جهينة نيوز- نارام سرجون:
لا أدري إن كانت التوبة هي الوقاحة بعينها عندما يسقط السيف من يد القاتل.. أو عندما يعلن التوبة من بلغ أرذل العمر حيث لا يقدر على فعل الرذائل.. ولا أدري إن كان الاعتراف في لحظة الموت يستحق الاحترام أم الاحتقار.. وماذا يعني أن نعتذر من الدم بعد أن شردناه خارج العروق والأعناق وصار يسكن التراب ويهيم على وجهه لتلعق وجهه الرمال.. هل الاعتذار يرده إلى بيته الدافئ في قلب الضحية؟؟ بل ماذا يعني أن نعتذر من الكفن ومن القبر لا من الجثمان؟؟..
ولا أدري أيهما أكثر إيلاما.. الاعتراف بالحقيقة المؤلمة أم إنكار الحقيقة.. فلا فرق بين المذاقين.. لكن يقيني هو أن ماهو أكثر إيلاما منهما معا هو الاعتراف بنصف الحقيقة أو إنكار نصف الحقيقة.. نصف الحقيقة هو نصف إنكار.. وكلاهما مثل مخلوق بنصف وجه ونصف قلب ونصف رأس.. وفم بشفة واحدة.. وثوب من جلد الدب مرقع بالحرير.. ونصف عقل يؤمن بنصف إله.. أو بنصف شيطان..
فوجئت منذ أيام أن أحد عتاولة الثوار وهو وليد البني والذي كان ينطق باسم الائتلاف اعترف في لحظة مصارحة مع جمهوره بأن معظم شباب الثورة السورية التحقوا بجبهة النصرة لما تمتعت به من سمعة جهادية عطرة.. ولكنه قال بأن هذا الاتجاه كان خاطئا جدا لأن جبهة النصرة هي الوجه الآخر للقاعدة التي تتميز بأنها تكفيرية واقصائية ولا تؤمن بالقيم العليا للديمقراطية ولها منطق غير مقبول على الإطلاق من مشكلة الأقليات.. وبعد هذه المقدمة والاعتراف بالذنب دعا شباب الثورة إلى التراجع عن هذا الخطأ الفظيع والعودة إلى الجيش الحر.. ولاشك أن جمهوره سيقف مثل بهجت الأباصيري عندما طلبت منه المدرسة سهير البابلي في مدرسة المشاغبين بأن يقف.. فقال مستهجنا بسخرية باردة وبصوت غاضب محتج: بعد 14 سنة خدمة في ثانوي بتقولي أقف!!..
ولاشك أن جبهة النصرة و(أبو محمد الجولاني) وجمهور الثورة من آلاف المجانين سيقول بطريقة بهجت الأباصيري: بعد أربع سنوات خدمة في جبهة النصرة بتقولي أقف...!!! بالفعل شيء مثير للسخرية.. بعد كل خدمات جبهة النصرة وكل جهادها الدموي يقرر وليد البني إبعادها والاستغناء عن خدماتها التي لم تتوقف.. ويعتذر ببساطة للشعب السوري بأنها لا تناسب معاييره الثورية وقراريط الذهب التي يقيس بها العمل الثوري ونقاء الماس الثوري.. واستغرق اكتشافه أربع سنوات من البحث والتمحيص والبحث في تفاعلات الأخلاط والمعادن الخسيسة.
طبعا هذا الاعتراف الوقح مر مرور الكرام بين الثوار وكأن شيئا لم يكن.. رغم أن المنطق يقول بأن هذا يعني أن على الثورة أن تحيل قيادات الثورة إلى المحاكمة وتعفيهم جميعا.. لأنه فشل شديد في توجيه الثورة طوال 4 سنوات مما مكن جبهة النصرة من أسلمة الحراك الديمقراطي الحر والاستيلاء على محركات الثورة الشابة (التي لم تكن تنادي بالطائفية كما يريد البني أن يقول ولم ترفع شعارات بيروت والتابوت) وتسبب نهجها في امتعاض الناس من خط الثورة وانكفائهم عنها بسبب راديكاليتها.. خاصة وأن جبهة النصرة رفدت لاحقا داعش بالعناصر التي انشقت إلى داعش.. وبفرض صحة هذه النظرية التي تحاول القول بأن منطلق الثورة لم يكن دينيا فهذا يعني أن القيادة المعارضة كانت تعلم أن الثورة تدينت وتطرفت ومارست العنف والوحشية تحت اسم جبهة النصرة التي باركها كل الثوار وشكروا سعيها وجهادها من جورج صبرة إلى ميشيل كيلو وسليم إدريس.. ومع هذا لم يرفع أحد منهم الصوت لوقف هذا التحول طوال أربع سنوات.. وهذا الاعتراف الوقح والاستهتار هو الفجور بعينه ويدل على أن قيادات الثورة والمعارضة السورية إما أنها غير مبالية أو غير مؤهلة لتوجيه جمهورها أو أنها متواطئة لتخريب الثورة.
