جهينة نيوز:
سواء اتفقنا أو اختلفنا مع ما ذهبت إليه الشكوك من أن كتائب "عبدالله عزام" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي تبنّت مسؤولية تنفيذ التفجيرين اللذين وقعا بالقرب من السفارة الإيرانية في بيروت صباح أمس، وقول البعض إن تبني هذه الكتائب للعملية الإجرامية جاء للتعمية على الفاعل الحقيقي والذي هو بالتأكيد طرف لبناني غامض مرتبط حكماً بالعدو الصهيوني، غير أن علم الجريمة يقودنا دوماً إلى السؤال عن المستفيد منها؟!.
وللتذكير فقط، فإن الهدف الذي أعلنت عنه كتائب "عبدالله عزام" في بيانها ونعني "الضغط على حزب الله لسحب مقاتليه من سورية والإفراج عن معتقلين في لبنان"، كان متطابقاً حرفياً وإلى حدّ الذهول مع ما دعا وأصرّ عليه كل من سعد الحريري وميشيل سليمان ونجيب ميقاتي وأشرف ريفي وبقية الجوقة السعودية القطرية في لبنان خلال الفترة الأخيرة، وبالتالي لابد لكل ذي عقل أن يوجه "تلقائياً" أصابع الاتهام إلى مثل هؤلاء الذين سكتوا طويلاً وبذريعة "النأي بالنفس" عن تنامي الكثير من الجماعات التكفيرية المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، بل إن بعضهم دعم هؤلاء مالياً وإعلامياً وسياسياً، وما يجري في طرابلس والشمال وصيدا وسجن رومية هو برهان قاطع على ما نشير إليه!!.
واليوم ليس غريباً أن يطلع أحد مشتقات ومفرزات هؤلاء، ونقصد الشيخ سراج الدين زريقات ليقول على حسابه على "تويتر" إن "كتائب عبد الله عزام سرايا الحسين بن علي تقف خلف غزوة السفارة الإيرانية في بيروت"، موضحاً أنها "عملية استشهادية مزدوجة لبطلين من أبطال أهل السنة في لبنان"، مؤكّداً أن "العمليات ستستمر حتى يتحقق مطلبان الأول سحب عناصر حزب الله من سورية والثاني فكاك أسرانا من سجون الظلم في لبنان".
ألا يذكّر ظهور هذا "الشيخ" فجأة باللقاءات العلنية لشاكر العبسي مع آل الحريري، وكيف تبنّى نجيب ميقاتي قضية الإرهابي شادي مولوي الذي أوصله ميقاتي بعد الإفراج عنه بسيارته الخاصة إلى منزله، وكيف حوّل أشرف ريفي سجن رومية إلى فندق 5 نجوم لسجناء "فتح الإسلام" و"جند الشام" وسواهم من العناصر التكفيرية المتشددة؟!!، ولا يبتعد عن ذلك رعاية "تيار المستقبل" للشيخ زريقات الذي تبنّى أمس تفجيري السفارة الإيرانيّة.
فزريقات كان خطيباً مكلّفاً من دار الفتوى في مسجد المكاوي في بيروت، وقد برز اسمه في الإعلام عام 2011 حين أوقفته عناصر استخبارات الجيش اللبناني بتهمة القيام بنشاطات إرهابية. إلا أنّه سرعان ما أُطلق سراحه بعد تدخلات سياسية، أبرزها من مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني (قبل انشقاقه عن آل الحريري)، الذي اتصل شخصياً بقائد الجيش العماد جان قهوجي معرباً عن استنكاره لتوقيف الشيخ زريقات "دونما اعتبار لدار الفتوى كمرجعية ولكرامة العمّة التي يعتمرها الشيخ الموقوف".
إثر ذلك، عاد زريقات إلى منزله الكائن في الطريق الجديدة برفقة المسؤول الإعلامي في دار الفتوى الشيخ شادي المصري وكأن شيئاً لم يكن، ثم توارى عن الأنظار لشهور قبل أن يظهر في تسجيل لكتائب عبد الله عزام يعلن فيه ولاءه لتنظيم القاعدة. عندها، أبدت دار الفتوى (صدمتها!!) من التسجيل المصوّر، وشرح المصري لصحيفة "الأخبار" يومها مجريات حادثة التوقيف، فأشار إلى أن عائلة الشيخ الموقوف في حينه لجأت إلى دار الإفتاء لـ"التوسط لإطلاق سراح ابننا الذي أوقف ظُلماً وعدواناً"، زاعمةً أن الأخير كان يتعرّض لمضايقات من جهاز استخبارات الجيش بفعل نشاطاته الداعمة للثورة السورية. وأضاف المصري: إن المفتي قباني اتّصل من تركيا بقائد الجيش مستنكراً توقيفه من دون الرجوع إلى دار الإفتاء، مؤكداً أن المفتي كان حاسماً بأنه يرفض التوقيف "إذا لم يكن مبنياً على أدلة دامغة وليس قرائن وهواجس". كذلك ارتبط اسم زريقات بخالد الحميّد، الملقب بأبو قتادة والمسؤول عن عملية خطف الأستونيين السبعة في البقاع، إلى جانب تورّطه في اعتداءات على دوريات الجيش في منطقة عرسال، وعلاقته بمسؤولين بتنظيم "فتح الإسلام" وتهريب عدد منهم إلى سورية.
واليوم، أصبح زريقات قيادياً في كتائب عبد الله عزّام، وهي جماعة تكفيرية مسلّحة بدأت عملياتها العسكرية عام 2004 بثلاث تفجيرات في منتجع طابا وشاطئ نويبع المصريين.
وتستمد هذه الجماعة اسمها من عبد الله عزام المتوفى سنة 1989، وهو فلسطيني المولد انتقل إلى الأردن حيث قاد جماعة الإخوان المسلمين وانتقل من بعدها إلى أفغانستان عام 1980 للجهاد. وقد أدرجت الولايات المتحدة الكتائب على لائحة المنظمات الإرهابية في أيار عام 2012. وفي الآونة الأخيرة، تبنّت الكتائب عملية الصواريخ الأربعة التي انطلقت من لبنان وسقطت في منطقة الجليل في إسرائيل في آب الماضي.
إذاً وبعد كل ذلك لا بد من التكهّن بأن زريقات وغيره من تكفيريي التنظيمات الإرهابية في لبنان لا يعدو أن يكون إلا واجهة للاعبين كبار ودمية يحركونها وينطقونها ما يشاؤون، واليقين الذي لا يقبل الشك بأن تلاقي أهداف جماعته "كتائب عبدالله عزام" مع أهداف بعض الشخصيات اللبنانية التي لم تخجل من تسعير النيران المذهبية وتغذية الخطاب الطائفي، ليس مصادفة محضة، وقول الكتائب "حزب الله.. حزب إيراني" واستهداف السفارة الإيرانية مباشرة، يشي بأن وراء أكمة "بندر والمخابرات السعودية- والحريري والدائرين في فلكه" ماوراءها، ولاسيما بعد تقهقر مجموعاتهم الإرهابية وهزائمها المتتالية في سورية، ونحن الذين نعرف النزعة الانتقامية والعقلية الإجرامية لمثل هؤلاء، فهل نبحث معاً عن الفاعل الحقيقي لجريمة تفجير السفارة الإيرانية في بيروت؟!.
00:58
16:53
17:09
17:29
17:43