جهينة نيوز:
في صبيحة السادس من تشرين الأول عام 1973 أطلّ الرئيس الخالد حافظ الأسد ليعلن في خطاب موجّه إلى جنودنا وصف ضباطنا وضباطنا البواسل في الجيش العربي السوري، بدء الحرب دفاعاً عن شرف الأمة العربية وأرضها وكرامتها، مؤكداً أننا "لسنا هواة قتل وتدمير، إنما نحن ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير.. لسنا معتدين ولم نكن قط معتدين، لكننا ولا نزال ندفع عن أنفسنا العدوان.. نحن لا نريد الموت لأحد، إنما ندفع الموت عن شعبنا.. إننا نعشق الحرية ونريدها لنا ولغيرنا، وندافع اليوم كي ينعم شعبنا بحريته. نحن دعاة سلام، ونعمل من أجل السلام لشعبنا ولكل شعوب العالم، وندافع اليوم من أجل أن نعيش بسلام".
وبالتزامن مع هذا الخطاب التاريخي، الذي يؤكد حق سورية في الدفاع واستعادة أراضيها المحتلة، كانت الطائرات الحربية السورية في تمام الساعة 13:58 تقصف مواقع الجيش الإسرائيلي في الجولان، حيث شارك في الهجوم قرابة الـ100 طائرة مقاتلة سورية، كما فتحت ألف فوهة نيران مدافعها لمدة ساعة ونصف لتنطلق وحدات وقطاعات الجيش السوري عبر الجولان مخترقة خط آلون الدفاعي وصولاً إلى مشارف بحيرة طبرية مكبدة القوات الإسرائيلية خسائر فادحة بالأرواح والعتاد والآليات، بل استطاعت القوات السورية اختراق خطوط القوات الإسرائيلية والوصول إلى عمق الجولان في اليوم الثاني من الحرب، إذ ومع انطلاق طائراتنا الحربية نحو أهدافها وتدميرها بدقة ووفق الخطة المرسومة، اندفعت الموجات الأولى من الدبابات السورية وناقلات الجنود المدرعة نحو خط آلون تحت ستر القصف المدفعي للمواقع والتحصينات الإسرائيلية، وكان خط آلون الخط الإسرائيلي الدفاعي في الجولان الذي يماثل خط بارليف على الجبهة المصرية، ويمتد خط آلون على طول الجبهة السورية (نحو 70 كم)، وقد قررت القوات السورية اختراق الخط من نقطتين هما جباتا الخشب والرفيد.
ففي الساعة 15:00، عبرت الدبابات السورية وناقلات الجنود الخندق المضاد للدبابات، في نقطتَي اختراق رئيسيتين: الأولى كانت بالقرب من مدينة القنيطرة، والثانية عند بلدة الرفيد، وبالرغم من الخسائر في الدبابات إلا أن القوات السورية واصلت تقدمها في عمق الجولان مكبدة القوات الإسرائيلية المتراجعة خسائر كبيرة أمام التقدم السوري نحو الحدود وبحيرة طبرية.
وفي جبل الشيخ نفذت وحدات من القوات الخاصة السورية عملية عسكرية لاحتلال المرصد الذي تسيطر عليه إسرائيل، وقد نجحت في احتلال المرصد وقتلت وأسرت كافة أفراد الجيش الإسرائيلي في الموقع، وسجلت هذه المعركة التي كانت بالسلاح الأبيض بطولات نادرة للجندي السوري وسيطرت على المرصد الإسرائيلي في جبل الشيخ بالرغم من قيام لواء الجولاني بمحاولة إنزال لاسترجاع المرصد إلا أن القوات السورية ألحقت به هزيمة وخسائر كبيرة.
وقد تمكنت القوات السورية من اختراق خط الدفاع الإسرائيلي إلى عمق نحو 20 كم داخل هضبة الجولان وهو العمق للمنطقة المحتلة حتى أصبحت الوحدات السورية على مشارف بحيرة طبرية. فيما ردّت إسرائيل على فداحة خسائرها وإسقاط عدد كبير من طائراتها بقصف أهداف عسكرية ومدنية على السواء في دمشق، كما هاجمت طائراتها محطة الكهرباء ومصفاة النفط في حمص، وخزانات النفط في طرطوس واللاذقية. وبعد قتال استمر طوال يومي 7 و8 تشرين الأول وتزايد خسائر الجيش الإسرائيلي طلبت تل أبيب المساعدة من الولايات المتحدة لإيقاف التقدم السوري. وتالياً وبعد مضي أيام على الحرب التي توقفت فيها الجبهة المصرية، واصلت القوات السورية عملياتها العسكرية في حرب مفتوحة، وهي ما عرفت بحرب الاستنزاف في الجولان بعد وقف إطلاق النار واستؤنفت الأعمال القتالية بشكل محدود في البداية ثم تطورت تلك الأعمال حتى اتخذت بدءاً من 13 آذار 1974، شكل "حرب استنزاف" استمرت ثمانين يوماً في محاولة لكسر الموقف الأمريكي- الإسرائيلي تجاه الوضع في الجولان، وفي 31 أيار 1974 توقفت الأعمال القتالية على الجبهة السورية وتم توقيع اتفاقية فصل القوات.
أما اليوم فإن التاريخ يعيد نفسه، لكن بصورة مختلفة كلياً، إذ يخوض الجيش العربي السوري حرباً مفتوحة مع وكلاء إسرائيل وحلفائها في المنطقة، الذين جنّدوا عصابات مجرمة وجماعات تكفيرية ومرتزقة وإرهابيين أجانب، لا هدف لهم إلا تدمير سورية ومؤسساتها وقتل شعبها وزجه في اقتتالات وتناحرات تخدم المساعي الصهيونية لتفتيت المنطقة وتقسيمها وشرذمتها وإبقائها ضعيفة تمنع أي قوة تهدد أمن إسرائيل واستقرارها.
وقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد في خطاب القسم أن قرار سورية في مواجهة هذه الحرب ومنذ الأيام الأولى السير في مسارين متوازيين: ضرب الإرهاب من دون هوادة، والقيام بمصالحات محلية لمن يريد العودة عن الطريق الخاطئ". داعياً من غُرر بهم أن يلقوا السلاح "لأننا لن نتوقف عن محاربة الإرهاب وضربه أينما كان حتى نعيد الأمان إلى كل بقعة في سورية"، ومشيراً في الوقت نفسه إلى أن ما يجري في غزة مثلاً "ليس حدثاً منفصلاً أو آنياً، فمنذ احتلال فلسطين وصولاً إلى غزو العراق وتقسيم السودان، هو سلسلة متكاملة مخططها إسرائيل والغرب لكن منفذها كان دائماً دول القمع والاستبداد والتخلف".
إذاً، فإن الحرب الحالية التي فُرضت على سورية تلتقي وتتطابق أهدافها مع أهداف العدوان الصهيوني الذي سبق حرب تشرين 1973، ورد عليه الجيش العربي السوري فحقق الانتصار التاريخي بتحرير القنيطرة وبعض القرى المحيطة، واليوم تتكفل عصابات "داعش" و"جبهة النصرة" والتنظيمات الإرهابية الأخرى في الدفاع عن أمن إسرائيل، فيما يسعى الجيش العربي السوري للقضاء على هذه المجموعات، وقد حقق انتصارات متتالية ستمهد بالتأكيد لاجتثاث العصابات التكفيرية من جذورها، وحينها سيكون الانتصار الكبير الذي يحلم به جميع السوريين، والذي يستكمل ما بدأه بواسل قواتنا المسلحة في 6 تشرين 1973.
06:19