#I#العراق يقاتل وتركيا تستقتل... من سيرفع إشارة النصر في الموصل؟!

الجمعة, 21 تشرين الأول 2016 الساعة 01:08 | تقارير خاصة, خاص جهينة نيوز

#I#العراق يقاتل وتركيا تستقتل...  من سيرفع إشارة النصر في الموصل؟!

 

جهينة نيوز-خاص

لم تخرج مدينة الموصل –الواقعة شمال العراق على ضفاف دجلة- عن سياقها التاريخي الرافدي السوري كمدينة تعود إلى أقدم العصور الشرقية القديمة، ولعل أهميتها وشهرتها القصوى تأتي من كونها مركزاً آشورياً متقدماً في حضارة بلاد ما بين النهرين، فهي تقع الآن ضمن محافظة نينوى العاصمة الآشورية القديمة، كما أنها الحضن التاريخي والطبيعي للعاصمة الآشورية الحديثة "نمرود/كالح، كلخو" مدينة العلم والفن والمعرفة التي تقع على بعد 40كم جنوب شرق الموصل على الضفة الشرقية لنهر دجلة، أسسها الملك شلمنصّر الأول عام1270ق.م، وجدّدها الملك آشور ناصر بال الثاني حوالي عام 883ق.م...وقد قدّم موقع نمرود المكتشف سنة 1846م مجموعة هائلة من المنحوتات والمسلات والأنصاب والعاجيات والمجوهرات والرُّقُم المسمارية التي تحمل معطيات لا مثيل لها، اكتُشفت ضمن قصور المدينة ومعابدها، وأهمها النص المسماري المكتشف في معبد "أورتا" والذي قدّم معلومات نادرة عن طرق المواصلات بين بلاد آشور وسورية الآرامية والساحل الفينيقي، بالإضافة إلى معلومات فائقة الأهمية –بل ونادرة- عن مدن آرامية وفينيقية سوريّة...

غيّبت الأحداث مدينة نمرود عام 612 ق.م، وشهدت الموصل عصور الكلدان والفرس والساسانيين والرومان وصولاً إلى الحقبة العربية... وفي مطلع عام 2015م تعرّضت آثارها وأوابدها –ومن ضمنها متحف الموصل- لهجوم همجيّ على يد العصابات الصهيونية/داعش في إطار الحرب غير المسبوقة على مكونات الهوية التاريخية في المنطقة.

الموصل آشورية عراقية وسريانية عربية:

اشتُق اسم الموصل الحديث من اللغة العربية –كونها مركز عدة طرق تصل الشرق بالغرب- وذلك مع دخول العرب إلى المدينة في أوائل القرن السابع الميلادي، وفي عهد كل من الخليفة "عثمان بن عفان" و"علي بن أبي طالب" تكثّف حضور العنصر العربي بالمدينة واستقر فيها أشهر قبائل العرب والسريان كالأزد وطي وكندة وعبد قيس، ثم شهدت العهود الأموية والعباسية وما تلاها، وأسهمت أيما إسهام في النهضة العربية، لكنها عانت من انتكاسة إبان حكم السلاجقة لها، ومع ذلك فقد كان لها دور قيادي وريادي في صد الغزوات الفرنجية...ثم عانت الموصل من غزو المغول والتتار، وشهدت صراعاً صفوياً عثمانياً في العراق في بدايات القرن السادس عشر، استمر حتّى مطلع القرن الثامن عشر الميلادي.

الموصل تحت الاحتلال العثماني:

في ظل حكم الولاة العثمانيين منذ عام 1534م –وعلى رأسهم سليمان القانوني- عانت الموصل الويلات والمجاعات شأنها في ذلك شأن كل المدن التي رزحت تحت نير الاستعمار العثماني، وقد استمرت تعاني إلى أن انتقلت إلى معاناة أخرى في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1917 نتيجة هزيمة العثمانيين في حربهم مع الإنكليز، وقد تم إعلان هزيمتهم وانتهاء الحرب العالمية الأولى بعد هدنة وُقعت في 30 تشرين الأول 1918، ونصّت هذه الهدنة على فصل قرابة 90% من أراضي ولاية الموصل العراقية عن الدولة العثمانية بعد قرون من خضوعها لها.

الموصل في عهد "الانتداب" البريطاني:

وفي 15 تشرين الثاني 1918 احتل الانكليز الموصل طمعاً بنفطها، وألحقوها ببقية أراضي العراق التي احتلوها أثناء الحرب، مما أثار احتجاج فرنسا... وكانت اتفاقية سايكس بيكو الموقعة بين فرنسا وبريطانيا عام 1916 قد قضت بتبعية ولاية الموصل –التي تشمل آنذاك مدن الموصل وكركوك والسليمانية شمالي العراق- للنفوذ الفرنسي...ولكن فرنسا تنازلت عن مطالبتها لبريطانبا بالموصل -بموجب معاهدة "سيفر" الموقعة في 10آب عام 1920- مقابل حصول فرنسا على لواء اسكندرون السوري السليب.

وفي سنة 1921 شهدت الموصل عهد "الحكم الأهلي" إبان الانتداب البريطاني، وكانت ورقة مساومة بيد الانكليز في المفاوضات التي جرت لتحديد خط الحدود بين العراق وتركيا، حيث ضغط الانكليز على الحكم الملكي لقبول صك الانتداب البريطاني على العراق والذي أُعلن بتاريخ 10/10/1922، وقد رفض أهالي الموصل خلال الاستفتاء الذي اجرته لجنة خاصة الانضمام إلى تركيا، ودافعوا عن عروبتهم وتمسكهم بالعراق...

الموصل بعد معاهدة "لوزان" وتحوّل السلطنة العثمانية إلى جمهورية تركية:

لم يسلّم العثمانيون بما اعتبروه فرضاً بريطانياً للأمر الواقع مدّعين أن الجيش العثماني انسحب طوعا من الموصل، فظلّوا يطالبون بالموصل حتى بعد التوقيع على معاهدة "لوزان" بينهم وبين بريطانيا وفرنسا عام 1923... وتنص معاهدة "لوزان" التي تم توقيعها في 24 تموز 1923 على اعتراف دولي بجمهورية تركيا كبديل للامبراطورية العثمانية وتسوية وضع الأناضول وتراقيا الشرقية (القسم الأوروبي من تركيا الحالية) في الدولة العثمانية وذلك بإلغاء معاهدة "سيفر" التي وقعتها الدولة العثمانية كنتيجة لحرب الاستقلال التركية بين قوات حلفاء الحرب العالمية الأولى والجمعية الوطنية العليا في تركيا (الحركة القومية التركية) بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، كما حددت معاهدة لوزان حدود عدة بلدان مثل اليونان وبلغاريا وتركيا والمشرق العربي، تنازلت فيها تركيا عن مطالبها بجزر دوديكانيسيا وقبرص ومصر والسودان والعراق وسورية، كما تنازلت عن امتيازاتها في ليبيا، وفي المقابل، أعيد ترسيم الحدود مع سورية بما يقضم منها مساحات شاسعة من الغرب إلى الشرق كمدن ومناطق مرسين وطرسوس وكيليكية وأضنة وعنتاب وكلس ومرعش وأورفة وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر.

مسألة الموصل واتفاق "أنقرة" عام 1926:

رغم معاهدة لوزان فقد ولد نزاع بين العراق وتركيا عُرف باسم "مسألة الموصل" التي تبنتها "عصبة الأمم" متّخذةً -في 16 كانون الأول 1925- قراراً بعودة الموصل إلى العراق نُفذ رسميًا في 3 تشرين الثاني 1932بعد دخول بريطانيا والدولة العثمانية في مفاوضات ثنائية بشأن الموصل أسفرت عن "اتفاقية أنقرة" التي وقعها الجانبان ومعهما المملكة العراقية آنذاك في العاصمة التركية يوم 5 أيار عام 1926...أما أهم النقاط التي نصت عليها "اتفاقية أنقرة" فهي: تبعية ولاية الموصل للعراق وتنازل تركيا عن أي ادعاءات بشأنها، ترسيم الحدود بين البلدين بشكل نهائي طبقاً لما يسمى بـ"خط بروكسل" واعتبارها غير قابلة للانتهاك (وكانت تركيا قد أعلنت اعترافها الرسمي بالدولة العراقية في 15آذار 1927)، حصول تركيا على نسبة 10٪ من عائدات نفط كركوك في الموصل لمدة 25 سنة (تدّعي أنقرة أن الدفع تم فقط بين 1931-1950)، إعطاء تركيا حق التدخل العسكري في الموصل وشمال العراق لحماية الأقلية التركمانية القاطنة هناك إذا تعرضت لأي "اعتداء"، أو لحق بوحدة الأراضي العراقية أي "تخريب".

الموصل بعد "لوزان" و"أنقرة"، أرض خلافة أم بحر نفط أم ماذا؟

وفي مناسبات مختلفة عبّر مؤرخون وسياسيون أتراك عن خيبة أملهم من اتفاقيتيْ "لوزان" و"أنقرة"، حيث اعتبر البعض الاتفاقية الأولى "تخلّياً تركياً عن قيادة المسلمين والاكتفاء بقطعة أرض صغيرة"، بينما رأى البعض الآخر أن الاتفاقية الثانية "حرمت الأتراك من عائدات نفط الموصل"... وبالرغم أن "مسألة الموصل" انتهت بإبرام "اتفاقية أنقرة" التي اعترف فيها الأتراك بالحدود الدولية الحالية بين تركيا والعراق؛ فإن مؤسس الجمهورية التركية "مصطفى كمال أتاتورك" وعد المعترضين على الاتفاقية من نوّاب البرلمان بالعمل على "استعادة الموصل في الوقت المناسب، أي حين يأتي وقت نكون فيه أقوياء".

ومن ناحية أخرى يتذرّع الأتراك بوجود أكثر من مليون تركماني في الموصل أكثرهم في منطقة كركوك النفطية، الأمر الذي دعا الرئيس التركي الأسبق "تورغوت أوزال" (1989-1993) إلى المطالبة بـ"إنشاء دولة خاصة بهم" هناك.

وقد حذا الساسة الأتراك حذو "أوزال" في استحضار "اتفاقية أنقرة" بعد عقود من الزمن للتلويح بالتدخل العسكري في شمال العراق بحجة درء "التهديدات عن أمن بلادهم القومي" القادمة من هناك، ويقولون إنهم تركوا ولاية الموصل وفق اتفاقية 1926 ضمن"عراق موحد"، وإذا لم يبق كذلك فإن الاتفاقية تصبح بحكم الملغاة...ومن هؤلاء الساسة الرئيس التركي الأسبق "سليمان ديميريل" الذي طالب في أيار 1995 بضرورة "تعديل الحدود العراقية التركية لأسباب أمنية" مؤكدا أن الموصل "ما زالت تابعة لتركيا"، كما قال الرئيس التركي السابق "عبد الله غل" –أثناء توليه لحقيبة الخارجية- في آب 2003 "سنأخذ حق تركيا من نفط الموصل ضمن إِطار حقوقي".

الموصل بين فكّيْ "داعش" وأنياب "السلطنة العثمانية":

اندلعت الأزمة الحالية بين حكومتي أنقرة وبغداد في مطلع كانون الأول 2015 إذ أرسلت تركيا كتيبة عسكرية مكونة من 500 عسكري، مدعومة بنحو 25 دبابة إلى شمال العراق بحجة تدريب القوات العراقية من أجل قتال "داعش"، مما دعا بغداد لمطالبة الجانب التركي بـ"الانسحاب الفوري من الأراضي العراقية والحفاظ على حسن الجوار"، مهددة باللجوء إلى مجلس الأمن، وانتهت الأزمة آنذاك بالتدخل المباشر للرئيس الأمريكي الذي أقنع نظيره التركي بالانسحاب، ثم تجددت الأزمة بعد تصويت البرلمان التركي بالموافقة على تمديد مهمات القوات العسكرية التركية في سورية والعراق لمدة عام، تبعه تبادل استدعاء سفيري البلدين، وتصريحات شديدة اللهجة من الجانبين، انتهت بتقديم شكوى رسمية ضد أنقرة إلى مجلس الأمن.

"أردوغان" ووديعة "ملي ميساك"، درعٌ للفرات" و"درعٌ لدجلة"!!

في 13 أيلول 2016 صرّح رجب طيب أردوغان -خلال ندوة نُظمت في اسطنبول- بأن "العراق بحاجة إلى عمل عسكري مشابه لـ"درع الفرات"، فحل مشكلة الموصل –حسب رأيه- يمر من خلال الإصغاء إلى منطق تركيا، ونحن نفكر في إطلاق عملية مماثلة في العراق، ونطلب من كافة القوى الفاعلة في المنطقة تقديم الدعم لفكرتنا"، فالمسألة –والكلام لأردوغان-لم تعد متعلقة بسورية والعراق بل أصبحت مسألة بقاء للمنطقة برمتها، ولذا فإن تركيا اتخذت قراراً بزيادة فعاليتها ووجودها بشكل أكبر في الميدان"...وفي هذه الأيام يترجم أردوغان أقواله من خلال تحدًّ صارخ للحكومة العراقية والشرعية الدولية بإصراره على المشاركة في معارك الموصل ضد تنظيم داعش الذي احتل المدينة في حزيران 2014، ذلك الإصرار الذي أثار جدل السياسيين والمراقبين، وكشف بعض خفاياه ما تتداوله صحف ومواقع مقرّبة من أردوغان تستنهض الماضي العثماني في مخيلة الأتراك الأتاتوركيين والأصوليين على حد سواء بنبش وديعة للبرلمان العثماني عام 1920 سُميت بالقسم الوطني (ملي ميساك) وهي عبارة عن "ميثاق" تركي محلي غير شرعي لأنه وليد احتلال سابق لأراضي الغير، يدّعي أن أراضي كركوك والموصل وأربيل وحلب وإدلب والحسكة وأجزاء من بلغاريا وأرمينيا هي أجزاء من تركيا!...

ميثاقٌ أم "استدراج عروض" تاريخي لاحتلالٍ جديد؟

لدى اختبار "الميثاق" المذكور استناداً إلى علم الوثائق التاريخية نجده وبكل بساطة خارجاً عن المنطق التاريخي والواقع الراهن، فهو يندرج ضمن مذكرات الشعوب لا أكثر، أما إذا أراد أردوغان تفعيل الميثاق حالياً، فليس استناداً إلى أحقيّته التاريخية (وهي باطلة) أو إلزاميته (وهي مزعومة) ولا لقيمته التاريخية المحلية مهما بلغت، وإنما استناداً إلى مخطط مرسوم حديثاً تعمّق واضعوه في أحداث الماضي وقاموا بعملية إسقاط دقيقة لمراحل تاريخية قديمة في المنطقة على وضع جديد متصوَّر يصبون إليه مع رصد لكل التناقضات المطلوبة وتفعيلها...والمضحك في تصرفات الحكومة التركية هي أنها أكثر من لديه الخبرة في استهتار العالم ببعض قرارات الأمم المتحدة الجديدة، وأكثر من يدعو إلى تفعيل قراراتها القديمة! وكأنها بذلك تريد العودة بعقارب الساعة قرناً إلى الوراء ليسير العالم معها ومع أحلامها قرناً إلى الأمام!

العراق يقاتل وتركيا تستقتل!

ختاماً، فإن الجيش الوحيد الذي يحق له القتال في الموصل وتحريرها من الإرهاب هو الجيش العراقي والقوات الرديفة له، وثمة فرق كبير بين قتال العراقيين لتحرير مدينتهم، واستقتال الأتراك لتدوين اسمهم في سجلّ انتصارات المدينة والحضور العسكري على الأرض فيها، أما الأيام القادمة فستُبدي ما قد يكون مجهولاً.

المصدر جهينة نيوز

مراجع

- Luckenbill - Daniel - David: Ancient Records of Assyria and Babylonia, Vol I, II, Chicage, 1926 - 1927 (ARAB)

-نائل حنون: "العراق الشمالي خلال العصور الآشورية"، دمشق 2009.

-سهيل زكّار، الموسوعة الشاملة في تاريخ الحروب الصليبية، دار الفكر، ج1،ج2. دمشق

-شوقي أبو خليل، أطلس التاريخ العربي الإسلامي، دار الفكر، دمشق، ط5، 2002.

-علي الوردي، لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث، الجزء الأوّل والثّاني.بيروت 1998

- عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث، ج 1، موجز تاريخ البلدان العراقية إلى سنة 1930 ،بغداد 1985

-موريس كروزيه تاريخ الحضارات العام، المجلد الرابع.


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق



ولأخذ العلم هذه المشاركات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي إدارة الموقع
  1. 1 د. هاشم فلالى
    21/10/2016
    10:37
    المسارات الصحيحة
    تطورات خطيرة تحدث فى المنطقة من انفلات أمنى وفوضى تعم، والذى يحتاج إلى السيطرة السريعة على الاوضاع، قبل أن تتفاقم وتصل إلى تلكم الحالة التى تصل إلى الكارثة، بل قد تكون الكارثة بالفعل وقعت وحدث ما ليس فى الحسبان، من أراقة الدماء من صراعات دموية لم تعد فى مواجهة العدو من الخارج، وانما هو صراعات داخلية تتعدد فيها الاطراف والفئات من اجل الوصول إلى السلطة و لو بطريق غير شرعى فيه من القتل والتدمير للمنشآت الحيوية العامة والخاصة والذى قد لا يكون هناك مما يمكن الاعتماد عليه من الاسس الصحيحة والقويمة والرواسخ والمقومات من الدعم والتأييد الذى يحظى بالقبول على مختلف المستويات الداخلية والخارجية من اجل السير فى الطريق الذى يؤدى إلى الاصلاح والبناء والتعمير. لقد حدثت فى الاوانة الاخيرة هزة شديدة تأثرت بها المنطقة باكملها من المحيط إلى الخيلج، والذى إن دل على شئ يدل على ان

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا