جهينة نيوز-خاص:
لعلّ عبارة "التريّث" عبارةٌ مألوفةٌ لدى بني البشر المنتمين إلى المصلحة العامة أو أولئك المرتبطين بها من عامة الناس وخاصّتهم، سواء بطلب أو قضية أو موضوع ما يوضع أصولاً في المؤسسات والدوائر وحتى أكشاك "المخترة"، أما ميزة "التريّث" فإنما حكرٌ على الحكوميين، فالمواطن إن تريّثَ أُنذِر، وإن بالغ في تريّثه نال عواقب من أنذر...وقد أُعذر من أنذر.
متى تتريّث الإدارة؟
يتريث المدير أو رئيس الدائرة أحياناً إذا لم يستوعب ما ورد إليه، وفي حال كان مواظباً وضمن فريقه "سكرتاريا" قديرة، يتم تنبيهه إلى الكتب التي تريّث فيها فيستدعي أهل الذكر والخبرة ويضع الحاشية اللازمة أو غير اللازمة ويقصي الموضوع من دائرة التريّث ليصبح كتاباً رسمياً صالحاً برقم وتاريخ ونُسخ صحيحة أو مقلوبة مثقوبة الجوانب أو منقوبة لتستقر في مأواها بإضبارة لمّ شمل البريد، أو في مثواها ما قبل الأخير ضمن "كرتونة" الزجّ في المستودعات، طبعاً بعد أن يستلم المواطن نسخته ويتدبّر بها أمره أو أمر من أوكله بأمره.
التريّث الاستعجالي!
ومن حالات تريّث الإدارة في مواضيع ما، ارتباط تلك المواضيع ببريد آخر قد يطرأ على الطريق، ومنها ما يمنح معنيّاً بإبطاء أمرٍ ما فُرَصاً إضافية للإجهاز على خصمٍ له، فبعض ضربات الإدارة المتكرر والمبرّح قد لا يجدي أبداً، فيأتي التريّث هنا سيداً للموقف ويمنح المعنيّ الوقت للتظاهر بالقوة وحُسن التصرف وإبعاد الشبهات عن نفسه إلى وقت قد يقال فيه "من ضرب ضرب ومن هرب هرب"، الأمر الذي تعجّ أضابير الحكومة بنماذج منه وخاصةً إذا كان بعض أفراد إدارةٍ ما للاستعمال الخارجي فقط... أما أقسى حالات التريّث فهو التريّث المزاجي المعبّر عن استهتار صاحبه بصاحب الحالة، أو ذلك التريّث الذي يعكس جهل المدير أو نقص مهارته المكتسب عبر سلسلة من الإخفاقات.
تريّث "عدم الموافقة" و"اللامانع"!!!
من الحالات أيضاً التريّث هروباً من موضوعٍ ما يعكس حذر المتريّث في اتخاذ القرار وخاصةً حين يبث له آخرون ذوو مصالح -مطّلعون على بريده أو مُطْلعون عليه- إشاراتٍ سلكية ولاسلكية بضرورة عدم الموافقة رغم أنه لا مانع، فيتأرجح المتريّث بين تلك الإشارات وبين "اللامانع" ويُصدَم بصدمة أشبه بالكهربائية فيحشو حاشيته المتوترة في أعتم زاوية من المعاملة بعبارة للتريّث ويتنفّس الصعداء ومعه مديرو الاستعلامات الذين يشعرون بسعة الصدر ولذّة الجواب لدى إبلاغهم المراجعين من منكوبي التريّث بالتريّث، فالأمر قد يكون خَطْباً جَلَلاً، مليئاً إشكاليّاتٍ وعللاً، وقد يسبّب للموما إليهم ارتفاع حرارةٍ وسخونةً أو شللاً وبللاً !
ولجمهور الخبراء آراء:
وفيما يرى بعض ذوي الخبرة بالتريّث مقتلاً للمعاملة وزجّاً لها في مثواها الأخير ودفناً لآمال صاحبها حيّةً، يرى آخرون أنه ضعفٌ في اتخاذ القرار ناجمٌ عن معركة خير وشر في رأس المقرِّر، فإنْ فعل خيراً قد يفعلون به شرّاً، وإنْ فعل شرّاً قد يؤنّبه الضمير والقانون...فيصاب بالحيرة ويتريّث، وربما يدعو بطول العمر لصاحب العلاقة، فبعض الحالات لا زال للتريّث منذ سنوات، قضى أصحابها نحبهم وآخرون ينتظرون، فالحكومة لا تغيّر نهجها ببساطة وذلك على مبدأ "الذي تعرفه -ولو كنت لا تعرف شيئاً عنه- أفضل من الذي لا تعرفه ولا تريد أن تعرف شيئاً عنه" و"الوضع مغطّى بالقوانين النافذة" و"النافذة مفتوحة للمراجعين... هذا فضلاً عن الرباعي على الأثير وصفحة التواصل مع الشعب الغفير"...!
تريّث حكومة مضت أم حكومة أتت؟
أحد أمثلة التريّث قد يكون آخر إنجازات حكومة عبرت، وربما أول إنجازات حكومة أتت...فحتى مدير استعلامات الحكومة لا يدري من الذي يتريّث...يجلس في غرفة "تريُّث" على يسار البناء بكوّة لاستلام البريد والمراجعين معاً، فهؤلاء محظورٌ دخولهم إلى سيد البناء، أما "الاستعلامي" فلا يعنيه أقديمٌ رئيس المجلس المتريّث أم جديد، وكل ما يعرفه أن المعاملة ترقد في حضن الحكومة ثم تتيه كالمجنونة في أروقتها الداخلية والخارجية، العُلوية والسُّفلية، وتتأخر..."نعم تتأخر"...جوابٌ لا مثيل له على لسان "الاستعلامي"، يأتي أسرع من برق كانون وأخطف من لمح العيون، يعاجل به ويعالج حيرة المراجع واستفهام عينيه فتنسحبان مع صاحبها على درب مسيرة الحكوميين ولا تجد منهم أحداً، فظهورهم على هذا الدرب في الشاشة بكامل الأناقة والبشاشة له مواعيد يحددها المخرج ويرضى عنها مدير المركز الإخباري الذي يذيّل لقارئ النشرة عبارات "حل مشاكل المواطنين" فتتصدّر الشاشة متلألئةً وتحتل نصفها بخط عربي جميل...ألا يفسّر ذلك ما يشعر به المواطن في أذنيه من طنين؟!...فالحكوميون لا يألون جهداً في "استحضار" سيرة المواطن وهمومه، وفي كل لحظة يذكرون اسمه ويجعلون همّه عبرة لمن اعتبر، ويجعلون الطنين في أذنيه كنغمة وتر ونعمة مطر!
مثالٌ حيٌّ لتريّث الحكومة:
بتاريخ 16/3/2016 تقدّم د.إبراهيم خلايلي –الباحث في مديرية الآثار والمتاحف- إلى رئاسة مجلس الوزراء بالشكوى رقم 267/ع/1 والمتضمنة لتظلّم وطلب إعادة إلى العمل واعتراض على قرار صرفه التعسفي من الخدمة ذي الرقم /183/تاريخ19/1/2016 على خلفية مشاركته في حلقة للفضائية السورية انتقدت بشكلٍ علمي أداء مديرية الآثار، وقد أرفق هذا الطلب بسيرته العلمية والوظيفية وتفاصيل مع وثائق وأدلّة متعددة تدين الإدارة وتثبت عدم صحة افتراءاتها ضده.
وبتاريخ 5/5/2016 تم الاتصال به من قبل ذاتية الآثار والمتاحف من أجل ملء الاستمارات الخاصة بالإعادة إلى العمل، فتم ذلك وتبعه الاتصال به من قبل بعض الجهات الأمنية ذات الصلة الرسمية بالموضوع للاستفسار عنه والبحث ببعض تفاصيله واستكمال بعض الثبوتيات المطلوبة لإعادته إلى العمل، فكان ذلك في أوقات متفرقة، بين 8/5/2016 و12/7/2016، إما بواسطة الهاتف أو المقابلة الشخصية أو المراجعة لدى الجهة المعنية، ولدى سؤال د.خلايلي للمكلف الرسمي المعني بوزارة الثقافة (السيد ح.ص) عن الموافقة الأمنية في شهر تموز/2016،كإجراء نهائي، أبلغه أن الموافقة قد تمّت وأُرسلت بالبريد إلى الجهات المعنية رغم وجود محاولات لعرقلتها من قبل مدير الآثار...ولكن حتى تاريخه لم يُبَلَّغ د.خلايلي بأي قرار لإعادته إلى العمل، وبتاريخ 11/8/2016 أجابه موظف استعلامات مجلس الوزراء أن الموضوع "للتريّث" منذ شهر تموز/2016، حسب حاشية رئيس مجلس الوزراء... فهل صرف الباحث المذكور من الخدمة وإيقاف رواتبه منذ تسعة أشهر –رغم انتفاء المبررات بموجب التحريات- يعفي المتسبّبين بذلك من تهمة الخطأ، ويجعل وثائق مخالفات الإدارة طيّ النسيان أو حتى التريّث؟
21:12
21:14
21:40
21:44
21:45
21:47
21:50
21:52
21:54
21:56
21:58
22:06
22:08
22:16
22:17
22:19
22:21
22:26
22:36
22:38
22:48
22:50
22:54
22:57
23:05
23:08
23:16
23:18
23:20
23:21
23:25
23:26
23:29
23:31
00:34
00:35
00:37
00:40
00:42
04:13
05:57
05:59
06:03
20:35
20:38
20:55
11:35
01:16
19:47
20:18
20:23
21:24
21:26
04:10
21:08
21:11
21:14
02:25
18:09
18:14