جهينة نيوز-بقلم فاديا جبريل:
من حسنات الحرب العدوانية على سورية، رغم المرارة والآلام وشلالات الدم الذي سفكه المتآمرون، أن هذه الحرب أسقطت –دفعة واحدة- كل الأقنعة التي اعتاد الكثير من التابعين العرب واللاعبين الدوليين استخدامها للتغطية على حقيقة الأهداف والمصالح والأطماع التي يبنون سياساتهم عليها.
ولعلّ أبرز تغيير استراتيجي «قسري» برز كحالة مفضوحة المعالم هو الظهور العلني لتحالف تشكّل منذ عشرات السنين بين الصهيونية العالمية والوهابية التكفيرية، إذ وحدتهما الأهداف المشتركة فانصهرا في المشاريع الاستعمارية الغربية، وتحوّل كلاهما إلى جزء عضوي في تلك المشاريع العدوانية.
فالصهيونية التي تتشارك في ثقافة واحدة مع الوهابية، هي ثقافة الذبح والقتل والتدمير، تبرّر جرائمها بحجة «الدفاع عن اليهود وحقهم في إقامة دولتهم اليهودية» ولا تتورع حتى عن قتل اليهود لتحقيق مآربها، بينما الوهابية تتذرّع بحقها في إقامة «إمارات إسلامية» تأتمر بإمرتها وتخضع لفتاواها ومنها ما سمّوه «الجهاد» ضد البلدان والشعوب الإسلامية، وقد ارتكبت لتحقيق ذلك، أفظع الجرائم ضد شعب نجد والحجاز وحائل وعسير وسواها، ما يؤكد شراكة التحالف الصهيو- وهابي مع المصالح الاستعمارية الكبرى، وأنهما ليسا إلا جناحين عسكريين وتمويليين للمشاريع العدوانية في المنطقة والعالم.
ومنذ القدم عمل هذا التحالف «الشيطاني» المتطابق أصلاً بالأهداف والغايات والرؤى على تكوين كيانات كولونيالية سرية وعلنية متناحرة متقاتلة، بعضها يلبي أهداف وشروط هذا التحالف، واعتمد سياسة توزيع الأدوار حتى كادت تنطلي على العالم لعبة تبادل العداء والحركات الاستعراضية التي تجلّت في القيام بضربات وعمليات غير مؤثرة لم تضرّ، ولم ترتد تداعياتها إلا على العرب والمسلمين.
لقد قرأنا وسمعنا عن أحداث كبرى واضطرابات هنا وهناك، وكنّا نبحث عن دور لهؤلاء، فكانت الوقائع والمنطق والحقائق تقودنا إلى بصمات أصابعهم الخفية، ولكن غالباً ما كان ينتفي الإثبات لنضيع بين الحقيقة والوهم، ما خلا بعض التسريبات لأفراد حاولوا الإضاءة على طبيعة هذا التحالف ودور تلك الكيانات السرية، فدفعوا حياتهم ثمناً لذلك كحال الكونتشيريبسبيريدوفيتش صاحب كتاب (حكومة العالم الخفية) الذي دفع حياته مقابل حقيقة بدأت تنجلي وتظهر مصداقيتها الآن، إذ قال: «إن بسمارك يعلم أنهم من قتلوا إبراهام لنكولن الذي اكتشف دورهم الخبيث في تقسيم الولايات المتحدة الأمريكية»، وأضاف بسمارك: «إن الروتشلديين هم طغاة العالم يسعون إلى إحكام قبضتهم على العالم بكل الوسائل، وهم امتداد (لبني «إسرائيل» المفسدون في الأرض)، وصنو للماسونية العالمية، لا يتورعون عن قتل وإبادة الجنس البشري بأبشع أنواع الإبادة من أجل الوصول إلى غاياتهم الدنيئة».
إذاً وبناءً على ما سبق يتضح أن «حكومة العالم الخفية» تقود مشاريعها العدوانية بجناحين يشكّلان ذراعها العسكرية وقوتها التدميرية: جناح الصهيونية العالمية وجناح الوهابية التكفيرية، فبهما أسقطوا برجي نيويورك، وبهما حاربوا في أفغانستان والعراق، واليوم يبرز دورهما بقوة في مشروع عالمي جديد يستهدف العالم كلّه، انطلاقاً من الوطن العربي، من خلال بدعة سمّوها زوراً «الربيع العربي»!.
نعم لقد تمكّن هذا التحالف «الشيطاني» من إسقاط تونس ومصر وليبيا واليمن في براثن فوضى الفكر التكفيري «الصهيو-وهابي»، وبدأ يزهر وبتناغم دقيق كما خططوا له، إلى أن اصطدم بصمود سوري خلط الأوراق ونسف السيناريوهات وأحرق حتى البدائل، كما اصطدم بمحور مقاوم يمتد من روسيا والصين وإيران والعراق وفلسطين وصولاً إلى جنوب لبنان، والذي يعلن يومياً أن إسقاط سورية خط أحمر، وأن موقع سورية الجيواستراتيجي وصمودها سيسقطان المشروع الاستعماري الجديد وسيبعثران أحلافه ودوله واحدة إثر أخرى.
إن الظهور العلني «القسري» لهذا التحالف الصهيو-وهابي وللمرة الأولى في تاريخه، يجعل المعركة معركة «مصير ووجود» لهذا التحالف، لأنه كما بات واضحاً فإن الجناح الوهابي بدأ يتكسر تحت ضربات الجيش العربي السوري، أي إن المشروع الصهيو-وهابي بدأ يفقد أحد أجنحته، ما يعني أن سقوطه الوشيك بات حقيقة حتميةً. لذا انبرى الجناح الصهيوني إلى نجدته ومؤازرته من خلال زج «إسرائيل» وتحريضها على التدخل العلني المباشر وتوجيه ضربات جوية لمواقع عسكرية ومنشآت مدنية في الداخل السوري، مترافقة مع تهليل و«تكبير» وفرح الجناح الوهابي الذي يصارع الموت ويلفظ أنفاسه الأخيرة، في تأكيد أن الصهيونية والوهابية وحدة عضوية «شيطانية»، خرجت من نبع واحد وتحمل الأفكار نفسها،بل إن مصبّها واحد وأهدافها الاستراتيجية واحدة وقيادتها واحدة.
ولئن سعى العدوان الإسرائيلي إلى تحقيق هدف مباشر، هو محاولة خلق توازن من نوع آخر يحفظ ماء وجه «المفاوض الأمريكي»، بعدما اختل التوازن العسكري في الميدان لمصلحة الجيش العربي السوري، فإن قرار الزج المباشر بـ«إسرائيل» في هذا العدوان لا يمكن أن يُقرأ إلا كممر إجباري بسبب حالة اليأس والإحباط التي يعاني منها عرّابو العدوان على سورية وهم يشاهدون مشروعهم ينهار ويتهاوى ويتقهقر تحت أقدام وأحذية جيش أسطوري، قد لا نبالغ إن قلنا: إنه كان مؤيداً ومكللاً بمباركة وإرادة سماوية، لأن معركة الجيش العربي السوري هي معركة الخير كلّه مع الشر كلّه.
وعلى هذا يمكننا أن نعتبر أن هذا العدوان والتحرك اليائس هما الورقة الأخيرة التي يراهنون عليها في استكمال مشروع عالمي فاشل،وهم الذين يعلمون علم اليقين أن «إسرائيل» «الوهم» هي الحلقة الأضعف في محيطها، لأن سورية ومحورها المقاوم، إذا ما اتخذا قرار الحرب وأخرجا صواريخهما وأسلحتهما الاستراتيجية،سيضعان «إسرائيل» في دائرة الفناء وسيخضع الصهاينة الإسرائيليون إلى سبي جديد وأبديّ هذه المرة.
اليوم نشهد ويشهد العالم كلّه خواتيم ونهايات مرحلة تاريخية سيندثر فيها التحالف السري بين الإسلام المتطرف المتمثل بالوهابية التكفيرية وبين الصهيونية العالمية المتمثلة بالمسيحية المتصهينة، بعد أن أطلّ برأسه وظهر إلى العلن وجهه الشيطاني البشع، ونجزم أن دخوله مرحلة الانكشاف سيجعل التصادم بين محورين يحملان فكرين متناقضين تماماً كبيراً وكبيراً جداً، وضراوة المعركة التي نشهدها اليوم هي عنوان «المعركة الوجودية»، لأن سقوط الجناح الوهابي سيُسقط المشروع برمته.
أخيراً.. سيكتب التاريخ أن من دفع الشيطان للانتحار هو صمود شعب تبنى المقاومة فكراً وعقيدة وممارسة، وجيش سطّر بدماء شهدائه وتضحياته وبطولاته أنصع وأنقى وأبقى الصفحات، وقائد قرأ التاريخ جيداً واستخلص العبر، وتمكّن بحكمته وشجاعته من مواجهة وكلاء إبليس على الأرض في معركة مقدّسة استطاع أن يديرها بحنكة ودراية، ويدفع بأخطر تحالف سري مر في تاريخ البشرية للانكشاف والعمل العلني ومن ثم إلى الهاوية.
نعم.. هذه سورية لمن لا يعرفها، بصمودها أدخلت المنطقة والعالم مرحلة جديدة تماماً، سقطت فيها مقولة إن الحرب جولات، لأن عنوانها السوري «إما النصر أو النصر».
جريدة تشرين
18:52
18:53
19:24
19:39
19:42
20:00
20:10
20:11
21:08
21:16
21:30
02:19
06:49
09:41
09:44
14:02
17:32
18:27
19:13
22:13
06:30
09:21
09:23
09:48
10:44
11:17
17:31
13:19
20:58
14:25
16:09