جهينة نيوز:
إن كنت تدري فتلك مصيبة، وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم. الكلام ليس موجهاً هنا الى الفنان اللبناني المحب للأفلام الهندية، الذي ظهر فجأة على الشاشة أمس ضمن برنامج "نقشت"، بل الى المُضيف!
عرض من نوع آخر، انحدار متسارع نحو السوقية والابتذال. توليفة ساخرة إلى حدّ المرض تستعطي موجة من الضحك اللامتناهي. رقص ولعبٌ على الكلام تارة وعلى الضيف تارةً أخرى، سماجة من قبل الفتيات "طوشتني.. اغتصبني.."، فيما هو بقي صامداً حتى آخر نفس، وهذا ما زاد الطين بلة. بقي موعوداً بفتاة يُلبسها الأبيض، فأكل الضرب وتحوّل الى أضحوكة أمام ملايين المشاهدين!
الرقصة الهندية كانت البداية، مرّت وكانت مهضومة، الى أن تحول المشهد الى مشهد "اغتصاب" أحداثه مقتبسة من فيلم هندي، لكنه واقعي ومباشر على المسرح، تفاجأ البطل، كالتلميذ الذي لم يراجع درسه قبل الامتحان، بأنه سيكون ممثلاً وليس فقط راقصاً ومهرجاً ومغنياً. كل التحفيزات كانت محضرة وجاهزة لتحفيزه أو ربما إثارة غرائزه. شجعه مقدم البرنامج على أن "يتفاعل" مع المشهد الذي يتابعه على الشاشة الكبيرة (الذي يظهر فيه أن البطل يقبّل البطلة) ومن ثم يتفاعل مع الفتاة الى جانبه، ففعل كما تقتضي التعليمات، وحاول تقبيلها "FRENCH KISS" فنال علامة عشرة على عشرة في إنجاح المشهد وإذلال نفسه، وفي نهاية العرض، صفق له الجميع.
وقف كالطفل التائه، فرحاً بما قدمه من تسلية، يهلل لضحكات الفتيات ظناً منه أنها إعجاب. يزيد من عيار تفاعله لنيل المراد، موعوداً ربما بليلة حمراء مع إحداهن أو كما قال بفتاة درب أبدية، هنا يأتي دور مقدم البرنامج لـ "توليع" الهمروجة الحاصلة عبر تشجيعه أكثر فاكثر على الغرق في إهانة نفسه، التي ستتحول مع الزمن الى ندبة قاسية وربما إلى جرح أبدي، بعد انتهاء عرض السيرك.
نطّ وقفز ورقص كالبهلوان فيما المشاركات غارقات في بحر من الضحك الساذج.. هل هذا ما أردتموه من رجل كبير في السن، غير مهيأ للظهور على الشاشة؟ هل أصبح الناس البسطاء أداوات لحصد المشاهدات، أو سلماً للوصول الى القمة؟
"الهندي" وقع في فخ إعلام لا يدرك ربما أهمية احترم كرامات الناس، أو يدرك ولكنه لا يأبه، مقابل حالة الهذيان والادمان التي تصيبه، ادمان شرس لا يعرف الرحمة ولا التوبة، قد تجعل المدمن يبيع الرسالة والمهنة وقواعدها وآدابها ونفسه، كي يكسب مشاهداً واحداً زيادة.
لا ينكر أي مشاهد للحلقة أنه قضى سهرة متميزة مع الضحك حتى البكاء، أما بعد؟ ما جرى أمس باختصار، عرض "مونولوغ" وليس برنامج تعارفي جديد من نوعه، حتى قد يتمنى المشاهد وللمرة الاولى أن يكتشف أن العرض "تمثيلي" لحثه على المشاهدة فقط لا غير، كي لا يشعر بالذنب من ضحكاته التي ساهمت في توريط وتوضيع إنسان من جهة، وبالخزي والعار من إعلام ينتمي إليه من جهة أخرى. يسأل المشاهد والناقد، على من تقع المسؤولية؟ فلا يجد إلا إجابة واحدة، بانها تقع على إدارة البرنامج والقناة التي قد "تمرق" أي شيء لكسب المنافسة.
"أيا يايا.. سوكو سوكو".. أتى من بعلبك مهووساً بالهند، فرحل مهزوماً.. لكنه ليس الوحيد، معه سقطت رسالة الترفيه الهادفة والراقية، التي قد تطال كل شيء، إلا كرامة الإنسان.
المصدر : فاطمة حيدر - لبنان 24