جهينة نيوز- بقلم نارام سرجون:
في الحقيقة كلما رأيت تعليقات السيد وليد جنبلاط في الشأن السوري أتذكر أفيخاي ادرعي الناطق باسم جيش إسرائيل الذي دخل علينا من بوابة قطر والجزيرة.. وكذلك كلما وقعت عيناي على "ادرعي" أخذني عقلي بالقوة من يدي إلى صورة وليد جنبلاط عنوة ليضعني أمامها لأتذكره بتسريحته الشعثاء وعينيه المكورتين البارزتين الناعستين الذابلتين.. ولا أدري لماذا يربط عقلي الباطن بين سليل البيت الجنبلاطي وبين سليل البيت الأدرعي.. فلاشك أن أبا تيمور أكثر ظرفا من أدرعي الذي لا أقدر على تحمل ثقل دمه وأنفاسه.. ولاشك أن منظر وليد بيك -على دمامته- مريح أكثر لأنه لايكترث بالمظاهر وبالهندام ولابتسريحة مابقي من "الشعر الغجري المجنون" الذي يسافر في كل الدنيا وهو يطوق رأس وليد بيك كما الحزام الأمني والمناطق العازلة الإسرائيلية في الجولان وجنوب لبنان.. وكما يفصل التحئيئ الدولي بين الحئيئة والاستئلال.. فيعطي هذا الخليط من التكوين في الملامح انطباعا أن وليد بيك مريح ولايتكلف الظهور والتخفي خلف أقنعة مسرحية ومكياج الكاميرات ولايستسلم للأمشاط.. وأنه هذا هو على طبيعته.. فأحبوه..
ولكن لا أعرف لماذا أحس أحيانا إلى درجة اليقين أن افيخاي أدرعي هو في الحقيقة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان وأن جنبلاط هو الناطق باسم جيش "الدفاع" الإسرائيلي.. فكلاهما يتسابقان إلى كسب قلوبنا وعقولنا.. بنفس سوية التصريحات التي يستحيل أن نعرف أيها أكثر وقاحة..
فمن التصريحات الشهيرة لأدرعي أنه في تغريدة من تغريدات تويتر بارك للمسلمين (إخوته كما وصفهم) بيوم الجمعة وطلب منهم الدعاء (لإخوته في دوما ودرعا).. وأنهى تغريدته الرومانسية كما تنهي الثكالى العربيات والأرامل بالعويل وشق الجيب والثياب.. فصرخ متفجعا (دوما تباد)..
لاشك أننا جميعا نتفق أن هذا التصريح هو التصريح الأكثر وقاحة في العالم.. ولايمكن أن يدخل كتاب غينيس للوقاحة شيء يفوقه وقاحة وفجورا.. وأنا متأكد أن وقاحته تفوق وقاحة عزمي بشارة الذي لايزال مصرا على أن يتحدث كمناضل فلسطيني رغم أن قبائل الهوتو في إفريقيا صارت تعرف أنه جاسوس إسرائيلي لامع.. ووقاحة ادرعي تفوق بقليل وقاحة خالد مشعل الذي لايزال يتصرف وكأنه سيحرر القدس من عند قاعدة العيديد القطرية أو من عند قاعدة انجرليك في تركيا الأطلسية.. ولو سألنا نتنياهو عن رأيه في تغريدة أدرعي لابتسم وقال: إنني أتنازل له عن تربعي على عرش الوقاحة عندما زرت المسلحين السوريين الجرحى في الجولان وكأنني ملاك للرحمة.. إن هذا التصريح لايمكن قهره.. إنه يستحق لقب الوقاحة التي لاتقهر..
تخيلوا أن أدرعي الذي كان جيشه يدك غزة ويبيدها ويقصف عمر مآذنها ومساجدها ويدفن عشرات الآلاف من الغزيين تحت الأنقاض يهنئ إخوته المسلمين بيوم الجمعة.. ويرفع يديه بالدهاء مبتهلا إلى الله أن ينصر الثوار المسلمين في الغوطة ودرعا.. الذين يبيدهم الجيش السوري.
إن تلك الرومانسية في الوقاحة تشبه صلاة السلاطين العثمانيين بصمت وتأثر على ضحايا مجزرة الأرمن الشهيرة والدعاء لهم بالفوز بالجنة والدعاء بالهلاك على الجيش العثماني.. أو تشبه دعاء السكين للجرح بالسلام وهو ينفث الدم..
ولكن من يستمع لتصريحات السيد وليد بيك جنبلاط الأخيرة بأنه "لاداعي للانشغال بأفلام داعش لأنها مقصودة كي تنسينا جرائم النظام السوري".. وأنه "طالما هناك سوري واحد يقاتل نظام بشار الأسد فسيقف معه لأن هذا النظام قتل وجرح مليونين وشرد عشرة ملايين سوري".. يحس أن التمييز بين وليد جنبلاط وافيخاي ادرعي صعب جدا ولايمكن معرفة الفرق بين الرجلين لتداخل مشاعرهما ووظيفتيهما ووقاحتهما.. وكأن أفيخاي صار له "شعر غجري مجنون" وعيون مكورة ناعسة.. ويستحق لقب أفيخاي بيك أدرعي..
بالطبع بغض النظر عن الأرقام التي قفز إليها جنبلاط ووصل إليها قبل أي شخص آخر على سطح الكوكب.. حيث قتل جنبلاط وجرح بجرة قلم مليونين من السوريين دفعة واحدة وشرد عشرة ملايين دون تردد.. وكأنه يتحدث عن أسعار النفط وصادرات براميل النفط لمشيخة خليجية وسلة اوبك.. فإن تصريح أدرعي الرومانسي قد فقد مكانته وصدارته بأنه الوقاحة التي لاتقهر.. ومنحها لجنبلاط.. فهل بعد وقاحة جنبلاط وقاحة وهو يدعونا لعدم الاكتراث بمشاهد الذبح وآلام الضحايا وذويهم ويريد منا أن نعتبر الأمر تمثيلية سينمائية ومشاهد أكشن وإثارة مزيفة.. وأن ألم الثوار أهم من ألم المذبوحين.. وأن نزيف الدم وضجيجه وهو يتفجر من الأعناق ليس إلا شيئا عبثيا.. بل إن هذا الضجيج وفحيح الجراح يشوش على الثورة السورية.. ولا أدري كيف سيكون موقفه إن لبس بعض أبناء الحزب التقدمي الاشتراكي بدلات برتقالية وركعوا أمام الدواعش وذبحوا.. وسمعنا ضجيج دمهم وضجيج عويل أمهاتهم إن كان ذلك سيقلب معايير القسوة لديه..
ولكن الجدير بالملاحظة أن هناك قلة إنصاف لأن تصريح جنبلاط كان يجب أن يقوله ادرعي.. فيما كان دعاء وتفجع ادرعي يناسب جنبلاط.. ولذلك لايبدو غريبا أن عقلي لم يمكنه التمييز بين الوقاحتين (التقدمية الاشتراكية والإسرائيلية).. ووجد أن جنبلاط من الأنسب له أن يعمل ناطقا باسم جيش إسرائيل وأن يتولى أدرعي شؤون الحزب التقدمي الاشتراكي ورعاية مصالح جمهور جنبلاط وانتخاباته النيابية وتحالفاته وتقلباته وتموجاته السياسية المزاجية..
مايجب تذكير جنبلاط به هو نصيحة ثمينة لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لجنبلاط (صاحب الشعر الغجري المجنون) في بداية الأحداث السورية عندما انتشى جنبلاط بفكرة سقوط النظام السوري خلال أسابيع فجعل يكثر من تصريحاته المنفعلة ويتحدث بتماد سخي عن ثورة الشعب السوري.. فقال له لافروف ناصحا بأن عليه ألا يغرق في تطرفه في مواقفه وأن عليه التهدئة من اندفاعه لأن الشرق الأوسط مقبل على حفلة جنون كبيرة.. ومن مصلحته أن يتجنب الخروج في العاصفة.. أو الدخول إلى الحفلة المجنونة..
لن نكرر تذكير جنبلاط بتجنب الخروج في العاصفة.. بل مايجب تذكير جنبلاط وادرعي به في هذه المناسبة هو مصطلح "الانقلاب الربيعي".. فرغم أنه مصطلح مناخي ويدخل في تقويم السنوات والفصول والمواسم فإن "الانقلاب الربيعي" مثله مثل الجنون الذي يحيي حفلات الشرق الأوسط الدموية دخل تقلبات المناخ في الشرق الأوسط ومصطلحات المواسم السياسية.. والربيع الناتوي الذي بدأ منذ أربع سنوات بدأ الآن مرحلة الانقلاب الربيعي لصالح ربيع المقاومة والممانعة.. ومن يتابع التحرك العسكري السوري في الشمال والجنوب مع حلفائه عليه أن يدرك ما أعنيه.. فهذه أول مرة يقوم فيها الجيش السوري بتحريك جزء بسيط من قوات كانت لاتزال تنتظر دون أن تطلق رصاصة واحدة منذ أربع سنوات ودباباتها لاتزال بشحمها.. والأهم أنها لأول مرة تخرج جزءا يسيرا جدا من أسلحتها ذات المساحة النارية والقدرة التدميرية الهائلة التي تتركها للمواسم التي تحدث فيها الانقلابات المناخية.. وهذه أول مرة يرى الإسرائيليون فيها الحرب البرية على أصولها على تخومهم وفي المناطق المفتوحة وليس في حارات دوما وجوبر.. لتنظيف خط الجولان من المتاريس البشرية من المسلحين السوريين الذين وضعتهم إسرائيل كأكياس الرمل والدشم الواقية لتختبئ خلفها..
السيد جنبلاط يطمح أن يكون جنديا من جنود أدرعي.. وأدرعي يطمح أن يكون نائبا من نواب المجلس النيابي اللبناني وبالذات عن الحزب التقدمي الاشتراكي أو أحد نواب سعد الحريري أو سمير جعجع.. ولاشك أن عضويته في الائتلاف السوري لا نقاش فيها.. والحقيقة أن لافرق بين أي من هذه المكونات.. فلافرق بين جنود إسرائيل وجنود زهران علوش.. ولافرق بين نواب الكنيست الإسرائيلي ونواب الكنيست اللبناني.. ولافرق بين الحزب التقدمي الاشتراكي وبين حزب إسرائيل بيتنا..
الآن الصورة أكثر وضوحا.. بعد هذا التشوش في الصور والتصريحات وتبديل الطرابيش.. صرنا نعرف أن القمامة واحدة.. والكنيست واحد في تل أبيب وفي بيروت.. والمحفل واحد.. والحفل المجنون واحد.. وصاحب الشعر الغجري المجنون مصمم أن يدخل الحفلة المجنونة برجليه..
أهلا وسهلا بك وليد بيك أدرعي.. وأهلا بأفيخاي بيك جنبلاط.. إلى الانقلاب الربيعي.. وشالوم عليكما.
17:42
10:34
19:53
20:51
22:46
16:48
01:45
01:51
02:12
02:16
03:21
04:09
00:50
00:52
10:53
14:41
15:01
15:16
17:46
18:37
21:50
22:46
23:46
00:08
00:44
02:16
17:03
18:21
18:24
18:48
19:42
19:45
22:01
22:07
22:24
22:43
00:00
00:39
19:35
05:09
16:28
21:20
21:33
18:46