جهينة نيوز- خاص
بذل المذيع جعفر أحمد في حلقته مساء أمس الأحد مجهوداً كبيراً لإيصال صوت جمهور الفيسبوك السوري الغاضب من جرّاء موضوع مناهج وزارة التربية الجديدة المطوّرة والتي أشعلت موجة من الرفض والانتقاد بين الأوساط الشعبية والعلمية، وقد بدت على وجه المذيع علامات الحيرة في تقاطيع الوجه التي يجب أن يظهر بها باستضافته للضيف الأول مدير مركز تطوير المناهج التربوية د.دارم الطباع، ثم الضيف الثاني على الخط الهاتفي وزير التربية د.هزوان الوز، وضيفين آخرين هما نقيب معلمي مدينة دمشق وعضو مجلس الشعب أ.عهد كنج والباحثة د. أشواق عباس التي قامت بمداخلة هاتفية...وربما كان اختلاف تقاطيع وجه المذيع المتسارع يشير إلى عدم اطّلاعه الكافي والوافي على الموضوع وعدم توثيقه ولو بشكل أولي يجعل ما بيديه مواد كافية لمواجهة ضيف التربية المسلّح بعبارات مسبقة الصنع تدغدغ أصحاب منطق توسيع المدارك وتحريك العقل باتجاه عقلية التفتُّح والمناقشة والخلق أكثر من الاعتماد على القوالب الجاهزة.
لقد أصرّ الضيف الأول مدير مركز تطوير المناهج على وجود خطئين فقط لا غير في كل مناهجه التي أثارت ضجة الشارع السوري، وهما الخريطة التي اقتص ناشروها منها الجولان ولواء اسكندرون، وهنا لا بد من ملاحظة أن موضوع الخريطة دون أهم أجزائها في الشمال وفي الجنوب، إنما هو موضوع تورّط فيه مسؤولون سابقون وحاليون في وزارة الثقافة، أما إجاباتهم جميعاً على هذا الخطأ الاستراتيجي فتنطبق مع إجابة مدير مركز تطوير المناهج التربوية، وهي أن خطأً في التنضيد قد وقع مما استدعى المنضِّد للبحث في الانترنيت عن الخريطة الضائعة فوقع الالتباس...!...وهنا لم نلحظ ارتكاساً في وجه المذيع ولا نية في المجادلة، كما لم نلحظ أي مثال آخر كان يمكن أن يقدّمه المذيع فيما لو اطلع على بقية خرائط المناهج الجديدة، وخاصة في أحد مناهج التاريخ المستحدثة للصف الأول الثانوي العلمي، والتي يفتخر مدير المناهج بأساتذة جامعة دمشق وعناصر مديرية الآثار والمتاحف الذين أشرفوا عليه مع بقية مناهج التاريخ...وهنا نؤكد أن الحلقة كانت ستنتهي إلى نتيجة مختلفة لو كان المذيع على اطلاع أكبر بالمواضيع التي أثارها مع الضيف... أما الخطأ الثاني الذي اعترف به مدير مركز تطوير المناهج فهو القصيدة الخاصة بالشاعر والمعارض الخارجي ياسر الأطرش...وبالتدقيق يتبين أن إصرار الضيف الطبّاع على عدم الاعتراف سوى بهذين الخطئين -واللذين أصدر فيهما الوزير قرارين بالمراجعة والتدارك- فإنما يعكس نوايا وزارة التربية بمسؤوليها الحاليين على تحجيم أصوات المحتجين ورد الأمور إلى مبدأ النسبية من خلال حديث الوزير الهاتفي وتأكيدات مدير مركز التطوير في الحلقة على وجود آراء أخرى إيجابية حول المناهج لم يأخذ بها الإعلام، وبالتالي تمرير المناهج!
وفيما موّه الضيف الطبّاع اختصاصه الأصلي البعيد عن قضايا التربية، تباهى بالمناهج التربوية السورية التي نسج بعض البلدان العربية على منوالها أو أخذ منها، في الوقت الذي ناقض نفسه وبشدّة حين أطلق النار على مناهج ما قبل عام 2015 وهو تاريخ توليه لحقيبة مركز تطوير المناهج، معتبراً أنها -أي المناهج القديمة- احتوت على أخطاء تلافاها مركزه الآن وتتلخص فيما يشبه كونها قوالب مسبوكة لا تحرّك أذهان المتلقين...
وقد عبّر الضيف الطباع عن رضاه الكامل عن المناهج الجديدة رغم اعترافه بوجود هفوات أخفق المذيع في إقناعه بأنها أخطاء جوهرية، ليستعين الضيف بعد ذلك بمقولات مثل إنه لا يوجد من يعمل ولا يخطئ وكلنا خطّاؤون، ثم أردف قائلاً إننا مع الأخطاء لكي نصحح ما أخطأنا به...
وفي نفس الوقت لم يعر الضيف الطبّاع كبير أهمية لما أدلت به الباحثة أشواق عباس من خلال مداخلتها الهاتفية حول اللجنة المشكّلة من عشرة أشخاص بغرض مناهج التربية الوطنية، والتي تم الاقتصار في عملها على عضوين اثنين فقط...فكيف يحدث ذلك ولا تُستَنفَر القوة الإعلامية التي يمتلكها المذيع لمواجهة هذه الحقيقة وهو يعرف أن أساليب كهذه تنطوي على الكثير من المخالفات القانونية والانفراد بتمرير أمر ما ثم التذرُّع وقت اللزوم بوجود عشرة أعضاء؟... بل كيف يُترك أمر هذه اللجنة إلى موعد حلقة "على الآخر"؟ ألم يكن حرياً بأعضائها الثمانية المتبقين أن يفعلوا شيئاً لدى وزير التربية قبل صدور المناهج؟!
واستمرّت حلقة "من الآخر" بروتينية معهودة من قبل طرفيْ المذيع والضيوف، فالأول كرّر مراراً حيادية الإعلام الوطني في نقل الواقع، في الوقت الذي لا يجب أن يكون فيه حيادياً في مسألة وطنية حساسة كهذه، وربما دفعه إلى الحديث عن الحيادية ضعف ما بيديه من معلومات، فهو يدير حلقة مباشرة من الفضائية الرسمية، ومن غير المعقول أن تكون مستنداتُ حديثِه مجرد تغريدات و"بوستات" من مواقع التواصل الاجتماعي التي يجب أن تفوقها إدارة الفضائية الرسمية قدرةً وإمكانيةً على جلب المعلومات، فتمنينا لو كانت أمام المذيع مجموعة من المناهج الجديدة وصوراً عن محاضر اجتماعات وعمل لجان وغير ذلك من أدوات الإعلامي، الأمر الذي التقطه الضيف الطبّاع بسرعة هائلة وتهكّم به على قدرة الصحافة والإعلام على فتح مثل هذه المواضيع معه لدى ذكره لبعض الأمثلة من صحافيات راجعن مكتبه ولا يعرفن شيئاً عن الفنانين التشكيليين السوريين أو شعراء الطفولة...فما بالنا بصحافة قد لا تعرف ولا تبحث أصلاً في الأبعاد الحقيقية لارتكابات تأخذ صفة الرسمية دون أن تتحلّى بالمسؤولية؟!
أما الروتينية التي تعودنا عليها من قبل الضيوف الموضوعين تحت "المساءلة" الإعلامية في فضائيتنا، فقد مارسها الضيف الطباع -ومعه الوزير على الهاتف- بمهارة كبيرة، وتمثلت في التسويف والمماطلة والتذرُّع بسياسة الدولة ودولة المؤسسات القانونية والقوانين النافذة والأنظمة المعمول بها وآليات العمل الوزاري والحكومي المتجسد في تشكيل اللجان والاعتماد على الموجود من الكوادر الوطنية في مؤسسات التربية والتعليم العالي...وعجباً من كل هؤلاء الذين لم يتوقع أحد منهم ثورة التواصل الاجتماعي الخاصة بالمناهج طالما أن تلك المناهج قد مرّت عليهم جميعاً، بموجب آليات العمل الحكومي!
لقد كرر وزير التربية على خط هاتف "من الآخر" تصريحاته التي حفظناها منذ أسبوع من جل وسائل الإعلام المحلية، واقتنص من المذيع جعفر أحمد فرصة الخوض مجدداً بموضوع تقرير مصير المناهج الجديدة في حلقة قد تكون بعد شهر...الأمر الذي صوّره المذيع وكأنه إنجاز للحلقة، بينما هو إنجازٌ شخصي للوزير الذي شرع منذ أيام في عمليات ربح الوقت، فبالإضافة إلى الحلقة القادمة بعد شهر -وكأنها الحاسمة في الموضوع- سعى الوزير إلى ربح الوقت في حديثه عن تشكيل لجان أساسية وفرعية ورغبة الوزارة في استقبال سيل الملاحظات من المواطنين لتحويلها إلى لجان مختصة وتحويل بعض المخطئين إلى الرقابة الداخلية...وبعملياته تلك يكون العام الدراسي قد مضى بفوضى لم يكن ينتظرها أحد، هذا فضلاً عن أن نتائج عمل لجان الوزير لا يستطيع أحد التكهُّن بها، خاصةً وأنها قد تكون -حتى تاريخه- تحت إشرافه الشخصي وإشراف فريقه العامل... أما ضيف الحلقة الثاني -وهو عضو مجلس الشعب ونقيب معلمي مدينة دمشق- فلم يعط حقه الكافي من الحديث والمشاركة، فاختصر ذلك في آخر الحلقة بحديثه عن عزمه على محاسبة من يثبت ارتكابه أخطاءً مقصودة في المناهج، ويبدو أنه كان لديه ما يقول أكثر مما قاله...وختاماً لم تُوفَق حلقة "من الآخر" في طرح الموضوع أو وضعه على سكة الحل السريع، كما لم تستطع إطفاء جذوة الاعتراضات الشعبية على المناهج، فكان منشور المطالب الشعبية المحق الذي بيد المذيع -وحسب مجريات الحلقة-مجرّد ورقة طعن بها ضيفا التربية -أي الوزير ومدير مركز تطوير المناهج- معتبريْن أنها نوع من فرض الآراء، بينما كان على المذيع أن يستنتج في نهاية الحلقة -وبقوة المعلومات المفترض أن يملكها- المطالب الحقيقية الفعالة فيما لو استطاع حصر ضيفيه في الخانة الوحيدة التي يمكن وضعهما فيها وهي أن من وراء تلك المناهج إنما شريك في أخطر ما تواجهه سورية من محاولات لتفتيتها وتشويه مسألة الانتماء الوطني والهوية لدى أبنائها...وهكذا فقد كانت حلقة "من الآخر" أمس فرصة ضائعة على إعلامنا كان بإمكانه من خلالها اختصار مراحل وضع حد لما جرى ويجري في وزارة التربية، وبناء سور معرفي وعلمي متين وحصين لحماية أجيالنا من عبث العابثين والمغرضين.
13:39
13:44
13:51
13:58
13:04
03:06