جهينة نيوز:
يتميز حوض البحر الأبيض المتوسط بتاريخه العريق وحضارته الممتدة منذ آلاف السنين قبل الميلاد والتي تشهد لها أقدم مدن العالم التي ماتزال موجودة على ساحلنا السوري ومن هذه المدن مدينة شوكسي القديمة أوسوكاس التي تمثل قيمة تاريخية قدمت مزيجا من الحضارات لعدة ثقافات.
وتؤكد كل الاكتشافات الاثرية ان هذه المدينة كانت حضارة مزدهرة خلال الألف الثاني قبل الميلاد ومعاصرة لحضارة أوغاريت ولاقت مثلها ازدهارا كما لاقت دمارا على يد شعوب البحر الغازية التي الحقت الخراب و الدمار بحضارات الساحل السوري عام 1180 قبل الميلاد.
ومدينة شوكسي تل مثلثي الشكل يقع بجوار البحر على مرفأ طبيعي وعلى بعد 6 كم جنوب مدينة جبلة و له خليجان شمالي و جنوبي و يشرف على سهل يعتبر من اكبر سهول الساحل السوري الشرقي وأغناها وتحيط به جبال الساحل التي تمر بمحاذاة الشاطئ عند اللاذقية وبانياس ويرتفع عن سطح البحر 24 مترا قسمه العلوي عبارة عن أنقاض مدينة اثرية وقسمه السفلي يتشكل من صخور كلسية.
أما هضبة التل فتنحدر نحو الجنوب الغربي و قمته في الزاوية الشمالية الشرقية كانت قبل الحفريات عبارة عن أكمة صغيرة بارزة على الهضبة وعلى سطحها وجنباتها حجارة منحوتة دلت على وجود برج.
وأشارت المصادر الأوغاريتية إلى أن تل سوكاس هو مدينة شوكسي القديمة والذي يبدو انه كان مأهولا منذ آلاف السنين قبل الميلاد.
عن تاريخ التنقيب و العصور التي مرت على التل يقول الباحث الدكتور جمال حيدر مدير اثار اللاذقية ان البعثة الدانماركية قامت بالتنقيب بين عامي 1958و1963 ونفذت خمسة مواسم في الموقع و تمكنت من رصد الحضارات المتعاقبة عليه وسبرت ما بين 1900 و1750 قبل الميلاد وتم العثور في سويات هذا العصر على هياكل عظمية متراكمة وكسر فخارية والعثور على قالب صغير من الحجر لصنع تماثيل نذرية صغيرة تشابه التماثيل المكتشفة في معبد المسلات في جبيل و العثور على اجزاء من دواليب المرمر تشبه التي اكتشفت في جبيل.
ويؤرخ عصر البرونز الحديث ما بين 1600و1200 قبل الميلاد وان الموقع كان معاصرا لأوغاريت ودلت على ذلك الفخاريات والأختام التي تحمل مشاهد وجد مماثل لها في قبرص وفلسطين كما أعطت هذه السوية الكثير من القصعات القبرصية المدهونة وأواني وتماثيل واختاما اسطوانية فينيقية وتم في العصر اليوناني من خلال الوثائق الأثرية المكتشفة تحديد تمركز اليونان في الفترة ما بين 844 و840 قبل الميلاد.
وتجسدت معالم التل التي تعود للعصر الحديدي في بيوت ومستودعات للمنتجات الزراعية ودل على ذلك وجود بذور الزيتون المتفحمة والكثير من الفخار اليوناني ما يؤكد أن أواني الأكل والشرب العادية كانت مستوردة من اليونان او تصنع في فينيقيا بأيد يونانية و اوان كانت محلية.
ويتابع حيدر تم اكتشاف جدران بيوت مهدمة يعود تاريخها إلى 168 قبل الميلاد من العصر الهلنستي عندما اجتاح انطونيوس الرابع الساحل الفينيقي كله و دلت على العصر الروماني دلائل أثرية عبارة عن بلدة رومانية كانت واقعة في الخليج الشمالي وبقربها مدافن تم الكشف عن ثلاثة منها.
وتم الكشف عن العصر الصليبي بالعثور على بقايا برج مهدم بفعل الزلازل بناه الصليبيون بعد استعادة المنطقة عام 1192 ميلادي بينما دلت على العصر الإسلامي مكتشفات فخارية متنوعة منها اسرجة وابريق ونقود يعود تاريخها للقرن الرابع عشر الميلادي.
ويشير مدير الآثار إلى أن موقع تل سوكاس يعتبر مزيجا حضاريا رفيع المستوى لعدة ثقافات أهمها الكنعانية والفينيقية والعربية الإسلامية وكان مرفؤها يوزع البضائع المحلية والمستوردة لى عالم المتوسط و قد شكل عبر تاريخه الطويل نقطة تواصل واتصال ثقافي وتجاري عبر المتوسط ما بين مدن شرق المتوسط وغربه.