جهينة نيوز- بقلم: نارام سرجون:
الحمدلله أن اللعبة التنكرية انتهت بعد أن استمرت خمس سنوات.. تعبت فيها الوجوه من ثقل الأقنعة.. وتعبت فيها الأقنعة نفسها من الوقوف والكذب.. وأرهقت فيها العيون من النظر في الوجوه الجامدة.. وكانت الطائرة الروسية تسقط وتجرّ معها كل الأقنعة التي سقطت على جبل التركمان.. اللعبة انتهت بشكل غير متوقع وصادم وبدأ الحفل الحقيقي من دون رتوش ونفاق..
كنا ونحن نرى مؤتمر أنطاليا نكظم الغيظ لأننا سئمنا هذه المسرحية والديكورات التي يضعها الغربيون من أجل إقناع العالم أنهم جادون في محاربة داعش والإرهاب من اجتماع داخل تركيا عش داعش.. كنا الوحيدين الذين نرى أن الأقنعة السوداء لداعش والنصرة لم تعد تخفي وجه أحد مقنع ولم يعد هناك داع لأي لثام بل صار من السذاجة على الغرب الإصرار على ارتداء الوجوه البلاستيكية.. لأن بصمات الملثمين رفعت عن كل زاوية وجريمة ومذبحة على طول مسرح الجريمة من العراق إلى ليبيا.. وكانت أيديهم تصافحنا وهي مغمسة بالدم.. وسقطت من القتلة الصور التذكارية في كل الشوارع الشرقية وهم يعانقون قادة الغرب وملوك الرمل وسقطت منهم (جوازات السفر) وشهادة الميلاد قرب المجازر.. وعلى ثيابهم ظهرت بقع النفط المسروق من سورية.. وفوق كل هذا كانوا يجتمعون في أنطاليا من أجل "محاربة الارهاب"..
في مقالة بالأمس كتبت أن لا أحد يصدق أن الغرب يريد انهاء الارهاب أو اسقاط داعش.. وكان الروس في المؤتمر يريدون احراج الغرب ليس إلا ومحاصرته اعلاميا.. ولكن الغرب اليوم أعلن صراحة سقوط كل مؤتمر أنطاليا وسقوط كل الأقنعة التي هوت بسرعة كما هوت الطائرة الروسية بسرعة الى الأرض معلنة نهاية الحفلة التنكرية المملة والطويلة والسمجة والوقحة..
لاشك أن الحركة التركية فاجأتنا جميعا ولم يتوقعها الكثيرون لأن تركيا لاتتصرف من دون العودة واستئذان الغرب وطلب الترخيص لكل عمل عسكري.. وكانت الضربة خارج التوقعات بشكل شبه مطلق لأن الغرب كان يصور نفسه على أنه ضحية للارهاب وأنه جاء الى أنطاليا لتوحيد العالم ضد داعش وكل الحركات المتطرفة الراديكالية.. ورغم أنه كان ينافق فإن أحدا لم يصدق أن يتوقف عن النفاق بسرعة قياسية وخلال 48 ساعة من إنهاء لقاء أنطاليا الذي ملئ وعودا ومصافحات وأيمانا مغلظة لانهاء الارهاب.. والمفاجئ في الحركة أيضا هو أن الغرب أعلن بهذا السلوك ضد الروس صراحة أنه معني بحماية داعش بالرغم من أنه استخدم طريقة مواربة للتملص من وعده بدعم ضرب الإرهابيين وهي أنه لم يقبل بضرب القوى المعتدلة غير الداعشية.. إلا أن السلوك العدواني تجاه الروس يعني فيما يعنيه أنه مهتم جدا بإيقاف المشروع الروسي لضرب داعش دون أن يعلن ذلك.. فإحراج الروس وتهديدهم فيه هي رغبة طاغية في اخراجهم من معادلة الحرب على الارهاب لما لأدائهم العسكري من جدية واضحة وأثر بالمقارنة مع الأداء الغربي الرخو المائع الذي صار بلا أثر بعد سنة كاملة على الضربات الغربية الجوية والذي ترجم خلالها البغدادي شعار (باقية وتتمدد).. ومن كان ضحية للارهاب لايعمل على احراج من يأتي لمساعدته ولايعمل على ايذائه بل على العكس يوفر له كل السبل ليبقى بجانبه وكسب جهده العسكري.. وهذه اللامبالاة بحشد القوى الدولية ضد الإرهاب تعني حرصا على عدم اسقاط الارهاب كمشروع غربي طموح بل العمل على حمايته وتوفير سبل بقائه وتمدده.. وهو يشبه التبجح "بإعلان الحرب على الارهاب ولكن مع الاصرار على عدم التعاون مع الرئيس الأسد والجيش السوري".. فإذا أبعدنا الرئيس الأسد ثم أخرجنا روسيا وايران من المعادلة فمن سيبقى ليحارب داعش؟؟ الجولاني أم زهران علوش؟؟ الحقيقة هي أن اخراج هذه القوى هو تثبيت للارهاب وتحالف معه.. وهذا هو المشروع الغربي ببساطة..
الحركة الغربية المفاجئة تمثلت أيضا في أنها دفعت تركيا للقيام بها نيابة عنها وحمل الرسالة جوا فيما تصنع الغرب سياسة النأي بالنفس والدعوة الباردة لضبط النفس.. والكل يعرف أن تركيا لن تجرؤ على هذا التحرش دون ضوء أخضر غربي.. فالمنطق يقول بأن الحركة التركية هي بتحريض الناتو بشكل كامل..
وتفسر هذه العملية المباغتة والمفاجئة رغم أن فناجين القهوة لاتزال على الطاولات في أنطاليا بأن الغرب فشل في تحويل مؤتمر أنطاليا الى منصة يستولي من خلالها على القرار الروسي بتدمير داعش وأشباهها أو يحتويه.. فالمؤتمر أراد أن يضم روسيا الى تحالفه لا أن ينضم هو الى تحالف روسيا.. وتحالفه يعني أن تصبح روسيا قوة مقاتلة ضد الارهاب ولكن تحت السيطرة والتوجيهات الغربية بحيث يلزمها التنسيق مع الغرب على الاعتراف بمكونات المعارضة الاسلامية التي تصنف معتدلة.. ويتم تقاسم ميدان الحرب ضد داعش مما يتسبب في تجنيب داعش الضربات القاتلة الروسية والموجعة.. ويتم بعد فترة اعلان فشل روسيا في محاربة الارهاب مثلما فشل الغرب.. وتبدأ خطوط التقسيم الواقعي يتثبيت نفسها.. فيتولى الغرب عملية احتواء داعش ثم استبدال داعش بقوى تسمى معتدلة ولكنها ترسم خط تقسيم سورية والعراق النهائي.. لكن الروس أبدوا فهما دقيقا للنوايا الغربية وأن الغاية من حمل روسيا الى منصة التحالف الغربي غايته حماية خفية للمشروع الغربي بإقامة مراكز قوى إسلامية متطرفة.. وإظهار روسيا على أنها فشلت أيضا..
وبرغم هذا فإن المغامرة الغربية من ناحية أخرى تعني أن الميدان العسكري في الشمال السوري صار يتجه نحو إعلان هزيمة مجلجلة للقوى الراديكالية الموالية للغرب.. ولابد من إيقافه حتى من باب التلويح بالمواجهة لإيقاف الاندفاعة الروسية السورية والمعركة البرية المرتقبة في حلب وادلب التي سيخوضها الجيش السوري وروسيا وإيران.. وهذه المناورة ضد الطائرة الروسية تشبه تمثيلية السلاح الكيماوي في الغوطة حيث أوقف التوتر الدولي المبالغ فيه هجوما كاسحا للجيش السوري نحو ريف دمشق وكانت تحصينات جوبر على حافة الانهيار لفتح الطريق نحو عمق الغوطة وإنهاء التمرد في دوما..
العالم اليوم لايهمه سوى الإجابة على سؤال واحد هو: كيف سيتصرف الروس؟؟ هل سيجزعون؟؟ هل سينكفئون؟؟ هل سيقرؤون الرسالة ويميلون الى العقلانية ومراجعة الحسابات؟؟ أم أنهم سيصبحون مثل النمر الجريح الذي يصبح في غاية الشراسة ويندفع نحو من يهاجمه ليمزقه؟؟
دعونا نقرّ بأن لاأحد توقع الحركة الغربية ولا أحد تنبأ بأن ينكث الغرب وعوده الأنطالية بسرعة ويحاول اخراج روسيا من المعادلة فيما حادثة باريس لاتزال طرية ودماؤها لم تتخثر على الطرقات.. وهناك رأي عام غربي يبحث عن الثأر ويرغب في مساهمة الجميع.. فإذا بالغرب لايبالي ويكلف اردوغان بمهمة إفساد حفلة افتتاح الحرب على الارهاب.. ولذلك لايجب على أحد أن يسارع للقول بأنه قادر على التنبؤ بما سيفعله الروس الذين أيضا فاجؤوا العالم باندفاعتهم المذهلة في سورية ولم يتوقعها أحد أيضا.. ولكن أذكر أنني كتبت مقالة عن تحليل لقمة الرئيسين الأسد وبوتين وقلت إنها (قمة الحرب والسلام) وأنها جاءت للاستعداد والتنسيق تجاه أي احتمال وطارئ يمكن توقعه من الغرب وتركيا إذا ظهرت في الأفق ملامح هزيمة عسكرية للقوى الإسلامية واندحارها كمشروع غربي.. أي أن هناك احتمالا واقعيا وضعه الروس والسوريون بأن رد الفعل الغربي يجب دراسته ووضع كل احتمالاته والاستعداد لها.. بما فيها التصعيد العسكري في الناحية الشمالية تحديدا عند تركيا..
ولذلك فإننا يجب أن نميل الى الاعتقاد بأن هذه المناورة الغربية متوقعة من قبل القيادتين الروسية والسورية وإن كانت في سياقات أخرى وليست بالضرورة بهذا الشكل الذي ظهر.. وهذا يعني أن علينا انتظار الخطة "ب" التي وضعت احتمال الرد الغربي على إنهاء مشروع الإرهاب الإسلامي في سورية والتي وضعتها القيادة الروسية بالتنسيق مع السوريين والإيرانيين.. وهي غالبا استكمال الهجوم وإعلان منطقة حظر جوي مطلق للطيران الغربي فوق المناطق التي تتحرك فيها المقاتلات الروسية وإغلاق المجال الجوي السوري أمام الطائرات التركية التي تريد الادعاء أنها تنوي ضرب داعش أو الأكراد..وربما تمدد هذا الحظر إلى عدة كيلومترات داخل تركيا ريثما تستكمل روسيا عملياتها..
ولكن الأهم أن هذه الصفعة الغربية بيد تركيا يجب أن تلاقي ردا روسيا من أجل هيبة روسيا وكرامتها.. فلايصح أن حزب الله تلقى صفعة من إسرائيل فردها خلال أيام في شبعا دون تردد.. والعالم بات يعرف الآن أن الأتراك على موعد مع الثأر الروسي خاصة أن بوتين لم يهدد بشكل منفعل بل اكتفى بالقول إن لذلك عواقب وخيمة على العلاقات التركية الروسية.. وهذا الضبط للكلمات دون المبالغة في استعمال كلمات نارية لايجب أن يثير إلا القلق لا الاطمئنان.. وتبدو درجة الاستنفار العسكرية التركية قلقة للغاية وتنتظر أي أخبار سيئة..
ولكن على الأتراك أن يعرفوا أن الناتو لا يفضل التصعيد ولن يخوض حربا من أجلهم مع روسيا حتى وإن كانت تركيا أطلسية.. وكون تركيا هي التي اعتدت واعترفت بذلك فإن هذا سيوفر ممرا للناتو للتنصل من التزاماته المباشرة تجاهها أن تطورت الأحداث في غير مايشتهي.. وتاريخ الروس معروف بأنهم إن غضبوا ذهبوا الى أقصى مدى في غضبهم.. وأن الغرب إن لمس ذلك فإنه يستطيع ببساطة أن يقدم أردوغان وأوغلو قربانا لأي تهدئة مع الروس ويتجنب التصعيد.. بل إن البعض يرى في جنون العظمة الأردوغاني سلوكا يشبه سلوك صدام حسين حين قام بدخول الكويت تحت مظلة جواب السفيرة الأمريكية ابريل غلاسبي بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في النزاع الكويتي العراقي.. وكان ذلك فخا قاتلا.. فهل هناك من قال لأردوغان العكس بأن الغرب سيتدخل بقوة إذا تحرش الروس به كونه عضوا في الناتو؟؟ وقد يستجيب الرجل لجنون العظمة وهو يرى معجبيه يصفقون به ويبدون مبهورين بجسارته على تحدي أقوى رجل في العالم.. ولكنه إذا مادخل الفخ ترك لمصيره في مواجهة لايقدر عليها وتقوم أمريكا بتغيير الصف القيادي التركي لاعتبارات ناتوية ؟؟
إذا مادخل الغرب في مواجهة وتصعيد فان هذا يعني أن العالم تشقق من جديد وحدث تحالف ناتوي إسلامي تتولى فيه تركيا قيادة الإسلاميين الجدد جنود الناتو المخلصين وسيتداعى بسبب ذلك كل العالم الناهض الى مواجهته من الصين الى كل دول البريكس.. لما سيسببه من قلق على بقية العالم الذي سيدرك أن من الخطأ القاتل التساهل مع هذا التحالف الشرير..ونحن عندها مقبلون على مواجهة القرن..
الأيام القادمة ربما ستقرر مصير الحرب في سورية ومصير الدور التركي وقد تحدد نهاياته أو نهايات الحرب السورية.. أو بداية طويلة الأمد لمواجهة القرن الباردة بين عالمين.. لكن السؤال الذي يؤرق الجميع هو متى تتلقى تركيا الأخبار السيئة؟؟ الجميع بانتظار ساعي البريد الذي سيدق قصر اردوغان ويسلم الرسالة الجوابية للقيصر.. فلاديمير بوتين.. أقوى رجل في العالم..
21:20
21:27
15:02
15:19
15:25
18:48
05:13
23:37
14:47
14:54
15:13
15:27
07:50
08:37
09:42
03:32
04:19
04:14
18:37
11:33
11:41
11:42
11:49
12:38
12:38
22:52
07:05
12:13
16:11
06:26
22:39
23:14
11:05