جهينة نيوز- بقلم فاديا جبريل:
مفجعٌ ومؤلمٌ أن يكون الإنسان شاهداً على تحولات سياسية هدامة وأحداث دامية ومجازر تُرتكب بحق التاريخ البشري، تعجزُ العقول والقلوب عن تحمّلها لشدة قسوتها، وخاصة ذلك الصمت والنفاق الذي يلفّ المجتمع الدولي ومنظماته "الإنسانية"، ويتجلّى في أبشع صوره بأن صار غطاءً لمشروع فتك بالبشر قبل الحجر. والأشد قسوة أن هذا "المجتمع الدولي" الذي سكت طويلاً عن جرائم الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية خاصة، بات يجيد فن الخداع وقلب الحقائق، و"البهلوانيات" السياسية المكشوفة أكثر مما مضى، ولاسيما عبر ما سمّوه منظمات حقوقية تدّعي في ظاهرها الخوف على حقوق الإنسان، بدءاً من حقوق المرأة والعنف الممارس ضدها، مروراً بحقوق الطفل وحمايته من الأخطار، وصولاً إلى انتهاك بنود القانون الدولي الإنساني كلها، برعاية تلك المنظمات التابعة في جلّها للأمم المتحدة، فيما دوائر الحقيقة لدى العالم كله أضحت واسعة وواضحة وضوح الشمس أن "المجتمع الدولي" تجاوز الصمت والسكوت حتى صار في عمله وأدائه الملتبس غطاءً قانونياً للجرائم الإرهابية وتداعياتها على أسر ومجتمعات الدول التي ترفض الهيمنة الأمريكية الغربية.
في سورية، لسنا بحاجة إلى تقديم أدلة وقرائن على هذا الدور الملتبس، لكن يكفي أن نلمس الصمت والتعامي السافر الذي تمارسه منظمات الأمم المتحدة حيال ما تفعله عصابات الغرب المتصهين كـ"داعش" و"جبهة النصرة" وسواهما من التنظيمات الإجرامية، من ممارسات وعنف ضد النساء والأطفال في سورية والعراق، وقهر وتنكيل بالمدنيين وتجنيد للمراهقين والأطفال، ودعوة الفتيات القاصرات إلى "جهاد النكاح"، وسط تقارير "خلبية" لتلك المنظمات، مخزية في نتائجها مخجلة مخيبة للآمال في قراءتها لحقيقة ما يجري، تبرئ القاتل وتتهم القتيل وتدينه، لا تملك إلا بيانات مغفلة تنأى بنفسها عن ماهيات هذا الإرهاب المنفلت من عقاله، وتتجاهل أسبابه ومعطياته والدول والكيانات التي ترعاه وتدعمه وتغذيه بالفكر التكفيري ليرتكب أبشع جرائم الذبح وقطع الرؤوس والتهجير الجماعي للأقليات وتدمير المعالم الحضارية ومحو هويتها، وإلا هل تستطيع الأمم المتحدة بمنظماتها المختلفة الضغط والتأثير على بعض بلدان الخليج وتركيا وإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة، وفضح جرائمها في المنطقة، لتمتنع عن دعم المرتزقة والإرهابيين التكفيريين وإرسالهم إلى سورية التي ارتكبوا فيها مجازر وحشية، ستظل حتماً وصمة عار على جبين الإنسانية و"مجتمعها الدولي" الأصم والأبكم؟!.
إن سورية التي تواجه صمتاً دولياً مريباً، وقد استهدفها الإرهاب وسعى للفتك ببنيتها الاجتماعية والأخلاقية، وتخريب نسيجها الوطني، بدأت تدرك مدى أهمية مواجهة هذا الفكر بوسائل مختلفة تعتمد على فضح مروّجيه ودحره في أوكاره حيثما كان، دون الحاجة إلى مخاطبة أيّ من المنظمات الدولية، بل سينصبّ سعيها أكثر نحو بناء درع حصين وسياج منيع يحفظ البنية الاجتماعية ويصون تماسكها غداة هذه المحنة الأليمة، ويحرّرها من الحواضن التي احتوت هذا الفكر، ويعزز صمود السوريين الذين أدركوا حقيقة أهداف السيناريوهات المعدّة لتدمير وطنهم، وهو يواجه بصلابة هذا المدّ التخريبي والطوفان الاستعماري وخططه بالتقسيم والتجزئة التي سبق وأن عاشها الوطن العربي قبل مائة عام.
إذاً.. هي جولة ثانية من المشروع الغربي القديم- الجديد الذي أجهضه الحاجز السوري المقاوم كدرس للتاريخ أن السوريين بمعظمهم استطاعوا الإفلات من فخ التطرف الديني المطلوب منه أن يكون مقدمة لمشروع ظلامي هدام يعيدهم إلى القرون الوسطى، وأن وعيهم بحقيقة ما يسمّى "المجتمع الدولي" ودوره المريب، ترجمه الشرفاء من الشرائح كافة تماسكاً وإصراراً وتعاضداً واصطفافاً خلف قرار أبدي بالدفاع عن مجتمع يعتز باعتداله ونبذه للتطرف، ووطن سيظل عصياً على الغزاة وأعداء الحضارة والمتآمرين.
04:59
05:37
20:08