كي لا نتحول من جلد الذات إلى سلخ الجلد

الخميس, 20 تشرين الثاني 2014 الساعة 02:16 | منبر جهينة, منبر السياسة

كي لا نتحول من جلد الذات إلى سلخ الجلد

جهينة نيوز-ماجد الخطيب:

لاشك أن الأمة العربية والإسلامية تعاني من تحديات مهوّلة وضعتها أمامها عوامل خارجية أو خلقتها فيها ظروف تاريخية وتجاذبات داخلية قديمة قدم هذه الأمة، ربما يعود بعضها للعصر الجاهلي حيث الصراع القبلي على أشده في الوقت الذي تتدخل الأمم الأخرى، لتذكية هذا الصراع لصالح استمرار نفوذها على هذه القبيلة أو تلك، ويمكن الاعتراف بأن الفترات التاريخية التي تخلصت الأمة من هذا الصراع وهذا التدخل ربما هي قصيرة قياساً لتاريخها الطويل الممتد آلاف السنين، وبالتالي فإن ظاهرة الربيع العربي بما فيها من مؤامرات خارجية وصراعات داخلية تأتي في سياق تاريخ الأمة، وهو الأمر الذي لا يقتصر على الأمة العربية الإسلامية وحدها بل هي حالة تمر أو مرت بها الأمم قبل تشكلها غالباً وبعد تشكلها في أحيان كثيرة، بالتالي مهما شاهدنا من مظاهر الخيانة والتآمر والمركوبية للآخرين والعبودية للأعداء وغيرها كما نرى الآن في الأمة العربية الإسلامية، فإنها تبقى مظاهر محددة لا يمكن تعميمها على الأمة كلها، وإلا يجب أن نعدم أنفسنا أو نبحث عن انتماء قومي وديني آخر.. بالتالي فإن الاعتماد على هذه المظاهر الأزموية والاستثنائية والمغرقة في انحطاطها كمبرر للانتقال من جلد الذات إلى طعن الأمة في صميمها يعني تطرف من نوع جديد يؤدي إلى سلخ جلدنا العربي والإسلامي.

ولاشك أن عدداً كبيراً من أفراد الأمة العربية والإسلامية انصاعوا لمظاهر الانحطاط والسطحية الشعاراتية التي اشتغل عليها مروجو الخراب العربي، وتجاوبوا مع وسائل الإعلام المغرض والتحريضي الموغل في دماء أبناء الأمة، الذي عمل جاهداً عبر مونتاجاته الفنية لتضخيم أعداد المنصاعين لتحريضهم، عبر ما اصطلح عليه المظاهرات المليونية، وهو المصطلح الذي أطلق جزافاً على كل تجمع التقطته الخدعة السينمائية من زوايا معينة بغرض إثبات أن مثل هذه التظاهرات تمثل غالبية الأمة، وهو ما يجب ألا ننصاع له نحن أيضاً، حيث من المفترض أن نكون صاحين لحبائل ودسائس الغرف التلفزيونية والأقبية المخابراتية، بصورة تمنعنا من تصديق ما تنشره من ردود فعل فردية ومحددة لا تصلح للتعميم على الأمة كلها، وللمفارقة فقد اعترف نشطاء التحريض من خلال شعاراتهم بعجزهم عن تحريك هذه الغالبية حيث كانت مظاهرات جمعة "صمتكم يقتلنا" موجهة لهذه الغالبية التي عادت لتعلي صوتها مع أول فرصة وعي حقيقية لما يحدث من تآمر عليها، وقد انعكس ذلك خلال فترة قصيرة نسبياً في مصر وتونس وسورية ولبنان والعراق حيث صحت الملايين من سحر التنويم الديني الذي وضع طلاسمه مختصون من شياطين الساسة والإعلام الغربيين ومن تبعهم من مشايخ الدجل والشعوذة السياسية، الذين ما أن فرغت جعبهم من الدجل السياسي حتى لجأوا إلى الدجل الجهادي من خلال بيادق تحركها هنا وهناك، ويعد البيدق الداعشي الأقوى وربما الأخير هو البيدق الذي لاقى مقاومة كبيرة من عشائر وأثنيات سورية وعراقية رغم التشابه المذهبي الخادع، ما يدل على أن الأمة بدأت تعيد توازنها وتعلي صوتها الحقيقي وما يعني أيضاً أنه من الخطأ الحكم عليها من خلال مواقف قلة افتعلوا ردوداً على مقاسهم وضخموه على مقاس أمنياتهم وأوهامهم، لا يمكن تعميمه على الأمة كالقول "إن الأمة انفعلت وغضبت والتهبت وقامت الدنيا ولم تقعد من أجل صورة مقاتل من حزب الله يرفع راية الحسين فوق مئذنة جامع محرر في مدينة القصير"، حيث إن هذا الانفعال المضخم يأتي في سياق التحريض الديني والفتنوي المصنوع كما أشرنا أعلاه، في الوقت الذي لم تظهر أي مظاهر غضب وانفعال حقيقية في أي بقعة من الأمة العربية والإسلامية، إلا من قبل الأفراد ذاتهم المحرضين وعناصر الدوائر الإعلامية والسياسية والتي معظمها خارج الإطار المكاني المقصود، كما أن عدداً من المطبلين والمزمرين لهذا الانفعال كانوا يطلون على خراب هذه الأمة المنكوبة من شرفات القصور خمس نجوم في أستانبول وباريس وواشنطن كما هو معروف؟!.

بالمقابل ليس من الصواب القول إن مليار مسلم لم يتحركوا إزاء تدنيس الصهاينة للمسجد الأقصى، إذ علينا أن نسأل من يمثل هؤلاء، ومن يعبر عن رفضهم للصهاينة هل هم هؤلاء القلة من مشايخ ومفكري الفتنة ومروجي الاستسلام للعدو والمشي في ركب التطبيع المهين؟؟ هل يمثلهم مشعل المنافق أم أردوغان العميل أم آل السعود الذيول أم محمد السادس الماسوني؟! وهؤلاء بالتأكيد هم من يسيطر على 99% من المنظومات الإعلامية في المنطقة فكيف نصدق ما تمنتجه وتبثه بعد أن ذقنا المرارة من كذبها ونفاقها؟!.

لماذا لا ندخل في حسابات الأمة المتعبة والمنكوبة وجود التيار العروبي المقاوم والصامد منذ عشرات السنين وربما مئات السنين للحفاظ على هذه الأمة ومقدساتها، هذا التيار الأصيل الذي تغيرت أشكاله ولم يتغير جوهره والذي يمكن رصده من خلال المشروع القومي النهضوي ببعديه الإسلامي والعربي الذي أنجز ما أنجز من تقدم حضاري برغم الممانعة الصهيونية والغربية الشرسة لهذا المشروع برغم عوامل الكبح التي عرقلت بناء الدولة العربية المؤسساتية وحاكت المؤامرات الرهيبة ضد عبد الناصر وحافظ الأسد ومن سبقهم ومن آتى بعدهم ممن حرص على تنقية الوعي الإسلامي والعربي والحفاظ على المقدسات وتأكيد الثوابت القومية في عقول الأجيال.

هذا التيار الذي امتلك خلال العقود الأخيرة الأدوات والخبرة ليبدأ تحطيم الخطوط الحمر والخضر للأمن الصهيوني من خلال ضربات المقاومة العربية والإسلامية، بل قل غزواتها الناجحة التي استهدفت قوافل التضليل الصهيوني وأموال النفط العربي المرافقة له، فكانت ردة الفعل الرجعية الشرسة والقبيحة على هذه المقاومة ومن ورائها بإعلان العديد من الأحلاف المخفية والظاهرة مع الكيان الصهيوني ضدها، ويعد محور دول الاعتدال واحداً من محاولات الرجعية لكبح جماح هذا التيار الرافض لأي تفريط بالمقدسات والحقوق، ولا نريد أن نقف عند محطات استهداف سورية والمقاومة خلال العقود الماضية، وصولاً إلى استحداث الفوضى التخريبية التي تستهدف استبدال اللا مقدس بالمقدس وتغيير الثوابت بالمتغيرات وحرف الأمة عن مسارها، ولعل ضخ عشرات المخربين تحت مسمى الجهاد إلى سورية من 80 دولة إلى سورية والعراق، دليل على أن هذه الأمة والتي مركزها في العراق والشام لم تستجب، بالصورة التي أرادوها، لمنظومتهم الإعلامية والسياسية التحريضية الفائقة الجاهزية والتنظيم، فاستعاروا شذاذ الآفاق ليقوموا بالمهمة.

بالنتيجة فإن التعميم الفكري، وحتى لو كان من منطلق الغيرة على الأمة وانتقاد بعض المظاهر الخاطئة، يجب ألا يتحول إلى طعن وتقزيم وتفتيت للأمة يضاف إلى ما تعانيه من محن ومآسي، فالأمة العربية والإسلامية تقف على أرضية إنسانية أصيلة ولها رسالة خالدة وأهداف ومطالب محقة، وهي بحاجة إلى كلمة طيبة وفكر نظيف يساعدها على ترتيب اصطفافاتها وتصحيح مساراتها، وما شهدته مصر وتونس من انتصار القوى القومية والتقدمية أمثلة شاهدة، كما أن صمود سورية المقاومة للإرهاب منذ نحو أربعة أعوام، يدل على أن مركز هذه الأمة بخير ولا زال ينبض بروح الحياة والانفعال والحماسة ولا يمكن للقوى الظلامية أن تلغي مسيرة تطورها النهضوي رغم تقهقره أحياناً.


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 السّا موراي الأخير - سوا
    20/11/2014
    04:50
    لا للإنهزامية و جَلدِ الذّات!
    شكراً لماجد الخطيب. مقالة رائعة و تشَكِلُ بارقةَ أملٍ في مسيرتنا النِّضالية الحاليّه. أنصح بقراءة المقال و استيعابه!

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا