د. نجاح العطار سيرة ملونة... سيرة وطن

الأحد, 26 تشرين الأول 2014 الساعة 18:03 | مواقف واراء, خاص جهينة نيوز

د. نجاح العطار سيرة ملونة... سيرة وطن

خاص مجلة جهينة بقلم أحمد هلال:

ملكة الحرف ونبل الرؤية كانتا الحبل السري الذي دلفت ثقافة من خلاله لتعطي تعبيرها: سيدة سورية جاءت من الأزمان الجميلة، لتفتتح ألفيته وتمضي في رحلة الحرف والمعنى والموقف والإشارة والوعي وبناء الثقافة، بل وأفعال الثقافة التي سوف نراها سورية خالصة في وطن رأته يوماً وطناً للعروبة بأسرها.

نسيج وحدها..

هي كلمة من الضوء وحبر الياسمين الدمشقي العتيق، نسيجٌ وحدها، لكنها بصيغة الجمعْ، ولا تنفّكُ سيرتها الملونة، على أن تأخذنا إلى بذرة الضوء التي حملتها النهارات السورية والعربية إشعاعاً، لحظة تنوير تعالقت بنكهة– البدايات- التأسيس.

لا صورة واحدة تقف بنا عند د. نجاح العطار، إذن.. ففي تعدّد صورها، صيرورة أفعال باذخة، تجوهرت بالغاية القصوى للأدب والعلم والمعرفة، ومركبها الذهبي: الفكر والعمل.

أسئلة الحياة..

هي من انتبهت إلى الأبقى في السيرورة، المُلهم والمَلهمْ سفرا.. وفيه نزوعه المستقبلي للارتفاع على الشدائد، وتذليل المصاعب، وتحقيق العدالة وكسب الحرية، جوهر وجودنا ونعمته.. ولعل تصنيف رؤية لبناء عصري لوطن ومجتمع وعالم متحرر متقدم تتفتح فيه الطاقات وتثمر الأفعال، وينبت الزهر والخير، ويصبح الكتاب ولعبة الطفل، والعمل والثقافة، الرغيف والمأوى، أشياء للجميع، وفي متناول الجميع.

هكذا قالت د. نجاح العطار وفي قولها الذي ابتدأته في -كتابها- ما يؤسس، ليس لرؤى ثقافية فحسب، بل لإستراتيجية ثقافية، تصوغ تلك الأسئلة الذكية لوعي الإنسان وضميره الوطني–بوصفها- مبدعة، رأت الكلمات كالأحجار الكريمة، فأحبت غرسها وهزها لتسقط منها الثمار كحال شاعر التشيلي الكبير بابلو نيرودا، لتتماهى مع أمنيته: أن يحتوي الكلمات في واحدة من قصائده، لتكون قصيدته من بعد قلادة كلمات، هي أحلى القلائد وأبقاها على الدهر، وهكذا أرادت أن تنظم كلماتها في سلك ذهبي وتعلقها قلادة في العنق، وهي تقرأ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لتدرك المفارقة الموجعة: "الكلمات الواردة في إعلان حقوق الإنسان شيء، ووقائع حياة الإنسان في بعض بقاع عالمنا شيء آخر، يتبدّى –لها- ذلك الفارق الكبير بين الرغبة في الشيء والشيء ذاته، بين التوق إلى ما هو جميل، ومواجهة ما هو قبيح، بين التطلعات الإنسانية العظيمة إلى تحقيق كرامة الإنسان، وبين هوان هذه الكرامة على أيدي أعداء الإنسان والجنس البشري، الذين يحتلون أراضي الغير، ويشردون الشعوب، ويغتصبون حريتها، ويصادرون بيوتها، ويدمرون آثارها، ويحرقون أماكن عبادتها، ويعملون لإفنائها.. في رأس قائمة هؤلاء المعتدين المحتلين المغتصبين للحقوق العنصريين حتى العظم، يأتي الصهاينة".

وهي من سألت الرئيس الراحل حافظ الأسد يوماً: "هل يأتي يوم نراك تساوم على القضية الفلسطينية"، فقال لها: «.. وأعاد الجواب لها بعد 27 سنة، أثناء زيارتها له في المشفى بقوله: «أترين يا دكتورة، لقد وصلت إلى هذه المرحلة ولم أتخلّ عن القضية الفلسطينية».

وتقول د. نجاح العطار في السياق ذاته: "لننظر جميعاً في اتجاه واحد، هو الاتجاه الذي يجعل من شرعة حقوق الإنسان شرعة تحيا بين الناس ولا تنام في الأضابير".

وما سياج الدار إلا رجالها..

وتشتق مما قاله أحد أبطال بني هلال، حينما اقتحم بفرسه الخضراء سياجاً من حجارة لتقول: نسورنا وبحارتنا ورجال مدفعيتنا، ومشاتنا هم سورنا، وهي تبارك رجولة الجيش العربي السوري في حرب تشرين التحريرية، يوم توغلوا في هضبة الجولان، وبلغوا بحيرة طبريا. ثمة أسوار أخرى، هي الثقافة التي كانت ولم تزل عندها أسواراً تحمي سورية وتصلّب وعيها، لتذهب في رحلة قوامها كيف نكون على صورة كلماتنا، من فكرة نبيلة، حلم من قوس قزح، ألوانه: الخبز والزهر ودفتر المدرسة، وألوانه الموقف والمعرفة، ولاسيما إذا كانت الروح والفكر من امتلكا حساسية مرهفة، لتشي ببلاغة خطاب، لكنها بلاغة المواقف في المفاصل الكبرى، واللحظات الفارقة، تلك عبقرية «الرحلة» من الأدب إلى الحياة، ومن شرفاتها العالية، ومن الفكر، كيف يستنبتُ في خصيب الرؤى.

وهي من رأت أن لا فصل بين الثقافة والسياسة، وليس ثمة فنان فوق اليمين واليسار، فدأبت على رفع سوية الثقافة والفكر لدى الإنسان، وعُنيت بالاستجابة للتحدي الخلاق، لترتقي بالتواصل الإعلامي بين المواطن والمسؤول، وتنافح بأصالة خالصة عن جدوى الإعلام الهادف المتطور.

من الصحافة إلى الوزارة..

في استقراء عديد مقالاتها الصحفية، أو التي قدمت بها مجلة المعرفة السورية، يتبدى لنا ذلك الخطاب المعرفي الواسع الطيف، في مقاربته لقضايا الوطن والإنسان، والانفتاح على الثقافات العالمية لجهة مشتركها الإنساني الباذخ، إذ ليست مصادفة أن تقول د. نجاح العطار «إن الرئيس الراحل حافظ الأسد تقصّد تعييني وزيرة لشؤون المرأة، بما يحمل هذا من أبعاد».

ومن المعروف أن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان من المهتمين لمقالاتها، وحدث أن اعتذر عن وفد من الكتّاب لأنها لم تكن بينهم.

وفي وزارة الثقافة والإرشاد القومي –آنذاك- كانت الثقافة أفعالاً يومية ومستقبلية بتجلياتها المؤسساتية، وبآلياتها الفكرية- العملية، لتصنع دلالة، أنها الحاجة العليا للبشرية في مسار التطبيق، بوصفها هوية، والانفتاح على الثقافات العالمية، بوصفها الجسر الذي يصلها بعضها بعضاً، دون أن تفقد خصوصيتها، تقول في افتتاح معرض حياة وإنجازات الموسيقار البولوني فريدريك شوبان، في صالة المعارض بدار الأسد للثقافة والفنون، إحياء للذكرى المئوية الثانية لميلاده: «إذا كانت الموسيقا هي الحياة أصلاً وفرعاً، فإن النفس وفي كل مآلاتها تحتاج إلى الموسيقا لتترجم عنها.. والإبداع يرتفع في مداراته إلى آفاق لا تحجبها حدود، فلا تمايز ولا تمييز، بل هو العطاء الغني الشاعري الذي يشكل الرابط الإنساني الأسمى، ويرسم بأشعته التنويرية علامات تصفو وترتقي متخطية كل الحدود، ذاهبة في مداها إلى أبعد من مسافات الظن، حيث يسفر الفن المبدع عن نجمتين في الأعالي وشفق في تخوم الأفق..

ذات بكاء..

في تسعينيات القرن الماضي، اندلع حريق في بناء دار الأسد للثقافة والفنون، لطالما كان البناء حلمها، وهاجسها الأبرز، لتضيف للحياة الثقافية في سورية ما هو أجمل، حراكاً ثقافياً ينهض بالروح ويرتقي بالمعرفة، ويضفي ألوان الحياة، حتى تصبح صورة الثقافة على هيئة بشر، يترجمون أحلامهم، وتصبح أفعال الثقافة، هي أفعال الحياة، هي أقانيم الحضارة وفي واحدة من مراكز إشعاعها، ليظل قلب دمشق نابضاً بسلام القلوب، وبراعة أصابع في صوغها لسمفونية الحياة، كانت دموع الوزيرة، الإنسانة، سخيّة بما يكفي من دلالة لتقف متأملة ما حدث، وهي تقبض على صدمتها: لنبني من جديد.

تلك العاشقة وطنها، من نسجت خيوط ثوب روحه، هي من ربحتها ساحات الأدب والإبداع والحياة السياسية والثقافية، فما زالت ساهرة في ضوء ما أنجزته روحها السورية وبجدارة الحياة وعلى خط أفق كان أبعد مما سطره «حبر الأنثى» منذ ماريانا مراش، عائشة التيمورية، سلمى الحفار الكزبري، مهاة فرح الخوري، ناديا الغزي، عادلة بيهم الجزائري، ثريا الحافظ، وسواهن الكثيرات من رسمن صورة سورية الباذخة الألوان فكراً ومعرفة وارتقاء ومن موقعهن كسيدات سوريات عصريات بامتياز.

هو قوس من الإنجازات منذ أن كانت طالبة دمشقية تبز الجميع بموهبتها الخطابية لتعلن مرحلة جديدة في حياة المرأة السورية وهي تتبوأ مراكز مرموقة. ومع المسألة الثقافية في استراتيجيات الدولة والمجتمع نعود لأسئلة الحياة التي تترجم طاقة الحلم الجمعي، تلك –الطاقة- التي جعلت من المستقبل قائماً في الحاضر في نسق جديد يعيد التفاؤل بجدوى الثقافة.

وإذا كانت صياغة الأسئلة من نصيب المثقفين الفاعلين الذين استولدوا الحلم من الكلمات، واستولدوا الكلمات الكبيرة من الأحلام الكبيرة، فقد وضعوا سورية في لحظات تنويرٍ وتراكم معرفي يشي بما وقر صدقاً، في البدء كانت الثقافة..

ومن زمنها جاءت د. نجاح العطار مشروعاً سورياً خالصاً تنفتح شرفاته على العالم، كما هو ياسمين دمشق، من يستأذن ناظريه لدعوتهم إليه ويأخذهم لشرفة أطلت منها مثقفة سورية، سهرت على ما تعنيه ثقافة وطن وثقافة وطنية في آن معاً، شمولية مثقفة عربية جاءت من زخم الإبداع وفضاءاته، ومخزونه الثقافي السياسي لمضاعفة الأمل بغد سورية الأحلى، في رحلة تستمر وتُمتحن كما هو الذهب تماماً.

ترمي د. نجاح العطار في سعيها لإنجاز مسؤولياتها الوطنية على حاضرها كل أسئلة الحياة الجديدة: التحدي والطموح، المثابرة والحلم، بأن ما سيتحقق ليس مجرد أضغاث أحلامٍ أو رغبات طارئة، ما سيتحقق سيستمر بإنجاز الوعد على اتساق الرسالة الثقافية المتماهية مع الرسالة الإنسانية، الهاجسة بتطوير الحركة الثقافية العربية، للوصول إلى سياسة ثقافية موحدة في فضاء عربي، هي من رأت إذن أن الثقافة خدمة معرفية تؤديها الدولة للشعب تحقيقاً لشعار يقول الثقافة للجميع وفي خدمة الجميع، وكثيراً ما وقفت د. نجاح العطار على التجربة الثقافية في سورية بكل أبعادها وتجلياتها استخلاصاً لدور مطرد، وما زالت تقرع ناقوس الخطر لتكون جبهة الثقافة «هي الأكرم في الجبهات مخصوصة بمقاتليها من المثقفين، وموقوفة على الأقلام التي تعرف كيف تصوغ الوجدانات وتحميها من صياغات أخرى مضللة».

نائب للسيد الرئيس..

إلى الأفق القريب تحدق السيدة د. نجاح العطار بوصفها نائباً للسيد الرئيس د. بشار الأسد، وعندها أن في المحن يمتحن رجال الفكر، فتعلي الخطاب إليهم في كل ما يمس المطلق الوطني فتستدعي الأدوار وتستنهض المواقف فالكلمات مرايا لتستنهض الرائيين: أن تكون سورية على هيئتنا، يعني أن نشكل من الفكر سوراً منيعاً ومن المواقف خطوط الدفاع الذكية.

هي من جاءت من المستقبل لتُساءل الحياة هاجسةً بوعي ثقافي جديد حينما يكون عنوان الثقافة مقاومة وتنوير، ولا تلتفت للصوى على جوانب الطريق لتعاود الانطلاق، وحسبها أنها انطلقت ليظل المشروع كما الخطاب هاجساً لوعي متجدد لسورية المتجددة دفاعاً عن القيم الأزلية ولجبهة الثقافة ومقاومتها المتجذرة في وعي الإنسان ودلالة كينونته الأولى، وللواثقة من غدها حلم على اتساع حلم الوطن، سيشرق فيه رجاء القلوب، وتشرق المعرفة حارسة لمعنى الوجود: سورية قصة حياة معلنة.

من كتبها:

أدب الحرب بمشاركة حنا مينة عام 1976.

من مفكرة الأيام كلمات ملونة عام 1982.

من يذكر تلك الأيام بالمشاركة مع حنا مينة.

نكون أو لا نكون مقال في جزأين عام 1984.

أسئلة الحياة مقالات عام 1984.

إسبانيا وهمنغواي والثيران.

آخر نسيج ثوري من آذار وتشرين.

تركت بصمات واضحة بتأسيس الفرقة الوطنية السيمفونية والمعهد العالي للفنون المسرحية ودعم الفنون التشكيلة ورعاية معارضها الدائمة.

سطور وعناوين..

تلك السيدة المثقفة التي كانت حقاً ما تمنت، ربحت التحدي وربحت الرهانات لصنع الحياة وجعل الثقافة فعلاً الحاجة العليا للإنسانية، كيف لا وقد سهرت على الإنجازات وحلمت بمستقبل بلدها ليعبر إلى صورته الحقيقية، وهي الوزيرة الأولى للثقافة في سورية، كانت تلك الطالبة الدمشقية ذات المواهب الخطابية أول امرأة سورية تشغل منصب وزيرة الثقافة والإرشاد القومي في سورية عام 1976، ضمن خطة الرئيس الراحل حافظ الأسد لإنعاش وضع المرأة السورية وإثبات قدرتها على تولي المناصب، ولتكون أول امرأة سورية مفوضة لمتابعة السياسة الثقافية في سورية.

تقول الدكتورة نجاح العطار إن الإنسان ولا شيء غيره هو الحقيقة الكبرى في الحياة، وهو الذي يخلع على الجمادات رؤى مؤنسنة.

ولدت د. نجاح العطار لأسرة دمشقية عريقة عام 1933.

تخرجت من كلية الآداب عام 1954، وبعدها حصلت على شهادة الدكتوراه بمرتبة الشرف من جامعة أدنبره.

على الرغم من رفض الجامعة –آنذاك- لتدريسها الجامعي- بوصفها امرأة- درست د. نجاح العطار في المدارس الثانوية.

عززت الاهتمام بالترجمة وواقعها، مع نخبة من المثقفين السوريين من أمثال أنطوان مقدسي، وحنا مينة.

نالت شهادات في العلاقات الدولية والنقد الأدبي، وأثنى على دورها العلامة د. عبد الله عبد الدايم، والمؤرخ شاكر مصطفى.

صدر عام 2006، مرسوم رئاسي بتعيينها نائباً للسيد الرئيس بشار الأسد، لتكون أول امرأة سورية تشغل هذا المنصب مفوضة بمتابعة السياسة الثقافية في سورية.


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 سوري
    27/10/2014
    01:01
    مع احترامي للشحروره
    اي والله عيب علينا يعني ما ضل بسوريه نسوان متعلمات وجاهزات لهالمنصب الا هالمره؟؟؟؟؟ فعلا نحن متخلفين ولك خلينا نعطي فرصه للشباب ولك حاجه حاجه مرض خلونا نبني عطار عطار ولك شبعنا شبعناااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
  2. 2 فينيقي
    27/10/2014
    01:12
    كلنا عريقون
    أقتبس (ولدت د. نجاح العطار لأسرة دمشقية عريقة عام 1933) كلنا نحب سوريه وكلنا عريقين وعظيمين
  3. 3 عصام
    27/10/2014
    01:12
    أهلا أهلاً
    عصام العطار داعية إسلامي سوري والمراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين في سورية . ولد في عام 1927 في أعقاب الثورة السورية. وهو شقيق الدكتورة نجاح العطار نائبة الرئيس السوري للشؤون الثقافية والإعلامية
  4. 4 جمال الشعيطات
    27/10/2014
    01:22
    بصراحه
    بصراحه غير موفقين بهذا المقال يا جهينه

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا