جهينة نيوز:
تتربع على سهول وتلال محافظة درعا العديد من الأوابد التاريخية الأثرية التي تخبئ تحت ثراها قصصا وحكايا ومآثر من لدن الحضارات المتعاقبة على حوران والتي تكشف فصولا مهمة عن تاريخ تنظيم المدن وفن العمارة والنحت والزخرفة والفسيفساء والصناعات المعدنية والفنية وبخاصة صناعة الفخار والزجاج والحلي المطعم بالذهب و الفضة و البرونز وغيرها.
وأبرز هذه المعالم الأثرية مدينة بصرى الشام التي تقع إلى الشرق من مدينة درعا وتبعد عنها نحو40 كيلومترا وعن مدينة دمشق 141 كيلومترا باتجاه الجنوب وتصلها بها طريق معبدة و خط للسكك الحديدية كما تتصل مدينة بصرى بطريق معبد مع محافظة السويداء.
وقد حافظت درعا وفق الباحث الأثري ياسر أبو نقطة من دائرة آثار درعا على الكثير من المباني الأثرية والمواقع التاريخية كمدينة بصرى الشام وقلعتها ومدرجها حيث تعد من أهم المدن الأثرية كونها العاصمة التاريخية لدرعا إضافة إلى غناها بالآثار الرومانية والإسلامية فضلا عن قلعتها الشهيرة ومدرجها الروماني و مساجدها و أسواقها و حماماتها و أقواس النصر.
وتتوضع مدينة بصرى الشام الأثرية على هضبة حوران و تتميز بالمناخ المعتدل والأفق المشرق طوال أيام السنة كما تشتهر بكروم العنب التي تحيط بالمدينة القديمة منذ أقدم العصور ومن أبرز المواقع الأثرية فيها قلعة بصرى الشام.
ويتضح بناء هذا الحصن الكبير من خلال الكتابة العربية الماثلة على أبراجه الشاهقة حيث كان الإعتقاد حتى عام 1948 أن جميع تحصينات القلعة وأبراجها من بناء الأيوبيين في القرن السابع للهجرة إلى أن أسفرت أعمال السبر و التنقيب التي أجريت في المكان عن كشف بعض الكتابات والجدران التي تؤكد أن بناء القلعة تم على عدة مراحل.
أعمال التنقيب أظهرت أن تحصينات القلعة من روائع البناء العسكري وهو ما يدل على أن معماريي القرون الوسطى لم تنقصهم الوسائل والمعلومات لإشادة المباني حيث نجحوا في ذلك حتى أن بعض أحجار زوايا القلعة المرتفعة المنحوتة يتجاوز طولها خمسة أمتار.
ويشير الباحث أبو نقطة إلى أنه تم في العهدين الأموي والعباسي بعد فتح بصرى سد جميع أبواب ونوافذ المسرح الروماني التي تفتح إلى الخارج بجدران محدثة و متينة فتحول المسرح بذلك إلى حصن منيع لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال أبواب حجرية صغيرة كما هو ظاهر الآن في جدران جناح المسرح الغربي الخارجية.
ويتابع.. وفي العهد الفاطمي تم بناء ثلاثة أبراج ملاصقة لجدران المسرح الخارجي تماماً الأول من الجهة الشرقية ويستند على جناح المسرح الغربي بينما يقع البرج الثاني في الجهة الشمالية الغربية أما الثالث فيقع في الجهة الغربية ويستند على جناح المسرح الغربي وتتصل الأبراج بأبواب تفتح على النوافذ الرومانية العلوية التي تفتح على الممشى الفاصل بين القسم الأوسط و العلوي من المدرج.
واستدرك أبو نقطة قائلا.. "في العهد الأيوبي ولما أصبحت حوران هدفاً لغارات الصليبيين الذين وجهوا إليها حملتين الأولى تحت قيادة بودوان الثالث عام 1140 و الثانية بقيادة بودوان الرابع عام1182 بدت التحصينات القديمة غير قادرة على صد الغارات أو استيعاب أفراد الحامية الذين استقدمهم ملوك الأيوبيين ما دفعهم إلى البدء ببناء البرج الأول من الأبراج التسعة في زمن الملك العادل أبي بكر بن أيوب وأيام ولده شرف الدين عيسى مستهل عام 599 للهجرة.
وفي زمن الملك الناصر يوسف الخليل عام 649 للهجرة تم بناء آخر برج وإحاطة جميع الأبراج الموجودة خارج التحصينات والأبراج الفاطمية الثلاث بخندق عميق إضافة إلى تدعيم جدران بعض الأبراج من ناحية الخندق بجدران مائلة حيث يمر فوق الخندق جسر من خمسة أقواس ثابتة يتقدمها جسر من الخشب يرفع عند الحاجة بواسطة حبال مثبتة عند باب القلعة.
أما المدرج الروماني فيجمع بين قوة البناء و عظمته و دقة الزخرفة و جمالها ويتمتع بخصائص لا يشاركه فيها غيره ووفقا لعلماء الآثار فإنه يعد من أرقى ماذج الأبنية المسرحية في العالم حيث حافظ على جميع أقسامه وصمد أمام الكوارث الطبيعية فضلا عن تساوي أجزائه كافة في القياسات ودقة الإتقان والزخرفة.
ويضيف أبو نقطة.. إن المدرج يتالف من ثلاثة أقسام رئيسية يفصل بين القسم والآخر ممشى عريض يحده إلى اليمين ظهر المقاعد الذي يشكل حاجزاً بين كل قسم و تفتح إليه من اليسار الأبواب التي يخرج منها المتفرجون و يتوج هذه الأقسام رواق علوي يستند إلى أعمدة من الطراز الدوري لم يبق منها سوى عمودين من الناحية الشرقية.
ويتالف القسم العلوي من المدرج من خمس درجات والقسم الثاني من 18 درجة بينما يضم القسم الأول عدة درجات يعتقد أنها 14 درجة وتشاهد بعد النزول إلى المسرح ثلاثة أبواب الأول للمسافرين والآخر لسكان المدينة والثالث لعلية القوم حيث يبلغ عرض المسرح 45 متراًَ و نصف المتر من الداخل و54 متراً و 35 سنتميترا من الخارج بينما يصل نصف دائرة المسرح إلى 102 متر.
خلف أبواب المسرح ثمة ممشى طويل و فيه ينتظر الممثل إلى أن يحين دوره على المسرح وتحت المسرح و على ارتفاع متر و نصف المتر عن أرض المدرج الأساسية خططت ساحة مستديرة الشكل و أعدت لجلوس فرق العازفين أوعرض ألعاب القوى.
ولتضخيم الصوت وتقويته يشير أبو نقطة إلى أن مصممي هذا الصرح اهتموا بإصول السماعيات اهتماماً بالغاً فضبطوا شكل البناء العام وعمق المسرح و ارتفاعه بالنسبة لجلوس المتفرجين وزينوا حنايا المسرح بطبقتين من الأعمدة والرفاريف الكورنثية تستقبل أصوات الممثلين وتضخمها.
ويتسع مدرج بصرى لأكثر من 15 ألف متفرج يمكنهم الخروج دفعة واحدة خلال عشر دقائق وذلك لكثرة الأبواب و سهولة المرور بين أقسام المدرج المختلفة ولايزال بحالة جيدة وتقام عليه كل سنتين مهرجانات بصرى الدولية.
ويوجد في مدينة بصرى مواقع أثرية هامة أبرزها أبواب المدينة وقوس النصر والسقاية والكليبة أو سرير بنت الملك والسوق والنبع والحمام الأيوبي ودير الراهب بحيرا والبركة الشرقية ومدرسة أبي الفداء والكاتدرائية إضافة إلى قصر تراجان وجامع الخضر والجامع العمري وجامع فاطمة وجامع مبرك الناقة وبركة الحاج والعمود النبطي والباب النبطي والحمامات الرومانية والملعب.
" أعد التقرير.. سلطان الجاعوني"