"داعش"... بضاعتنا التي رُدّت إلينا!

الثلاثاء, 21 تشرين الأول 2014 الساعة 13:52 | منبر جهينة, منبر السياسة

جهينة نيوز-بقلم: نايت الصغير عبد الرزاق*

ظاهرة تنظيم داعش والجدل الكبير الذي أعقب ظهوره المفاجئ وانتشاره السريع وفي ظرف قياسي في مناطق واسعة بين العراق وسورية تعادل مساحة العديد من الدول الأوروبية مجتمعة، والانهيار العجيب للجيش العراقي (أو ما تبقى منه)

في محافظة الموصل ومحافظات أخرى أمام ضربات هذا التنظيم الذي لم يكن يسمع عنه أحد قبل أقل من سنتين فقط، ظاهرة جعلت الكثير من الاختصاصيين والملايين من العامة يتساءلون عن سر هذا الصعود وهذه القوة الجبارة التي لازالت تواصل في تحقيق شعارها الشهير (باقية وتتمدد) على الأرض رغم ضربات التحالف الجوية التي لم تؤثر فيه، بل على العكس، زادته بقاء وتمددا!.

الكثير يتساءلون الآن، من أين جاء هذا التنظيم وأين كان سابقا وكيف تحول إلى (داعش) ومن أين تأتيه كل هذه القوة والعتاد والسلاح والمقاتلين؟، تساؤلات يمكن اعتبارها في أغلبها نوعاً من النفاق والهروب من الواقع، خاصة بالنسبة للمجتمعات التي ظهر فيها داعش وأشباهه، شعوب تعودت على تجنّب الأسئلة الصعبة والمحرجة، حتى وإن تجرأت وتساءلت فهي تخاف أو تتجنب إعطاء الأجوبة الصحيحة وتفضل كالعادة غرس رؤوسها في الرمال إلى أن يظهر بينها (داعش) جديد، مفضلة أجوبة سطحية ومنافقة من نوع (داعش لا يمثل الإسلام) ونظرية المؤامرة الغربية الصهيونية كالعادة!.

الأغلبية الساحقة من المتسائلين في بلداننا المنكوبة فكريا وعقائديا يعرفون جيدا من أين جاء الدواعش وأشباههم كما أنهم يعلمون أن هذا التيار والفكر لم ينزل من السماء فجأة وبأنه متجذر فكريا وعقائديا عندنا منذ قرون وقرون طويلة، والمتعاطفون والمعجبون به ينافسون حتى جماهير ومحبي كرة القدم في مجتمعاتنا، مئات الآلاف أو ربما الملايين يسكنهم داعش صغير يشعر حتى وإن لم يعلن ذلك صراحة أن ما يفعله داعش وأشباهه (شرعي) ولكنه وبسبب ذلك الانفصام والمرض والاختلال النفسي والعقلي الذي أصاب مجتمعاتنا سيجد لك تلك المبررات الشهيرة عن نظرية (التشويه) والمؤامرة الغربية الصهيونية والشيعية وحتى الفضائية إن لزم الأمر.

عن نظرية المؤامرة..!

أكبر مغالطة يلجأ إليها الكثيرون للهروب من الأسئلة أو حتى الأجوبة الصعبة، هي اللجوء مباشرة إلى اتهام الآخر المختلف عقاديا بالتآمر على (المسلمين) وهي نظرية (داعشية) بامتياز يعتنقها الكثير، والتي ترى في كل من لا يتبع التيار التكفيري (الداعشي) في رؤيته للإسلام وللغير، فهو حتما (كافر) ومتآمر يجوز قتله وسبيه وإبادته، وكما يعرف الجميع، فالأسطوانة الأكثر انتشارا هي اتهام الغرب والأمريكان والشيعة وكل من لا يعتنق الفكر التكفيري والذين يسمونهم عادة بالعلمانيين بمحاولة تشويه صورة الإسلام، رغم أنهم لم يتركوا لكل هؤلاء (الكفار) ما يشوهونه، فقد قاموا هم بالمهمة و(الواجب) وأكثر وليسوا بحاجة لمن (يساعدهم)، ولن يسعنا المجال هنا لنستعرض كل (الكوارث) التي جعلت من الإسلام أضحوكة ورمزا للدموية والإرهاب والجهل والتخلف، يكفي فقط أن نعود لتصريحات و(اجتهادات) رموزهم، لنجد أمورا يندى لها جبين إبليس شخصيا!.

الانتشار الرهيب للفكر التكفيري في صورته الوهابية والإخوانية في مجتمعاتنا هو الذي أنتج لنا داعش اليوم وأنتج أشباهه سابقا ولن يتوقف عن إنتاج أمثاله مستقبلا، داعش هو إنتاج محلي خالص وجذوره عميقة جدا تمتد لقرون وقرون طويلة ولسنا بحاجة لأمريكا أو الغرب في هذا المجال فقد تحولت مجتمعاتنا إلى مصانع لإنتاج تلك الكائنات التي تأكل لحوم البشر وتقطع الرؤوس وهي تكبّر وتحلم بالحور العين! وكفانا نفاقا وكذبا على أنفسنا قبل غيرنا، النسخة الحالية التكفيرية السلفية الاخوانية من الإسلام هي السبب الأول والرئيسي لانتشار وظهور داعش، والكارثة أن أغلب المسلمين مقتنعون أن هاته النسخة المشوهة هي الإسلام المحمدي الحقيقي بسبب الدعم المالي الخرافي والإعلامي الذي تكفلت به السعودية لنشر وإحياء هذا التيار طوال ما يقرب من قرن من الزمن، تكفل بعمليات غسيل مخ لأغلب من يعتنقون الدين الإسلامي الذين تحولوا إلى وهابيين ودواعش ناشطين أو نائمين دون أن يشعروا!.

استغباء آخر، يلجأ إليه البعض لتبرير ما لا يُبرر، فبالإضافة لاتهام الغرب وأمريكا، يخرجون علينا بالشمّاعة الإيرانية الشيعية لتبرير جرائم الفكر الداعشي في العراق وسورية، ولكن كيف لهم أن يفسروا لنا جرائم أسلاف الدواعش في الجزائر في تسعينات القرن الماضي وفي مصر والصومال ونيجيريا مثلا، رغم أنه لا وجود للشيعة في هذه الدول.. كفانا استحمارا لأنفسنا وللعامة!.

أمور عجيبة أخرى يمكننا ملاحظتها حتى على الشبكات الاجتماعية وفي النقاشات الشعبية تُظهر مدى تغلغل الفكر الداعشي حتى عند العامة ممن نعتبرهم من (المعتدلين)، فيمكنك مثلا أن تراهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها في قضية حجاب فتاة في فرنسا أو إفطار مجموعة من الشباب في الجزائر أو أغنية أو رواية يرون أنها (فاسقة)، ولكنهم لا يرون أي مشكلة في آلاف من الأزيديين وهم يتعرضون للإبادة وتسبى نساؤهم، وحتى ممارسات الدواعش في مسلمين مثلهم من قطع رؤوس وفتح أسواق للجواري ومنع دراسة علوم (الكفار)، لا يعلقون عليها لأن أغلبهم يعتقد (بشرعيتها).. إنها قمّة التناقض والفكر الداعشي (المعتدل)، في انتظار أن يجد فرصته ليعبّر عن (شعوره) المكبوت ويتحول إلى داعشي تطبيقي بعد أن كان نظريا فقط..

من هنا جاءتكم داعش!.

طريقة سيطرة داعش العجيبة والسهلة على محافظة الموصل في العراق وقبلها بعض المناطق في سورية، توضح لنا هذا الأمر بجلاء، كان ذلك بسبب (المخزون) الداعشي الشعبي الكبير الذي فتح لهم الأبواب وهو يكبّر لهذا (الفتح) الكبير لإعلاء راية الإسلام كما يعتقدون بالإضافة إلى الخيانات التي حدثت في الأجهزة الأمنية والعسكرية من قيادات أصابها (الاندعاش)، إنهم الخلايا النائمة والمُعجبون و(المعتدلون).. داعش يمكنها الآن أن (تفتح) أي بلد في المنطقة، فقط باستعمال قواعدها ومخزوناتها الشعبية!.

أتذكر أيضا تلك الطريقة (السريالية) التي ظهرت بها حركة طالبان فجأة في أفغانستان وكأنها نزلت من السماء وكيف سيطرت على مناطق واسعة في لمح البصر وبدأت تستغل في (المخزون الشعبي) من (المؤمنين) بنفس الطريقة التي تم بها استغلال هذا (المخزون) في حرب أمريكا ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان باسم (الجهاد)، نفس سيناريو داعش.. يبدو أن مجتمعاتنا لا تتعظ!.

لنعد الآن إلى نظرية المؤامرة، إن كان هناك من مؤامرة فهي في استغلال الغرب وأمريكا لهذا الفكر الذي تحول إلى كارثة قاتلة علينا وليس في صناعته، فكما قلنا سابقا، مجتمعاتنا حققت اكتفاءها الذاتي من صناعة الفكر التكفيري الداعشي وقد صارت تصدر فائضها إلى باقي المجتمعات، كما أن مجتمعات أخرى تحترم نفسها، تستغل هذه الثغرة القاتلة عندنا لتحقيق مصالحها في كل مرة، وهذا أمر عادي في صراعات الدول على النفوذ والمصالح الاقتصادية والسياسية خاصة إذا وجدت أمامها (مخزونات) مثل التي نمتلكها في مجتمعاتنا.

من أين جاءت داعش؟

بالإضافة إلى مصدرها العقائدي والفكري الذي تحدثنا عنه أعلاه، يتساءل البعض أيضا من أين جاء كل هذا العدد الهائل من المقاتلين المدربين على أعلى مستوى والمسلحين تسليحا جيدا يتعدى الكثير من جيوش المنطقة، باختصار، داعش (زهرة) من زهور (الربيع) العربي التي تفتحت، أكثر من ثلاث سنوات من التسليح والتدريب تحت مسمّى (الثورة) في سورية، أثبت الوقائع ما كنّا قد تحدثنا عنه في الكثير من تحليلاتنا السابقة، لا وجود لما يسمّى الجيش الحر أو (الثوار) في سورية، وإنما مجموعة من الإرهابيين المرتزقة متعددي الجنسيات تم تدريبهم وتسليحهم باسم الدين كالعادة، للقيام بمهمات قذرة في المنطقة لتخريب سورية والعراق وباستغلال ذلك (الداعشي) الصغير الذي يسكن أغلب المسلمين وينتظر فقط فرصته ليفرج عن مكبوتاته في القتل والتخريب والسبي والنكاح.

نفس الشيء يحدث الآن في ليبيا بعد (الثورة)، حيث أصبح لأشباه الدواعش جيوشا وسلاحا فتاكا، وهم الآن يستعدون لمهمتهم القادمة، (فتح) الجزائر ومصر، و باستغلال (المخزون الشعبي) والمتعاطفين والخلايا النائمة ومن يدعون أنهم من (المعتدلين) في هذين البلدين.

الشيء الايجابي الوحيد ربما منذ إعلان (الخلافة) في العراق وما تبعها من جرائم وسبي وقطع للرؤوس، أن أقلية مستنيرة بدأت تظهر وتتساءل إن كان حقا هذا هو الإسلام وعن ضرورة إعادة النظر في الكثير من الأمور في التراث الإسلامي الذي طغى عليه الفكر التكفيري المقيت والعودة إلى إنسانية الإسلام، وقد بدأ هذا التيار يعرف انتشارا وككل فكرة جديدة مجددة ستعرف مقاومة في بدايتها ولكنها ستنتهي بفرض نفسها عاجلا أم آجلا، العبرة في الكيف وليس الكم والطريق لازال طويلا وصعبا لأن العامة تجد صعوبة في سماع من يحدث عقولها وتميل لمن غرائزها البدائية ولكن إلى متى؟!.


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا