جهينة نيوز- بقلم عبد الباري عطوان:
أخيراً أفاقت جامعة الدول العربية من غيبوبتها وقررت دعوة وزراء خارجية حكوماتها إلى اجتماع طارئ لبحث الأزمة السورية وتطوراتها في ضوء مشاورات موفد الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي لعقد مؤتمر "جنيف2" حسب تصريح للسيد أحمد بن حلي نائب أمينها العام.
سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الذي قاطع الجمعية العامة للأمم المتحدة غضباً، ورفضت بلاده قبول عضوية مجلس الأمن الدولي، احتجاجاً على فشله في "نصرة الشعب السوري"، وحل القضية الفلسطينية وإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل يجب، أي الفيصل، أن يتخذ الموقف نفسه، بل ما هو أقوى منه، ويقاطع بدوره جامعة الدول العربية، واجتماع وزراء خارجيتها الأحد المقبل، لأنها ارتكبت الفشل نفسه، بل ما هو أكبر منه ولم تحقق أي نجاح يذكر في أي من هذه القضايا الثلاث بل زادتها تعقيداً.
فشل الجامعة العربية أكثر خطورة في نظرنا من نظيرتها الدولية، لأنها تمثل الدول العربية وحكوماتها، وعمرها أطول من عمر الأمم المتحدة، وواجباتها أكبر والتزامها بالقضايا العربية أعمق وإلا عليها أن تسقط كلمة "العربية" من اسمها وشعارها.
لا نعتقد أن سعود الفيصل سيقاطع الاجتماع، ولا أي وزير خارجية عربي آخر، اعترافا بالفشل، ورغبة في قرع الجرس، كمقدمة لإجراء مراجعة شاملة لسياسات هذه الجامعة ومواقفها التي باتت عبئا، هي وأنظمتها، على الشعوب العربية بأسرها
***
هناك قائمة طويلة بالمحطات والمواقف المخجلة لهذه الجامعة، تجاه الأزمة السورية التي يريد وزراء خارجيتها بحثها، ونحن هنا لا نريد أن نتطرق للقضية الفلسطينية، ليس لأنها غير مدرجة على جدول أعمال الاجتماع المقبل فقط، ولكن لأنه ليس لدينا أي جديد نضيفه في هذا المجال، ولا نريد أن نكرر أنفسنا، ويمكن أن نلخص محطات الفشل هذه في النقاط التالية:
أولا: أقدمت الجامعة وبعد أشهر معدودة من بدء الأزمة السورية على تجميد عضوية سورية فيها، وفرضت عليها حصارا اقتصاديا وسياسيا، وأغلقت معظم الدول والخليجية منها خاصة، سفاراتها في دمشق وطردت السفراء السوريين من عواصمها وأغلقت سفاراتهم، وكادت أن تسلمها للمعارضة باعتبارها الممثل الشرعي للشعب السوري في رأيها.
وها هي الولايات المتحدة نفسها (عمة) الجميع تتفاوض مع النظام السوري، وحليفه الإيراني وتوجه له دعوة رسمية، بل تستجديه لحضور مؤتمر جنيف، وها هو السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية يعتلي منبر الجمعية العامة ويلقي خطابا من أهم الخطابات التي ألقيت في الدورة الحالية، أي أن شرعية النظام السوري لم تهتز، بل الجامعة العربية وشرعيتها هي التي اهتزت بل انهارت.
ثانيا: راهنت الجامعة العربية، ووزراء خارجيتها على انهيار النظام السوري في أسابيع أو أشهر معدودة، وها هو النظام يقترب من إكمال العام الثالث وأيامه لن تعد معدودة، ويكسر الحصار الدولي السياسي والإعلامي المفروض عليه.
ثالثا: تبنت الجامعة العربية الحلول العسكرية للازمة السورية، وتزويد المعارضة بالأسلحة الحديثة للتسريع بإسقاط النظام، وساهمت بدور مباشر في عسكرة الأزمة، ومهدت بذلك لدخول الجماعات الجهادية إلى ميادين القتال، وها هي الآن تصرخ مذعورة من نتائج أعمالها هذه، وتتمسح بالسيد الإبراهيمي، بحثا عن الحل السياسي الذي رفضته.
رابعا: اعتقدت الجامعة، أو بعض وزراء خارجيتها النافذين أن مجلس الأمن الدولي أداة من أدواتهم، يمكن أن يوجهوا قراراته وفق أهوائهم ورغباتهم في الأزمة السورية، من حيث إصدار قرار بالتدخل العسكري لإسقاط النظام على غرار ما حدث في ليبيا، ليعودوا من نيويورك بخيبة الأمل، فقد اخطأوا الحساب كعادتهم دائما، واصطدموا بالفيتو المزدوج الروسي الصيني، وعندما حاولوا ترقيع فشلهم، ورشوة القيادة الروسية بصفقات أسلحة وعشرات المليارات الاستثمارية، قوبلوا بالاحتقار.
خامسا: الإدارة الأمريكية التي استظلوا بظلها وجهت إلى الجامعة، وحكومات خليجية مسيطرة عليها، صفعة قوية عندما انخرطت في حوار مع إيران، وتوصلت إلى اتفاق مع روسيا حول نزع الأسلحة الكيماوية السورية، وإلغاء الضربة العسكرية بالتالي، ومن المفارقة أن وزراء خارجية الحكومات العربية علموا، من نشرات الأخبار في التلفزة عن هذه الصفقة أي لم يتم التشاور معهم أو حتى إبلاغهم بالتفاهمات الروسية الأمريكية.
سادسا: حتى السيد الإبراهيمي نفسه تنصل من هذه الجامعة، وتمثيله لها، واكتفى بالقول إنه ممثل الأمم المتحدة فقط، خجلا وقرفا منها ومن سياساتها، وتحداها، ووزراء خارجيتها، عندما ذهب إلى طهران ووجه دعوة لحكومتها للمشاركة في مؤتمر "جنيف 2" ولم يوجه حتى الآن أي دعوة مماثلة لأي حكومة عربية.
***
وزراء الخارجية العرب يجب أن يعترفوا بفشلهم المخجل، ويقروا بخطأ حساباتهم، وسوء تقديرهم للموقف في سورية وغيرها، ويتوقفوا عن بيع الوهم للشعب السوري، وتوفير الغطاء لذبح أكثر من مئتي ألف من أبنائه من خلال أعمال التضليل السياسي والإعلامي التي مارستها، وما تزال تمارسها حكوماتهم.
هؤلاء سيجتمعون يوم الأحد المقبل ليس لبحث الأزمة السورية وتطوراتها، وإنما لبحث فشلهم، وكيفية إنقاذ أنفسهم وحكوماتهم، من غضبة الشعب السوري، والشعوب العربية الأخرى، التي أجرموا في حقها، وأغرقوها بمؤامراتهم في بحور من الدماء، وفتتوا الأوطان وأغرقوها في حروب أهلية وطائفية وعرقية!!.
عن "رأي اليوم"
11:48
22:40
01:31
19:56
15:40
21:46
13:18
22:11