طبعا نحن نعلم أن نصف الاعتراف هذا والتوبة المتأخرة هو انسحاب تكتيكي ليس إلا.. فالمعارضة السورية وصلتها النصائح من مكاتب الاستخبارات بأن المرحلة التطرفية الآن فشلت في مهمتها ولن تقدر مهما تابعت على إنجاز المهمة في إطلاق حرب أهلية طاحنة مذهبية في سورية بل صارت بسببها تركيا متوترة طائفيا والسعودية أيضا.. ويجب خلع جلباب جبهة النصرة التي فشلت فشلا ذريعا في تحقيق كسر لمعادلة عسكرية وشعبية راسخة حيرت كل المراقبين وصار وجودها إلى جانب داعش محرجا لتشابههما واختلاف مهمتهما الآن.. فيقوم الثوار بشطب اسم جبهة النصرة واختراع اسم جديد أو العودة إلى خرافة الجيش الحر.. أي أن السكين التي ذبحت طوال 4 سنوات لا يتغير نصلها ولا مقبضها بل يتغير غمدها.. وتتابع الذبح بنفس الوتيرة.. ولو نظرنا في الفيديو المرافق لضحكنا حتى الثمالة لأنه هو اقتراح وليد البني دون زيادة أو نقصان.. فما تريده المعارضة من إنزال علم ورفع علم هو بالضبط مافعله هذا المقاتل من داعش في الفيديو عندما انتصرت داعش على جبهة النصرة في دير الزور.. فأنزل علم العدو (النصرة) وهلل وكبّر.. ثم رفع علم داعش وهلل وكبّر.. والمضحك أن العلمين متشابهان ومتطابقان.. رايتان سوداوان عليهما شعار الجهاديين نفسه باللون الأبيض.. فقط اختلاف طفيف في نوع الخط.. ولكن نفس القماش والمقاس والمعلم والمدرسة ونفس الجهل والغباء والوحشية وذات الأظافر والحوافر والأظلاف والأذيال والرائحة النتنة والدم الفاسد.. وهو الفرق العقائدي بين داعش والنصرة.. والجيش الحر.. كما هو الفرق في راياتهم..
https://www.youtube.com/watch?v=C692hCVzl2s
صدقوني لا فرق بين وليد البني وبين ذاك الملثم الذي يبدل الرايات السود.. الفارق هو أن البني بلا لحية وبلا لثام.. لكن العقل والتفكير الساذج والعقل العاجز هو نفسه..
ومنذ فترة كتب الثورجي المؤمن التقي الورع محمد حبش مقالا عن شخصية (أبو القعقاع) الذي اشتهر بأنه كان يجند الناس في مساجد حلب بعد سقوط بغداد تحت سمع وبصر النظام ويبعث بهم إلى الجهاد والتهلكة في العراق لقتال الأمريكيين لأنه كان متواطئا مع النظام على حد تعبير التقي الورع حبش.. وفجأة قتل أبو القعقاع من قبل أحد أبناء الشعب السوري لأن محمد حبش يعتقد أن أبا القعقاع قد نال جزاءه بعد أن غرر بأبناء الناس وضحى بهم وأخذهم في رحلات موت جهادية لضرب الأمريكيين لخدمة أجندة النظام السياسية في ملاعبة الأمريكيين ولدى عودة الناجين منهم كانوا يساقون إلى السجون السورية ليحقق النظام السوري انتصارا في جولاته مع الأمريكيين على حساب حرق شباب السوريين بلا حساب.. ولذلك فقد حوسب أبو القعقاع وقتله الشعب لأنه ساق الشباب وحماسهم لصالح أجندة النظام غير عابئ أو مكترث بحياة آلاف الشباب المغرر بهم..
لو جمعنا ما قاله الثورجي محمد حبش.. والثورجي وليد البني فيجب أن تراجع الثورة سجل قياداتها وشيوخها ومفتيها الذين جرّوا الشباب في الأرياف الفقيرة إلى الثورة ومحرقة الصراع الدولي دون أن تتمكن هذه القيادات الطائشة التي أعماها الحقد والجهل من قراءة الخرائط والتحالفات الدولية والأطماع وموازين القوى.. بل كانت هناك صبيانية سياسية وارتجالية وجشع وأنانية فرفض الجميع عروض الحوار من الدولة وردوا كل الوساطات.. وربما يجب أن يطبق درس (أبو القعقاع) على قادة الثورة جميعا وأن تنفذ هذا الإعدام جماهير الثوار وأبناء الريف الفقراء الذين أدخلت عليهم الثورة بثياب جبهة النصرة لتحرض غرائزهم واستدرجتهم إلى محرقة لم يدفع ثمنها إلا الفقراء ولم يتأثر واحد من قيادات الثوار الذين بقوا في الخارج ولم يغامروا بالانضمام مع أبنائهم إلى الميادين أو المناطق المحررة وكثير منهم زادت ثروته واستثماراته.. واليوم وبعد أربع سنوات يقول لهم وليد البني ببرود بأن معظمكم كان متهورا وعلى خطأ.. وعليكم أن تقاتلوا جبهة النصرة الآن.. لا أن تنضووا تحت علمها وراياتها السوداء.. لأنها شر مطلق..
ثم يظهر معاذ الخطيب في خطاب اعترافات آخر ويقول بأن الثورة بشكل ما لم تكن على صواب كل الوقت.. لأن الحقيقة هي أن لا أصدقاء للشعب السوري بل تم اللعب بمصالح الناس من قبل قوى إقليمية وعالمية.. ومن يقرأ ما كتبه معاذ فإنه يرى أن أكثر الاعترافات صوابية وقربا من الحقيقة ويستحق القراءة المتأنية هو ما كتبه معاذ.. فهو حتى اللحظة أكثر الاعترافات شجاعة وعقلانية.. فبرغم أنه مزخرف بالمواعظ ومتمترس بالرفض العنيد ومرصع ببعض الثوابت الثورية الرخوة فإن نصفه إقرار واعترافات بالفعل بأشياء قالتها الدولة الوطنية السورية ولم يصغ لها الثوار الذين كانوا مندفعين بشكل أعمى للقتال إلى جانب القوى الإقليمية والعالمية لإسقاط استقلال بلدهم بحجة تغيير النظام لإعلاء الحرية.. بل إن معاذ الخطيب اشتهر بطلبه وهو يجلس في مؤتمر الدوحة كرئيس لسورية ويطلب تدخلا عسكريا ناتويا ضد سورية.. وذهب بنفسه إلى أردوغان كما يذهب والي الشام إلى الباب العالي لينال الرضا ويسلم المفاتيح.. ثم صال في كل العواصم التي تآمرت على بلده ليقول لنا اليوم بأن أصدقاء الشعب السوري هو وهم كبير وخدعة كبرى..
المضحك أنه ليس الثوار فقط هو من يعبر عن الندم وأنه كان حمارا في حساباته بل حتى الأمريكيون يقولون بأنهم كانوا على خطأ.. ووزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل فاجأ الثوار بالقول بأن الرئيس الأسد هو جزء من جهود محاربة داعش.. أي بمعنى آخر لستم وحدكم حمير بل.. يا أعزائي كلنا حمير.. وها نحن ننزل الرايات القديمة ونرفع رايات جديدة..
ولكن هل يقدر من يقول نصف الحقيقة أن يقول كل الحقيقة؟
معاذ الخطيب وأمثاله من النادمين يقتربون من الحقيقة تدريجيا.. فهل سيملكون الشجاعة على قول النصف الآخر من الحقيقة وأن يتخلوا عن نصف الإنكار الذي يتمسكون به.. وأن يعترفوا أن ما فعلوه كان خيانة بحق شعبهم ووطنهم ودينهم؟؟ هل سيفرجون عن كل الحقيقة ويصارحون الناس بما كان يدور في الكواليس من صفقات وخيانات؟؟ حقيقة أن الثورة التي فعلوا من أجل رايتها الكثير تأكلهم الآن لأنهم صنعوا منها وحشا عندما أرضعوها الدم.. وأطعموها الأجساد الطرية والأشلاء والأعناق.. ولأنهم سقوها من آبار النفط.. وسقوا أردوغان من دموع الثكالى واليتامى والأيامى حتى ارتوى.. وزينوا له ولغيره طرقاته باللاجئين وأهدوه المعامل السورية المسروقة..
بالنسبة لنا فإن قول نصف الحقيقة هو تبديل راية سوداء براية سوداء.. وأما قول الحقيقة كاملة فإنه إنزال راية سوداء ورفع راية لعلم سوري بنجمتيه الخضراوين..
إن مجرد الاقتراب من الحقيقة وإنزال الرايات الكثيرة التي رفعت في الحرب على سورية.. مثل الرايات السوداء الجهادية والرايات الحمراء السلجوقية.. ورايات الناتو.. وإسرائيل.. والسعودية.. وقطر.. جعل الثورة تكشر عن أنيابها وتصاب بالسعار وشبق القتل.. وهاهي تتحضر لتغرز أنيابها في أعناق من حمل لها نفس الرايات يوما لأنه فكّر في هز الرايات..
ولكن فليتذكر الثوار النادمون أنه لا يكسر أنياب الوحوش الطليقة سوى قول كل الحقيقة.. وليس نصف الحقيقة.. ولا يفقأ عيون دراكيولا ويحرق عينيه الحمراوين إلا أن ترفع راية بنجمتين خضراوين عاليا أمام عينيه..
وغير ذلك يبقى تبديل رايات سوداء بين داعش والنصرة.. لا تعنينا.. وسنسقطها ونردد خلف جندي سوري: والله لنمحيها..
الاعترافات الناقصة في لحظات اليأس لا تستحق سوى أن تنقع وتشرب في كأس..
والاعترافات الكاملة في لحظات الاحتضار.. لا تستحق إلا العار.. والاحتقار..
فليست هناك سوى راية واحدة ترفع قبل فوات الأوان.. قبل أن تبدأ لحظات اليأس ولحظات الاحتضار..
راية بنجمتين خضراوين.. يقدسها كل الوطنيين السوريين.. هي راية الرايات.
20:12
17:12
01:47
04:03
04:43
05:37
08:48
09:11
12:10
19:34
03:12
03:40
22:19
07:16
19:53
22:50
19:47
01:44
03:47
04:13