هل فقد الشرق الأوسط وهو قلب العالم أهميته الاستراتيجية ..؟؟

الجمعة, 12 كانون الأول 2025 الساعة 22:43 | منبر جهينة, منبر السياسة

هل فقد الشرق الأوسط وهو قلب العالم أهميته الاستراتيجية ..؟؟

بقلم كفاح نصر

 

طرحت الإدارة الأمريكية استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي وتحمل بين صفحاتها الكثير الكثير من المفاجئات ولاسيما الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا بعد ان كانت التهديد الاول وهو أول اعتراف رسمي بعالم من أكثر من قطب من قبل واشنطن, و المفاجئة الاكبر هو عدم اعطاء منطقة الشرق الاوسط (او كما يقال في الصين غرب اسيا).

الاهتمام المتوقع وخصوصا ان أن هذه المنطقة تعتبر قلب السياسية الخارجية الامريكية لعشرات السنوات وبل تعتبر اسرائيل هي جوهر الامن القومي الامريكي عسكريا وسياسيا, كذلك اهملت أوروبا بشكل مهين, في حين لاتزال الولايات المتحدة تعتبر الصين وايران تهديدات للامن القومي الامريكي , وبالمختصر ساحات الصراع الامريكية المقبلة هي امريكا اللاتينية بالدرجة الاولى (ما يسمى مبدأ مونرو) و اسيا في الدرجة الثانية حيث الصين الخصم الرئيسي للأمريكي.

وفي المقابل من تعتبرهم واشنطن خصومها سابقا وحاليا ولاسيما ( روسيا الصين وإيران) قاموا ببناء ممرات خارج الشرق الاوسط وبل يمكن القول ان ما تم بنائه هو بدائل لمنطقة الشرق الأوسط فمثلا على سبيل المثال قامت الصين ببناء ممر بري الى اوروبا وحاليا ينطلق عبره أكثر من ثلاثين قطار بضائع يوميا وتم ربط الصين بالخليج عبر إيران بالسكك الحديدية أيضاً على اثر الخروج الامريكي من افغانستان, وبالتزامن تستعد الصين لطرح قطار دون مفاصل فائق الحمولة ما يعني ان هناك استراتيجية مدروسة سلفا لتعزيز النقل البري, وكذلك تم ربط روسيا بالخليج عبر إيران (ممر شمال جنوب) فضلا عن ممر بحر الشمال بين الصين وروسيا أو بالأحرى بين اسيا وأوروبا بديل قتاة السويس, وأما الصين فمن المفهوم انها اصلا تسير على (مبادرة الحزام والطريق) وتقوم برد فعل استباقي لأي محاولة امريكية لمحاصرتها في الشرق الاوسط ولكن ماذا عن واشنطن وماذا عن روسيا..؟ ويبقى السؤال لماذا الشرق الاوسط يتلاشى دوره الاستراتيجي في نظر الدول الكبرى خلال استراتيجيات السنوات القادمة..؟

قبيل استراتيجية الامن القومي الامريكي الجديدة كانت تحركات واشنطن جميعها تستهدف الهند في محاولة لابعادها عن بريكس بشكل عام و روسيا والصين بشكل خاص (انقلابات في محيط الهند وتشكيل خلايا مسلحة داخل الهند وتهديد مصادر نفطها كوسائل ضغط و وعود بربطها بأوروبا عبر طريق من السعودية للاردن لـ (اسرائيل) (ما تسبب بتدمير غزة) وهنا السؤال هل تم طي صفحة الممر الامريكي المقترح منذ قمة العشرين التي عقدت في الهند قبل سنوات, لربط الهند بأوروبا عبر السعودية وذلك على اثر تحول الحرب على غزة الى حرب بلا نهاية وللمفارقة وفي ذات الوقت بدأ يخفت الحديث عن ناتو عربي اسرائيلي ضد إيران وذلك منذ تغير السلطة في سورية (عنوان اهمال الشرق الاوسط) , وبالتالي فإن الولايات المتحدة قد تكون فعلا غيرت استراتيجياتها ..؟ ولكن لماذا..؟

يمكن القول ان الولايات المتحدة سوق هائلة للهند واهميتها كسوق اهم بكثير من روسيا ولكن تدرك الهند ان التوتر مع الولايات المتحدة لن يعرقل طريق منتجاتها الى الولايات المتحدة وقد حدث هذا مع الصين, بينما روسيا تقدم الكثير للهند مما لا تقدمه الولايات المتحدة فمثلا تحصل على البترول بالروبية الهندية وهناك أفكار للتشارك بمحطة فضائية ونقل صناعة الطيران الى الهند وشاهدت الهند معنى التعاون الصيني الروسي وما نتج عنه, وهو ما يدفعها لان تسعى وعوضا عن ان تكون مطور منتجات مايكروسوفت الامريكية ولا تحصل على شئ لان تفكر بتطوير منتجات بديلة للمنتجات الأمريكية وقد فعلتها الصين وصنعت الات الحفر على الليزر واشباه الموصلات الفائقة وصولا الى نظم التشغيل ولم يعد بإمكان الهند تجاهل ما يحدث على حدودها وخصوصا ان محاولات نقل صناعة الـ اي فون الامريكي الى الهند تحولت الى نقل تجميعه فقط , في حين الصين تتحول الى مركز العالم وتسبق الغرب بسنوات وقوتها بالتوازي تتعاظم وأصبح يوانها الرقمي المنافس السحري في التجارة الدولية.

وبالعودة الى روسيا ومنذ العام 2019 ومع بدء تصدير الغاز الروسي للصين ومؤخرا الاتفاق على بناء خط غاز جديد لم تعد تهم بالسوق الاوروبية التي تتلاشى صناعتها حاليا ولا تهتم بطريق غاز الشرق الاوسط لانه اذا ذهب الى اوروبا سينافس الغاز الامريكي المسال , وليس الروسي على عكس ما كان قبل ست سنوات وبل المح وزير الخارجية الروسي لامكانية ازالة القواعد العسكرية الروسية من سورية فيما وللمفارقة من يتمسك بهم للبقاء في سورية هم خصوم روسيا الذين لطالما طالبوا باغلاق هذه القواعد لان الغرب لن يتحمل تداعيات اغلاق هذه القواعد.

الوحيد الذي يهتم بالشرق الاوسط حاليا هو نتنياهو الذي يريد تحويل (اسرائيل) الى دولة مكتفية ذاتيا حيث يريد الوصول الى الماء والنفط والقمح وربما الاسمدة لانه على الارجح يدرك تغيرات العالم وربما يتوقع عدم الاهتمام الامريكي في المنطقة ويدرك عمق التغيرات الجيوسياسية في العالم, علماً بأن ما يسعى اليه امر انتحاري في حال لم يستطيع تغير النظام في ايران وهو ما لايزال يجمع الامريكي مع الاسرائيلي حيث أن الامريكي بحاجة الى السيطرة على موارد إيران ليتمكن مع تنفيذ ضغط حقيقي على الصين والاسرائيلي بحاجة الى ازالة ايران ليتمكن من التوسع في المنطقة بحرية في حين كل ما تريده إيران الصمود قليلا فقط لتخرج جثة الامريكي من البحيرة وحتى الحرب على لبنان بنسبة عاليا جداً هي رغبة اسرائيلية وليست رغبة امريكية وجل ما تحاول واشنطن القيام به اغلاق الملفات باكبر مكاسب دون حرب على عكس الرغبة الاسرائيلية.

التعقيدات السياسية في العالم أعقد بكثير جدا من القدرة على تحليلها, والتنبوء بما سيحدث يعتبر من شبه المستحيل ولكن هناك تغيرات اصبحت ملموسة يمكن للقارئ تعقبها ومسار يمكن التكهن بنهايته, وللتذكير فقط في العام 2022 انطلقت العملية العسكرية الروسية الخاصة في الدونباس التي توسعت لاحقا لاجزاء من أوكرانيا وفي ذات العام قال الرئيس الصيني " العالم سيشهد تغيرات جيوسياسية غير مسبوقة منذ مئة عام " لا اعلم ماذا يقصد ولكن في العام 1922 طبع أول دولار ورقي ولكن خلال هذه الفترة يمكن لمس الكثير الكثير من الامور التي لم يكن التفكير بها خيار منطقي:

1-في العام 2022 كانت هواوي الصينية محيدة عالمية وقبلها حين كانت على العرش كانت غالبية مكونات هاتفها أمريكية الآن عادت بقوة الى السوق الصينية وبدأت تعبر الحدود بدون أي مكون أمريكي بل الهواتف الامريكية التي تطرح في الصين اصبحت تحوي مكونات صينية اي قلبت المعادلة.

2-كانت الولايات المتحدة تلوح بقطع امدادات اشباه الموصلات عن الصين ومنعت عنها المنتجات عالية التقنية, ويوم امس الاول بالتحديد سمح ترامب بتصدير رقائق اتش 200 المختصة بالذكاء الصناعي الى الصين ولكن الصين وضعت قيود على دخولها.

3-قبل العام 2022 كانت أوروبا اكبر مورد للسيارات الى روسيا والطائرات المدنية وأوروبا اكبر مستورد للغاز الروسي الآن صناعة السيارات في أوروبا تتدهور بسرعة الى طريق اللا رجعة وتغلق خطوط انتاجها والصين اصبحت اهم اسواق الغاز الروسية واهم منتجي السيارات العالمية من سعر 700 دولار للسيارة الى مئات آلاف الدولارات لكل سيارة.

4-قبل العام 2022 كانت هولندا تحتكر صناعة ماكينات الحفر بالليزر وكانت الصين اكبر اسواق ايفون واشباه الموصلات الآن تغير كل شئ وأصبح كل شئ صيني وبدأت واشنطن وحلفائها يخسرون السوق الصينية الاكبر في العالم.

5-قبل العام 2022 كانت الصين وروسيا احد اكبر اسواق الطائرات المدنية في العالم وبل كانت الطائرات التي بدأت روسيا بإنتاجها تحوي الكثير الكثير من المكونات الغربية الآن أصبح هناك طيران مدني روسي وصيني وبمكونات محلية وشركة ايرباص بدأت تنقل معاملها للصين بينما بوينغ للسنة الرابعه خاسرة ولا امل لها بالبقاء على المدى الطويل.

6-قبل العام 2022 بدأ ترامب بضخ السلاح الى أوكرانيا ولا سيما صواريخ جافلن وأكمل بعده بايدن وتوعد كل دبابة روسية تدخل أوكرانيا بـ 18 صاروخ جافلن والنتيجة خسرت أوكرانيا والغرب 26 الف دبابة (يفوق ما تملكه اربع دول عظمى) و 32 الف مدفع ونحو 50 الف معدة ومدرعة فضلا عن منظومات دفاع جوي تكفي لعشرات الحروب ,وتحولت اوكرانيا الى افغانستان للغرب اجمع بل لثقب اسود يمتص السلاح والمال لدرجة ان ترامب اصبح يقول عنها حرب بايدن التي يريد انهائها وطرح خطة لانهاء الحرب تتضمن غالبية مطالب روسيا وذلك بعد ان توعد الغرب روسيا بهزيمة استراتيجية في أوكرانيا أصبح يقاتل للخروج من أوكرانيا بأقل الخسائر فهذه الحرب هي التي غير قواعد العالم وحين كان يراها الاعلام العربي حرب ارض كانت حرب ارادات وحرب اختبار اسلحة في الميدان حيث تبين ان الغرب لا يملك سوى الخردة.

7-قبل العام 2022 كان الدولار متجذر في الاقتصاد العالمي بشكل غير مسبوق ولكن خلال هذه الفترة بدأ الذهب يأخذ قيمته الحقيقة وارتفعت اونصة الذهب من 1600 دولار عام 2022 الى 4200 دولار مؤخرا وتصاعد قيمة الذهب مستمر وظهر اليوان الرقمي الصيني اسرع وسيلة تجارة في العالم والاقل كلفة وظهر الروبل الرقمي الذي يستعد في الداخل الروسي لان يصبح عملة دولية خلال اشهر والروبية الرقمية لن تكون بعيدة عن الاسواق.

ويبقى الاهم أن روسيا الآن تطعم العالم والصين هي مصنع العالم والدولتين مركز تطور العالم ولا يمكن لأحد الاستغناء عنهما واذا قررت واشنطن التصعيد ستضع العالم امام خيار الانتحار او التحالف مع الصين وروسيا واما عن خيارات واشنطن فهي ملف آخر, وأما عن الشرق الأوسط قد يستعيد دوره يوما ولكن عليه ان يأخذ تجربة مصر فما بين السد العالي الذي بنته روسيا ومحطة الضبعة النووية التي تبنيها روسيا لم يقدم الغرب لمصر سوى هرما من الديون وتدمير للاقتصاد والزراعة والآن السبب الرئيسي لخروج الشرق الاوسط من الاهتمام العالمي هو الهيمنة الامريكية في المنطقة والتي ستتلاشى خلال عشر سنوات في ابعد تقدير كتطور طبيعي للاحداث, ولأن المعركة لم تنتهي بعد.

 


أخبار ذات صلة


اقرأ المزيد...
أضف تعليق

تصنيفات الأخبار الرئيسية

  1. سياسة
  2. شؤون محلية
  3. مواقف واراء
  4. رياضة
  5. ثقافة وفن
  6. اقتصاد
  7. مجتمع
  8. منوعات
  9. تقارير خاصة
  10. كواليس
  11. اخبار الصحف
  12. منبر جهينة
  13. تكنولوجيا