كيري ــ أوباما .. إلى الـوراء در؟

الأحد, 16 تشرين الثاني 2014 الساعة 23:31 | مواقف واراء, زوايا

 كيري ــ أوباما .. إلى الـوراء در؟

جهينة نيوز - بقلم فاديا جبريل:

في السابع من أيار 2013 وأثناء زيارته إلى موسكو، أبلغ وزير الخارجية الأميركي جون كيري القادة الروس أن الولايات المتحدة قرّرت الاستدارة فيما يتعلق بموقفها من الأزمة في سورية، وكشف حينئذ وزير الخارجية سيرغي لافروف ما قاله كيري: «عليكم أن تعرفوا أن الولايات المتحدة ليست دراجة نارية يمكنها تبديل خط سيرها 180 درجة، وهي واقفة في أرضها، إن الولايات المتحدة أشبه بشاحنة كبيرة، قاطرة ومقطورة، تحتاج، من أجل الاستدارة، القيام بلفة كبيرة، في خلالها يمكن أن تعبر أحياءً وشوارع ضيقة، وتتسبّب بأضرار لبعض المنشآت والأبنية والسيارات المتوقفة على جانبي الطريق، لكنها في النهاية ستستدير».

اعتراف كيري السابق يترجم إلى حدّ بعيد ما وصلت إليه الإدارة الأمريكية اليوم من مأزق أغرقها في المستنقع السوري، حتى باتت تتخبّط في سياساتها وقراراتها واستراتيجياتها بعيدة المدى، وتدفع ثمن رهانها على كسب الوقت في دفع سورية إلى الانهيار، بل تسعى إلى لملمة فضائحها والاستدارة نحو حلّ سياسي فرضه صمود سورية وثبات قيادتها وشجاعة جيشها وشعبها وبسالته في الدفاع ومواجهة مخطط تدمير مقدراتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.

ولعلّ من المؤشرات التي طفت على السطح مؤخراً، وتؤكد هذه الاستدارة، المبادرة التي حملها المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، والكشف عن اتصالات أمريكية مع موسكو للحصول على معلومات استخبارية من الأجهزة الأمنية السورية عن تنظيم «داعش» وبقية التنظيمات الإرهابية ولاسيما تلك التي تضم مرتزقة أوروبيين، فضلاً عن اتفاق روسي- أمريكي على استبعاد «ائتلاف الدوحة» من أي مفاوضات قادمة لأنه لا يمثل وحده (المعارضة السورية)، وخروج أحمد الجربا غاضباً من آخر اجتماع لهذا الائتلاف واتصاله بما يسمّى مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» معلناً أن هذا الكيان الذي حقنته الإدارة الأمريكية وأذنابها في المنطقة بكل أسباب البقاء قد مات!.

ومما لاشك فيه أن هذه الاستدارة تشي بأن الإدارة الأمريكية قد استنفدت كل مخططاتها، ومازالت تعمه وتوغل في فشلها، وخاصة أنها أعدّت لسورية سيناريو انهيار يذكّرنا بما فعلته في أفغانستان قبل سنوات، إذ استجلبت مرتزقة من أصقاع الأرض كلها ودعمت تيارات مذهبية وسياسية مختلفة لإسقاط النظام الموالي لموسكو، وبعد انسحاب الجيش السوفييتي وسقوط نظام أحمد نجيب الله عمدت إلى إشعال نيران اقتتال استنزفت أفغانستان وأدخلتها أتون حرب أهلية طاحنة, قبل أن تتسيّد طالبان المشهد كاملاً وتعتلي سدة الحكم كأول إمارة إسلامية، وهو الأمر الذي يحيلنا إلى ما فعلته الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ بدء الحرب على سورية من دعم سياسي وإعلامي وتسليحي للعصابات الإرهابية التي تمثّلت بداية بما يسمّى «الجيش الحر» وفصائل وألوية مقاتلة متعددة المساعي والاتجاهات، يوحدها هدف واحد هو إسقاط (النظام) في سورية، ودفعها إلى الفوضى والانهيار، ومن ثم تظهير التيارات المتطرفة والتكفيرية كـ «جبهة النصرة» و«داعش» وسواهما من التنظيمات المتأسلمة التي كان معداً لها أن تُدخل سورية في حرب طويلة لا تبقي ولا تذر فيما لو سقط «النظام» وعمّت «الفوضى الخلاقة» المدن والبلدات السورية، كما كان يتمنى أوباما وجوقته في تركيا و«إسرائيل» ومشيخات عربان الخليج.

