جهينة نيوز
أظهرت البيانات الصادرة مؤخرا أن العجز الفيدرالي الأمريكي في السنة المالية 2023 زاد بشكل كبير مع تراكم الديون الأمريكية المرتفعة بالفعل. لماذا يستمر عجز الميزانية الأمريكية في الازدياد؟ ما هي العقبات السياسية التي تحول دون انخفاض عجز الميزانية؟
وقالت وزارة الخزانة في تقرير حديث إن الحكومة الفيدرالية الأمريكية سجلت عجزا في الميزانية بلغ حوالي 1.7 تريليون دولار أمريكي في السنة المالية 2023، والتي انتهت في سبتمبر، بزيادة 23.2 في المائة عن السنة المالية السابقة.
وهذا العجز يضاف إلى ديون أمريكا الفيدرالية المتضخمة بالفعل، والتي تجاوزت مؤخرا عتبة 33.6 تريليون دولار المخيفة.
كما أدى ارتفاع الديون إلى ارتفاع إصدار ديون وزارة الخزانة. وقال الرئيس السابق للبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، ريتشارد فيشر، لشبكة (سي إن بي سي) إن الاقتراض اليومي للحكومة الأمريكية خلال مدة الـ90 يوما القادمة مع دخول البلاد في الربع الأخير يبلغ 8.66 مليار دولار يوميا، مضيفا أن "هذه الأرقام أصبحت كبيرة بشكل مفزع".
وزاد العجز الفيدرالي بشكل ملحوظ في العام الماضي أكثر مما كان متوقعا بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض وانخفاض الإيرادات الضريبية، وفقا لتحليل من مكتب الميزانية في الكونغرس.
ومنذ مارس 2022، رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة من نسبة تقارب الصفر إلى 5.25-5.5 في المائة في دورة تشديد قوية. مع القرار الأخير الصادر يوم الأربعاء، لم يقم الاحتياطي الفيدرالي برفع سعر الفائدة لاجتماعين متتاليين لأول مرة منذ بداية دورة التشديد، لكن أسعار الفائدة لا تزال عند أعلى مستوى لها منذ 22 عاما.
وفي الوقت نفسه، أظهرت بيانات وزارة الخزانة أن صافي الفائدة بلغ 659 مليار دولار في السنة المالية 2023، لتحتل المرتبة السادسة في النفقات وتمثل 10.7 في المائة من إجمالي النفقات، ما يشير إلى تزايد تكلفة تمويل الدين وسط ارتفاع أسعار الفائدة.
وذكر فيشر أنه بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي الاقتراض الحكومي الضخم إلى وفرة في المعروض في سوق السندات، ما سيؤدي إلى انخفاض الأسعار ورفع العوائد. وهذا من شأنه أن يخلق حلقة مفرغة من ارتفاع الديون وارتفاع مدفوعات الفائدة.
على الجانب الضريبي، الانخفاض في الإيرادات الضريبية في السنة المالية 2023 كان ناتجا بشكل أساسي عن تضافر 3 عوامل: انخفاض إيرادات ضريبة الأرباح الرأسمالية وسط التقلبات في الأسواق المالية، وارتفاع المطالبات بالإعفاء الضريبي من فترة الجائحة بسبب الاحتيال المحتمل، فضلا عن الكوارث الطبيعية، مما دفع دائرة الإيرادات الداخلية إلى تأخير المواعيد النهائية لتقديم الإقرارات الضريبية في بعض الولايات، مثل كاليفورنيا.
بعيدا عن هذه العوامل القصيرة الأجل، هناك أسباب بنيوية لارتفاع العجز. وبينت مؤسسة بيتر جي بيترسون أن العجز المالي في الولايات المتحدة يرجع إلى حد كبير إلى شيخوخة جيل طفرة الإنجاب، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية ونظام ضريبي غير معقول، وما سببه الوباء من التعجيل في مسار مالي غير مستدام بالفعل.
كان النظام الضريبي موضع خلاف بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. لقد سعى مسؤولو إدارة بايدن والمشرعون الديمقراطيون إلى إلقاء اللوم في العجز المتزايد على الرئيس السابق دونالد ترامب، بحجة أن خفض الضرائب الجمهوري الذي وقعه ليصبح قانونا في 2017 أدى إلى انخفاض الإيرادات الفيدرالية وتوسيع هوة العجز. كما من المرجح أن تندلع معركة سياسية، عندما تنتهي معظم تخفيضات ترامب الضريبية في نهاية عام 2025.
على الرغم من دعوة إدارة بايدن إلى فرض ضرائب على الأغنياء، إلا أنها وقعت على إجرائين فقط ليصبحا قانونين -- حد أدنى للضريبة على الشركات الكبيرة وضريبة على عمليات إعادة شراء الأسهم، وكذلك زيادة التمويل لمصلحة الضرائب لمكافحة الاحتيال الضريبي.
