جهينة نيوز-خاص:
تاريخ سورية بمفهومها الجغرافي الثابت على مدى العصور القديمة والوسطى والحديثة –ما قبل الاستعمار الحديث ومخطط التفتيت الحالي- هو تاريخ العالم المتمدن بصورة مصغرة، يقدم صورة شاملة لحياة البلاد كلها كوحدة منذ أقدم العصور حتى العصر الحاضر، تلك الوحدة المستهدفة من قبل معاول منقّبين آثاريين وأقلام مؤرخين معادين وجحافل جيوش إرهابٍ وتحالفٍ شيطاني لم يشهد له تاريخ البلاد مثيلاً في الوحشية والهمجية.
نارٌ في سورية والدخان في العراق:
لعل الحديث عن جسور دير الزور المدمّرة من قبل عصابات الإرهاب والتحالف الأميركي-الدولي، والتي كان بعضها يوصل إلى العراق، مؤسفٌ الآن في ظل ما تعرّضت-وتتعرّض- له سورية والعراق من تدمير لثوابت التاريخ والجغرافيا معاً في خطوة عدوانية واضحة لمحو تواصل التاريخ والجغرافيا بين البلدين وفي البلدين ورسم حدود الجغرافيا السياسية الاستعمارية الجديدة بينهما وفيهما.
تاريخ متواصل في جغرافيا آمنة:
سورية الحضارة والتاريخ هي مسيرة مئات الآلاف من السنين الآمنة في الجغرافيا السورية، إذ لم تشهد حضارةٌ على وجه الأرض ترابطاً بين فصولها وتواصلاً مع أخواتها كما شهدته الحضارة السورية القديمة، وقد أكدت ذلك الحفريات الأثرية، وبالرغم من تراكم العصور ومخلّفاتها، فإن الباحث لا يبذل – عادةً – جهداً كبيراً في ربط المعطيات واستنتاج قيمتها، ويعود ذلك إلى استمرار حياة السوريين في أرضهم دون انقطاع، وهذا الاستمرار إنجازٌ يُقَدِّرُهُ علماء الحضارة، ولعله نموذج مثالي يجب أن نحتذيه...فاستمرار حياة الأقدمين دليل ساطع على إتقانهم لها، وتفنّنهم في نقل التجارب الحياتية إلى الأجيال...أجيال الوطن وأجيال العالم القديم كلِّه، والشواهد الحضارية في هذا الخصوص أكثر من أن تُحصى، وهي تنتشر في أصقاع العالم القديم الجديد وتشير إلى أن ما أبدعه السوريُّ فنّاً وأدباً في عصرٍ ما، ترنّم وتباهى به "الاسبانيُّ –على سبيل المثال- في عصرٍ آخر وبفارق ألف سنة...إنها الأسطورةُ الحقيقةُ الدليلُ الباقي إلى أيامنا هذه، فقد قطع تعميم التجربة الحضارية السورية في الجغرافيا الآمنة أشواطاً هامةً خلال العصور التاريخية، وأثبت نجاعةً خلّد تفاصيلها المؤرخون والكُتّاب القدماء...
كتابة تاريخ سورية من قبل بعض المراكز الغربية، انسجامٌ مع التدمير:
يواصل بعض المراكز الغربية العمل بالأفكار الاستعمارية متناسياً أن التاريخ الموحّد لا يمكن تجزئته بالقوة كالأرض...وهنا نعود سنواتٍ إلى الوراء حيث أقيمت في الرابع والعشرين من شهر شباط 2004 محاضرة في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق ألقاها الباحث الآثاري الفرنسي «فيليب كوني» المندوب من قبل المعهد الفرنسي «للشرق الأوسط»(2003-2011) الى مواقع العصر البرونزي القديم في شمال بلاد الرافدين، وكانت المحاضرة عن «ولادة المدن في شمال سورية في الألف الثالث ق.م» وقد قدّم الباحث الفرنسي مجهوداً واضحاً في محاضرته داعماً إياها بمجموعة من المخططات والخرائط والصور الجوية لبعض المواقع والتلال الأثرية في المنطقة المذكورة.. ولكن واستناداً الى أفكار تخصه وتخص مدرسته الاستعمارية تبين أن غاية محاضرته هي نفي وجود اتصال وتواصل بين العراق القديم وسورية القديمة بحدودهما الحالية، فزعم المحاضر أن كلا البلدين نشأ وتطور حضارياً بمعزل عن الآخر...!
ولأن المجال لا يتسع هنا لرد علمي مفصل على أفكار الباحث الفرنسي، إلا أنه ينبغي وضع مزاعمه ضمن «الإطار الاستعماري»، أما الخطورة في الموضوع فهي أن الباحث «كوني» ليس الوحيد الذي عمل بهذه الأفكار فأعداد الباحثين المماثلين كبيرة في المنطقة وكلٌّ عمل باختصاصه...
"من أجل التخصص بسورية القديمة لا بد من عبور الجسور إلى العراق القديم"
فالانسجام الحضاري قائم في المشرق العربي القديم ولاسيما ضمن شقيه الرافدي والشامي.. وأساساً فإن أية دراسة تتناول حضارة المشرق العربي القديم إنما هي دراسة للتاريخ المشترك والروابط القوية بين أقطاره، تلك التي تؤكدها دوماً المكتشفات الأثرية.
«في الرافدين عبّر موقع "زاوي جيمي" منذ الألف الثامن ق.م عن وجود صفات عرقية لسكانه تتشابه بوضوح مع صفات سكان بلاد الشام».
«التواصل المعروف للمجتمعات الزراعية الأولى في المنطقة السورية يتلاءم مع الدلائل العراقية في شمال بلاد الرافدين، وهذا يدل على وجود نظم للاتصالات والعلاقات الحضارية في مراحل موغلة في القدم».
«الكتابة السومرية الأولى على ألواح من الصلصال تذكّر بشكل كبير بالصور الرمزية والرسوم الواقعية الدالة على الأشياء والتي تمثل بكثرة في منحوتات الجرف الأحمر في سورية مع نهاية الألف العاشرق.م..»
«هناك تفاعل ديموغرافي اجتماعي بين أرومات المشرق القديم الأكادية والأمورية والبابلية والآشورية والكنعانية والآرامية..»
بالإضافة إلى ان تاريخ سورية القديم -ومعها لبنان وفلسطين- لا يمكن أن يدرس بمعزل عن تاريخ العراق القديم، ومعظم أكاديميات الشرق القديم تشترط على طالب الاختصاص بسورية القديمة النجاح في امتحان العراق القديم...واليوم فجسور دير الزور، من جسور للتواصل والتآلف إلى أهداف للإرهاب وطيران التحالف، كارثةٌ تُنبئ بشرٍّ عظيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
- الصفدي. هشام: تاريخ حضارات آسية الغربية، دمشق 1984.
-حنون.نائل: حقيقة السومريين ودراسات أخرى في علم الآثار والنصوص المسمارية، دمشق 2007
-كلوتشكوف ومجموعة من المؤلفين: الجديد حول الشرق القديم، ترجمة جابر أبي جابر، خيري الضامن، موسكو 1988.
خليف.بشار: "دراسات في حضارة المشرق العربي القديم"، ط1 دمشق 2003
- فنظر محمد حسين: الفينقيون بناة المتوسط، تونس 1998.
- Burney Charles: From village to Empire, London 1977.
- Luckenbill - D. D : Ancient Records of Assyria and Babylonia, Vol I, II, Chicage, 1926 - 1927 (ARAB).
21:44
21:46
21:48
21:54
22:03
22:05
22:07
22:13
22:20
22:27
22:29
22:32
22:49
22:51
22:54
22:59
01:44
01:49
01:51
02:29
19:48
12:59
18:17
23:51
05:05