حين قال الأسد: "كنت سأفعل ما فعلته في الخامس عشر من آذار"!!

الخميس, 30 تموز 2015 الساعة 16:03 | منبر جهينة, منبر السياسة

حين قال الأسد:

جهينة نيوز - ســامر عبد الكريم منصــور:

دائما كانت مؤتمرات القمة العربية, وتحديدا مع بداية كلمة الجمهورية العربية السورية, أحد المصادر الرئيسية في تعرية النظام الرسمي العربي. ثمة شيء أعمق من الملل الواضح على وجوه عروش الرمال, كانت براكين الغضب والحقد تستعر داخل أجسادهم المتهالكة, بينما ممعنا في تعريتهم أمام الشعوب العربية. كان يعلم تماما حجم ارتهانهم للمشاريع المضادة للمصلحة العربية, وأن محاولة تحريرهم من عبوديتهم للمشروع الصهيوني الأمريكي, تبدو فكرة عبثية. لذلك كان كل ما يستطيع فعله: دورة محو أمية للعروش والأنظمة الرجعية, في الإنتماء الصادق للعروبة, وهو يتحدث عن العمل العربي المشترك و الأمن القومي العربي, والقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي وتطوير الجامعة العربية, ويتوقف مطولا لتصويب المفاهيم والمصطلحات. في الحقيقة لم يكن الأسد يتحدث إلى الجالسين حوله في "الجامعة العربية", كان يتحدث إلى الشعب العربي بكل صدق وجرأة. كانت العروش تشعر بأنها تغوص في رمال متحركة, ثمة دوار يصيب رؤوسها العفنة, لا يزول حتى وهم يصفقون بفرح: لقد أنهى الأسد كلمته!

في الوقت الذي كان فيه البوعزيزي يتدحرج, مثل كرة من نار, في شوارع تونس و ليبيا ومصر. بدأت أنظمة الرجعية العربية والخلافة البائدة , بترتيب حقائبها للصلاة في المسجد الأموي!. وفي الثلاثين من آذار 2011, كان ينتظرون كلمة موجزة تعلن عن التسليم بقضاء أمريكا وقدرها في المنطقة, كانت وجوههم تعكس فرحا عميقا وحلما قديما يقترب من التحقق. ولكن ماذا يجري؟ الدهشة والغضب يغلفان نظراتهم, بينما كان الأسد يقف أمام مجلس الشعب ويقول بهدوء وثقة: "نقول للأعداء لا يوجد خيار أمامكم إلا أن تستمروا في التعلم من فشلكم. أما الشعب السوري فلا خيار أمامه إلا أن يستمر بالتعلم من نجاحاته". وتابع بحسم مستندا إلى وقائع التاريخ القريب: "سأذكركم بمصطلح الدومينو الذي وجد بعد غزو العراق عندما افترضت الولايات المتحدة في ذلك الوقت.. بأن الدول العربية هي أحجار دومينو وستأتي المشاريع لتضرب الأحجار أو تضرب حجرا ويسقط الباقي.. ما حصل هو العكس تحولت المشاريع إلى أحجار دومينو وضربناها وسقطت واحدا تلو الآخر وهذا المشروع سوف يسقط.."

بعد عامين, تسأل "الصنداي تايمز" الرئيس بشار الأسد: "إذا أتيح لك إعادة عقارب الساعة عامين إلى الوراء, هل كنت ستتعامل بطريقة مختلفة؟". أجاب الأسد على "عقاربها" : "يجب سؤال أردوغان: هل كنت سترسل إرهابيين لقتل السوريين؟ هل كنت ستقدم دعماً لوجستياً لهم؟ ويجب سؤال السعوديين والقطريين: هل كنتم سترسلون الأموال للإرهابيين وللقاعدة أو لأي منظمات إرهابية أخرى لقتل السوريين؟ وينبغي طرح نفس السؤال على المسؤولين الأوروبيين والأميركيين: هل كنتم ستوفرون مظلة سياسية لأولئك الإرهابيين الذين يقتلون المدنيين الأبرياء في سورية؟". مؤكدا على تمسك الدولة السورية بثنائية الحوار ومحاربة الإرهاب, كطريق وحيد للحل. جوابه, أعاد تذكير الصحيفة البريطانية, بما قاله قبل عدة شهور, على شاشة "روسيا اليوم", وردا على سؤال : "لو كان اليوم هو 15 آذار 2011, ما هي الأشياء التي كنت ستفعلها بشكل مختلف؟", حينها قال الأسد: "كنت سأفعل ما فعلته في الخامس عشر من آذار"!.

في العشرين من حزيران 2011, ومن جامعة دمشق, فكك الرئيس السوري المشهد المتداخل, على مسرح الأحداث الدامي. حين قال : "إن ما يحصل في الشارع السوري الآن له ثلاثة مكونات, الأول هو صاحب حاجة أو مطلب يريد من الدولة تلبيتها له. أما المكون الثاني فيمثله عدد من الخارجين على القانون والمطلوبين للعدالة. أما المكون الثالث فهو الأكثر خطورة ويمثل أصحاب الفكر المتطرف والتكفيري..".

كان واضحا أن البيت السوري الداخلي, يعاني من مشاكل عديدة, سياسية واقتصادية واجتماعية. لم تكن سوريا واحة الديمقراطية أو العدالة الإجتماعية. هذه المشاكل المتراكمة خلقت تيارا واسعا من "المكون الأول". كانت لديه مطالب محقة, وعلى الدولة السورية أن تستجيب لها. ابتداءا من هذه النقطة يمكن رصد حركة المكونين الآخرين, فمع كل استجابة لمطلب شعبي, مزيد من الفوضى والدماء والقتل. كانت المعادلة تزداد وضوحا أمام المواطن السوري: "القضية ليست حول الإصلاح والديمقراطية كما طرح في البداية, بل هي حول دور سورية وتمسكها بحقوقها". "فالحوار والحل السياسي, لن يمنعا الإرهابي من أن يقوم بما قام به حتى اليوم.. وهل هذا الإرهابي قام بقطع الرؤوس والتفجير والاغتيال وبكل أنواع الإرهاب البشع لأن هناك طرفين سوريين اختلفا سياسيا مع بعضهما البعض.. وهل هذا يعني عندما نتحاور ونتفق على حل سياسي ما.. سيأتي هذا الإرهابي ويقول زالت الأسباب وأنا سأتراجع عن الإرهاب.. إن هذا الكلام غير منطقي." (خطاب الأسد- مجلس الشعب حزيران 2012). وأكد الأسد أن "عدم الفصل بين الإرهاب والعملية السياسية هو خطأ كبير يرتكبه البعض ويعطي الشرعية للإرهاب.. للفكر التكفيري الذي يقتل باسم الدين ويخرب تحت عنوان الاصلاح وينشر الفوضى باسم الحرية."

باتت الصورة واضحة جدا. الإرهاب والفكر التكفيري هما أدوات "الربيع العربي" لتحقيق "الحرية والديمقراطية"!. هؤلاء الذين وصفهم الأسد ب"الجاهليون الجدد", "أصحاب الفكر الظلامي, الذي أسس له الوهابيون بالدم والقتل, وسيسه الإخوانيون بالنفاق والكذب والخداع. أولئك الذين استخدموا قناع الإسلام من أجل ضرب الإسلام ففرغوه من الداخل واستبدلوه بكل ما يناقضه من نفاق وعنف وإجرام."

هذا الإرهاب التكفيري الذي تلقى دعما لا محدودا, من عروش الرمال و تركيا الاردوغانية و الكيان الصهيوني, والولايات المتحدة الاميركية و بريطانيا وفرنسا و غيرها, والذي تمّ استيراده من كل كهوف الأرض, لنشر "الحرية والديمقراطية" في سوريا. والذي كان "المجتمع الدولي" يصمّ أذنيه عن التحذيرات السورية بخطورة دعمهم للتيارات الإرهابية التكفيرية, التي لن تكتفِ بالمساحة الجغرافية المخصصة لهم من قبل داعميهم, بل ستفيض "حريتهم وديمقراطيتهم" إلى الدول التي تمولهم وتدربهم وتحتضنهم. كان على "المجتمع الدولي" أن يرى بعينيه دماء الضحايا في تونس ومصر وليبيا والكويت والسعودية وفرنسا, حتى تتعالى صرخاته, أمام تنامي الخطر الإرهابي! فعشرات آلاف الضحايا السوريين, لم تكن مبررا كافيا لإثبات وجوده!.

في السادس عشر من تموز 2014, يعرّف الرئيس الأسد السياسة السورية بأنها : "لم تتصف في يوم من الأيام بحب العنتريات.. لا نحب العنتريات ولا البندريات.. العنتريات إما أن نذهب باتجاه مواجهة العالم من دون مبرر وبتهور, أو أن نفعل كما يفعل “الشقيق” أردوغان, يريد أن يحرر الشعب السوري من الظلم ويحلم بالصلاة في الجامع الأموي, وعندما أتى موضوع غزة رأينا بأنه حمل وديع يشعر باتجاه إسرائيل كما يشعر الطفل الرضيع تجاه حضن أمه بالحنان, ولا يجرؤ على أن يتمنى أن يصلي في المسجد الأقصى, كما لاحظتم فقط في الجامع الأموي وهذه هي العنتريات. أما البندريات فهي أن يتحول الإنسان إلى منبطح بشكل مطلق وكلي أو أن يتحول إلى عميل ولو لم يكن هناك من يبحث عن عملاء, إذا نحن لا نهوى العنتريات ولا نهوى البندريات, كلاهما خطر ويؤدي بصاحبه ودولته وشعبه إلى الهاوية."

عنتريات أردوغان لم تمكنه من الصلاة في الأموي, بل تقزم الحلم العثماني إلى محاولة يائسة لتشكيل حكومة ائتلافية مع معارضيه، والتي من المرجح أن تفشل. هذا سيجعله يدعو إلى انتخابات مبكرة, ستكون نتيجتها على الأرجح خسارة أكبر في شعبية العدالة والتنمية. فسياساته العنترية, بعد أن حققت له "صفر" أصدقاء, يبدو أنها في القريب العاجل ستصبح "صفر" عدالة وتنمية أو "صفر" أردوغان. أما بندريات عروش الرمال, الذين أدمنوا العمالة والإنبطاح, فهم يراقبون بقلق نتائج الإتفاق النووي الإيراني, وكذلك الفراغ الذي يخلفه رحيل الاستراتيجية الأمريكية نحو شرق آسيا والمحيط الهادئ. أولئك الذين اعتادوا على الرسن, يبحثون عن يد مناسبة تقودهم, بعد "التخلي" الأميركي وما رافقه من حفلات نواح جماعية في قصور الرمال المتحركة, ويبدو أن اليد باتت أقرب من أي وقت مضى, لتقودهم نحو مزبلة التاريخ.

غاب صوت سوريا الحقيقي, خلال السنوات الأربع الأخيرة, عن قمم الرمم العربية. لكن دورها في تعرية أنظمة الخنوع والرجعية, الذين تعاونوا جميعهم على الإثم والعدوان ضدها, كان حاضرا وبقوة أكبر. كان صوت الدم السوري الذي سفكوه خدمة للمشروع الصهيوني الأمريكي. الدم السوري الطاهر الذي وقف بوجه إرهابهم التكفيري وإمارات الكفر والنفاق.

الأرض السورية المقدسة, والحقوق الوطنية والقومية, والموقف المقاوم للمشاريع التكفيرية الصهيونية الأمريكية. حقائق لا تقبل المساومة لدى الشعب السوري, ومن أجلها تهون المآسي والتضحيات مهما بلغت. هذه الحقائق والمسلمات التي تشكل الروح الحقيقية للجسد السوري, هي التي كانت مستهدفة منذ اللحظات الأولى للخريف العربي و شعارات الربيع.

لذلك قال الأسد : "كنت سأفعل ما فعلته في الخامس عشر من آذار"!!


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 السّا موراي الأخير - سوا
    1/8/2015
    11:24
    جيد جداً و واضح جدّاً!
    شكراً للسيد الكاتب على وضوح الرّؤية و دِقَّة التسديد. لقد حبانا الله ،نحن السوريين، بهذه الصفة الحميدة بدءاً من رجالات سوريا في بدايات القرن الماضي مروراً بالقائد الخالد حافظ و وصولاً للسيد الرئيس بشّار و معه ملايين السوريين ممّن تماسكوا و صمدوا و تعالَوا على الجراح و أرسلوا مشروع ربيع برنار هنري ليفي إلى جهنَّم. إن وضوح رؤيتنا هو ما جعلنا محصّنين ضد الوباء التكفيري العميل للغرب و ضد شعاراته الزائفة الكاذبة المخادعة التي استغلّت الحاجات الحقيقية لشعبنا و أبناء أمتنا لتمرير مؤامرة ((الربيع العربي!)) و الحرب العدوانية علينا.أعتقد أن وضوح رؤيتنا هذا سيعيد الضالّين المضلَّلين منا إلى جادّة الحق و الصواب و سيُلزِم الدولة الوطنية السورية بأن تأسو الجراح و تعيد البناء بكل معانيه.شكراً سامر ع. منصور

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا