، خاصة من يسمّون "المحاربين القدامى" أي الجنود الأميركيين المتقاعدين. وفي مقالة نشرها موقع "إيجيا تايمز" لفتت كريستينا لين إلى أن أعداد المشردين من هؤلاء يتزايد في ولاية كاليفورنيا تحديداً، مشيرة إلى أرقام صادرة عن وزارة المحاربين القدامى الأميركية، أفادت بأن هناك نحو 40,000 مشرد من "المحاربين القدامى" الأميركيين من بينهم 11,000 في كاليفورنيا، يعاني معظمهم من مشكلات مثل تعاطي المخدرات واضطراب ما بعد الصدمة وإصابات دماغية، وقالت الكاتبة: إن عبارة "المحارب القديم" المشرد أصبحت وصمة عار في سجل الولايات المتحدة!!.

ولعلّ هذا التخلي والخذلان، بات أكثر وضوحاً في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، الذي أشعل حروباً اقتصادية في آسيا وأوروبا ومناطق أخرى من العالم منذ وصوله إلى البيت الأبيض، وأقرّ حصارات عدائية وإجراءات تجارية استهدفت الحلفاء قبل الخصوم، من بينها الإجراءات الجمركية ضد أوروبا الغربية وآسيا التي منعت وصول صادرات تلك الدول القادمة إلى الولايات المتحدة، ما أدى إلى الإضرار باقتصادات هذه البلدان. كما لا ننسى مساعي واشنطن المتواصلة لتفكيك الاتحاد الأوروبي، وتصاعد التوتر في العلاقة بين أمريكا وحلفائها خلال السنوات القليلة الماضية، والتوجّه الأوربي للبحث عن حلفاء جدد يمكن الاعتماد عليهم في مواجهة التحديات المتزايدة، حتى قبل تفشي "كورونا". والتقارب الأوروبي الروسي أو الأوروبي الصيني الذي تترجمه صورة رفع العلم الصيني في إيطاليا يعدّ المثال الأوضح على هذا التغير في التوجهات والتحالفات المقبلة.

إن الاعتماد على الصين وكوبا مثلاً في تعزيز الإجراءات العلاجية أو الوقائية والاحترازية التي تتبناها دول العالم اليوم لمواجهة الفيروس القاتل، هو حلقة جديدة فيما يسميه بعض الباحثين الاستراتيجيين والمحلّلين السياسيين بمسلسل "تشتت حلفاء واشنطن" وتوجّه الكثير منهم نحو آسيا، لتكوين تحالفات تقوم على أنقاض التحالفات التقليدية المهدّدة بالانهيار بين الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي، أو بين تلك البلدان ذاتها، وخط التنسيق المفتوح حالياً بين روما وبكين، هو الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، والذي سيقود باعتقادنا إلى نهوض قوى جديدة قادرة ولديها الاستعداد التام لتجسيد سياسة "التضامن الدولي" حقيقة ماثلة ومؤكدة، في الوقت الذي تتجاهل الولايات المتحدة دورها كقوة دولية مهيمنة على النظام الدولي في حماية العالم من المخاطر التي تتهدّده، وتتراخى الدول الأوروبية الكبرى في مؤازرة إيطاليا وسواها، والتي أكد رئيس وزرائها الأسبق إنريكو ليتّا على ضرورة خلق شبكة دولية أوروبية لمواجهة انتشار فيروس "كورونا"، وأن الشبكة يجب أن تشمل مجموعة السبعة الكبار (أمريكا، اليابان، إيطاليا، كندا، فرنسا، ألمانيا وبريطانيا)، وإشارته المبكرة إلى أن طريقة تعاطي بعض دول الاتحاد مع أزمة الـ"كورونا" تضع الاتحاد كله في مهب الريح.

نهوض التنين الصيني الذي كان علامة كبرى من علامات التحول الجيوسياسي في القرن الحادي والعشرين، في زعمنا، سيكون رأس القاطرة في التحالفات الدولية الجديدة بعد أن تتحرر من الأعباء التي أثقلتها سياسة القطب الواحد، وقيامة هذا التنين من تحت رماد الـ"كورونا" مؤشر مبشّر على ما نذهب إليه. فقد وصلت المساعدات الصينية اليوم إلى مختلف أصقاع العالم واستفادت منها دول عدة منها بلجيكا، وإسبانيا، وأثيوبيا، وناميبيا، والفلبين، إضافة إلى إيطاليا، وتطمح الآن إلى توسيع اتفاقات الشراكة في مبادرة "الحزام والطريق"، وعينها على أهم الموانئ التي يقوم عليها المشروع الصيني المستقبلي، كميناءي جنوى وتريسته في إيطاليا، وروتردام في بلجيكا، وميناءي فالنسيا وبلباو في إسبانيا.

على أنه من المفيد التذكير بأن دونالد ترامب، الذي يتبجّح الآن في أحقية الولايات المتحدة بقيادة العالم وإخراجه من أزمة الوباء الراهن، هو نفسه وعد بإخراج بلاده من الناتو خلال حملته الانتخابية، الأمر الذي أدى إلى تراجع العلاقات الأميركية- الأوروبية بل وتدهورها، وفي الوقت نفسه دفع كثيراً من بلدان الاتحاد الأوروبي إلى الابتعاد عن الشراكة غير المتكافئة بين الطرفين، حيث من السهل على الولايات المتحدة الأميركية تهميش وخذلان حلفائها أو حتى معاقبتهم، فمن يهمّش "محاربيه القدامى" وجنوده المتقاعدين ويرمي بهم إلى مهاوي المخدرات والاضطرابات والصدمات النفسية المتفاقمة، سيسهل عليه التفريط بأقرب حلفائه ورميهم لمواجهة مصيرهم المجهول.


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 عدنان احسان- امريكا
    27/3/2020
    01:44
    والعكس هو الصحيح
    والله امريكا موفره لهم كل الرعايه - وحتى المخدرات - واكثر المحاربين القدماء - يتعاطون المخدرات بالوصفات الطبيه - او من لم يتعاطى يبيعها - واسالو الدكتور نمر اسكندراني - صديق للكتور فيصل المقداد ،،

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا