جسور دير الزور المدمّرة ... الثابت الجيوتاريخي والمتحولات الاستعمارية

الأحد, 2 تشرين الأول 2016 الساعة 21:31 | تقارير خاصة, خاص جهينة نيوز

 جسور دير الزور المدمّرة ... الثابت الجيوتاريخي والمتحولات الاستعمارية

جهينة نيوز-خاص:

تاريخ سورية بمفهومها الجغرافي الثابت على مدى العصور القديمة والوسطى والحديثة –ما قبل الاستعمار الحديث ومخطط التفتيت الحالي- هو تاريخ العالم المتمدن بصورة مصغرة، يقدم صورة شاملة لحياة البلاد كلها كوحدة منذ أقدم العصور حتى العصر الحاضر، تلك الوحدة المستهدفة من قبل معاول منقّبين آثاريين وأقلام مؤرخين معادين وجحافل جيوش إرهابٍ وتحالفٍ شيطاني لم يشهد له تاريخ البلاد مثيلاً في الوحشية والهمجية.

نارٌ في سورية والدخان في العراق:

لعل الحديث عن جسور دير الزور المدمّرة من قبل عصابات الإرهاب والتحالف الأميركي-الدولي، والتي كان بعضها يوصل إلى العراق، مؤسفٌ الآن في ظل ما تعرّضت-وتتعرّض- له سورية والعراق من تدمير لثوابت التاريخ والجغرافيا معاً في خطوة عدوانية واضحة لمحو تواصل التاريخ والجغرافيا بين البلدين وفي البلدين ورسم حدود الجغرافيا السياسية الاستعمارية الجديدة بينهما وفيهما.

تاريخ متواصل في جغرافيا آمنة:

سورية الحضارة والتاريخ هي مسيرة مئات الآلاف من السنين الآمنة في الجغرافيا السورية، إذ لم تشهد حضارةٌ على وجه الأرض ترابطاً بين فصولها وتواصلاً مع أخواتها كما شهدته الحضارة السورية القديمة، وقد أكدت ذلك الحفريات الأثرية، وبالرغم من تراكم العصور ومخلّفاتها، فإن الباحث لا يبذل – عادةً – جهداً كبيراً في ربط المعطيات واستنتاج قيمتها، ويعود ذلك إلى استمرار حياة السوريين في أرضهم دون انقطاع، وهذا الاستمرار إنجازٌ يُقَدِّرُهُ علماء الحضارة، ولعله نموذج مثالي يجب أن نحتذيه...فاستمرار حياة الأقدمين دليل ساطع على إتقانهم لها، وتفنّنهم في نقل التجارب الحياتية إلى الأجيال...أجيال الوطن وأجيال العالم القديم كلِّه، والشواهد الحضارية في هذا الخصوص أكثر من أن تُحصى، وهي تنتشر في أصقاع العالم القديم الجديد وتشير إلى أن ما أبدعه السوريُّ فنّاً وأدباً في عصرٍ ما، ترنّم وتباهى به "الاسبانيُّ –على سبيل المثال- في عصرٍ آخر وبفارق ألف سنة...إنها الأسطورةُ الحقيقةُ الدليلُ الباقي إلى أيامنا هذه، فقد قطع تعميم التجربة الحضارية السورية في الجغرافيا الآمنة أشواطاً هامةً خلال العصور التاريخية، وأثبت نجاعةً خلّد تفاصيلها المؤرخون والكُتّاب القدماء...

كتابة تاريخ سورية من قبل بعض المراكز الغربية، انسجامٌ مع التدمير:

يواصل بعض المراكز الغربية العمل بالأفكار الاستعمارية متناسياً أن التاريخ الموحّد لا يمكن تجزئته بالقوة كالأرض...وهنا نعود سنواتٍ إلى الوراء حيث أقيمت في الرابع والعشرين من شهر شباط 2004 محاضرة في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق ألقاها الباحث الآثاري الفرنسي «فيليب كوني» المندوب من قبل المعهد الفرنسي «للشرق الأوسط»(2003-2011) الى مواقع العصر البرونزي القديم في شمال بلاد الرافدين، وكانت المحاضرة عن «ولادة المدن في شمال سورية في الألف الثالث ق.م» وقد قدّم الباحث الفرنسي مجهوداً واضحاً في محاضرته داعماً إياها بمجموعة من المخططات والخرائط والصور الجوية لبعض المواقع والتلال الأثرية في المنطقة المذكورة.. ولكن واستناداً الى أفكار تخصه وتخص مدرسته الاستعمارية تبين أن غاية محاضرته هي نفي وجود اتصال وتواصل بين العراق القديم وسورية القديمة بحدودهما الحالية، فزعم المحاضر أن كلا البلدين نشأ وتطور حضارياً بمعزل عن الآخر...!

