جهينة نيوز:
تشتهر بلدة ملح الواقعة أقصى الجنوب الشرقي من مدينة السويداء والمتميزة بموقعها الجغرافي الهام ومناخها اللطيف والمعتدل صيفاً بكنوزها الأثرية التي جعلتها محط أنظار العديد من الزوار ومقصداً للباحثين إذ ان معظم اثارها يرجع الى العصرين النبطي والبيزنطي وبعضها ما يزال قائما حتى اليوم على شكل بيوت وأبراج ونقوش وتماثيل يبرز منها تمثال ذو الشراة أحد أكثر الآله صيتا لدى العرب الانباط.
الباحث الاجتماعي توفيق الصفدي يقول "إن البلدة سكنت في القرن الأول قبل الميلاد ومن آثارها الخالدة كنيسة مبنية في القرن الرابع الميلادي وهي واحدة من الاسقفيات العشرين التابعة لبصرى في زمن البطريرك أنوسطاسيوس بطريرك أنطاكية وقد ذكرت البلدة أيام الفراعنة وكانت محط القوافل العابرة شرقا وشمالا حيث الطريق المتجه غرباً نحو صلخد وبصرى والأردن والجزيرة والعراق عبر خربة جاوة وأم قصير.
و يقع شرق البلدة بنحو 9 كيلومترات دير أثري يعرف باسم دير مار جرجس لا تزال آثاره قائمة فوق احد التلال في البادية الشرقية حسب الصفدي و الدير ذو تصميم معقد استخدم كحصن للمراقبة والدفاع ضد الغزاة وعثر قربه على نقوش تمجد السيد المسيح تعود لعام 539 ميلادي وتشير إلى أن المنطقة شهدت نشاطاً زراعياً وتجارياً.
ويبين الصفدي انه من أهم مباني ملح القديمة البرج الأثري الذي يعود بناؤه إلى عام 372 ميلادي حيث بني لرصد تحركات العدو في الصحراء وإعطاء المعلومات عنه بالاتصال مع القصور والقلاع الأخرى في صلخد وغيرها وهو صرح يرتفع عما حوله من مبانٍ وواحد من الأبراج النادرة التي ما زالت على حالها في منطقة جنوب سورية ويتمتع بمزايا عديدة جعلته مقصداً مهماً للسياح والباحثين عن تاريخ المنطقة وقد شهد هذا البرج أحداثاً كبيرة وخاصة في العصر الحديث إبان استقلال سورية عن الحكم العثماني وما تلاه.
من جانبه يوضح المهندس أنور سابق رئيس شعبة الهندسة في دائرة آثار السويداء أن برج ملح من النماذج الأكثر اكتمالاً وحفظاً بين الأبراج المنتشرة في منطقة جنوب سورية وقد بني من الحجر البازلتي ويتألف من خمس غرف على طوابق تحددها سقوف حجرية معمرة وفق نظام الربد والميزان الذي تعرف به المنطقة الجنوبية مع نوافذه ضيقة كما توجد فيه العديد من الضوايات التي تزين واجهاته كأشرطة كلسية لافتا إلى ان الارتفاع المميز للبرج عما حوله جعله مرئيا من مسافات بعيدة حيث يمكن مشاهدته من قلعة صلخد.
ويشير المهندس سابق إلى أن البرج جزء من دار أثرية مأهولة تقع حاليا ضمن نسيج عمراني مبني بالحجر البازلتي تنفتح غرفها على باحة داخلية ذات أروقة ويتبع لها مجموعة من الإسطبلات الأثرية والتراثية وتتخلله مبان أثرية تعود لفترات تاريخية متباينة كما يحتوي بعض الوثائق والمراسلات بين حمد الأطرش شيخ ملح انذاك من جهة والأمير فيصل وسلطان باشا الأطرش من جهة أخرى إبان الثورة العربية والثورة السورية الكبرى.
ويؤكد رئيس شعبة الهندسة القيمة التاريخية والأثرية الهامة للبرج كونه يعود إلى مراحل متعددة وجمالية لجهة روعة البناء ومواده وشكل الضوايات والزينات الكلسية كالأشرطة الأفقية والشاقولية فضلا عن قيمته الثقافية لدى فئات المجتمع المحلي حيث يشكل رمزاً حاضراً في ذكريات السكان وتاريخهم القريب.
وللحفاظ على البرج وسلامة زواره تم تنفيذ مجموعة من أعمال الإظهار والتأهيل والتخديم فيه والمشتملة على الإنارة وتركيب لوحات للتعريف به وتجهيز الأرضيات المجاورة له إضافة إلى أعمال الترميم التي شملت التدعيم والتثقيل والتنظيف وترحيل الأتربة والتدعيم الوقائي والحقن والتقوية للجدران والأسقف.
ويبين السابق انه توجد في ملح حالياً آثار لسوق قديم وشوارع مبلطة وأبواب وقناطر وأقواس أثرية وقد تم اكتشاف كتابات يونانية تعود إلى العصر البيزنطي تضمنت رموزاً مسيحية كالسمكة والصلبان وأسماء القديسين والواهبين والأدعية الدينية إضافة إلى وجود وكتابة داخل بيت قديم كان مسجدا عثر على حجرين نقشت على الأول كتابة تاريخها 425 ميلادي وعلى الثاني كتابة تعود لعام606 ميلادي.
وترتفع بلدة ملح 1375متراً عن سطح البحر وأرضها خصبة لكن امتداد الصحراء إليها جعل أمطارها قليلة جداً وتعتبر الزراعة المصدر الرئيسي للعيش لسكانها.
وعرفت بلدة ملح قديما بـ الاموسا وهو اسم ماخوذ من سبخة الملح حيث كانت قوافل الملح تمر عبرها كما يعتقد انها سميت بملح الصرار نسبة الى الصرير الذي تصدره ابواب الحلس الحجرية عند الفتح والاغلاق في القديم.
21:33