جهينة نيوز:
يمثل البيت القلموني المشاد من مواد بناء محلية متوفرة في منطقة القلمون نموذجا للبيوت التي تلائم طبيعة ومناخ منطقتها, فهو يتميز بالسعة وتعدد غرفه ورحابة فسحته السماوية وتنوع نباتات حديقته الصغيرة.
ويشتهر بأنه ذو طابع معماري متميز يناسب البيئة الريفية وعادات أبناء المنطقة وتشكل الحجارة الصخرية الصلبة الحجر الغشيم والحجارة الكلسية البيضاء الكدان والطين واللبن الطين المجبول بالتبن أهم مواد بنائه.
وأوضح المهندس محمد العيناوي أن البيت القلموني كان يتألف من طبقة واحدة على الأغلب ويبنى بشكل يستفاد منه صحيا واقتصاديا.
وأضاف أن القسم السفلي من جدران البيت كان يبنى بالحجارة الصخرية الصلبة بينما ما تبقى من الجدران كان يبنى باللبن والطين وبسماكة لا تقل عن نصف متر وأما السقف فكان من خشب الحور المحلي الذي يمتاز بصلابته ومقاومته للسوس.
وتابع العيناوي أنه من المعروف أن درجة الحرارة في منطقة القلمون قد تنخفض شتاء إلى تحت الصفر بحدود عشر درجات مئوية ما يتطلب تصميما خاصا للمباني بحيث تكون عازلة للرطوبة ومواد بنائها حافظة للحرارة لمدة أطول.
وقال العيناوي إن البيت القلموني يتكون من دهليز يقع خلف الباب الرئيسي يسمى السباط و غرف متسعة متلاصقة سقفها عال ,كما أن في كل غرفة فراغات في الجدران متعددة الأغراض الكبيرة منها تستعمل لتنضيد الفرش واللحف والمخدات والمتوسطة لتنضيد الأواني الزجاجية والخزفية. واحدى هذه الغرف تستخدم للمؤونة.
ولفت العيناوي إلى أن نوافذ الغرف على الأغلب كانت مفتوحة نحو الشمال وأبوابها تفتح على إيوان يمتد أمامها وهو مسقوف ومتجه نحو الجنوب ومحمول على عدة أعمدة أسطوانية منحوتة من الصخر الصلب تعلوها تيجان صخرية مزخرفة وتحمل أقواسا نصف دائرية مبنية من الحجارة الكلسية المنحوتة بإتقان والمرصوفة بجانب بعضها بطريقة فنية.
ويتعرض البيت القلموني لأشعة الشمس في الشتاء منذ شروقها وحتى غروبها بسبب انكشافه من الجهة الجنوبية بينما في الصيف يكون البيت رطبا منخفض الحرارة وذلك لأن اشعة الشمس في هذا الفصل تكاد لاتصل إلى الإيوان إلا فترة وجيزة كما أن فتح النوافذ باتجاه الشمال يساعد على خول النسيم المنعش إلى البيت في هذا الفصل.
ولفت العيناوي إلى أن الإيوان تتقدمه فسحة سماوية كبيرة باحة تتوسطها أحواض تزرع بالياسمين والريحان والخبازة وأنواع الورود الأخرى إضافة إلى شجر الرمان والمشمش .. وفي أطرافها يتوزع الحمام والمطبخ و التنور.
وقال.. بجانب بعض البيوت كان السكان يبنون زرائب الحيوانات الحوش وتتكون من غرفة الإسطبل للدواب ومخزن للعلف والتبن وفي زاوية منه قن الدجاج، وكانت الزريبة تسقف بأغصان اللزاب المتوفر في جبال القلمون ولها باب خاص واسع على الطريق.
أما البيوت ذات الدورين فالدور الثاني يشابه الدور الأول من حيث عدد الغرف والإيوان والاتجاه ويصعد السكان إلى الدور الثاني فيها بدرج حجري يقام في الباحة السماوية.
وتعرضت الكثير من الأبنية القديمة في الوقت الراهن للهدم حيث شيد مكانها الأبنية الطابقية العالية والكتل الاسمنية الكبيرة ورغم إغراءات السكن الحديث إلا أنه مازال يصر عدد من الناس على البقاء في البيوت التقليدية ومنهم توفيق حامد عباس الذي يؤكد أنه لن يترك بيته طالما بقي فيه روح.
ويرى عباس أن ميزات بيته المبني منذ مئة عام لن يجدها في البيوت الحديثة التي تشبه علب الكبريت,فشرب المتة تحت عريشة العنب و قرب شجرة الرمان متعة لا تساويها كنوز الدنيا.
وقال عباس إن مواد البناء المستخدمة في الوقت الحاضر لا تناسب منطقتنا المعروفة ببرودتها الشديدة ,فهي ليست عازلة للحرارة كمواد البناء القديمة ,وهو ما يرهق كاهل الكثير من الناس في تأمين مواد التدفئة لبيوتهم,وهذا عامل آخر يدفعني للبقاء في بيتي رغم ما يتطلبه البيت القديم من جهد وعناية مستمرة.
ويستخدم عدد من أبناء القلمون الآن مواد البناء القديمة التي استخدمها أجدادهم إضافة إلى الحديثة عند إنشاء بيوتهم مزاوجين بين العصرية والعراقة لبناء بيت حديث يلائم طبيعة ومناخ المنطقة.