ولأن المجال لا يتسع هنا لرد علمي مفصل على أفكار الباحث الفرنسي، إلا أنه ينبغي وضع مزاعمه ضمن «الإطار الاستعماري»، أما الخطورة في الموضوع فهي أن الباحث «كوني» ليس الوحيد الذي عمل بهذه الأفكار فأعداد الباحثين المماثلين كبيرة في المنطقة وكلٌّ عمل باختصاصه...

​"من أجل التخصص بسورية القديمة لا بد من عبور الجسور إلى العراق القديم"​

فالانسجام الحضاري قائم في المشرق العربي القديم ولاسيما ضمن شقيه الرافدي والشامي.. وأساساً فإن أية دراسة تتناول حضارة المشرق العربي القديم إنما هي دراسة للتاريخ المشترك والروابط القوية بين أقطاره، تلك التي تؤكدها دوماً المكتشفات الأثرية.

«في الرافدين عبّر موقع "زاوي جيمي" منذ الألف الثامن ق.م عن وجود صفات عرقية لسكانه تتشابه بوضوح مع صفات سكان بلاد الشام».

«التواصل المعروف للمجتمعات الزراعية الأولى في المنطقة السورية يتلاءم مع الدلائل العراقية في شمال بلاد الرافدين، وهذا يدل على وجود نظم للاتصالات والعلاقات الحضارية في مراحل موغلة في القدم».

«الكتابة السومرية الأولى على ألواح من الصلصال تذكّر بشكل كبير بالصور الرمزية والرسوم الواقعية الدالة على الأشياء والتي تمثل بكثرة في منحوتات الجرف الأحمر في سورية مع نهاية الألف العاشرق.م..»

«هناك تفاعل ديموغرافي اجتماعي بين أرومات المشرق القديم الأكادية والأمورية والبابلية والآشورية والكنعانية والآرامية..»

بالإضافة إلى ان تاريخ سورية القديم -ومعها لبنان وفلسطين- لا يمكن أن يدرس بمعزل عن تاريخ العراق القديم، ومعظم أكاديميات الشرق القديم تشترط على طالب الاختصاص بسورية القديمة النجاح في امتحان العراق القديم...واليوم فجسور دير الزور، من جسور للتواصل والتآلف إلى أهداف للإرهاب وطيران التحالف، كارثةٌ تُنبئ بشرٍّ عظيم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

- الصفدي. هشام: تاريخ حضارات آسية الغربية، دمشق 1984.

-حنون.نائل: حقيقة السومريين ودراسات أخرى في علم الآثار والنصوص المسمارية، دمشق 2007

-كلوتشكوف ومجموعة من المؤلفين: الجديد حول الشرق القديم، ترجمة جابر أبي جابر، خيري الضامن، موسكو 1988.

خليف.بشار: "دراسات في حضارة المشرق العربي القديم"، ط1 دمشق 2003 ‏ ‏

- فنظر محمد حسين: الفينقيون بناة المتوسط، تونس 1998.

- Burney Charles: From village to Empire, London 1977.

- Luckenbill - D. D : Ancient Records of Assyria and Babylonia, Vol I, II, Chicage, 1926 - 1927 (ARAB).


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 قتيبة الفراتي
    2/10/2016
    21:44
    جسور دير الزور جسور حضارة وتاريخ
    وهؤلا ء الأمريكان الهمجيون لا يعرفون من التعامل مع الإنجاز الإنساني إلا الحرق والتدمير...بارك الله بسواعد الجيش العربي السوري التي تواجه المستحيل وتغلبه بإذن الله.
  2. 2 الفراتي
    2/10/2016
    21:46
    داعش ليس إلا فرقة "مارينز" أميركية مجرمة
    الإرهاب والتحالف الإرهابي الدولي ضد سورية يدمرون الإنسان والأثر والحضارة...ستغضب عليكم مياه الفرات يا قتلة.
  3. 3 إبن الفرات
    2/10/2016
    21:48
    بحجة القضاء على الإرهاب يدمرون جسور حضارة كاملة
    ونهر الفرات يشهد...كم تلونت مياه هذا النهر العظيم بلون دماء الغزاة...وستتلون دائماً بدم أعدائه...النصر للصامدين على ضفاف الفرات...النصر للجيش العربي السوري
  4. 4 باحث
    2/10/2016
    21:54
    الوحدة الحضارية بين سورية والعراق مستهدفة من قبل الأعداء
    ومهما اختلفت أشكال أولئك الأعداء فكلهم من منبت واحد صهيوني...إن تدمير جسور دير الزور من قبل الطيران الأميركي الحاقد هو خطوة عدائية همجية ضد روابط الوحدة الحضارية في المنطقة، تلك الروابط التي ما انفك الاستعمار الحديث والمتجدد يعمل على تفكيكها بكل الأساليب. وآخرها التدمير الهمجي.
  5. 5 أيهم
    2/10/2016
    22:03
    الحقيقة التاريخية والجغرافية ستبقى
    مهما اشتد القصف والتدمير...المهم إعادة بناء الإنسان الذي سيعيد بناء ما تم تدميره.
  6. 6 أيهم
    2/10/2016
    22:05
    وستبقى مياه الفرات شاهداً على الهمجية الأميركية الصهيونية
    "وستمحو يا نهر الفرات آثار القدم الهمجية"
  7. 7 الياس ديراني
    2/10/2016
    22:07
    أميركا التي تدّعي الحضارة تدمّر شواهد الحضارة وجسورها
    ولا يجب أن تستمر المفاوضات معها...على الجانب الروسي أن يُطلع العالم على همجية أميركا ويضع حداً لآلة تدميرها للإنسان والحضارة.
  8. 8 محمد
    2/10/2016
    22:13
    الغرب...ماذا فعل بنا؟
    مراكز بحوثهم تلغي الحقب والمراحل والروابط التاريخية وآلة حربهم تدمّر الشواهد والأدلّة...إنه حقد أعمى...نحن دخلنا التاريخ وهم سيخرجون منه إن شاء الله، لأن التاريخ هو للشعوب الأفضل.
  9. 9 حسان
    2/10/2016
    22:20
    عربٌ يعزّون بوفاة صهيوني وجسور الحضارة لها الله
    لم يشهد تاريخ الأمة ركوعاً رسمياً كالذي تمثّله جامعة بعض الدول العربية التي سارعت إلى جنازة الصهيوني "بيريز" معزّية إياه بأفخم عبارات القاموس العربي، بينما لم يجد هؤلاء كلمة واحدة ترفض تدمير جسور الإنسان في سورية وقتل الإنسان السوري من قبل إرهاب العرب والغرب معاً...بئس مستقبل العرب إذا كان حاضرهم سيستمر هكذا، ونِعمَ بطولات الجيش العربي السوري والإنسان العربي السوري والقائد العربي السوري الرئيس بشار الأسد.
  10. 10 أسد بن الفرات
    2/10/2016
    22:27
    تدمير جسور دير الزور أحدث تعريف للولايات المتحدة الأميركية
    هذه هي عقيدتها الهوليودية الصهيونية...فمن قاموا بهذا الفعل الشنيع ليسوا إلا بهائم ارتدوا قشور الحداثة طائرات نفّاثة مجرمة...بئس الإنسان الذي يفكر هكذا...وستبقى يا فراتنا من منبعك إلى مصبّك سلسبيلاً عذباً مستساغاً لأبنائك السوريين وستعود جسور محبتك بين قلوب كل المحبين لهذا الوطن.
  11. 11 كاظم
    2/10/2016
    22:29
    سيبقى الفرات لنا وللعراق الصامد
    وهو صلة وصلنا بالعراق منذ أقدم العصور حتى قبل أن تُبنى الجسور.
  12. 12 ناهض
    2/10/2016
    22:32
    السوري في الجغرافيا الآمنة وصل إلى أبعد المحيطات
    وترك إشعاعه الحضاري أدلّةً لا زالت تلمع بيارقها إلى الآن في جزر الأطلسي...لذا لا غرابة أن يقوم طيران التحالف الأميركي الصهيوني التكفيري بتدمير الحضارة وجسورها لأنه عدو الحضارة.
  13. 13 لبنى
    2/10/2016
    22:49
    الفرات حين يغضب
    كل ما يجري في المنطقة الشرقية مدروس وممنهج من قبل المدارس الاستعمارية...إن استهداف سورية والعراق -وتحديداً من بوابة حضارة نهر الفرات- إنما يعود إلى حقد صهيوني أعمى...الفرات في أعماقه يحتضن أساطير بلاد الرافدين وسورية...وآلاف من السنين مرت والفرات صامد وسيبقى.
  14. 14 لبنى
    2/10/2016
    22:51
    تدمير جسور دير الزور إفلاس وهزيمة للأميركان
    فالنفس البشرية لا تستطيع إلا أن تقف حائرة مندهشة أمام هذا التصرف العدواني الهمجي...كم نحن أقوياء بإفلاس وحقد عدوّنا.
  15. 15 لبنى
    2/10/2016
    22:54
    بتدمير جسور دير الزور يقطّعون أوصال المنطقة
    وقد يكون هدفهم أيضاً تغيير ملامح المنطقة من أجل هدف عدواني قذر...
  16. 16 سوري فراتي
    2/10/2016
    22:59
    فداك يا دير الزور
    تحتضن الأرض السورية ماء الفرات ممزوجا برحيق السماء.
  17. 17 محمد الديري
    3/10/2016
    01:44
    شكراً لهذه المقالة
    شكراً لأنها بمثابة جسر بين أحداث التاريخ والحاضر...فباستهداف جسور دير الزور من قبل عصابات الإرهاب والتحالف الأميركي يستهدفون تاريخاً كاملاً جمع أواصر البلاد السورية والعراقية.
  18. 18 فراتنا لنا
    3/10/2016
    01:49
    دوّامات الفرات ستبتلع الأمريكان وعملاءهم
    ليس ذلك غريباً على الفرات الحارس الأمين لسورية منذ أقدم العصور...فعلى ضفاف الفرات نشأت الحضارات كما تراكمت جثث الأعداء.
  19. 19 فراتي وأفتخر
    3/10/2016
    01:51
    سنبني جسور دير الزور من جديد
    وسنزرع في تربة الفرات أملاً جديداً لسورية.
  20. 20 طوير
    3/10/2016
    02:29
    من أجلك يا مدينة الفرات نصلّي
    يا بنت الفرات والحضارات...يا دير الزور الأبية...عائدة أنت لربوع عشّاقك..عائدة أنت لنسائم الفرات تلفح خدود أبنائك...عائدة أنت من غربة إرهاب الإرهابيين إلى حضنك السوري الأبدي.
  21. 21 ابن الحارة
    3/10/2016
    19:48
    هل من يطلب إثباتاً آخر؟
    أصحاب الرؤوس المغلقة اليابسة من السوريين وباقي العرب، من عشاق محطات العبرية والخنزيرة وسلالاتها المتسرطنة، لا يسمعون بمثل هذه الأخبار عن تدمير الجسور وقبلها الآثار في تدمر وغيرها، وقبلها الكنائس والمساجد،...... وإذا سمعوا فرحوا.. ووجدوا العذر للمعتدين. ليتهم يفكرون مرة واحدة بالسبب الحقيقي لهذه المجازر المروعة بحق الحجارة، إذن لبان بصيص أمل في آخر النفق.
  22. 22 منتظر فرج الله
    4/10/2016
    12:59
    كفّوا عن الشخصي وانطلقوا إلى الوطن
    في البدء نشكر كاتب المقال عن الجسور، فقد أصاب ومد جسراً مهماً بين شامنا وعراقنا. لكني أتعجب من أن قراء الزواج والطلاق (عرفتم من أعني) شديدو الانفعال، ولكنهم كما يبدو لا يقرؤون مثل هذه المواضيع الوطنية. أقول لهم: كفوا عن الشخصي، وانطلقوا إلى الوطن.
  23. 23 جاسر
    4/10/2016
    18:17
    ماذا لو تم تدمير جسور "سان فرانسيسكو"؟!
    سؤال نوجهه للكونغرس الأميركي والبيت الأبيض والبنتاغون والحزبين الديمقراطي والجمهوري والمرشحين للرئاسة هيلاري وترامب.
  24. 24 عدنان احسان- امريكا
    5/10/2016
    23:51
    الامبرياليه الامريكيه الحقيره ..
    بعد فشل مخطاطاتهم في المنطقه .. اليوم يستخدمون اخر اوراقهم .. برسم خطوطهم الحمراء لحمايه كلاب الفيدرايله .... والله محتار ايش نسميهم .. معارضه معتدله ،، وملا معارضه متكاليه ،،
  25. 25 حرية الثوار
    6/10/2016
    05:05
    ثورة حرية ديمقراطية!!!!!!!
    هل ارتاح الشياطين والكذابين الأخرا ر ؟؟؟؟ !!!!

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا