جهينة-د. محمود شاهين:
عن عمر ناهز الثامنة والسبعين عاماً، رحل في دمشق يوم الاثنين الثاني والعشرين من شباط 2016 الفنان التشكيلي السوري الكبير (نذير نبعة) بعد مسيرة فنيّة إبداعيّة حافلة بالعطاء، أمضاها في إنتاج الفن وتعليمه، في ثانويات ومعاهد عدة مدن سوريّة، إضافة إلى كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. مسيرة جعلت منه إحدى القامات العالية في ساحة الفن التشكيلي السوري المعاصر، ستبقى تُشير إلى ريادته في هذا الحقل الذي لوّنه بأكثر من انعطافة مهمة.
ينتمي نذير نبعة إلى جيل ما بعد الرواد في الحركة الفنيّة التشكيليّة السوريّة المعاصرة. ولد في المزة عام 1938. دَرَسَ الرسم والتصوير في كل من القاهرة وباريس، ودرّسهما في دير الزور والنبك قبل أن ينتقل العام 1968 لينضم إلى الهيئة التدريسيّة في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق، ويمكث فيها حتى إحالته إلى التقاعد.
مارس نذير الفن بصدق ومحبة وصمت وهدوء وسلاسة، وعاش حياته مع أسرته الصغيرة المؤلفة من زوجته الفنانة شلبية إبراهيم وابنه عمار وابنته صفاء بنفس الخصائص. التصق نذير نبعة ببيته ومدينته ووطنه، وأبدى في فنه، موقفاً نبيلاً ومناضلاً، تجاه قضايا وطنه وأمته، لاسيّما قضية فلسطين التي أخذت حيزاً كبيراً من تجربته الفنية الطويلة. اختزل بعضاً من ملامحها العريضة، معرضه الاستعادي الذي أقلعت به صالة (تجليات) للفنون بدمشق ربيع العام 2009 وضم ما يربو على ثلاثين لوحة منفذة بتقانات لونية مختلفة، تعود إلى مراحل مختلفة في تجربته الفنيّة الممتدة من العام 1964 حتى العام 2009. إذ ضم المعرض إحدى لوحات مشروع تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة الذي دعاه (عمال مقالع الحجارة) المنجز العام 1964 وآخر لوحة في سلسلة (تجليات) المنفذة العام 2009، وما بين اللوحتين، انضوت لوحة من معرضه الشخصي الأول الذي أقامه في صالة الفن الحديث العالمي بدمشق عام 1965، ولوحتان من تجربته مع أشجار الغرب في دير الزور، ثم سلسلة لوحات تعود لأواخر ستينيات ومطالع سبعينيات القرن الماضي، تناول فيها، وجوه وأجساد أنثويّة عارية، مزج فيها بين التاريخ القديم لمنطقتنا العربية وملامح العصر الحالي. كما ضم المعرض مجموعة لوحات تنتمي إلى سلسلة (الدمشقيّات) وجدار كامل في المعرض خصصه للتجليّات التي سبق وقدمها في معرض خاص بصالة (أتاسي) للفنون في دمشق قبل سنوات، وفي هذه الأعمال خرج نذير من مشخصاته إلى أفق الاختزال الشكلي المستوحى من مشاهداته وتأملاته، لما تكتنز عليه الطبيعة من مناظر ومشاهد مختلفة، تضاهي ما تنداح عنها أنامل الفنان المبدع وتبزها قيمةً تشكيليّةً وتعبيريّةً.
جوانب من التجربة
لا تختزل الأعمال التي ضمها معرضه الاستعادي الأخير، كامل المفاصل التي تحركت فيها تجربته الفنيّة المتميزة، وإنما هي بعض من ملامحها، إذ غابت عن المعرض، مرحلة هامة ورئيسة منها، هي الأعمال التي نفذها بالأبيض والأسود، وكان جلها مكرساً للقضايا الوطنيّة والقوميّة، لاسيّما قضية فلسطين، وبالتحديد موضوع الفدائيين، والثورة الفلسطينيّة التي نفذ لها مجموعة متميزة من الملصقات والشعارات، أخذت طريقها إلى العالم، عبر المعارض والمهرجانات والمؤتمرات والمنشورات المختلفة، وهذا الالتزام شيء طبيعي بالنسبة لنذير نبعة، الذي يعتقد أنه لا يوجد فنان غير ملتزم بالقضيّة. فالفنان الذي لا يتخذ موقفاً إزاء قوى الظلام والشر التي تستهدف حضارة أمته بأكملها، ليس فناناً بالتأكيد. فالفنان هو القلب المبدع للحضارة، وبالتالي هو المدافع الأول عنها.
ويؤكد نذير أنه في اللحظات الخطرة التي تكون فيها حضارته مهددة بالدمار، تنهار قيمة كل عمل غير مباشر، وتتحدد قيمة العمل واضحة صريحة، بل وصارمة، ألا وهي قيادة الجماهير للدفاع عن حضارتها. من هنا لا بد للفنان من أن يلتزم بقضايا عصره ومجتمعه، وأن يخرج من القوقعة التي يحبس فيها نفسه ليطل على الحياة، فالفرديّة هي استعلاء عن الحياة، وانفصال عنها، وضياع في المطلق. لكن الالتزام كما يراه نذير لا يعني أن يُمسخ العمل الفني إلى عمل إعلاني يقع في السطحيّة، وهو ليس وعظاً أو إرشاداً، وإن كان من وظيفته الأساسيّة أن يهيئ لإحداث تغيير عميق في جذور الحياة الاجتماعيّة. فالفنان العظيم هو ذلك الذي يُعبّر بفنه عن وجدان الشعب، وضمير العصر.
الأبيض والأسود
قدمت أعمال مرحلة الأبيض والأسود، نذير نبعة رساماً متمكناً، ومؤلفاً (غرافيكياً) هاماً، ومُرمّزاً من الطراز الرفيع، حيث قدم الإنسان فيها، بأسلوب مختزل، وبنية قويّة، مُحمّلة برموز النضال والثورة والسلام، تارةً، ورموز المواجهة العنيدة لكل ألوان وأشكال الاحتلال والقمع والاضطهاد، تارةً ثانية.
ما يلفت الانتباه في أعمال هذه المرحلة، عدا عن التزام نذير الصريح والقوي والصادق، بقضايا وطنه وأمته، الصيغة الفنيّة العالية التي عكس من خلالها، هذا الالتزام، حيث جمع فيها بين (ثوريّة) الموضوع و(فنيّة) أداة التعبير، الأمر الذي شكّل رافعة للحامل والمحمول في أعماله، وعكس بأمانة، المقولة التي تؤكد على ضرورة مواكبة الشكل والمضمون، في العمل الفني، لاسيّما العمل الذي يتصدى لقضايا الثورة والتحرر والنضال، والذي جاء لدى العديد من الفنانين التشكيليين العرب، ضعيفاً وبعيداً، عن الجوهر الحقيقي للقضايا الكبيرة والحساسة التي تصدى لها.
لقد وفق نذير بين نبل الموضوع وأهميته، واللغة الفنيّة العالية التي اقتصرت على الخطوط (الرسم) وعلاقة الأسود بالأبيض، وهذه الأعمال تحديداً، قدمته رساماً مهماً، ومؤلفاً (غرافيكياً) من الطراز الرفيع.
متفرقات
أما الأعمال المنتمية لمرحلة دراسته الأكاديميّة الأولى في القاهرة، وما أعقبها، فتشير بوضوح، إلى أن نذيراً حسم أمره، منذ البداية، لقضية الإنسان الكادح، المناضل، الشريف، والوطني المرتبط بأرضه وشعبه ومجتمعه. وهذا الإنسان، قدمه بصيغة واقعيّة مختزلة، تواكب فيها الخط (الرسم) واللون، والواقع والرمز، والتصريح والتلميح، وقد مثلت هذه النزعة لديه، أعمال مشروع تخرجه في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة 1964، وأعمال معرضه الشخصي الأول عام 1965، التي مهدت أيضاً، للمرحلة اللاحقة التي توزعت على الاستعارات التاريخيّة الحضاريّة من موروثنا الغني (صلاة، عروس البحر، المدينة، حواء، العصفور، كاهنة مردوخ، فراتية) وعلى الأعمال الملتزمة بقضايا الوطن والأمة النضاليّة.
استلهام الموروث الحضاري
في نحو اثني عشر عملاً فنياً مُنجزاً ما بين أواخر ستينيات ومطالع سبعينيات القرن الماضي، ضمها معرضه الأخير، توزعت على الوجوه والأجساد الأنثويّة العارية وشبه العاريّة، رسم نذير الملامح الرئيسة لشخصيته الفنيّة الرئيسة القائمة على ولع واضح، بالموروث الحضاري الهام لمنطقتنا العربيّة، لاسّيما في مصر وما بين النهرين. فقد حملت هذه الأعمال، تأثيرات قوية قادمة من فنون هذه المنطقة القديمة، ومرتبطة في الوقت نفسه، بالعصر المعاش. في هذه الأعمال (ورغم حضور اللون فيها، وهو في الأغلب لونان ومشتقاتهما) تبدت سطوة الخط (الرسم) واضحة ومؤكدة. كما تبدى أيضاً، ميل نذير للتجريب التقاني، وولعه بعوالم (الغرافيك) والحفر، وتوجهه للبيئة الشعبيّة العربيّة، حيث استخدم بكثرة مفرداتها التي وظفها بإتقان، مع الجسد الأنثوي الفتي العاري وشبه العاري، وضمنا تكوينات مدروسة في بعديها التشكيلي والتعبيري.
جاءت أعمال هذه المرحلة، مزيجاً متآلفاً وجميلاً، من مرحلة الدراسة الأكاديميّة وما بعدها، ومن مرحلة أعمال الأبيض والأسود التي كرسها لموضوعات الفدائيين والثورة الفلسطينيّة وقضايا النضال التحرري العربي عموماً.
يرى الفنان والناقد الفني اللبناني (فاروق البقيلي) أن نذير نبعة كان يرى الماضي القديم بسحره العريق، متصلاً بالحاضر، وهذا فرض عليه أسلوب العمل الفني ووسائله، لاسيّما في لوحاته الأولى، حيث اتسم التشكيل عنده بطابع أدبي، والموضوع تمحور حول مأساة الإنسان الحديث، متخذاً نزعة صوفيّة. أما وسائل نذير نبعة اللاحقة، فقد أخذها من الصحراء التي أعطته لون الشمس المشرق، وكان يرى الإنسان الموجود هناك وكأنه قطعة من الأرض، لونها بني محروق. الحكايات في هذه الفترة، كانت تأتي إلى أعمال نذير، من الصحراء ، وأما البدويّة التي كانت تستحم في نهر الفرات فقد جسدت حكايّة صحراويّة، قدمت تزف نفسها وعيونها اليقظة التي تحمل قدراً كبيراً من الدهشة البكر، وهي مرتبطة بشكل أو بآخر، بتماثيل ماري، وتجعلك تبحث عن الإنسان السر، وسر الإنسان.
إشارة للتجليات
خلال عقد سبعينيّات القرن الماضي، وفي البرزخ الفاصل بين أعماله المشبعة بمحمولات تراث المنطقة وبين أعمال ما أطلق عليها (الدمشقيّات) اشتغل نذير على لوحة جديدة مُختزلة العناصر، ثرة الألوان، قوية التكوين، وقفت بنوع من التردد الواضح، في الحدود الفاصلة بين (التشخيص) وبين (التجريد) وهي في الحقيقة مزيج جميل ومعبّر ومتفرد، لما كانت عليه تجربته، ولما ستصبح عليه، في مرحلة (الدمشقيّات)، وهي إشارة واضحة وأكيدة، لمرحلة التجليات التي أنجزها فيما بعد و انحاز فيها للاختزال والتجريد.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، عكست هذه الأعمال، ثقافة نذير البصريّة الجديدة، وتأثره بالتجارب الفنيّة العالميّة الحديثة، أثناء وجوده في باريس للتخصص العالي في مجال الرسم والتصوير (من 1971 إلى 1975) إذ بدت واضحة فيها تأثيرات سرياليّة وتكعيبيّة وتجريديّة.
الدمشقيّات
منتصف السبعينيات وما بعدها، بدأت تتوالد الأعمال التي أطلق عليها عنوان (الدمشقيّات) ومنها اللوحات التي تحمل أسماء: (هلال، المساء، الربيع، هند، بدويّة، البحر، مريم المجدليّة، ست الحسن، العروس، القوقعة، حسنا) ... وغيرها.
في هذه الأعمال، مزج نذير ببراعة، بين مراحله السابقة كافة، مستفيداً من الخبرة التوليفيّة والتقانيّة (الغرافيكيّة) البارزة لديه، وبين قدرته المتميزة، على توظيف اللون لهذا العالم (الغرافيكي) المدهش الذي حقنه بخيالاته، ومحمولات ذاكرته البصريّة، من عوالم الطفولة التي أمضاها في بساتين المزة (غوطة دمشق الغربية) متماهيةً، بملامح الوجوه الأنثويّة التي رعت طفولته (الأم، الجدة، القريبات الأخريات) ومعظم هذه الوجوه (كما قال) أخذت طريقها إلى (دمشقيّاته) التي كانت المرأة وجهاً وجسداً، وبوضعيات مختلفة: عنصراً أساساً فيها، تحيطها عناصر من الطبيعة (صخور، نباتات، ورود، فاكهة، قواقع وأصداف) إضافة إلى مشغولات شعبيّة عديدة توزعت على الحلي والسيوف والمصابيح وأطباق القش والمباخر وعلب الزينة والمجوهرات، والزخارف العربيّة الإسلاميّة، والناي، والثياب ... الخ. في هذه الأعمال، تبدت معلميّة نذير في التوفيق بين ما تزخر به الحياة الشعبيّة السوريّة من مشغولات ورموز ومفردات وبين المرأة التي قدمها بوضعيات وأشكال مختلفة. ففي بعض الأعمال، اكتفى بوجهها ويديها، وفي أخرى، أخذ جذعها العلوي مع اليدين، أو كاملة، محاطة بغطاء الرأس والثياب الشفيفة المتناثرة التي تغطي كامل الجسد، أو تتجمع منحسرة عن الصدر واليدين والرجلين والوجه، وهذه العناصر مجتمعة، برع نذير بإبرازها وتصويرها، إضافة إلى حشد كبير من المنمنمات الدقيقة التي صوّرها بواقعيّة تصل حد الصورة الضوئيّة لدقة تفاصيلها، وبراعة ألوانها، وقوة رسمها. لقد صرف نذير في إنجاز دمشقيّاته، وقتاً وجهداً كبيرين، باحثاً ومنقباً، عن أفضل إطار لتقديم جماليات المرأة الدمشقيّة ومحيطها الشعبي والطبيعي المحقون بالخيال وتداعيات الذاكرة البصريّة الأولى للفنان التي (كما يبدو) أحاطت بتفاصيل هذا العالم الذي سرعان ما تداعى وارتمى فوق سطح اللوحة، بمجرد تمكن الفنان من امتلاك أدوات تعبيره، والخبرة في التعامل معها، بفعل الدراسة الأكاديميّة والممارسة والإطلاع.
ثياب الأجداد
يرى نذير أن معادلة التوفيق بين البيئة والمناهج الغربيّة معادلة مركبة. لهذا من المفروض أن يعيش الفنان زمنه ويرى كيفيّة تحقيق هذه المعادلة المركبة، لأنه لو اعتمد كلياً على الفنون المحليّة وعلى التراث، فكأنه يلبس ثياب الأجداد. معنى ذلك أنه لم يضف شيئاً لما أبدعه من سبقوه، فقط كرر ما صنعوه، وهذه المشكلة واجهت في البدايّة أغلب الفنانين الذين استوحوا من الفن الفرعوني والفن الآشوري والسومري، وجدوا أنفسهم يقلدون أجدادهم الذين كان عصرهم واهتماماتهم مختلفة، بينما هم أبناء القرن العشرين. صحيح أن الجماليات التي كان الأجداد يبحثون عنها ما زالت موجودة، سواء أكان ذلك في الرسم والتصوير، أم في النحت، أم في الشعر أم في غيره من الفنون. لكن المفروض أن يكون هناك شيء جديد تتصل جذوره بهذا القديم، ولكنه مختلف عنه، أو مكمل له.
التجليات
سلسلة الدمشقيّات التي استنفذت وقت وجهد نذير، قادته إلى مرحلة وسطى تفصل بينها وبين التجليات شبه التجريديّة، مثلتها أعمال الوجوه الأنثويّة، والطبيعة الصامتة التي دعاها (دمشق) وصوّر فيها بشكل خاص الرمان وبعض الصمديّات، حيث تقشف فيها رسماً ولوناً وعناصر. بعدها انتقل إلى التجليات التي استلهما من الجروف الصخريّة الناهضة على شواطئ البحر في محافظة اللاذقيّة، أو على ضفاف الأنهار، وعباب الغابات، في أكثر من موقع ومطرح في سوريّة. تأمل نذير هذه الجروف والمناظر، صوّرها ضوئياً، تذوق طعمها، غسل الروح والأحاسيس والبصر والبصيرة بها، ثم استدعاها إلى ريشته، ليرميها فوق سطح لوحة مربعة بقياس شبه موحد، وبلونين وتدرجاتهما (أبيض وأسود، أسود وبني، أزرق وأسود وبني، أحمر وأسود) بحريّة وعفويّة، بعد أن أسس لها بشكل وطريقة تتقاطع مع ما تحمله العناصر الطبيعيّة من هيئات وألوان، ما جعلها مزيجاً متجانساً من التجريد والتشخيص، التصريح والتلميح، الواقع والخيال، ومن ثم، تحولت إلى حالة، تستدرج بصر المتلقي وبصيرته إليها، ليبحث كل منهما عما يرويه مما تكتنز عليه من جماليات الطبيعة الساحرة المطهمة بالغموض، ما منح المشاهد حرية التأويل والإحالة والاستنباط، ومن ثم الذهاب بعيداً، في عذوبة الحلم والخيال. هذه العذوبة بثها نذير في تجلياته ، بشيء من الغموض والانفعال العفوي المتحلل من المباشريّة ،أو التشخيصيّة المتعمدة ،لكنها مع ذلك ،ظلت تشير، بهذا الشكل أو ذاك ، إلى عناصر واقعيّة واضحة ، لا تخطئها العين المتأملة بعمق فيها ، ولا مندوحة أمام الإحساس النقي من التقاطها.
شهادات في الراحل:
- جمع نبعة بين قوة الخط واللون وحسن توظيفه لهما. فلم يراع النسب الواقعيّة الحقيقيّة للأشكال، بل أخضع شخصياته في اللوحة إلى واقعيّة تشبهه، لاسيّما من خلال بروفات النساء اللاتي كان يرسمهن، فواقعيته كانت تشبهه، كونها نابعة من داخله وليس من خارجه، أو من رؤى الآخرين.
سامر محمد إسماعيل
- في رحلة العودة إلى البياض، اقتفى نذير نبعة نفسه على دروب التراب الرطبة، تاركاً أثره عليها بدماثة محب، هناك في (مزة) جدته رسم للصبايا على أثوابهن المطرزة على يد والدته، فراشات وطيوراً. أغرقه فرحهن بامتنان مهيب للفن.
نجيب نصير
- شهدت السيرة الإبداعيّة لنذير نبعة مراحل متعددة تترجم توقه الدائم للبحث والتجديد، وحيويته الإبداعيّة المواكبة لحيويته الثقافيّة، فقد تنقلت أساليبه بين الواقعيّة والتعبيريّة والتجريد، في قفزات بدت معها وكأن لا شيء يربط بينها، سوى البراعة والإبداع المميزين لصاحبها، كما أن مواضيعه كانت تتجدد بين مرحلة وتاليتها، وكان الجانب الوطني والإنساني العام، حاضراً بقوة في حياته الإبداعيّة.
سعد القاسم
- نذير نبعة من الجيل الذي أعطى للفن البصري السوري حضوراً متميزاً، وكان أستاذاً لأجيال مرت في كلية الفنون الجميلة. اهتمامه بالطلبة، ومحبته لعمله، جعلته الأقرب إلى غالبيتهم.
نزار صابور
- لم يرسم أحد من الرسامين العرب نساء بلاده مثلما فعل نذير نبعة. لقد استخرج الفنان السوري الدمشقيّات من رائحة الياسمين وهي تنساب على الحرير الدمشقي الذي يضفي على التاريخ رقة خيال مسافر.
فاروق يوسف
- قامة استثنائيّة من قامات الفن التشكيلي المعاصر في سوريّة. رسام صارم. ملوّن منفلت من عقالات الصرامة، متين البناء، ومفطور على شاعريّة السطح. متقشف ومولع بالبذخ. فنان لم تصنعه موهبته فحسب، بل صنعه معها عمله الدؤوب على مدى خمسين عاماً. نذير نبعة ليس فناناً ... إنه درس.
يوسف عبدلكي
- يقدم لنا نذير نبعة واقع الإنسان المعاصر بلغة واقعيّة، فيها الكثير من الرموز والإيحاءات والعمق. هذا الواقع هو واقع تراجيدي، وهو واقع يملك أكثر من جانب، وله أكثر من وجه وتفسير، لهذا فإن دراسة تجربته ترتبط ارتباطاً عميقاً بدراسة مفهومه للواقعيّة ورؤيته لواقع الإنسان، وما قدمه من حداثة فنيّة لتقديم هذا الواقع، وللتعبير عنه، حداثة أعطت للواقعية مفاهيمها الخاصة به.
طارق الشريف