جهينة نيوز- خاص- نسرين هاشم:
ثلاث سنوات والإرهاب يعصف بكل المناطق السورية، حيث غيّب عن حياة المواطن السوري كثيراً من الطقوس التي كان يمارسها قبل هذه الأحداث، واقتصرت كل اهتماماته على تأمين مستلزمات الحياة والبحث عن مكان آمن يحميه من بطش الإرهاب، فلم يعد يعرف معنى كلمة سياحة وترفيه بمفهومها العام.. لأن الإرهاب تغلغل في مفاصل الوطن وأرهق المواطن والمستثمر الذي تضرر بشكل كبير في أعماله ومشاريعه، وأدى هذا الواقع أيضاً إلى خسارة فرص عمل للكثير من المواطنين السوريين.
وعلى الرغم من تضرر القطاع السياحي بالدرجة الأولى وخساراته المباشرة وغير المباشرة التي قدرت بـ 330 مليار ليرة سورية، يأتي دور وزارة السياحة لكسر هذه الهوة لدى المواطن والمستثمر وذلك عبر إعادة تفعيل أنشطتها وأعمالها ضمن الإمكانيات المتوفرة في ظل الظرف الراهن بالتوازي مع تقدم الجيش العربي السوري على أرض الميدان، المهمة ربما صعبة لكنها ليست بالمستحيلة بوجود كوادر وعقول تعمل لإعادة إنعاش الاستثمار في الوطن وعودة عجلة الاقتصاد للدوران.
للحديث عن السياحة وواقعها في ظل الأزمة كان لـ"جهينة نيوز" هذا اللقاء الخاص مع السيد وزير السياحة المهندس بشر رياض يازجي الذي حدثنا بمنتهى الصراحة والشفافية عن الخطط المستقبلية للفترة القادمة:
*سيادة الوزير بعد أيام قليلة سيعقد مؤتمر الاستثمار السياحي المخصّص للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ماذا تحدثنا عن المشاركة في هذا المؤتمر في ظل الأوضاع التي تعيشها سورية حالياً؟..
**في الحقيقة الفترة الماضية شهدت مغادرة الكثير من المواطنين إلى الخارج بسبب الأحداث التي تمر بها سورية، سواء كانوا مستثمرين أو مواطنين تركوا وظائفهم وأشغالهم.. واعتقدوا أنها فترة قصيرة ولكنهم بدؤوا يستنفدون كل مدخراتهم، وهناك أيضاً أشخاص ظلوا داخل القطر لكن كانت أعمالهم في مناطق ساخنة.. لكن الآن الجميع بدأ يعود للعمل لأن الإنسان السوري بطبعه غير قادر على البقاء دون عمل، وهنا يأتي دورنا كوزارة سياحة، حيث بدأنا بالبحث عن مستثمرين لتأمين فرص عمل للمواطن ومشاريع للمستثمر، صغيرة ومتوسطة وحتى متناهية الصغر وخصوصاً في ظل توقف التمويل، لأن معظم البنوك لم تعد تمول المشاريع السياحية.
وزارة السياحة لا تقبض الأموال بل الأموال التي تأتي تذهب مباشرة إلى المالية.. نحن مهمتنا تنظيم العمل السياحي، إذ إن هناك أملاكاً ومشاريع استثمار للوزارة، وأيضاً طلبنا من جميع الجهات العامة أن تحصي مالديها من أماكن صالحة للاستثمار (مجالس مدن وبعض العقارات غير المستثمرة) لنأطرها ونطرحها للاستثمار.
وحالياً يوجد نحو 25 مشروعاً صغيراً، وهناك مشاريع كبيرة أجلنا طرحها حالياً لأن التركيز منصبّ على المستثمرين الوطنيين، ولدينا إقبال من شركات خارجية على المشاريع الكبيرة، وبالتوازي نعمل على مشاريع كبيرة للمستثمرين الوطنيين على مستوى الشرق الأوسط في سورية يتم التحضير لها، فيما المشاريع الصغيرة والمتوسطة تتناسب مع المرحلة الحالية لتنشيط سوق الاستثمار السورية، والأهم من ذلك وظيفتها التركيز على السياحة الداخلية وأكثر اهتماماتنا اليوم أن نعمل على إخراج المواطن السوري من جو الإحباط الذي يعيشه بفعل الأزمة، وذلك عن طريق توسيع المنشآت والترويج لها، وفي الوقت نفسه تأمين فرص عمل وهذا مؤشر على عودة عجلة الاقتصاد السوري للدوران، وتأكيد على توجيهات الحكومة بالتزامن مع تأمين مستلزمات المعيشة، إذاً علينا بناء على ما سبق أن نخطط لمستقبل السياحة في سورية في المرحلة القريبة جداً والبعيدة بالتزامن مع محاربة الإرهاب.
*ما هو البرنامج الذي تعملون عليه لإعادة الترويج لفكرة السياحة لدى المواطن في ظل الظروف الراهنة؟.
**قبل الأحداث كان مفهوم السياحة لدى المواطن السوري بحاجة للتطوير فكيف الآن، المواطن بسيط جداً فهو يفكر فقط بتغيير المكان وربما يكون تفكيره بقيمة الأموال التي سيدفعها نتيجة هذا التغيير، السياحة ليست فقط تغيير مكان بل هي استجمام ورفاهية وتعرّف على الأماكن والمعالم السياحية في البلد، وهذا كله يكون عبر الأنشطة البسيطة.
نحن حالياً نركز على موضوع الشواطئ المجانية، وأن تكون هناك أجواء استجمام لجميع شرائح المجتمع، حيث نستفيد من نقطة أن معظم المواطنين بحاجة لعمل والمستثمر أيضاً بحاجة للاستمرار بالعمل، وجميع هذه الأنشطة تؤمن فرص عمل بظل الظروف الراهنة.
وقد قمنا منذ عدة أيام بعقد ندوة عن الإعلام السياحي، الهدف منها تغيير ثقافة السياحة في سورية لأننا بدون إعلام لا نستطيع التقدم، فمن خلال الإعلام والإعلان عن الأنشطة والفعاليات والمشاريع الصغيرة السياحية نستطيع تغيير مفهوم السياحة لدى المواطن السوري، ومن الضروري أن نعمل على أنشطة كـ(الرياضات السياحية وبعض المتنزهات على دراجات هوائية والبعض في باصات مكشوفة)، وعلينا إزاحة الغبار عن أي شيء ممكن استخدامه حالياً لتفعيل السياحة وتفاعل المواطن معها ضمن الظروف الحالية.
أيضاً لدينا في سورية طبيعة خلابة غير موجودة في أهم الدول الأوروبية، غير أنها تحتاج لتسليط الضوء والاهتمام لإبرازها، على سبيل المثال منطقة وادي النضارة إذا ألقينا الضوء عليها بطريقة صحيحة تصبح مركزاً لجذب المواطن إليها عوضاً عن خروجه للاستجمام في دول مجاورة كلبنان أو حتى بحثاً عن الأمان، ومع حركة الرجوع الملحوظة للبلد نحن نحضر في هذه الأرياف الجميلة الهادئة والآمنة لبناء جمعيات سياحية ربما يلجأ إليها الباحثون عن الأمان والاستجمام.
*للأسف سيادة الوزير، تحدثت عن الأماكن الرائعة غير المعروفة حتى الآن.. لماذا تأخرنا كثيراً لنهتم بها ونبرزها كمعالم سياحية تستقطب السياح حتى في السنوات التي سبقت الأزمة؟.
**طبعاً بكل صراحة أقول إننا الآن نخسر ساعات عمل، وهذا لا يعني أنني أنكر عمل الوزراء السابقين لكن كلّ له طريقته وأسلوبه.. الآن نحن نؤسس لأشياء وخطط ربما يستند عليها من سيأتي بعدنا، ونعمل على خارطة سياحية لسورية تضم كافة المعالم السياحية الموجودة سواء كانت أثرية أو طبيعية، ونركز أيضاً على الموظف الموجود في المجال السياحي، للأسف الكثير من الموظفين لا يعلمون ماهي السياحة, والأغلب لديه تصور يتقيد به فقط وكأنه يعمل في مؤسسة الحبوب، فهو غير قادر على الابتسام أمام المستثمر، والمستثمر بالنسبة له عبارة عن كتلة مالية، نحن نسعى لإنهاء هذه الحالة تدريجياً، وطبعاً لا أشمل الجميع في كلامي بل البعض.
الخارطة ستعطينا مؤشرات لكل مدينة سورية، وما الذي يمكن أن نفعله ضمنها لتطوير السياحة وما هو عدد المنشآت، هل نركز على زيادتها أم نتريث وننظر إلى مدينة أخرى.. وأيضاً يوجد دراسة ديمغرافية لطبيعة سكان المدن السورية، فعلى سبيل المثال المواطن في دير الزور بطبيعته لا يتقبل أنواعاً معينة من السياحة ولكن يتقبل أنواعاً أخرى، ربما تتعلق بالآثار أو بالأنهار، وبمجرد انتهاء هذه الخارطة السياحية ستكون بداية تنفيذ أعمالنا.
هذه الخارطة ستعطينا المؤشرات التي ستبنى عليها إستراتيجية السياحة للفترة المقبلة، مثلاً حلب مدينة اقتصادية صناعية سيكون لها غير ترتيب المناطق الجبلية والساحلية.. بكل صراحة نحن مقصّرون إعلامياً أيضاً بطريقة الترويج، فالإعلام جامد بطريقة ترويجه لمعلم أثري أو مشروع استثماري سياحي، يجب أن يكون هناك مغريات لجذب المواطن للمنطقة السياحية وليس إعلاماً جامداً ينفر المواطن من الخروج والمستثمر من العمل، علينا استخدام التكنولوجيا للترويج بطريقة حضارية بتسويق صحيح ربما بإضافة موسيقى للتعريف بموقع أثري أو فلاش بطريقة بسيطة يلفت الانتباه ويشد المواطن للتعرف أكثر على ما يهمه من كل منطقة.. إذا طورنا الإعلام السياحي على غرار الإعلام السياسي حالياً سنكون بألف خير لأنه عامل أساسي في الترويج للسياحة.
*بالعودة للمؤتمر سيادة الوزير، هل المشاركة ستكون للمستثمرين السوريين المتواجدين ضمن البلد؟.
**هناك رغبة من بعض المستثمرين خارج البلد، ولكن ربما يكون وصولهم صعباً لأن الفترة قصيرة لانطلاق المؤتمر، ولكن الكثير من المستثمرين أبدوا اهتمامهم بالاتصال والاستفسار وطلب دفتر الشروط للمشاريع السياحية. سيكون معظم المشاركين في المؤتمر من المستثمرين الوطنيين وعددهم كبير جداً داخل البلد، تمسكوا بأرضها وتمسكوا برأسمالهم الوطني، وهنا أؤكد أن المستثمر في المجال السياحي هو شخص وطني بامتياز مؤمن ببلده وسيعمل على الاستثمار فيها، وهذا سيكون له امتياز عن غيره.
* هل نستطيع القول إن نتائج المؤتمر ستكون خطوة أولى لبداية انطلاق أعمال وبرامج وزارة السياحة التي تهدف لتفعيل دورها من جديد؟..
**في الوقت الحالي نؤسّس لشيء ممكن أن يكون حجر أساس للأشخاص الذين سيكملون من بعدنا الطريق في مجال السياحة. هذا المؤتمر وإن كان تخصيصه للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولكنه يعطي مباشرة ترويجاً لبعض المشاريع التي ستكون في المرحلة القادمة، حيث سيكون هناك مشاريع تطوير كبرى للمرحلة المقبلة، وكما تعلمون، نحن بفترة استثنائية فالدولة لا تتحمل إنفاق أموال لإعادة ترميم وبناء المشاريع السياحية، لذلك ينبغي أن يكون لدينا حلول استثنائية وقد باشرنا بها من خلال مناطق تطوير كبرى سيكون لمستثمر القطاع الخاص دور كبير فيها حتى بموضوع البنى التحتية..
كانت العادة أن تدفع الدولة مليارات الليرات السورية لإنشاء بنى تحتية لمنطقة معينة بهدف تطويرها، أما الآن فنحن نعمل على فكرة إشراك القطاع الخاص، مثلاً يأتي مستثمر يقدم مشروعاً بتعهد بنى تحتية، بالمقابل يكون له استثمار سياحي معين من هذا المشروع، وبهذه الحالة نكون وفرنا من خزينة الدولة والمنطقة أصبحت جاهزة، بالإضافة لذلك يوجد تشريعات استثنائية الآن عبارة عن تسهيلات مالية بمجال الضرائب أمام المستثمرين، إذ من غير المعقول أن يأتي مستثمر ليضع أموالاً باهظة ضمن دفتر شروط بوقت عدم توفر الأمن والأمان الكافيين لضمان نجاح مشروعه.. وهذه التسهيلات بمجال الترخيص وتبسيط الإجراءات سابقاً كانت تستغرق ما لا يقل عن ستة أشهر، أما الآن خلال يومين تكون جاهزة وهذه التسهيلات للجادين فقط، نحن لا يهمنا أن يأتي مستثمر ويأخذ فرصة وهو ينتظر مستثمراً خليجياً ليأتي ويباشر في العمل ضمن تخطيط يتناسب مع طبيعة كل منطقة.
*كيف يمكن أن تتأكدوا أن هذا المستثمر جاد أو أنه ينتظر مستثمراً خليجياً أو غيره؟
**من خلال الشروط التي وضعناها، فهي تدل على أن أي مستثمر سيكون جاداً، مع بداية تنفيذ المشروع، ستكون هناك مدة زمنية لإنهائه ربما سنتين أو ثلاث ويوجد مراقبة دقيقة ومباشرة من قبلنا على تطور وإنجاز هذه المشاريع.
10:55
21:15
07:13