أم السوريين وضميرهم .. وسيدة النيرفانا .. بقلم نارام سرجون

الإثنين, 8 شباط 2016 الساعة 02:14 | مواقف واراء, زوايا

أم السوريين وضميرهم .. وسيدة النيرفانا .. بقلم نارام سرجون

جهينة نيوز- بقلم نارام سرجون:

سأخالف اليوم البروتوكولات والنصائح .. وسأخرج عن توصيات مكتب الرئاسة وتمنياته .. وسأقول ما أريد أن أقول لأنني أثق بنفسي منذ أن رفضت ثقافة النفاق التي كانت تريد أن تعيش في عقلي فرفضها كما يرفض الجسد العضو المزروع الغريب الذي لا يحبه ..

ولفظها دمي على شواطئ عروقي كما يرفض البحر جثث الغرقى ويرميها على الشواطئ .. وسأقول بأن وفاة السيدة أنيسة مخلوف جعلتني فجأة أتذكر أنني أمام ضمير سوري نقي .. به قوة النيرفانا يغادرنا بهدوء .. ولكن الصمت سيعاتبنا ان التزمنا الصمت ازاء هذه السيدة التي صنعت هيبتها من صمتها وزهدها ..

هذه السيدة الكريمة عاش السوريون وهم يسمعون باسمها وهي تحمل لقب السيدة الأولى .. ولكن كل السوريين يعترفون بعد أن عرفوها طويلا بأنها كانت الأكثر نقاء .. وأنها الأم التي كانت مثالا لأننا لم نسمع أن أحدا ناله منها أذى معنوي أو غير معنوي .. أو أنها اعتدت على حق أحد مستغلة صفة السيدة الأولى .. ولم يسمع السوريون يوما أنها استثمرت اسمها ومكانتها لبناء علاقات اجتماعية وسياسية وصالونات لتحيط نفسها بطبقة من المنتفعين والمتملقين والمداحين .. ولم يسمع أحد منذ ظهرت أنها شاركت في مضاربات السياسة والمناصب والتجارة .. ولم تتلوث أصابعها بشركات الفساد السوداء وصفقات الأسواق .. أو أنها مارست سلطاتها المعنوية الكبيرة كسيدة اولى لتمارس نفوذا وتتوسط لصالح أحد ضد القانون .. ويكفي مايقدره السوريون لها أن أولادها - عندما كانوا يعاملون كأبناء الرئيس في المجتمع وبين مسؤولي الدولة - لم يكونوا يتصرفون باستعلاء على الناس أو سادية مريضة لإيذاء الناس أو تهديدهم أو استعراض نفوذهم .. وبالرغم من تأثير الزوج على الأبناء فان الأم هي التي تربي أبناءها على هذا التواضع والكرم وأخلاق الفروسية وهي التي تعلم القيم العليا للأبناء ..

والسوريون الذين اشتكوا من الفساد والظلم الذي تمارسه بعض شخصيات الدولة والروتين الاداري البيروقراطي لا تحفظ ذاكرتهم أي حادثة سيئة كان فيها ذكر من قريب أو بعيد للسيدة أنيسة مخلوف أو أن لأبنائها أي سلوك مذموم عندما كانوا في الجامعات وأماكن العمل .. حيث كانت قصص المسؤولين الفاسدين وسلوك أبنائهم مثار استهجان السوريين جميعا وسببا لغضبهم ..

انفردت هذه السيدة العظيمة النقية بأنها لم تتورط بالسياسة والفساد والاستعراض ولم يسمع الناس عنها أنها متعجرفة ومتكبرة ومتسلطة أو أنها تميل للغرور والرفاهية الدنيوية وحياة الترف .. بل كان اعتكافها واطلالاتها المقتضبة الخاطفة وزهدها في بريق السلطة سببا في احترام الجميع لها ..

وربما يستطيع كارهو النظام ومنتقدوه والحاقدون عليه أن يوجهوا سهامهم الى كل شيء فيه والى كل شخص في الدولة ولكنهم يعجزون عن التقاط كلمة واحدة تجرؤ على النيل من نقائها وضميرها وزهدها .. وتجدونهم عاجزين عن القاء حجر واحد على اسمها .. لا بل ان محاولات البعض الرخيصة في الزج باسمها في الشائعات المفبركة في بداية الحرب على سورية لاقت فتورا وعدم تصديق حتى بين جمهور الخصوم ولذلك صمتت تلك المحاولات وماتت خجلة بسرعة ..

وفاة هذه السيدة التي تستحق لقب "أم السوريين" فعلا يجب أن يدفعنا جميعا لأن نتذكر أسماء كل السيدات زوجات الرؤساء والملوك العرب والمسؤولين العرب لنعرف قيمة هذه السيدة الفاضلة المربية لأن المقارنة ستجعلنا نعرف أنه كانت بيننا أم عظيمة وسيدة ننحني لقدرتها على هذا التواضع العظيم .. ففي هذه المقارنة هل سنتذكر زوجة ملك عربي راحل تعيش اليوم في أميريكا وتلاحقها قصص ألف ليلة و حكايات مجلات المشاهير وأسرارهم المثيرة؟؟ .. أم نتذكر زوجة أمير عربي نفطي وهي تتنقل بين يخوتها الأسطورية وتدير منها دولة الأمير وابنه ؟؟ .. ام نتذكر زوجة رئيس عربي مخلوع يحكم أكبر بلد كانت تتدخل في الشؤون السياسية والقرارات الداخلية ونتائج البرلمان؟؟ .. أم نتذكر ملكة عربية في مملكة مجاورة تعيش في رحلة حول العالم خارج مملكتها لم تتوقف منذ صارت ملكة وهي تظهر على البرامج الاميركية التلفزيونية مثل عارضات الازياء؟؟ .. أم نتذكر زوجة رئيس عربي شمال افريقي سميت ملكة قرطاج لنفوذها وسطوتها ؟؟ أم نتذكر زوجة ملك وهابي ثرية جدا تمتلك محطات فضاء خليعة وتكتب الصحف عن رحلاتها غريبة الأطوار الباذخة الى فنادق سويسرا ..

