جهينة نيوز خاص
اقترح القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود معراوي "الزواج الثاني كأحد الحلول المقترحة للقضاء على ظاهرة تأخر الزواج أو العنوسة"...وحسب وجهة نظره فإن هذا الحل -الذي قد لا يرضي معظم النساء السوريات أو ربما جميعهن- هو حل واقعي ومنطقي للتخلص من هذه الظاهرة...وتابع قائلاً "إن الهدف من التساهل في شروط الزواج الثاني هو حل مشكلة العنوسة في المجتمع السوري، وهذا أمر طبيعي بشرط ألا يؤثر في حقوق الزوجة الأولى أو يؤدي إلى طلاقها وتشريد الأولاد..."
وقد أشار القاضي المعراوي إلى ازدياد عدد الإناث على الذكور في سورية نتيجة الحرب بنسبة تجاوزت 65%، لافتاً إلى أنّ هذا الازدياد "جعل الفتاة تفكر جدياً بتغيير شروط زواجها من بيت وسيارة ومهر عال، إلى الحد الأدنى منها بعد أن قلت الخيارات أمامها نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي نعيشها، كاشفاً عن تساهل القضاء حاليا بمسألة الزواج من امرأة ثانية، ففي السابق كان الزواج الثاني يتطلب من القاضي التأكد من ملاءة الزوج اقتصادياً، والتأكد من إمكانية تحمل أعباء مصروف أسرتين، كذلك أن تكون لديه مبررات للزواج من امرأة ثانية حسب المسوغ الشرعي، أما حالياً وحيث لم يعد أمام المرأة خيارات لدرجة أنها أصبحت تختار رجلاً متزوجاً، انطلاقاً من ذلك لم نعد ندقق على شروط زواج الرجل من امرأة أخرى، موضحاً أن تلك الشروط بدأت تطبق عند الزواج من ثالثة، وهي حالات قليلة..."
واستعرض المعراوي ما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية حيث زادت نسبة الفتيات على الشباب بسبب الحرب لذلك فكروا بحل هذه المشكلة التي لها آثار على المجتمع، فالزواج حاجة فطرية، ومن هنا تم طرح فكرة الزواج الثاني بعد أن كان يعد عندهم بمثابة جريمة، وتأييداً لهذه الفكرة فقد خرجت مظاهرة نسائية تطالب بإقرار الزواج من امرأة ثانية للتخلص من العنوسة...
ويقول المعراوي: "قبل الأزمة كان هناك استهجان لفكرة الزواج من امرأة ثانية في كثير من البيئات ومطالبة بتعديل القانون، لكن هذه الصيحات صمتت خلال الأزمة، لأنها وجدت أنه ليس هناك من حلول إلا بالزواج من أخرى، لافتاً إلى أنّ الأصل في الزواج زوجة واحدة وأنّ التعدد هو للحاجة مع القدرة على العدل والإنفاق، لكن نتيجة الأزمة التي يمر فيها المجتمع كان التعدد في الزوجات حلاً منطقياً وطبيعياً..."
وهنا لا نجد أنفسنا مضطرين للدخول في تفاصيل أحسن الحلال أو أبغضه عند الله عز وجلّ، كما لا نود التعمق في مسألة تعدد الزوجات وأسبابها ومبرراتها الاجتماعية والدينية، إنما نود أن نخوض قليلاً في موضوع أزمتنا، فهل بتنا حقاً كالألمان بعد الحرب العالمية الثانية، ونحن نعرف أن تلك الحرب أبادت الملايين من الألمان؟! ومن ناحية أخرى، فنحن نعرف مجتمعنا وقضاءنا جيداً، إذ لم يكن يمانع على الإطلاق في حدوث تعدد زوجات في أية بيئة سورية، وحسب السلوكيات المتعارف عليها، فإن القضاء آخر من يعلم لدى حدوث زواجٍ ثانٍ أو ثالث أو حتى رابع، ويضاف إلى ذلك أن من كانت شروط زواجه الثاني سابقاً تتلخص في "الملاءة الاقتصادية والقدرة على إدارة أسرتين"، فإنها لن تتغير في الأزمة، فمن سيقدم على زواجٍ ثانٍ إنما هو نفسه القادر عليه في كل وقت...وبالتالي فمن يخاطب السيد القاضي؟!...هل يخاطب الأزواج المستقرين مع زوجاتهم، أم الفتيات العزباوات؟...وهل سيجد تصريحه آذاناً صاغية لحل ما أطلق عليه مشكلة؟
بالتأكيد وضعنا في سنوات الأزمة والحرب ليس كوضعنا في السنوات التي سبقتها، ولكن متى كان للقضاء الشرعي دوره في "التزويج"؟!...فمئات الدراسات الاجتماعية والمقالات الصحافية صدرت قبل الأزمة، وتناولت موضوع الزواج ومشاكله دون أن يكون للسلطات الزمنية أو الوصائية أو التنفيذية أي دور لمساعدة الراغبين من الجنسين في الزواج على إتمام "نصف دينهم" بسهولة ويسر، فما بالنا الآن، والغالبية العظمى من الشعب تعاني تكاليف الحياة، بل سئمتها إلى درجة لا يمكن أن توصف ...
ونافلة القول إن مجتمعنا لا يعرف للزواج حالات طارئة كالتي عرفتها المجتمعات الغربية خلال مخاضاتها التاريخية، فمن يريد أن يتزوج يتزوج سواء قبل الأزمة أو خلالها أو بعدها، وإذا شئنا أن نعدد صعوبات الزواج قبل الأزمة وخلالها نجدها نفسها تقريباً، وهي السكن اللائق -أو مجرد السكن دون توصيف-، فرص العمل، الحالة المادية، التقاليد الاجتماعية وحالة الأهل...أما الحديث عن ارتفاع نسبة الإناث على الذكور، فهي قديمة وسجلت أرقاماً متقاربة نسبياً مع ما قبل الأزمة، وهي حالة شائعة في المجتمعات العربية تنتج عن سوء ضبط النسل أو تحديده...كما أن الحديث عن هجرة الشباب قد لا يفاقم مشكلة العنوسة بوجود الصعوبات التي تحدثنا عنها، فثمة من هاجر مكلِّفاً وكلاء عنه للارتباط بشريكة من الوطن، أما وسائل التواصل فتعج بطلبات الشباب المهاجر للتعارف بفتاة الوطن الراغبة بالزواج والهجرة معاً لتلتحق به في ديار الغربة، ذلك أن الزواج بها في البلد قد تعذّر لأسباب ذكر بعضها القاضي الشرعي الأول...
وختاماً فإننا لا نرى ضرورة لتذكير المجتمع بما يحلله لنا الدين الحنيف، وخاصة في أزمة "الأزمة" –إن صح التعبير- تلك التي تتلخص في نمو أفكار على الأرض ظاهرها ديني أصيل وباطنها رجعي دخيل يلوّح بمصيرٍ أسود...وتلك الأفكار يناضل المجتمع السوري الأصيل من أجل دفنها ذلك أنها أُخضعت لتفاسير لا يحللها الدين ولا الشرع ولا المنطق السوري، مؤكدين في النهاية أن مشكلة "العنوسة" هي مشكلة عامة قديمة جديدة وليست نتاج حرب أو أزمة، أما استقرار الوضع الداخلي وتأمين الضروري من متطلبات الناس، إنما يسهم في حل عدة مشكلات اجتماعية –ولو جزئياً- ومن ضمنها "العنوسة".
19:34
19:37
19:38
19:49
19:52
20:56
00:22
00:29
00:33
00:38
00:53
00:57
01:00
03:11
03:17