جهينة نيوز
لم يعد الإرهاب قادرا ًعلى إبهار الدولة السورية أو مفاجئتها , أو حتى إحراجها .. وباتت معارك الأصيل ضرورية بعدما مُنيت جحافل المجموعات والتنظيمات الإرهابية بهزائم مؤلمة , جعلتها تفقد سيطرتها على مساحاتٍ واسعة شاسعة متنوعة الأهمية الإستراتيجية والعسكرية والإقتصادية , وباتت غالبية المشاهد مكررة ضعيفة التأثير على الدولة السورية وسيطرتها الميدانية أو على مواقفها السياسية وتحركاتها الدبلوماسية , فكما اعتاد السوريون والعالم رؤية مشاهد التفجيرات والمجازر ومسرحيات الكيماوي قبيل جلسات مجلس الأمن أو لقاءات جنيف وغيرها , كذلك أصبحت مشاهد العدوان الصاروخي والجوي والمدفعي , مشاهد ثابتة تتلو كل تحريرٍ هام وكل تقدمٍ استراتيجي للجيش العربي السوري , فقد تناوبت القوات الأمريكية وتحالفها اللاشرعي والقوات الإسرائيلية والفرنسية والبريطانية على تنفيذ جولاتٍ من العدوان اختلفت من حيث الزمان والمكان والهدف المباشر واتحدت في الجوهر , واحتفظت بنفسها كمحاولاتٍ يائسة لرفع معنويات مجاميعها الإرهابية ومنع إنهيارها , وكأفعالٍ إرهابية جبانة لإلحاق الأذى ما أمكن بمقدرات الجيش العربي السوري وبأرواح جنوده وقادته و للتأثير على إنجازاته وسرعة تقدمه , بعدما فشلت خطوطهم "الحمراء" وتهديداتهم في ثنيه عن تحقيق أهدافه عبر تحركاته النابعة من جدول أولوياته والذي تحكمه قاعدة "تحرير كل شبر" التي أطلقها الرئيس بشار الأسد.
ومن يتتبع يوميات وملفات الحرب على سوريا , يرى تعرضها لعشرات الإعتداءات والغارات الصاروخية والجوية التي نفذتها قوات العدو الإسرائيلي وقوات التحالف اللاشرعي الذي تقوده القوات الأمريكية , وباتت عملية إحصاؤها خلال ثمان سنوات تتطلب الوقت والجهد الكبير, ويبقى من اللافت مؤخرا ً, أن تقوم الجهة المنفذة للعدوان سواء كانت أمريكا أو إسرائيل بنفي الخبر أو بتكذيبه وفي أفضل الحالات بالإمتناع عن التصريح أو التعليق عليه , وذلك لحساباتٍ تتعلق بإرباك الدولة السورية و للخشية والحد من ردود أفعالها , وهذا بالطبع يعود لإختلاف وتطور طريقة واّلية التصدي السوري الدفاعي للعدوان وتنوع أشكاله وأدواته واّلياته التي أثبتت كفائتها في التعامل مع الصواريخ المعادية وتدميرها قبل وصولها إلى أهدافها كما حصل في العدوان الثلاثي على سورية عشية 1042018, أو لتوسيع دائرة الرد وإعتماد الرد الهجومي المباشر كما حصل في عدوان 1052018حيث أمطرت الدفاعات الجوية السورية سماء الجولان المحتل بالصواريخ , وأجبرت مستوطني الكيان الغاصب على النزول إلى الملاجئ , وكرست معادلة الصاروخ بالصاروخ , وأربكت يومها قادة الكيان الغاصب وجعلتهم يتكتمون ويخفون خسائرهم العسكرية المؤلمة ولا يتحدثون عن مواقعهم الحساسة التي دُكت وعن قتلاهم اللذين تبعثرت أشلاؤهم.
وفي الحديث عن العدوان الأمريكي الجديد الأحد 1762018, لا بد استحضار العدوان السابق أيضا ً الذي حصل بتاريخ 24 52018, للإرتباط الوثيق بين الحدثين وتشابههما وللفارق الزمني القليل بينهما ...فقد نفذت القوات الأمريكية عدوانها 24 أيار, على القوات السورية في منطقة دير الزور وبالقرب من البوكمال وفي بادية حمص , انطلاقاً من ما يسمى "جيب التنف".. وجاء العدوان بعد تحرير دمشق وتأمين محيطها من الإرهاب , وبدأ الحديث عن حشد وتقدم القوات السورية وحلفائها نحو الجبهة الجنوبية للإمساك بالحدود مع الأُردن وتحرير كامل منطقة الجنوب ومدينة درعا... في وقتٍ نفت فيه قيادة التحالف الأمريكي علمها أو قيامها بالعدوان , وأكدته وكالة سانا السورية الرسمية .. كذلك أتي العدوان الأمريكي الثاني 17حزيران, ليستهدف موقعا ً عسكريا ً سوريا ً في بلدة الهرى جنوب شرقي البوكمال , وكسابقه فقد نفت الولايات المتحدة قيامها بالعدوان , وأكدته أيضا ً وكالة سانا ووجهت إتهامها للقوات الأمريكية , وقد جاء العدوان بعد ثلاثة أيام من تحرير وحدات الجيش محورا" بطول 40 كم وتمشيطها مساحة 2000 كم2 في البادية الغربية للميادين.
إن تشابه الإعتدائين يعود لإرتباطهما الوثيق بما سيجري في الجنوب والجنوب الغربي و درعا , ومحاولة كل من أمريكا واسرائيل تأخير أو منع الجيش السوري من بدء التحرك العسكري في درعا عبر إعادة خلط الأوراق السياسية وبعملية تبادل الأدوار وبإخفاء الجهة المنفذة , وبإستخدام ذريعة تواجد القوات الإيرانية على الحدود الجنوبية لسورية الأمر الذي قد يشير إلى أن إسرائيل هي الجهة المنفذة , فقد تحدث عنه نتنياهو قبيل العدوان وقال :" أننا سنعمل ونعمل حاليا ً ضد المحاولات الإيرانية ووكلاء إيران للتموضع عسكريا ً قرب الحدود الإسرائيلية وداخل العمق السوري", وهذا يتقاطع مع تصريح هام للغاية لمسؤول أمني إسرائيلي بالأمس إذ يقول:" أن الأزمة الإقتصادية في الأردن ليس الوحيدة التي تؤثر على استقراره ، وهناك مخاطر أمنية من اقتراب مقاتلي حزب الله والإيرانيين من حدوده ", بالإضافة إلى لقاء نتنياهو بالملك الأردني والذي يأتي بعد إعادة تعويم العرش الأردني وملئ خزائنه بالمال الكافي لقبوله بصفقة القرن وتقديم سلسلة من المشاريع الإقتصادية (كمشروع قناة البحرين , ومشروع تغذية غور الأردن بالمياه العذبة التي ستنتجها محطات التحلية التي ستقام في العقبة), كرشاوى للنظام الأردني ودفعة ًعلى حساب صفقة القرن؟, أم لنيل موافقته على عبور الطائرات الإسرائيلية الأجواء الأردنية لإستهداف القوات السورية وحلفائها والقوات الرديفة شرق سوريا ؟ .. لا يمكن التفكير بعيدا ً عن هذا المنطق فقد سبق للطائرات الإسرائيلية أن عبرت الأجواء الأردنية والعراقية ونفذت إعتداءاتها على ريفي حماه وحلب الجنوبي الشرقي تحت ذريعة تفادي إحتكاكها وإصطدامها بالطائرات الروسية.
مهما يكن من أمر العدوان , فقد تناقلت وسائل الإعلام تصريحا ً لمسؤول أمريكي نقلته عنه ال CNN ليلة الأمس وبعد 24 ساعة على العدوان يقول فيه :" إسرائيل نفذت القصف على منطقة البوكمال عند الحدود السورية العراقية الليلة الماضية", أتبعه صباح اليوم كلام السفير الأمريكي لدى بغداد :"القوة الجوية الأمريكية غير مسؤولة عن الهجوم على الحدود , ولا وجود لأي نشاط جوي أمريكي على الحدود السورية – العراقية" , في وقتٍ حصرت فيه كتائب حزب الله– العراق الحديث عن مسؤولية القوات الأمريكية والإسرائيلية بالجريمة , وأكدت استعداد الحزب للمواجهة " مع الكيان الصهيوني والمشروع الأمريكي" , وأنه سيكون لها موقفها مع إنكشاف هوية المرتكبين.
بلا شك فقد باتت إستعادة السيطرة على الحدود الأردنية أولوية ً للجيش العربي السوري بعد استعادته للحدود مع العراق ولبنان , في وقتٍ يعلم فيه قادته أن المعركة لن تكون سهلة خصوصا ً مع الدعم المطلق لما يسمى عصابات الجيش الحر المتواجدة هناك من كافة أعداء سوريا وعلى رأسهم العدو الإسرائيلي وإحتمالية التدخل المباشر للقوات الأمريكية و الإسرائيلية ... لكن, وعلى الرغم من العدوان الأخير ورسائله وأهدافه وبغض النظر عمن إرتكبه , لن يستطيع أحدٌ ثني دمشق عن تحرير كامل أراضيها ، فمعركة درعا باتت معلنة ووشيكة وواضحة الهدف.
فقد منحت الدولة السورية الجهد والوقت للحلول الهادئة – السلمية بما يعيد الأمن والأمان لاّلاف سكان المناطق الحدودية ويسمح بعودة اللاجئين من الأردن , لكن الإرهابيين - العملاء ممن يستعملون اسم المعارضة أبوا إلاّ والإنصات لمشغليهم , وبات من الواضح أن الدواء لم يعد نافعا ً ولا بد من إستئصال الإرهاب قسرا ً... إن لتحرير درعا أهميةٌ استراتيجية للدولتان السورية والأردنية على حدٍ سواء , فإعادة فتح طريق دمشق - عمّان ستكون له إنعكاسات أمنية وإقتصادية هامة لكلا البلدين , ونتمنى ألاّ يستمر إنسياق العرش الأردني بعكس مصالح شعبه , فقدر البلدين أنهما أشقاء وجيران وأمريكا لن تكون قدرا ً لشعبيهما.
إن اللعب على إخفاء حقيقة من قام بتنفيذ العدوان , لن يكون عاملا ً مؤثرا ً من حيث النتيجة على تغيير حقيقة ما حث و الغاية والرسالة منه , فحماية المجموعات والتنظيمات الإرهابية هي أهدافٌ مشتركة لكلا العدوين الأمريكي والإسرائيلي , وقيامهما بمثل هذه الجرائم لا يعدو أكثر من جرعةٍ لإنعاش إرهابييهما في البوكمال و درعا , ناهيك عن الإرتباط الوثيق ما بين وجود ومصير الولايات المتحدة الأمريكية والإرهاب في سوريا , ولم يعد خافيا ً على أحد تدخلها الصريح لإنقاذ ما تبقى من أذرعها الإرهابية على الحدود السورية - العراقية , وأنها لا تزال تتخذ من وجودهم ذريعة لبقائها في سوريا تحت عنوان محاربة الإرهاب , فيما انتصارات الجيش العربي السوري وحلفاؤه على الإرهابيين تقضي على مبررات وجودها وغزوها للأراضي السورية....
ويبقى السؤال, أما اّن لقوات العدوان الإسرائيلي والأميركي وحلفائهما وأدواتهما الإرهابية إدراك أن الحرب على سوريا انتهت حسابيا ً , وأنه بات عليهم البحث عن منفذ النجاة , فقد اختبروا صلابة شدة بأس السوريين , وحكمة وشجاعة الرئيس بشار الأسد وإلتفاف الشعب السوري والعربي حوله , وأنه بات من المستحيل وقف أو منع الجيش العربي السوري من تحرير كامل الأراضي السورية , وطرد كافة الغزاة والمحتلين , فعدم إعترافهم بالهزيمة لن يمنع وقوعها.