جهينة نيوز-خاص
إشارةً إلى الخريطة الحمراء لــِ "توزّع الأكراد في سورية" والتي نُشرت في وسائل إعلام معروفة -كقناة "روسيا اليوم" ومواقع إلكترونية تابعة لمراكز دراسات تتخذ من الغرب مقرّاً لها- فقد أثارت الخريطة الدهشة وردود الفعل المتحفّظة لدى المطّلعين عليها في الأوساط الإعلامية والثقافية والسياسية، حيث لم يسبق في التاريخ أن انقلبت التجمعات السكانية في بلد موحد مستقل إلى خرائط سياسية، كما لم تسجّل وقائع الماضي تحوّل تجمّع سكاني –على اختلاف أصوله ومشاربه وظروفه- إلى دولة أجنبية مقتطعة من أجزاء دولة قائمة بحدودها الإدارية والدولية، لكن ما شهدناه في هذه السنوات والأيام السورية الصعبة هو تكبير رقعة الأكراد السوريين وزيادة عددهم في الخريطة الديموغرافية وتحويلها إلى بيان سياسي متصاعد الوتيرة، متزايد النغمة الانفصالية على حساب بلد مستقل مرسمّةٍ حدودُه –ولو كانت مختلقةً حديثةً- بموجب قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
مئة عام من الإخفاق:
أخفق الأكراد خلال تاريخهم الحديث في الانفصال بدولة، فبعد توقيع اتفاقية "سايكس بيكو" (1916) خاب أمل الأكراد في الوعود الدولية لإعطائهم كياناً منفصلاً رغم تجدُّد المحاولات، فكانت جمهورية "كردستان الحمراء" في القوقاز دون أن تكمل سنواتها الأربع بين 1923 و1927، ثم جمهورية العام الذي لم يكتمل في "مهاباد" بإيران عام 1946، إلى فدرالية اجتماع "الرميلان" على الأراضي السورية مؤخراً في عام 2016، حيث دعا رئيس ما يسمى" إقليم كردستان العراق"-مسعود البرزاني-جميع زعماء العالم للاعتراف بفشل اتفاقية "سايكس بيكو" التي رسمت الحدود في المنطقة، وحثهم على التوصل الى اتفاق جديد تمهيداً لفتح الطريق أمام قيام دولة كردية قائلاً "بدأ المجتمع الدولي يتقبّل بأن العراق وسورية لن يعودا دولتين موحدتين من جديد بسبب الأوضاع المضطربة، ولا يمكن ان نفرض التعايش الإلزامي بين المكونات بعد الآن".
"الفدرالية" المشبوهة، احتلالٌ للتاريخ في جغرافيا "الأزمة":
اتّبع انفصاليو الأكراد حديثاً سياسة مشبوهة لتوصلهم إلى تأسيس دولة كردية أجنبية في الأراضي السورية باقتطاع أجزاء منها وضمها إليها بواسطة إعلان "فدرالية" خاصة بهم تشمل الشريط السوري الممتد من عفرين إلى القامشلي مروراً بعين العرب وتل أبيض-ومؤخراً الرقة ومنبج والمناطق التي سيطرت عليها قوات سورية الديمقراطية في الحسكة وحلب- أطلقوا عليها اسماً كردياً هو"روج آفا" (أي غرب كردستان) بما يتناسب مع دعوات أطلقها سياسيون ومثقفون أكراد من أن حدود " كردستان" هي من الفرات إلى بحيرة فان، ومن الأهواز تجاه الكويت وحتى اسكندرون على البحر المتوسط، وذلك بالرغم من بُطلان مزاعم امتلاكهم للأرض في أي عصر من العصور السورية، أما "إلى المتوسط" فقد أشارت تقارير سياسية حديثة إلى أن الخريطة النهائية للكيان الكردي الانفصالي لم تكتمل، لكنه قد يصل إلى شاطئ المتوسط، وهو ما تشير إليه خرائط تنتشر على جدران مراكز ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" وما قد يرتبط بعملية تغيير بعض الاتجاهات الجغرافية في القطر والمندرجة ضمن آلية تقسيمية، حيث قدّم علماء آثار وباحثون أجانب الجغرافيا السورية مقلصة فقط بالداخل السوري، كما أن تغيير موقع مدينة "إبلا" –على سبيل المثال- من الشمال السوري إلى الغرب السوري في أحد منشورات مدير الآثار والمتاحف الرسمية -بما ينطبق مع ما ورد في منشورات أجنبية- مرتبط بتغيير اتجاهات أخرى منها على سبيل المثال حلب ونهر العاصي وسلسلتا جبال الزاوية والأنصارية التي يحدد باحثون أجانب الغرب السوري من خلالهما... وهذا ينطوي على اقتصاص الساحل السوري من الخريطة السورية الأصلية ضمن مصير مجهول...وقد استغل بعض الانفصاليين من أكراد سورية الفوضى في المنطقة بالتنسيق مع قوى غربية وصهيونية، فأعلنوا بتاريخ 17/3/2016 "الفدرالية" التي يرونها مقدمة لضرورة اعتماد نظام مماثل في الاراضي السورية كافة ما بعد الحرب، وقد تردد صدى هذه الفدرالية حتى في بعض وسائل الإعلام المحلية... ففي شهر كانون الأول 2014 قام وزير الخارجية الفرنسي الأسبق "برنار كوشنير" بزيارة (المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال سورية) –حسب تعبير إذاعة "شام إف إم" في 1/12/2014- وذلك للاستعلام عن "الإدارة الذاتية" في تلك المناطق، وبتاريخ 7/12/2015 قدّمت قناة الميادين تقريراً إخبارياً عن الأوضاع في مدينة عفرين السورية مطلقة عليها اسم "مقاطعة عفرين" وواصفةً إياها بالكردية، والقرى القريبة منها بــ "العربية"، ثم رسمت القناة الخريطة السورية ملوِّنةً فيها الشريط الشمالي السوري باللون الأحمر على أنه "كردي" يضم عفرين وعين العرب وتل أبيض والقامشلي واصلةً إياه بشريط ما سُمي "كردستان العراق"، فيما أثنى العدو الإسرائيلي على محاولات انفصال الأكراد في دويلة خاصة بهم معتبراً ذلك "ضرورة ونضالاً كردياً من أجل الاستقلال" –ولو انطلاقاً من البوّابة العراقية- بما يكرّس عقيدة "بن غوريون" القائلة "إن كل عدو للعرب يشكّل حليفاً محتملاً للإسرائيليين"...وقد افتتح الانفصاليون بتاريخ 23/5/2016 بمعونة السلطات الفرنسية مكتب تمثيل للفدرالية المخالفة للقانون في باريس بحضور وزير الخارجية الأسبق برنار كوشنير والصهيوني برنار هنري ليفي...كما وضعوا دستوراً لهذه الفدرالية.
دولة بتقليل الأكثريّة، وتكثير الأقليّة:
تلقّف انفصاليو الأكراد تصريحات المبعوث الأممي إلى سورية "ستيفان ديميستورا" بسرور كبير حين قال بتاريخ 29/6/2016 "إن "الأكراد" يمثلون نسبة خمسة بالمئة من مجموع سكان سورية"، معتبرين ذلك في منشوراتهم "الحقيقة التي يجب ان يقرّ بها الكردي قبل العربي..." وقصدهم القول إنهم ليسوا سوريين وإن أكراد "ديميستورا" المقصودين في تصريحه هم الأكراد الذين يعيشون في "الشام" و"حلب" وليس في المناطق "الكردية" قبل اتفاقية "سايكس بيكو" التي هي الآن مناطق الإدارة الذاتية – "روج آفا" –كما يسمّونها وكما يعتقدون!
خريطة "روسيا اليوم" و"ياسا" و"الميادين":
تبدأ حدود الطموح الكردي إلى الانفصال، حسب الخريطة التي تصدّرت صفحات قناة "روسيا اليوم" -وأخرى مشابهة لها في قناة الميادين- من قرية "عين ديوار" التابعة لمدينة المالكية في محافظة الحسكة في أقصى شمال شرق سورية، وتمتد بمحاذاة الحدود التركية لتصل إلى أقصى الشمال الغربي عند لواء اسكندرون"، شاملةً كل أراضي محافظة الحسكة وريفها وجزءاً كبيراً من أرياف الرقة وحلب كعين العرب وجرابلس وعفرين وصولاً إلى البحر المتوسط عبر اسكندرون وجبال الساحل السوري، كما امتدت الرقعة الكردية على الخريطة المذكورة إلى محافظة حلب وريف إدلب ووسط سورية ودمشق والجنوب السوري وأجزاء أخرى في البادية، وذلك بِنِسَبٍ متفاوتة مبالغ فيها لتواجد الأكراد السوريين إلى حد كبير، حيث تجاوزت النسب المعقول بل والمسموح به وطنياً، ذلك أن وجود سوريين من أصول كردية في أية محافظة سورية، إنما لا يجوز تلوينه –مهما تدرّج اللون-في خريطة للتداول السياسي والإعلامي، ويضاف إلى ذلك أن الدولة السورية منحت الهوية السورية لمن لم يملكها من الأكراد سابقاً.... وإمعاناً في التزوير والمبالغة يقدّر مركز "ياسا" الكردي الاستعماري عدد أكراد سورية بثلاثة ملايين يعيش أغلبهم في مدن الشمال السوري، ويدّعي زوراً أن "أقليات عربية ومسيحية ضئيلة العدد تشاركهم الحياة في تلك المدن"! كما يصف المركز الربط غير الممكن بين المدن التي شملها الطموح في الخريطة بأنه امتداد طبيعي للمناطق الكردية!
"روسيا اليوم" وأكراد سوريّة، كيف تصبح الأقليّة أكثريّة على الخريطة؟!
وفي الحقيقة فإن عدد أكراد سورية يُقدَّر بحوالي مليون وستمئة ألف نسمة يعيش معظمهم في شمال شرق البلاد وخاصة في الحسكة والقامشلي والمالكية بالإضافة إلى تواجدهم بأعداد أقل في مناطق أخرى من سورية مثل عفرين وعين العرب بمحافظة حلب، ولا أساس من الصحة للرقعة الحمراء الواردة في خريطة "روسيا اليوم"، كما لا أساس من الصحة لما تدرّج معها من اللون الأحمر تعبيراً عن تواجد كردي بما يتقاطع مع التعداد المجهول والغامض الذي ذكره مركز "ياسا" الكردي، أي ثلاثة ملايين، مع التذكير بأنّ الهجرة إلى سوريّة من العراق وتركيّا لا زالت قائمة على مدى العقود الستة الماضية، علماً أن معظم أكراد سورية قد وفدوا إليها من تركيا إبان ثورة عام 1925 ضد حكم "أتاتورك".
وكما ذكرنا في تقارير سابقة، فإن هجرة الأكراد من موطنهم الأصلي في إيران إلى بلادنا تمّت ما بين سنتي 1508 و 1623م بعد الحروب الصفوية العثمانية، وبعدها بموجب فرمانات عثمانيّة وتغييرات سكّانيّة جغرافيّة، أما الهجرة إلى دمشق فكانت بعد سنة 1818م، حيث نشأ حيّ الأكراد البسيط وقليل السكان على أراضٍ من أملاك الدولة شمال نهر يزيد، كما نشأ حي صغير بعده في مطلع سبعينات القرن الماضي في دُمّر... وبخصوص ما يسمى "حصن الأكراد" في قضاء تلكلخ فقد ثبت أنه حصن عربي كان يسمى "حصن الصفح"، وكذلك "جبل الأكراد" في محافظة اللاذقية المكوّن من عشرين قرية يسكنها عربٌ سوريون ينفون انتماءهم للأكراد، علماً أن جل المهاجرين من الأكراد اندمج مع أهل البلاد وتمتّع بالخصوصية السورية.
أما الدراسة التي أصدرها مكتب الدراسات والبحوث التابع لـ "التجمّع الوطني للشباب العربي" عن محافظة الحسكة، فهي تدحض مزاعم خريطة "روسيا اليوم" ومركز "ياسا" الكردي، كما تكشف زيف الحُمرة الغامقة للخريطة الديموغرافية حيث جاء فيها ما يلي:
-إجمالي عدد القرى في محافظة الحسكة 1717 قرية.
-العدد الكلي للقرى (العربية) في المحافظة 1161 قرية وتشكل نسبة 67,62 ٪ من إجمالي القرى
-العدد الكلي للقرى (التي يقطنها أكراد) في المحافظة 453 قرية وتشكل نسبة 26,38 ٪ من إجمالي القرى. وتشكل نسبة 2,91 ٪ من إجمالي القرى.
-عدد القرى المختلطة (عربية + كردية) 48 قرية وتشكل نسبة 2,79 ٪ من إجمالي القرى.
-عدد القرى المختلطة (عربية +سريانية) 3 قرى وتشكل نسبة 0,17 ٪ من إجمالي القرى
-عدد القرى المختلطة (سريانية+ كردية) 2 قرية وتشكل نسبة 0,12 ٪ من إجمالي القرى
"سورية الموحدة" وهدنة "الفرصة الأخيرة":
تمخّضت اجتماعات "كيري-لافروف" في جنيف عن هدنة عيد الأضحى التي بدأت في 12/9 وانتهى مفعول سَرَيانها في 19/9/2016 بعد مئات الخروقات من جانب المجموعات الإرهابية على امتداد المساحة السورية وقيامها بتجميع قواتها وتجديد تسليحها، وبينما وصف "كيري" تلك الهدنة بأنها الفرصة الأخيرة لسورية موحدة، ارتكب طيران التحالف الأميركي البريطاني جريمته البشعة ضد الجنود السوريين في مدينة دير الزور فاسحاً المجال لإرهابيي "داعش" لمهاجمة الجيش العربي السوري هناك كجيش يقف في مواجهة سكّين التقسيم، وقد سبق تلك الجريمة خلال الهدنة إيعاز العدو الإسرائيلي لأدواته في الجولان وفي جوبر قرب دمشق بمهاجمة قوات الجيش، بل واشترك مع أدواته تلك في قصف القوات السورية في القنيطرة معلناً عن رسالته إلى اتفاق جنيف الأميركي الروسي، وفحواها أن علاقته المستقبلية مع السوريين ستكون وطيدة في ظل حكم إسلامي طائفي يرعى هو حالياً جناحه الإرهابي في الجولان وغيره...وذلك في انسجام كامل مع تلويح "كيري" بالفرصة الأخيرة بما يعني أن استمرار "العمليات القتالية" سيؤدي إلى "سورية غير موحدة"...وهذا هو الهدف الأميركي الإسرائيلي بعينه، وهو الهدف "الحل" الذي ارتأته مؤسسة "راند" الأميركية قبل الهدنة بشهور في تقريرها الخاص بخطة الحل في سورية، ذلك الحل الذي يكفل -أولاً وقبل كل شيء- انفصال الأكراد السوريين بجزء كبير من الوطن السوري سواء حدث وقف إطلاق نار أو لم يحدث، وتحت أي شكل من أشكال الحكم المحلي الذاتي أو المركزي أو اللامركزي، بموافقة الدولة السورية أو عدم موافقتها أو بوجود كيانين أو أكثر إلى جانب الدويلة الكردية، وذلك في حالة نهائية أسماها تقرير "راند" "تقسيم سورية إلى ثلاث مناطق هي منطقة سيطرة "النظام" ومنطقة سيطرة "الأكراد" ومنطقة سيطرة "المعارضة"...وقد أوصى "راند" أن تتمتع المناطق الثلاث بوضع متساوٍ، تجمع كل منطقة إيراداتها لتقديم الخدمات، وتمارس صلاحيات على شؤونها الخاصة، وتعزز قواها الأمنية لحماية نفسها..." !
تقرير الحرب و"السلام" على المتحاربين!
وهكذا ينهي تقرير "راند" تصوراته للحل بتطابق مع هدف الحرب على سورية، فيقسم البلاد إثنياً وطائفياً ويُبقي الباب مشرّعاً لتنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" لاستئناف القتال وتشظية مناطق السيطرة الثلاث المذكورة وتجزئتها أكثر، مما يستدعي –حسب "راند"- تدخّل الولايات المتحدة وشركائها لــ "تعزيز الحكم المحلي وحفظ الأمن وإدامة السلام والاحتفاظ بإمكانية إعادة التوحيد في النهاية..." فهل ما رسمته "روسيا اليوم" لـ"سورية الغد" من خريطة بالأحمر القاني يُنبئ بالمجهول؟؟؟!!!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
-زبير سلطان قدوري: "القضية الكردية من الضحاك إلى الملاذ" ط1، دمشق 2005
-محمد بهجت قبيسي: "الأكراد والنبي"،ط1، دمشق 2014
-تقرير بعنوان "أكراد سوريا يُعلِنون النظام الفدرالي ويريدونه لسوريا ما بعد الحرب"، موقع
اللواء-العدد 14753 السنة 53، آذار 2016
-تقرير لعلي حسون في موقع قناة RT بعنوان: "سوريا: سيناريوهات التقسيم تطل برأسها من جديد!"، 23/6/2016
-وقائع ندوة "الآثار وسؤال الهوية، سورية أنموذجاً"-اتحاد الكتّاب العرب، دمشق 13/5/2015
-فيكن عباجيان: سلسلة علمية منشورة في العدد383-384 من جريدة "بقعة ضوء"، دمشق 25/6/2016 بعنوان: "الآثار وسؤال الهوية، سورية أنموذجاً-دراسة لبعض المشاريع المناهضة للإرث السوري، القسم العاشر، ملخص لكتاب THE ARCHAEOLOGY OF SYRIA From Complex Hunter-Gatheres to Early Urban Societies(ca.16000-300b.c),PETER M.M.G.AKKERMANS AND GLENN M. SCHWARTS, CAMBRIDGE , First Published 2003,Fifth Printing 2009
-تقرير مؤسسة "راند":http://www.rand.org/…/2015/12/16/a-peace-plan-for-syria.html
--http://levantri.com/%D8%AE%D8%B7%D8%A9-%D9%85%D8%A4%D8%B3%…/
-تقارير إعلامية اخرى ونشرات أخبار
05:29
08:32
08:55
09:16
09:34
21:15
21:43
22:13
22:16
22:27
22:33
22:44
22:45
22:59
04:12
20:49
21:18
21:21
21:24
21:29
21:36
21:47
01:34
18:26
17:32
17:40
17:44
17:52
17:57
21:09
20:08
21:33