السيدة أنيسة مخلوف مثلها مثل السيدة تحية كاظم أرملة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم يرها أحد في سياحة تتسوق من دور الأزياء العالمية .. ولم نرها في حفلات القصور الباذخة على الاطلاق .. ولا في صالونات المجتمع المخملي للسلطة .. ولا في فنادق العالم الاسطورية .. ولم يكن لها يخوت صيفية ولا شتوية .. ولم تتدخل في كواليس السياسة والفساد المالي .. لكن هذه السيدة دفنت ولدين وزوجا وصهرا وعاشت القلق على أبنائها مثل بقية الأمهات وبقيت صابرة صامتة صلبة لم يسمع شكواها أحد ولم يصدر عنها أنين أو غضب أو تحريض أو كراهية .. وعاشت بتواضع وهدوء بعيدا عن الضوضاء الاعلامية وضجيج السياسة ورنين الذهب وغواية السلطة .. الا أن صمتها الجليل الذي يشبه حالة الانطفاء الكامل الذي يتلو التأمل العميق لشحن الروح بالقوة والقناعة يستحق أن يكون مدرسة لعصر كامل .. وشكلا جديدا راقيا لقوة النيرفانا وتفوق الروح بالقناعة على النفس والجسد وشهوات المادة وجشعها ..


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 المهندس وحيد نعساني
    7/2/2016
    22:01
    المملكة العربيه السعوديه
    هذه السيدة العظيمه تستحق كل المحبة والاحترام
  2. 2 زائر
    8/2/2016
    15:52
    تعقيب
    تعقيبا على كلام الأخ وحيد نعساني ...لأنها يكفي أنها أنجبت لنا أسدا يحارب مئة دولة دفاعا عن سوريا لتبقى سيدة حرة مستقلة عزيزة كريمة و لم يركع و لن يركع بل سينتصر عليهم
  3. 3 ساخط عالمساخط
    9/2/2016
    05:00
    اللهم وسع مدخلها وأكرم نزلها.. 
    هي غارة أخرى يشنها الموت على الأضلع وحنايا القلب، فيوشك أن ينال منهما لولا أن الإيمان بقضاء الله وقدره، يغيثنا ويساعدنا على تحمل فداحة المصاب وجلال الفقد، فمن غيبتها الموت على حين غرة وأسلمت روحها لبارئها في ذاك اليوم الحزين وواريناها الثرى بأعين تفيض من الدمع هي بالفعل سيدة النيرفانا وكيف لها أن لا تكون؟!وهي يرحمها الله يكفيها فخرا أن تجمع ما بين كونها كانت زوج الراحل الكبير حافظ الأسد رحمه الله وأم العملاق بشار الأسد يحفظه الله..نمي قريرة العين، فقد أديت الرسالة وقدرت الأمانة وحفظت العهد..تعازينا الحارة للأسرة الكريمة وللسوريين والعرب الشرفاء وإنا لله وإن إليه راجعون .
  4. 4 السّا موراي الأخير- مجدل شمس -سوا
    9/2/2016
    13:16
    السيدة الفاضلة أنيسه مخلوف في ذمّة الله.
    أتبنّى هنا موقفك يا نارام و كذلك رثاء السيدة الدكتورة نجاح العطّار في هذه الصفحة. إلى جنان الخلد أيتها الفاضلة أم سليمان أنيسه مخلوف.
  5. 5 لن نفتقدك
    9/2/2016
    17:18
    فأنت هنا أزلية الوجود !
    كنت أماً عظيمة لنا جميعاً ، هادئة كالورود ، واسعةً كالسماء ، زاخرة كالحب ، عميقةً كالجرح ، نبيلةً كالحنان ، تنثرين الطمأنينة في نفوسنا رغم قلق وخوف على عائلتك العظيمة ، استعمر كل سنينك ، حكمتك أخجلت ضجيجي برزانة قمعت جنوني ، بل وأردته جريحاً ، من كان مثلك يترك سيرةً عطرة رائعة ، لا يرحل ، كما الأولياء الصالحين الزاهدين ستبقين مدرسة نسير على هداها كأمهات ونستبشر بالخير دوماً ، أحببتك جداً وأحترمك جداً ، ياجنة الخلد تقبلي أم السوريين وكوني لها حضناً عظيماً واجمعيها بأبا السوريين ، طمئنوهم عنا ، سنكون بخير رغم أنوفهم جميعاً ،، سنكون بخيرشااء الطغاة لنا ذلك أم أبوا ، فنحن من تلقينا تربيتناوعشقنا لسوريتنا من أعظم أم وأب ،،شااء الله أن ينقل اقامتهما لسمائه بعد رحلة شاقة ،، عظيمة !

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا