الفكر العربي.. وسقوط ورقة التوت!

الخميس, 24 تموز 2014 الساعة 17:31 | منبر جهينة, منبر السياسة

الفكر العربي.. وسقوط ورقة التوت!

جهينة نيوز- بقلم ماجد الخطيب:

لاشك أن ما سمي "فورات" الربيع العربي لم تنتج غير الدمار والفوضى والخراب وسيل الدماء وانتهاك سيادة الدول العربية علناً، وكل ما يمكن إدراجه تحت اسم عملية ممنهجة لتدمير المشروع القومي العربي النهضوي وإعادة الأمة العربية إلى عصور الجهل والظلام، مع ذلك فإنه ثمة فضل يمكن حسابه لهذه الفورات؟! حيث إنها استطاعت الفصل بين منظومة الفكر العروبي النظيف الراعي لمصالح الأمة العربية، وبين الفكر العربي "المتصهين" الذي استطاع بفعل الفوضى "الهدامة" أن يعلن عن وجوده صراحة قولاً وفعلاً بدون أي خجل "قومي" أو اعتبار للمصالح القومية العربية العليا.

إحياء عقل عربي "متفسخ"

لا شك إن جهات استخباراتية عالمية مرتبطة بالمشروع الصهيوني في المنطقة، عملت وعلى مدى طويل ومن خلال قنوات عديدة على إحياء فكر عربي "من حيث الشكل" لكنه، من حيث المضمون، بعيد كل البعد عن مصالح الأمة العربية، ربما بدأت بدايات هذا الجهود عبر إثارة الجدل بين الحداثة والتقليد وبين الأصالة والمعاصرة، وبالنتيجة فإن هذا الجدل أدى لظهور مفكرين ومثقفين من اتجاهات مختلفة، توطن قسم منهم خارج إطار الجغرافيا العربية وخارج سيادة الدول العربية، كما أن بعض من هؤلاء "المثقفين" حظي برعاية جامعات ومراكز أبحاث غربية محسوبة على تلك الاستخبارات، حيث تم توظيفهم تدريجياً في خدمة مصالح ومخططات الدول الاستعمارية، هؤلاء، إن صحت تسميتهم بالمفكرين، تم إظهارهم خلال فترة قصيرة من خلال تضخيمهم عبر القنوات الإعلامية والثقافية لتسويقهم شعبياً بحللهم المختلفة سواء بحلة علمانية كبرهان غليون أو بحلة أصولية كيوسف القرضاوي وغيرهم ممن كانوا مجهولي الأسماء والصفات، ثم برزوا من خلال خطاب سياسي أو ديني ظاهره الحرية والتحرر، وباطنه غايات وأهداف الجهات الراعية لهم.

لقد تم تحت ذريعة "التحرر من الأنظمة الديكتاتورية" تجاوز الخطوط الحمراء لجميع الثوابت القومية والمسلمات البدهية التي تتعاطى معها الجماهير العربية كحرمة المساس بالسيادة الوطنية للدول، بصورة مجافية لأي منطق لذلك فإن مطلب "الحرية" للشعب العربي صار بالإمكان نوله وفقاً لتحليلات هذا الفكر، عبر استجلاب القوى الاستعمارية لاحتلاله كما أن نشر الديمقراطية وإرسائها في البلاد العربية، أضحى ممكناً عبر سواطير الأعمال الإرهابية، وأن إنشاء الدولة العربية الديمقراطية أضحى ممكناً بالتدرج بدءاً من إنشاء إمارات دينية أوتوقراطية وطائفية على أنقاض الدول العلمانية المدنية، في الوقت الذي تم تسويق تلك المتناقضات عبر خطاب سياسي وديني على هوى بل أهواء الجهات الراعية، فالتمدد الإرهابي الداعشي الذي واجهه الشعب العراقي اعتبر"ثورة شعبية" حيث اجتمع على هذا التوصيف الشخصيات العلمانية والأصولية، مما يؤكد انحطاط هذا النمط من العلمانية وظلال هذا النمط من الأصولية.

لاشك أن توصيف ما يجري في سورية، كان منذ البداية مجافياً للحقيقة، وفي سياق هذا الفكر التضليلي، حيث تم وصف حاملي السواطير وقاطعي رؤوس الناس وآكلي قلوب البشر "بالثوار"، أو في نوع من حياء الغواني والحيادية المزيفة تم وصفهم بالثوار "المعتدلين"، كما تم تبرير كثير من الأحداث والعمليات الإرهابية بصورة عذر أقبح من ذنب، أو تعليل المواقف السياسية المنحطة كطلب التدخل الخارجي، بصورة براغماتية زئبقية، في الوقت الذي أدت الفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية بالتزامن مع ضخ إعلامي تحريضي ممنهج إلى تشكيل حالة شعورية تحريضية لدى جزء من الجمهور العربي، مما أدى إلى إحياء عقل عربي ظلامي يعتمد على النقل ونقل النقل والفتاوى المسيسة، والخطاب الديني الطائفي تم ترجمته على أرض الواقع بالتكفير والانتحار وقتل الآخر وتخريب بنية الدولة والنسيج الاجتماعي.

فقدان الحياء القومي

لاشك أن موقف وزير الخارجية السعودية الذي تودد لوزيرة الخارجية الإسرائيلية علناً أمام الكاميرات، ومثله طلب القرضاوي من الغرب "الكافر" دعم الفصائل الإسلامية "المؤمنة"، يدل على مقدار ما هم عليه مفكرو وسياسو ومشايخ هذا العقل العربي الظلامي من ضلال وطني وقومي وأخلاقي، وأن كشفهم عن حقيقتهم "المتصهينة" بهذه السرعة والوقاحة، ما هو إلا قفزة بلا رجعة عن الثوابت التي تشكل هوية المواطن العربي وأسس المشروع القومي النهضوي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قفز هؤلاء "المثقفين العرب" عن الثوابت ترافق مع قفز "المسؤولين العرب" عن وظائف مؤسسات العمل العربي المشترك وواجهاته الرسمية العربية كالجامعة العربية التي انهارت عند أول اختبار للحالة القومية لاسيما ما يتعلق بمبدأ الحفاظ على السيادة القومية للدول العربية بغض النظر عن الخلافات الناشئة داخل هذه الدول.

لاشك أن الدليل الأقوى على الجدية في تسويق هذا الفكر- الخطاب المتصهين، يتمثل بتجاهل مفردات ومصطلحات الصراع العربي الصهيوني الذي يعد أساس أي فكر عربي صحيح لأنه صراع وجود وليس صراع حدود، فالقنوات الفضائية المسوقة لأحداث الربيع العربي اعتبرت الشهداء الفلسطينيين قتلى والاحتلال الإسرائيلي اجتياحا والغاصِب في مساواة المغتصَب، تحت ذريعة الحيادية في نقل الحدث"، ممهدة بذلك لنوع من التطبيع الفكري الذليل الذي يحدث بصورة تراكمية عبر البث المتواصل لمفردات معينة يتم تكريسها في العقل العربي بهدف تشويهه ودفعه لتغيير مسلماته وتعديل ثوابته والتفريط باعتزازه القومي، بالتالي فإن خلق هذا العقل الهجين الاستسلامي الملائم للفوضى الأمنية والمقتنع بقصة الشرق الأوسط الكبير التي تتربع إسرائيل على عرش الهيمنة فيه، والخائف بصورة غير مبررة من البعبع الفارسي، والمستسلم لسواطير الإرهاب، هو الهدف المرتجى من حالة الربيع العربي وهو هدف يتفوق بخطره على عملية الهدم الاقتصادي والاجتماعي الجارية، لأن هدم البنى الاقتصادية والاجتماعية يمكن إعادة بنائه خلال فترة زمنية معينة، لكن هدم العقول قد يحتاج لعدة قرون لإعادة بنائه، فالعقل العربي الذي دمر نهائياً بفعل التدخل الخارجي في أواخر العصر العباسي بقي مئات السنين في حالة ظلامية حتى عاش نهضته الأولى أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وعليه فإن الهدف الرئيسي من الحراك الهدام المسمى "الربيع العربي" يتمثل بالرجوع بالعقل العربي لحالته ما قبل النهضة؟؟.

لاشك أن الفكر "العروبي" الثابت والحاضر دوماً فكراً وممارسة، في سورية ودول المقاومة يفرض يوماً بعد يوم نفسه كخيار صحيح في مواجهة المشاريع الاستعمارية في المنطقة لاسيما في خضم الصراع العربي الصهيوني، حيث ثبت قوته وفاعليته على أرض الواقع، وقد جاءت أحداث الربيع العربي الكاوية والمؤلمة بمثابة النار التي تصهر الذهب لتخلصه من الشوائب والخبائث التي تحجب حقيقته، ولكي تعيد للفكر العروبي حيويته ومصداقيته.


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا