جهينة نيوز- بقلم نارام سرجون:
لم أكن أعرف أن الملائكة تمارس السياسة وأن من في السماء يشبهون من في الأرض حتى عرفت عهد الثورة السورية.. فمن بين كل التحريض الإعلامي والديني وتسيير الأساطير بين الناس ونشر الخرافات في الربيع العربي لم يلفتني تحريض مثير للسخرية السوداء مثل شهادات العيان التي نقلها العريفي بكل أمانة عن نزول الملائكة بخيولها البيضاء إلى حمص لتقاتل الجيش السوري.. بل إن بعض المجانين بثوا صورا على اليوتيوب زعموا أنها التقطت بالصدفة بالهواتف النقالة لأشباح بيضاء تنقل المصابين من المسلحين على خيول بيضاء يتخيلها لنا شاهد العيان وهي كما يزعم تتحرك بسرعة خاطفة بالكاد تنظرها العين ويلتقطها البصر وهي تلمع كالبرق.. ولذلك يجب أن نصدقه.. وقد تناقلها المجانين من الثوار ومن خطباء المساجد في الدول المختلة نفسيا والمحتلة عمليا وخاصة ذلك الدجال العريفي وفريقه وضحكوا بها على عقول البسطاء.. وعلى عقول بعض المثقفين حتى أن طبيبا كان يوزع الصور على الثوار وهو يذيّل الرسالة بالتكبير.. الله أكبر..
ولا ندري إن كان سبب غياب الملائكة عن غزة هذه الأيام تلكؤاً في همة الملائكة أو تثاقلا عن الجهاد أو ترددا من السماء في إرسال المدد.. ولا ندري إن صارت السماء خالية من الملائكة والحوريات في هذه الفترة العصيبة.. فربما قضى الجيش السوري على جيش الملائكة الذي رآه العريفي وأباده.. وأما الحوريات اللواتي كن يطعمن الجرحى الرحيق فقد تم استدعاؤهن إلى الجنة بسبب وصول آلاف الانتحاريين والاستشهاديين الذي فجروا أنفسهم في سورية والعراق وتوجهوا بسرعة إلى قصورهم في الجنة لقبض مخصصاتهم ومكافآتهم النسائية وتنفيذ الوعد الإلهي بالنكاح الأزلي.. ولذلك تم استدعاء كل الاحتياطي من الحوريات للوفاء بوعود السماء.. فكل استشهادي سيحظى كما روي بسبعين حورية سيطؤهن جميعا كما وعد الله.. وكل واحدة منهن لديها سبعون وصيفة ويمكنه -من باب ماملكت الأيمان- أن يطأهن جميعا.. وكل وصيفة لديها سبعون خادمة.. وسيمكنه كانتحاري أن يطأهن أيضا جميعا بعد أن قدم جسده في سبيل الله.. ولا ندري متى تنتهي هذه المتوالية السبعينية.. وباعتبار أن الجيش السوري قد دمر جيش الملائكة فلم يبق لغزة ولا ملاك واحد ينزل حتى ليكون ساعي بريد لينذر السكان أن الطائرات الإسرائيلية ستقصف المنزل.. ولذلك قام ملائكة الجيش الإسرائيلي بهذه المهمة نيابة عن السماء وجعلوا يتصلون بأصحاب البيوت لإخلائها في ثوان بعد أن ابتليت السماء بكارثة إبادة جيش الملائكة الإلهي في سورية.. أما الوصيفات فبالكاد لديهن وقت خارج القصور التي تعج بالاستشهاديين وطلباتهم الملحة التي لا تحتمل التأجيل..
ومن هنا نفهم سبب الصمت الذي أصاب الساحات الإسلامية والمساجد من المحيط إلى الخليج.. فقد تفهم الوعاظ والمؤمنون الأزمة التي تمر بها السماء ونقص الموارد "الملائكية" التي أبيدت في حمص وبقية المدن السورية فتقرر إعفاء السماء من الحرج.. وعدم طلب العون والمدد.. بعد أن فتك الجيش السوري بكتائب الملائكة.. وباتت السماء من غير ملائكة.. ولكنها تغص بالانتحاريين.. إلا أن في مواعظ معاذ الخطيب نفهم أن السبب ليس نقصا في مدد السماء بل هو حيرة الملائكة وربما سياسة ملائكية.. فهي إن نزلت إلى غزة فقد ينسى الله الشعب السوري.. وينجو النظام من أقدار السماء..
معاذ يتحدث بلسان جميع الإسلاميين ويقول إن عملية قتل المستوطنين الثلاثة حماقة وفيها إلهاء للرأي العام العالمي عن القضية السورية لأن قضية سورية هي الأهم ألف مرة.. وينصح الفلسطينيين بإيقاف هذا الجنون من أجل الشعب السوري الذي قدم للفلسطينيين الكثير.. وعلى الفلسطينيين الآن أن يقدموا للشعب السوري بأن يموتوا بصمت.. وأن يقبلوا بحرق أبو خضيرة وغزة كرمى عيون الثورة السورية وأن يدفنوا أطفالهم دون نحيب وعويل وصراخ.. وأن يفككوا صواريخهم التي نقلها لهم السوريون والمعنى الآخر هو أن إسرائيل ليست العدو الأول بل النظام السوري.
الإسلاميون يمارسون السياسة أيضا.. وقد أتقنوا تماما دور الاعتدال العربي وتفننوا في استيعاب المناورات السعودية وغيرها.. فجميعنا نذكر نصائح المعتدلين العرب قبل كل انتخابات أمريكية حيث تقوم إسرائيل بمجزرة مروعة مستغلة انشغال العالم.. وعندما يتعالى صوت أحدهم بالاحتجاح تتعالى نصائح الخبراء العرب والحريصين جدا على القضية الفلسطينية من المعتدلين الفهمانين بألا يتشاطر أحد ويقوم بالتشويش على الانتخابات الأمريكية ويحرج المرشح الأمريكي الذي لديه مشروع سلام يتعهد فيه بأن يضع حدا لزعرنة إسرائيل.. فيقتل الإسرائيليون أضعافا مضاعفة والمعتدلون العرب يغمضون أعينهم متأسفين ولكن كلهم يقين أن الرئيس الأمريكي القادم سيقدر مساعدتهم له.. وهذا ما يحصل بأن يقدم لإسرائيل ضعف ما تطلبه ويوبخ العرب بقسوة ويقدم خيبة إثر خيبة للعرب ولا ينسى أن يثرثر بضرورة استمرار عملية السلام وهو يودع البيت الأبيض فقضمت إسرائيل كل فلسطين.. بسبب نصائح المعتدلين والفهمانين العرب.. وهذا السيناريو صار من لوازم الحملة الانتخابية الأمريكية.. مجزرة واعتداء على العرب.. وتفهم عربي لضرورات ومصلحة القضية العربية.. ثم خازوق يدق بأسفلهم..
وصلت وقاحة المعتدلين العرب أن بيريز (صديق الإخوان المسلمين العظيم والصديق الوفي لمحمد مرسي) عندما كان مرشحا عن حزب العمل لرئاسة وزراء إسرائيل قام بارتكاب مجزرة مروعة في جنوب لبنان هي قانا الأولى عام 1996.. وعلى الفور تنادى الناصحون العرب والمعتدلون وأهل الخير والخبرة وقالوا إن السكوت هو الرد المناسب كي لا يتم التشويش على حملة بيريز الانتخابية لأن خسارته تعني فوز منافسه الليكودي الشرس.. وحزب العمل أكثر نعومة في التعامل مع مشروع السلام.. ونسي الناصحون أن يقولوا لنا بأن كل حروب إسرائيل الكبرى قادها حزب العمل الإسرائيلي.. وقد سكت العرب وربح الليكودي الشرس الانتخابات.
طور المعتدلون العرب نظرية الاحتواء السياسي للصدمات وابتلاع الدم اليوم بأن ضرب غزة سينقذ النظام السوري ويحرج الثورة السورية.. ولذلك لم يطلب معاذ الخطيب من القاتل أن يصمت وأن يتوقف بل من الضحايا أن تسكت صونا للثورة السورية وشرفها وسمعتها.. وهذا بالطبع ليس بريئا بل هو تقديم أوراق اعتماد جديدة لإسرائيل من قبل معاذ الخطيب باسم الإسلاميين بأنهم مستعدون للعب الدور القذر للمعتدلين العرب الذين طالما انتقدهم الإسلاميون وعابوا عليهم برودهم وسكوتهم عن الثأر.. وأبدى الإسلاميون بهذا الطرح الاستعداد للقيام بدور الناصح الذي يطلب من الذبيحة أن تتوقف عن الصراخ.. لأن صراخها سيغطي على الخطب الثورية للمؤمنين ولخلفاء المسلمين وعلى أصوات المكبرين.
تذكرني نصيحة معاذ بمشهد مقزز روته مذكرات أحد الصحفيين الغربيين الذين كانوا يغطون الصراع بين المستعمرين البيض والأفارقة في زيمبابوي التي كان اسمها روديسيا نسبة إلى سيسيل رودس العنصري البريطاني الذي أجبر الأفارقة في بوتسوانا وزيمبابوي على التنازل عن أراضيهم.. وفي روديسيا إبان حكم العنصري سميث شاهد الصحفي في تجواله رجلا أبيض يقوم بذبح أحد السود من عنقه وقد قيد يديه إلى ظهره (على نفس الطريقة الإسلامية الحلال لكن من غير الله أكبر).. وهنا قام الإفريقي المسكين بعضّ يد الرجل الأبيض وأطبق عليها بقوة لمنعه من ذبحه.. فتألم القاتل وخلص يده التي تحمل السكين وركله ثم ذبحه.. وعندما نهض وهو يتأمل يده التي عضها الإفريقي.. قال له الخادم الأسود العاري والحافي القدمين الذي يرافقه محاولا إرضاءه ومعبرا عن استهجانه لتصرف المذبوح: لا أستطيع يا سيدي أن أتخيل كيف تصرف هذا النذل بهذه الوحشية؟؟!!.
معاذ الخطيب يقف حافيا عاريا مثل ذلك الإفريقي الوضيع.. معاذ رسول الملائكة وكاتم أسرارها.. وقف أمام الغزاويين وهم يذبحون.. وقال لهم: إن صراخكم نذالة.. لأنه يشوش على القضية السورية.. وهو نكران للجميل لأننا صمتنا يوما من أجلكم.. وآن الأوان لتصمتوا من أجلنا.. لا أستطيع أن أتخيل كيف تصرف هؤلاء الأنذال الفلسطينيون بهذه الوحشية والأنانية وسرقوا بعض الاهتمام من قضيتنا المباركة السورية..
هنا عرفت لماذا سكتت الملائكة.. وسكت الله.. وسكت القرآن.. وسكتت الأحاديث.. وسكت الإسلام..
أنا شخصياً لا أعرف ما الذي ينتظره نتنياهو والمتطرفون اليهود وهم يتريثون في هدم المسجد الأقصى..
الإسلاميون يقولون بعظمة لسانهم بشكل موارب بأن أي شيء لا يهمهم حتى لو كان هدم الأقصى.. بل مايهم الوصول إلى الحكم في دمشق.. وعلى الإسرائيليين فهم الرسالة والتحرك قبل فوات الأوان وضياع الفرصة..
قبل ذلك عرض اللبواني التنازل عن الجولان (لأنه ورثه عن أبيه ومعه ورقة الطابو).. وقبله لم يعرض الشقفة لواء اسكندرون على الأتراك بل اعتبره ليس سورياً ولا داعي لهذا العرض.. وبأن الأتراك هم الأحق به بحكم التقادم.. أما الإسلاميون فإنهم بالتأكيد يفكرون بتقديم عرض أكثر سخاء.. إنه المسجد الأقصى.. وصخرته.. بل وشطب تلك الفقرة من القرآن التي ورد فيها ذكره.. ولا تتصوروا أن ذلك صعب.. بل بقرار من خليفة المسلمين وعلمائها وإسلامييها الذين سيقولون إن مفسدة صغيرة ترد مفسدة كبيرة لهي أفضل للمسلمين وإننا فعلنا ذلك بسبب النظام السوري.. ولذلك صرت أفهم لماذا قال أحد الإسرائيليين دون خجل بأن بإمكان إسرائيل هدم المسجد الأقصى اليوم قبل الغد.. ولكننا حصلنا على كل مانريد بتوقيع العرب.. فالعرب وقعوا في كامب ديفيد.. والعرب وقعوا في وادي عربة.. والعرب وقعوا في أوسلو.. ولذلك سنأتي بالإسلاميين والعرب ليوقعوا لنا التوقيع الأخير القاضي بالتخلي عن المسجد الأقصى.. والخلافات التاريخية تسكتها الاتفاقات والتواقيع لكي لا يبقى لأحد حجة بعد ذلك.. لذا فإن إسرائيل ستأتي بالإسلاميين إلى أغرب اتفاق سيشهده التاريخ وهو صك التنازل عن المسجد الأقصى.. وربما الكعبة على أساس أن من بناها هو إبراهيم ولهم فيها حصة النصف كورثة لإبراهيم..
الملائكة ستنزل بنفسها لتوقع الصك.. وربما يراها العريفي والمؤمنون تهدم المسجد الأقصى وتبني هيكل سليمان..
هل عرفتم الآن لماذا لا تهبط الملائكة في غزة؟؟..
الملائكة أيضا تمارس السياسة وتعتكف في السماء وتنزل حسب الطلب والأجواء السياسية.. والله أيضا.. ورسوله.. والمؤمنون.. وإن شئتم فاسألوا ذوي اللحى.. أحباب الله.
16:40
16:42
18:16
19:07
19:07
20:00
00:24
08:41
08:43
16:01
13:15
13:17
07:02
14:04
14:09
15:55
16:56
22:48
06:21
00:52
01:00
23:58
09:45