إن التحولات المتسارعة فيما تمكن تسميته المرحلة ما قبل الأخيرة من العدوان، باتت اليوم في مواجهة إرساء تحول جيوسياسي عالمي يستمد قوته من تماسك محور المقاومة، وشكّل فيه الصمود السوري بيضة القبان في ترتيب معادلة الشرق الأوسط الجديد، التي أربكت السياسة الأمريكية وخلطت أوراقها وتحالفاتها، ما دفعها, كما أسلفنا, إلى إعادة تقييم هذه التحولات والمخاطر التي تهدّد مصالحها في المنطقة، وتالياً الاستدارة بقوة الأمر الواقع لا برغبة في التهدئة واستمرار الرهان على عصابات مهزومة وأنظمة توشك على الانهيار أثبتت أنها هشة أمام التداعيات الكبرى التي بدأت تضرب المنطقة والعالم، وتسليمها بفشل جهودها المضنية لتدمير سورية.

وبناءً على ما سبق تسعى واشنطن للتلويح باستراتيجية انتهجتها منذ أخذ التحول العالمي طريقه إلى التطبيق، وهي دعم «المعارضة المعتدلة» كورقة ضغط، يقول دانيال روبنشتاين، المبعوث الأميركي إلى سورية الذي عُيّن بعد فشل فورد في إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الملف السوري المعقّد الذي تحول إلى مهمة أمريكية مستحيلة: «إن بلاده واضحة في استراتيجيتها في سورية، وهذه الاستراتيجية تتمحور حول دعم المعارضة المعتدلة والشركاء الدوليين لإحداث انتقال سياسي في سورية». وعلى هذا أيضاً تجدّدُ إدارة أوباما- كيري تمسكها بما يسمّى «المعارضة المعتدلة» وتعويم هذا المصطلح والدفع بأطراف العدوان للتبرع في تدريبها وتسليحها حتى اللحظة الأخيرة، رغم أن هذه الاستراتيجية قد سقطت بسقوط مفهوم «الاعتدال» الذي تطلقه على أيّ تنظيم متطرف يقاتل وفق أهدافها، ما يعيد إلى الأذهان ما قاله أوباما عن قدرة «المعارضة المعتدلة» على هزيمة (النظام)، وأن هذا الاعتقاد فانتازيا تؤكد ضعف هذه التنظيمات المتقاتلة الذاهبة باتجاه الذوبان في المجموعات التكفيرية الأكبر كـ «داعش» و«جبهة النصرة»!.

لقد أدركت الإدارة الأمريكية أن الإيغال في تعويم تنظيمات تدّعي «اعتدالها» بات أمراً مفضوحاً وصفاقة وقحة ما عادت تقنع العالم ومنظماته الدولية، فغيّرت تكتيكاتها باتجاه البحث عن بديل سياسي يحافظ على المنطقة مشتعلة ولاسيما في شمال سورية وجنوبها، وفي الوقت نفسه تقديم شروطها التفاوضية للخروج بأقل الخسائر وحفظ ماء الوجه أمام حلفائها وأدواتها في الشرق الأوسط، وتصوير هزائمها في أفغانستان والعراق واليوم في سورية بأنها انتصارات حققت فيها الحد الأدنى من أهدافها.

المأزق الأمريكي اليوم أكبر من أن تستطيع إدارة أوباما- كيري احتواءه بعد أن انكشف دعمها السابق واللاحق لرموز تباكت طويلاً على «اعتدالهم» مثل «أبو خالد السوري» ذراع بن لادن وحسان عبود القاعدي المتلبس بلبوس الإخوان وعبد القادر صالح «حجي مارع» وزهران علوش وسواهم.

والكارثة الأكبر أن هذه «الرموز المعتدلة» شكلت قوام «داعش» وأطلقت خطوته الأولى، فهو لم يهبط من السماء، بل كان فكرة نشطت ونمت عبر انتقال الولاءات من تنظيم إلى آخر، فقسم كبير من «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» بايع «داعش»، وما حدث مؤخراً في إدلب بهزيمة ما يسمى «جبهة ثوار سورية» أمام «جبهة النصرة» وانقلاب عناصر الأولى على زعيمها الإرهابي جمال معروف ومبايعتهم للجولاني، وتسليم «لواء فرسان الحق» كامل أسلحته وعتاده لـ«جبهة النصرة»، يعدّ أكبر دليل على كذبة «الاعتدال» التي تحاول واشنطن الضغط بها لتحقيق مكاسب سياسية فشلت في تحصيلها عسكرياً.

أخيراً.. يمكن القول: إن سورية التي تخوض حرباً وجودية بعد أن أصبحت هدفاً دولياً، استطاعت الإفلات من جعلها أسيرة حالة تجاذب دولية وإقليمية متأزمة، ومازالت تملك المبادرة والقرار والثبات على المبادئ، بل أثبتت قدرة خلاقة على إدارة الصراع على أراضيها واستيعاب الهجمة التي كان «حطبها الأمريكي» جحافل تخرجت من غوانتانامو وسجون العراق وجبال أفغانستان، وما المبادرة الدولية, التي حملها دي ميستورا والبيان السوري أن الرئيس الأسد والمبعوث الأممي قد أكدا على أهمية تطبيق القرار 2170 الذي ينصّ على التصدي لـ«داعش» و«جبهة النصرة» الإرهابيين وفروع القاعدة، والقرار 2178 الذي يؤكد أيضاً على ضرورة التزام الدول بمنع الإرهابيين الأجانب من دخول سورية، إلا إعلان واضح أن الاستدارة الأمريكية قد دخلت مرحلة التطبيق الفعلي، وأن الكرة باتت في مرمى البيت الأبيض ومدى قدرته على فهم التطورات والتحولات المتسارعة, التي أثبتت بعد أربع سنوات من الصمود الأسطوري السوري, أنها كانت أوهاماً وسراباً لهث خلفه أوباما وكيري طويلاً ولم يصلا ولن يصلا إليه أبداً.


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 ايناس فرحان
    16/11/2014
    20:30
    لن يهداء الاعداء ، ولن يتراجعوا
    على النظام السوري ان لا يرتكن او يطمان الى استدارات السياسة الامريكية ، بل عليه ان يتوقع من كل استدارة ماهي الا خطة اخرى للعودة باعتداء جديد وباسلوب مختلف . فلن يردع الامريكان وعملاؤهم في المنطقة سوى صمود ومجابهة محسوبة واقوى من سابقاتها . وبالفعل ، كانت التضحيات جسيمة وعظيمة ، لكنها كانت ضرورية للحفاظ على الوطن. واعلموا ان صمودكم قد انعكس سلبا على الاعداء . فما اوجدوه من تنظيمات ارهابية بدات تتجه على لتنال من اصحابها . وهي مسالة وقت حتى يشرب الاعراب من نفس الكاس الذي ارادوا سقية للاخرين . فلكم منا كل التحية .
  2. 2 السّا موراي الأخير - سوا
    18/11/2014
    00:17
    حرب الحَيونَه؛ لا مثيل لها!
    نحن نعلم بأن الحروب في العالم صنفان:1- الحروب العادلة التي تخوضها الشعوب ضد مستعمريها من الغربيين.2- الحروب الظالمة أو غير العادلة التي تشنّها دول الاستعمار من أجل السيطرة و نهب الثروات.أما أن تقوم أمريكا و إسرائيل بإحداث حرب في الوطن العربي ضد الدول الوطنية التي لا تعجبها؛و بأموال عربية و سلاح من العربان ودماء عربية و إسلامية؛فهذه حرب حَيوَنَه لا سابق لها.إنَّ المرتزقة الذين تسمّوا (معارضة سورية!) في مجلس غليون و توابعه و الهاربين إلى الجيش الكر و مجرمي التكفير,يجب إدانتهم و إعدامهم علناً و دون أي تخفيض. يجب اتخاذ موقف واضح من الولايات المتحدة الأمريكية كقاطع طريق دولي و راعية للإرهاب في العالم ؛ و هي المسؤولة عن سفكِ دماء السوريين و العرب. لن تكون شريكاً تجارياً لنا و لا مفاوِضاً معنا.

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا