جهينة- نسرين هاشم:
على هدي الآية القرآنية الكريمة "وقل ربي زدني علماً" سار مؤسسو مسيرة التعليم العالي في سورية، وحملوا رسالة سامية لبناء الإنسان والمجتمع. تعاقبت الأجيال لتنهل العلم من إرث سعوا لترسيخه وتكريسه. ورغم ما عانوه من صعوبات وعقبات في ظل الاحتلالين العثماني والفرنسي، كان هاجسهم الأكبر نشر العلم لبناء وطن حضاري مدني. نُشرت عنهم العديد من المؤلفات التي تؤرخ لتلك الفترة والتي تتحدث عن شخصيات بارزة تركت أثرها في تاريخ سورية المعاصر.
أساتذة سوريون توالوا على منصب رئاسة جامعة دمشق والتي كانت تعرف سابقاً بالجامعة السورية، تتوقف "جهينة" عندهم في هذا العدد لتذكير قرائها بأوائل من شغل منصب رئيس جامعة دمشق:
د. رضا سعيد
مؤسس الجامعة السورية "جامعة دمشق حالياً".
ولد رضا سعيد في دمشق عام 1876 أثناء فترة الاحتلال العثماني.
تلقى علومه الابتدائية والثانوية في المدرسة الرشيدية العسكرية، وتخرج منها عام 1903 حاملاً رتبة رئيس في مدرسة التطبيقات السريرية في الفلخانة.
عيّن كمساعد للسريريات العينية في المدرسة الطبية العسكرية، ثم معاوناً للفريق التركي أسعد باشا.
عام 1908 رفع إلى رتبة (قول آغاسي)، وفي العام التالي أوفد إلى باريس للاختصاص كطبيب في الأمراض العينية، حيث درس في مستشفى (اوتيل ديو) مدة سنتين، نال بعدهما شهادة الاختصاص في الطب العيني من جامعة باريس، وحصل على لقب الطبيب الباحث.
عيّن عام 1914 رئيساً لأطباء الخط الحديدي الحجازي، ثم رئيساً للخطوط الحديدية السورية.
خلال الحرب العالمية الأولى عيّنته سلطات الاحتلال العثمانية رئيساً لبلدية دمشق.
بعد نهاية الحرب كان على رأس العاملين من أجل إعادة افتتاح المعاهد العليا المغلقة.
استطاع بالتعاون مع زملائه تأسيس كلية الطب تحت اسم "المدرسة الطبية العربية" ثم "الكلية الطبية العربية" ومن بعدها "المعهد الطبي العربي".
وحلّ المعهد الطبي العربي محل المكتب الطبي التركي رغم الصعوبات والعراقيل التي وضعت في طريقه، ليكمل دربه في البناء إلى جانب رفاق دربه ومنهم، د. عبد الرحمن الشهبندر، ود. أحمد العائدي وغيرهم.
انتخب د. سعيد رئيساً للمعهد ليشهد محاولات السلطات الفرنسية إغلاقه، وعمل على إبقاء اللغة العربية لغة التدريس فيه، واشتغل في تعريب المصطلحات العلمية والطبية.
ساهم مع رفاقه بعد انسحاب القوات التركية من سورية بتأسيس معهد الحقوق. عين رئيساً للجامعة السورية في عام 1923، وفي عام 1925 اختير ليكون وزيراً للمعارف.
وضع أسس "مشروع البكالوريا السورية"، وفي عام 1926 أعيد إلى رئاسة الجامعة السورية إضافة إلى رئاسة المعهد الطبي العربي.
عمل على توسيع الجامعة السورية عبر إنشاء فروع للمعهد في أقسام الصيدلة وطب الأسنان والتمريض والقبالة، وبعد جهد كبير قام به سعيد وعدد من زملائه في تعريب الكتب والمحاضرات أصبحت الجامعة السورية، الجامعة الأولى في العالم التي تدرس باللغة العربية.
قُلّد وسام التاج الحديدي من حكومة النمسا، ووسام باريس في جوقة الشرف الفرنسي، ووسام كوماندور، ووسام المعارف المصري، ووسام الصليب الأحمر، ووسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة.
حمل عدة ألقاب منها "الراعي الأول" لمسيرة التعليم العالي، "رجل لكل الأقدار".
سمّي أحد شوارع دمشق باسمه بالقرب من الجامعة التي أسسها، وكتبت مؤلفات في سيرته الذاتية.
توفي د. رضا سعيد في دمشق ودفن فيها عام 1945.
--------------
حسني سبح
ولد حسني سبح في دمشق عام 1900، وهو طبيب ولغوي سوري، ومعرّب للعلوم الطبية، وكان أحد توءمين لوالده.
تلقى علومه الأولية في مدارس دمشق التي كان التعليم فيها باللغة التركية، عدا بعض دروس خصصّت للعربية وللغةٍ الأجنبية. ولكن الله حباه في أثناء دراسته معلماً، هو الأمير عارف الشهابي، الذي نذر نفسه لتعليم العربية تطوعاً، فحببه بها ومهد له طريق التعمق فيها.
تقدم سبح عام 1913 لمسابقة دخول «المكتب الطبي العثماني» الذي لم يكن يحدد عمراً لقبول الطلاب فيه، وكان هذا المكتب قد أنشئ في دمشق عام 1903، ومدة الدراسة فيه ست سنوات.
عندما أعلنت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 انتقل إلى التدريس من هذا المكتب إلى بيروت، ليشغل أمكنة «المعهد الطبي الفرنسي» ومخابره في الجامعة اليسوعية، وانتقل حسني سبح معه.
عند انتهاء الحرب دعي الطلاب إلى متابعة تعليمهم في دمشق باللغة العربية. تخرج الفوج الأول من هذه المدرسة -التي هي كلية طب جامعة دمشق اليوم- سنة 1919، وكان عدد الخريجين ثمانية وأربعين طبيباً أحدهم حسني سبح، وعين بعد تخرجه مساعداً فيها.
عمل منذ أواخر عام 1922 مساعد مخبر في «المعهد الطبي العربي» وهو الاسم الجديد الذي أطلق على المكتب الطبي العربي.
في عام 1924 سافر إلى فرنسا وسويسرا للتخصص والمتابعة، فاغتنم فرصة وجوده في أوربا لتقديم الفحص الإجمالي في لوزان في سويسرا للحصول على شهادة دكتوراه في الطب عام 1925. وكان موضوع الرسالة (الأطروحة) التي قدمها: نمو الغشاء المشيمي في الإنسان.
بعد عودته إلى دمشق، تم تعيينه رئيساً للمخبر، وترقى في سلم الهيئة التدريسية حتى سمّي عام 1932 أستاذاً للأمراض الباطنية. وفي عام 1938 انتخب رئيساً للمعهد الطبي العربي، ثم رئيساً للجامعة السورية (جامعة دمشق اليوم) عام 1943. وظل يشغل المنصبين معاً حتى عام 1946، وبقي رئيساً للجامعة وحدها مدة سنتين بعد ذلك.
استمر حسني سبح في عمله التدريسي نحو أربعين عاماً، حرص فيها على تعليم طلابه آخر المستحدثات الطبية، وحثهم على اتباع الأسلوب العلمي في فحص المريض والتزام الدقة في التشخيص، ومع أن معظم دروسه السريرية كانت في الأمراض العصبية فقد كانت في الواقع دروساً جامعة شاملة للعلوم الطبية.
ترأس مجمع اللغة العربية بدمشق.
أتقن اللغات التركية والفرنسية والألمانية والإنكليزية إلى جانب العربية.
أصدر عام 1933 أول مؤلفاته لتلميذات القبالة والتمريض وهو «موجز مبادئ علم الأمراض»، وعدله في طبعة ثانية ليصبح ملائماً لطلاب طب الأسنان.
في عام 1934 أصدر كتاب «مبحث الأعراض والتشخيص» لطلاب الطب البشري.
عام 1935 باشر بإصدار مجموعته الكبيرة المسماة «علم الأمراض الباطنية» تألفت من سبعة أجزاء ضخمة، وقضى في تأليفها نحو اثنين وعشرين عاماً، بدأها بأمراض «الجملة العصبية» وأنهاها بأمراض «الغدد الصم والتغذية والتسممات» عام 1956.
أصدر عام 1939 كتاب «فلسفة الطب أو علم الأمراض العام». ولم يقتصر نشاطه العلمي على تأليف الكتب، بل نشر عدداً كبيراً من المقالات الطبية وغير الطبية في «مجلة المعهد الطبي العربي» و«مجلة مجمع اللغة العربية» و«المجلة الطبية العربية»؛ كما أسهم في إلقاء بحوث علمية في العديد من المؤتمرات الطبية والتعليمية التي شارك فيها.
توفي حسني سبح عام 1986.
-----------------
قسطنطين زريق
مؤرّخ سوري أُطلق عليه أكثر من لقبٍ منها: شيخ المؤرّخين العرب، المُربّي النّموذجي، مُرشد الوحدَوييّن، داعية العقلانيّة في الفكر العربي الحديث.
ولد قسطنطين زريق في دمشق في 18 نيسان عام 1909 في حي القيمرية، لعائلة أرثوذكسية عُرفت بتعاطيها الأعمال التجارية، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في المدارس الأرثوذكسية.
التحق زريق بالجامعة الأمريكية في بيروت كدارس للرياضيات ثم حول مجال دراسته إلى التاريخ حيث نال درجة بكالوريوس الآداب عام 1928.
عام 1928 سافر إلى الولايات المتحدة ملتحقاً بجامعة شيكاغو حيث حصل على درجة الماجستير، ثم الدكتوراه عام 1930 من جامعة برنستون.
توزعت الوظائف التي شغلها زريق في حياته العملية بين التدريس الجامعي والعمل الأكاديمي الإداري والمناصب الدبلوماسية، فلقد عُيّن بعد تخرجه مباشرة أستاذاً مساعداً في التاريخ بالجامعة الأمريكية في بيروت، ورُقي إلى أستاذ مشارك عام 1942.
عمل زريق بعد الحرب العالمية الثانية ولفترة ثلاثة أعوام (1945- 1947) في السلك الخارجي السوري حيث خدم كمستشار أول، ثم كوزير مفوض في المفوضية السورية بواشنطن، وكان خلال ذلك عضواً مناوباً في مجلس الأمن.
عاد زريق بعد تجربته القصيرة في الميدان الدبلوماسي إلى الحياة الأكاديمية، حيث التحق بالجامعة الأمريكية من جديد وعُيّن أستاذاً للتاريخ، ونائباً لرئيس الجامعة. وفي عام 1949 أصبح رئيساً للجامعة السورية، وبقي في هذا المنصب حتى عام 1952، وأعيد تعيينه في ذلك العام نائباً لرئيس الجامعة الأمريكية، وعميداً للكليات إلى أن أصبح رئيساً للجامعة بالوكالة بين الأعوام (1954- 1957).
حصل في عام 1956 على لقب أستاذ ممتاز للتاريخ، وعلى لقب أستاذ شرف في عام 1976، كما أنه خدم كأستاذ زائر في جامعة كولومبيا عام (1965)، وجامعة جورج تاون (1977)، وجامعة يوتا (1977).
أتقن زريق اللغتين العربية والإنجليزية وكتب بهما، وأجاد الفرنسية وألمّ بالألمانية. إلا أن الحيز الأكبر من كتاباته كان بالعربية.
لدى زريق مجموعة من المؤلّفات البارزة: "الوعي القومي"، "معنى النّكبة"، "أيّ غدٍ!"، "نحن والتّاريخ"، "هذا العصر المُتفجّر"، "في معركة الحضارة"، "نحن والمُستقبل"، "الكتاب الأحمر".
توفي زريق في أيار عام 2000 عن عمر ناهز 93 عاماً.