جهينة نيوز:
كشفت المسوحات الأثرية لمنطقة اللجاة في محافظة السويداء التي تمت خلال السنوات الثلاث الماضية عن غزارة الاستيطان البشري لها منذ فترات النيوليت حوالى3600 قبل الميلاد وحتى الفترة العثمانية إضافة إلى غزارة الينابيع والآبار والمستنقعات فيها والتي يمكن نسبها إلى طبيعة النظام المائي الخاص بالمناطق ذات الحجارة البازلتية.
وتعرف منطقة اللجاة التي تتوضع ضمن منطقة تحيط بها السهول الزراعية على بعد 50كم جنوب دمشق بأنها عبارة عن هضبة صخرية شبه جافة تكثر فيها الأحقاف الصخرية والمغاور والكهوف ما جعلها تشكل ملجأ لكل هارب لذلك سميت باللجاة.
وصنفت الأمم المتحدة المنطقة على قائمة المحميات الطبيعية في العالم حيث تضم تسعة مواقع تنتمي إلى العصر البرونزي وتعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد مثل " خربة لبوة وتل دبة بريكة وكوم الصوان وكوم المغاربة وكوم الرمان والمرصوص والعيس والمنابع والمزرعة" وغيرها من المواقع.
وأشار المهندس وسيم الشعراني رئيس دائرة أثار السويداء إلى وجود شبكة مائية تحت الأرض شبيهة بشبكة التضاريس الجوفية تضم قنوات تحت طبقة البازلت تساعد على جريان المياه ومجموعة من الأنهار الجارية تحت الأرض تشكل شبكة للمياه الجوفية قليلة العمق سهلة الوصول من السطح سواء من خلال التشققات أو الانبثاق.
وأوضح الشعراني انه تم العثور في المنطقة على حوالى 200 موقع ممسوح قدرت مساحتها بنحو 350 كيلومتراً تنحصر جميعها بين فترة البرونز القديم والفترة الرومانية لافتاً إلى أن فترة الاستيطان في عصر البرونز القديم تشكل فترة انتقالية بين الكالكوليت وفترة الحياة المدنية التي ظهرت فيما بعد.
وشهدت فترة عصر البرونز القديم في منطقة اللجاة استيطاناً بشرياً ضخماً نسبياً حيث تم التعرف على 110 مواقع تواجدت على الأطراف الداخلية للمنطقة كانت تعتمد على الرعي أكثر من اعتمادها على استغلال الموارد الزراعية في السهول.
وأوضح الشعراني أن النموذج العمراني خلال هذه الفترة كان معروفا بالبيوت مزدوجة الأطراف التي تمثل نموذجاً من العمارة المعروفة في المشرق الجنوبي بين مدينتي ببيوس وعمان حيث عثر في الأطراف الشمالية الشرقية للجاة على موقع يسمى شرايع يمتد على مساحة تبلغ حوالى 80 هكتاراً ويضم حوالى 650 منزلاً.
وأضاف انه تم العثور أيضاً على مواقع أخرى تعود إلى الفترة نفسها وسط منطقة اللجاة إضافة إلى وجود نطاق لتحركات قطعان الحيوانات من محيط المنطقة إلى داخلها.
ولفت رئيس دائرة آثار السويداء إلى أن عصر البرونز القديم تميز شكل عام في المشرق الجنوبي بالتطور المرتبط بظاهرة المدينة ويلحظ ذلك من خلال ازدياد عدد المواقع بمنطقة اللجاة والتي كانت عبارة عن مواقع صغيرة الحجم محصنة تكونت وسطياً من عدة بيوت.
وقال الشعراني أن هذه الفترة شهدت ظهور أولى المدن كمدينة اللبوة وتجمعات حقيقية لمواقع على الحدود الشرقية الجنوبية من اللجاة إضافة لتنظيمات معمارية لمواقع توضعت داخل منطقة اللجاة حيث ظهرت أول مرحلة من نظام المواقع المندرجة ضمن مرتبتين هما مراكز المدن وشبكة من المواقع الصغيرة.
وبين الشعراني أن الثقافة المدنية احتلت في المنطقة مكان نموذج التنظيم الريفي من قبل الجماعات البشرية المستوطنة والتي اعتمدت في نشاطاتها اليومية على الزراعة والرعى.
كما شهدت فترة البرونز الوسيط في منطقة اللجاة تضخماً كبيراً
بعدد المواقع التي وصلت على الأقل إلى 109 مواقع إضافة إلى توابعها المباشرة التي تميزت بإعادة أحياء ظاهرة المدنية مع ظهور تطور واضح للتلال الكبيرة المحصنة ضمن الأحواض الزراعية على حدود منطقة اللجاة أو ضمن المناطق السهلية مثل " ملييت العتاش أو كوم المسيك" .
أما الاستيطان خارج منطقة التلال الكبيرة فكان عبارة عن مواقع صغيرة تم الانتقال فيها من نظام بسيط مكون من مرتبتين إلى نظام متدرج لمواقع مكونة من ثلاث أو أربع مراتب منحصرة بين مدينة وقرية وضيعة صغيرة كما توضعت استيطانات زراعية معزولة مزودة جميعها بنظام أبراج لتخزين الغلال والمراقبة.
وتشير المسوحات الأثرية إلى أن الانخفاض الواضح في عدد المواقع الموثقة إلى 22 موقعاً خلال فترة عصر البرونز الحديث الذي استمر حوالى 450 سنة يدلل على بداية فترة جافة وانخفاض نسب الهطولات المطرية منذ بداية القرن السادس قبل الميلاد والتي طال تأثيرها منطقة اللجاة.
كما كشفت المسوحات عن ظاهرة العودة إلى نموذج الحياة البدوية القريبة من تلك الموجودة بفترة البرونز القديم نتيجة لعدم الاستقرار الناجم عن النزاعات المصرية الحثية والذي أدى إلى انهيار النظام الحضري المتطور في تلك المنطقة إضافة إلى العوامل المناخية المذكورة انفاً.
وبينت المسوحات ذاتها وجود تكاثف واضح للاستيطان البشري من عصر الحديد حتى الفترة الرومانية بالمقارنة مع فترة البرونز الحديث حيث توضعت نماذج الاستيطان بهذه الفترة على تل أو ضمن مواقع مسطحة على الحدود القريبة من السهل مع بقاء الاستيطان هامشياً داخل هضبة اللجاة من خلال وجود ثلاثة تجمعات " يسمى الواحد منها كوما " محددة بوضوح اثنان منها يتوضعان على أطراف أحواض زراعية مثل " كوم رمان وأم العلق " وأخر في منطقة صخرية.
وكانت مجموعة من المواقع المؤقتة والبالغ عددها حوالى15 موقعاً هي المسيطرة داخل الهضبة على شكل حلقات دائرية من الحجارة يشير ظهورها داخل المناطق الصخرية بالقرب من الأحواض الزراعية إلى التطور القوى للرعوية المتنقلة خلال هذه الفترة.
وأشارت أعمال المسوحات إلى وجود قناة تحت الأرض تمثل بقايا الاستيطان من القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الأول الميلادي ووجود سلسلة من الأبراج ذات الجدران المزدوجة والمنشات المحصنة بقوة متركزة على الحواف الغربية الجنوبية لمنطقة اللجاة تعود إلى القرنين الأول والثاني قبل الميلاد تميزت بوجود منحدر مائل بأسفل قاعدة جدرانها.
وختم الشعراني حديثه بالقول: أن زوال الاستيطان داخل منطقة اللجاة وتعدد التحصينات على حدودها يتوافق مع الشواهد الكتابية التي تشير إلى ظهور مجموعة من النزاعات بنهاية الفترة الهلنستية.