مع ذلك، فإن مثل هذه الإجراءات ليست كافية لتعويض الزيادة الإجمالية المتوقعة في العجز في السنوات المقبلة، وفقا لصحيفة (نيويورك تايمز).وقال مايكل بيترسون الرئيس التنفيذي لمؤسسة بيتر جي بيترسون، عندما تجاوز الدين الأمريكي عتبة الـ30 تريليون دولار لأول مرة، "كيف وصلنا إلى هنا هي قصة طويلة من فصول متكررة من اللامسؤولية المالية من كلا الحزبين. لقد اتخذ القادة في واشنطن قرارات غير حكيمة على مدى عقود، وفضلوا مرارا وتكرارا تقديم اختيار خفض جديد للضرائب أو برنامج للإنفاق على مستقبلنا الجماعي".
وقال دين بيكر، كبير الاقتصاديين في مركز البحوث الاقتصادية والسياسية، لوكالة أنباء ((شينخوا))، "يمكننا فرض ضرائب أكثر أو خفض بعض الإنفاق، ولكن هناك القليل من الدعم السياسي لأي منهما".
وفي مقال رأي في صحيفة (نيويورك تايمز) ذكر الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل بول كروغمان مؤخرا أنه بالرغم من أن الجمهوريين يروجون لخفض الإنفاق الحكومي، لكن "إسأل الناخبين عن إنفاق محدد، لا يوجد شيء تقريبا يريدون خفض الإنفاق فيه.
وأفاد كروغمان أن برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية وغيرها من برامج شبكات الأمان شكلت معظم الإنفاق الحكومي. وإذا أضفنا الإنفاق العسكري ومدفوعات الفائدة، فإن ما تبقى -- الإنفاق "التقديري غير الدفاعي" -- هو شريحة صغيرة من الإجمالي، مضيفا "لذلك لا توجد إمكانية لإجراء تخفيضات كبيرة في الإنفاق، ما لم نخفض الإنفاق في البرامج التي تحظى بشعبية كبيرة".
كما أن زيادة الضرائب أمر صعب من الناحية السياسية. لطالما أراد المحافظون خفض الضرائب، بل وحاول الجمهوريون تقليل التمويل المخصص لمصلحة الضرائب، بالرغم من أن الديمقراطيين اتهموهم بالحد عمدا من الموارد اللازمة لتعقب الغش الضريبي من قبل الأثرياء.
وبينما يقول الديمقراطيون إنهم مستعدون لفرض ضرائب على الأغنياء، من الصعب تنفيذ السياسات. ويتردد الديمقراطيون في تحمل الضغوط السياسية لزيادة الضرائب على الطبقة المتوسطة.
وصرح كلاي رامزي، الباحث في مركز الدراسات الدولية والأمنية بجامعة ماريلاند، لوكالة أنباء (شينخوا) أنه "من الصعب سياسيا على إدارة بايدن محاولة التأكد من أن الأكثر ثراء يدفعون وفقا لحصتهم من الاقتصاد".
وقال رامزي إنه "كان من الصعب أيضا دعم مصلحة الضرائب بالموارد اللازمة لجمع ما يدين به الأكثر ثراء بموجب القانون الحالي"، مضيفا أن مصلحة الضرائب تلقت 80 مليار دولار لإنفاقها على مدى 10 سنوات في أغسطس. في غضون ذلك، يحاول الجمهوريون إبطال تمويل مصلحة الضرائب.
ويعتقد المراقبون أن مشكلة الديون الأمريكية تنبع إلى حد كبير من نظام الحزبين، حيث يرغب كل حزب في إنفاق المزيد من الأموال لإرضاء ناخبيه وكسب المزيد من الأصوات. وفي حين أن لجم نمو الديون أمر جيد للاقتصاد الأمريكي على المدى الطويل، لا تريد أي إدارة أو حزب سياسي أن يتم ذكره بأنه "الشرير" الذي يخفض الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية أو يرفع الضرائب.
بالنسبة للانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2024، من غير المرجح أن يحتل العجز والدين المتضخمان مركز الصدارة في الاهتمامات.
وقال رامزي إن "الجمهوريين سيجادلون بأن إنفاق الإدارة هو إهدار إلى حد كبير، فيما سيجادل الديمقراطيون بأنه استثمار إلى حد كبير، بالإضافة إلى الصيانة الحيوية.. سيجادل الجمهوريون بأنه يجب تخفيض إيرادات الضرائب وبأنها تسبب الضرر للناس العاديين؛ وسيجادل الديمقراطيون بأن الأغنياء لا يدفعون نصيبهم العادل".
وأوضح أن هذه الحجج، التي يعود تاريخها إلى ثلاثينيات القرن العشرين، لن يكون لها تأثير كبير على قرارات الناخبين في الانتخابات الرئاسية.
ومتفقا معه في الرأي، قال داريل ويست، الزميل البارز في معهد بروكينغز، لوكالة أنباء (شينخوا) إن العجز تقليديا لم يمثل قضية كبيرة في الانتخابات الأمريكية، مضيفا "لا أعتقد أنه سيكون حاسما في الانتخابات المقبلة".