جهينة نيوز:
هي أمريكا أم "إسرائيل"، ترامب أم نتنياهو!، لا فرق ... فاللعبة في تبادل الأدوار والهدايا، وفي التناوب على الشرّ والظلم واستمرار الإحتلال وزعزعة استقرار العالم، واستباحة الحقوق والقفز على الشرعة والأعراف الدولية ... مشاريعٌ ومخططاتٌ خبيثة لضرب الأعداء ومنافسة الخصوم وحلابة الحلفاء والشركاء ... وتبقى فلسطين العنوان الأبرز للمؤامرة، ولسان حال واشنطن يقول ويلٌ للمعرقلين ونارٌ وحروب وعقوباتٌ للمدافعين عن كرامتهم وسيادتهم ومقدساتهم، غطرسة ٌ أمريكية لم تعد في مكانها ولا في زمانها ...
وهناك من يرى أن أمريكا لم تعد قدرا ً للأوطان والشعوب, ففلسطين كانت البداية ولازالت الملهم الأول للثورة الإسلامية الإيرانية, أربعون عاما ً لرفع العلم الفلسطيني, ومسيرةٌ مضيئة بالدعم والتضحيات ... وأربعون عاما ً للحروب والحصار والعقوبات والتاّمر والمؤتمرات والأحلاف لكسر الإرادة الإيرانية, وكانت النتيجة أن حافظت دول التاّمر القريبة على تخلفها وحقدها, فيما سعت الدول البعيدة لطلب ودها, أما إيران فقد حلّقت بعلومها وتطورها وديمقراطيتها وإنجازاتها, تحت أعين حراسها والأمناء على قرارها وحماة قرارها السياسي والسيادي في الحرس الثوري الإيراني, ورغم الحصار طرقت أبواب النادي النووي, واقتحمت الصناعات الحربية, وطورت برامجها الصاروخية, وكانت خير داعم للأرض والعرض والكرامة والمقدسات, فلسطين شعارها وكتابة السطر الأخير لصفحة الكيان الغاصب هدفها, هكذا "أذنبت" إيران وهكذا دعمت المظلومين والمقاومين, وهكذا قدمت وفائها لشركائها في الوفاء.
فوُضعت تحت مرمى الإستهداف الأمريكي – الإسرائيلي -الخليجي، وأتاها الرد واضحا ً صريحا ً، لا للنووي السلمي، لا للبرنامج الصاروخي، لا لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية، لا لدعم الدولة السورية، واليمن والعراق .... إلخ، أرادوها ضعيفة وبلا سند، لتعود من تلقائها إلى طاولة المشرحة، تحمل كفنها بيديها، مطرزا ً بتنازلاتٍ وبإستسلامٍ يدفع عنها حصارهم وتاّمرهم وجحافلهم.
لكنها رفضت ورفعت شعار التحدي وقبلت المواجهة, متسلحة بإيمانها وتراص وتماسك جبهتها الداخلية وبدعاء مرشدها وتوجيهاته, وبحراسة أشدائها ورجالاتها وحكمائها وقادتها في الحرس الثوري الإيراني, فكان التصويب الأمريكي الجبان وغير المسبوق أن اعتبرت الولايات المتحدة جزءا ً أساسيا ًمن الجيش الوطني الإيراني منظمة ً إرهابية ً, يا لوقاحة البيت الأبيض بوجهه الأسود ورئيسه الأرعن, الذي اعتقد أن إستبداله المنافسة بالتهديد والمواجهة العسكرية, سيمنحه رهانا ًجديدا ً يحصد من خلاله استسلاما ً إيرانيا ً, ينعكس تفردا ًبالدولة السورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية, ويسمح بتمرير صفقة بيع فلسطين بأبخس الأثمان.
ويبقى من اللافت التواتر الذي يربط بين توقيع الرئيس ترامب الحزمة الثانية للعقوبات الأمريكية عشية الإنتخابات الرئاسية النصفية في الولايات المتحدة, وتوقيعه على تصنيف الحرس الثوري الإيراني كتنظيم إرهابي عشية الإنتخابات الإسرائيلية ... بالتوازي مع توقيعه قرار ضم الجولان السوري للسيادة الإسرائيلية قبل عدة أيام, وتصاعد الحديث عن صفقة القرن, والتجييش الأمريكي الكبير والتحريض المباشر على حزب الله وسط بيئته اللبنانية, وموجات العنف والضغط الإسرائيلي على حركات المقاومة الفلسطينية والصليات الصاروخية العدوانية المتكررة على غزة, وهرولة الحكام والقادة العرب نحو التطبيع وطمأنة العدو الإسرائيلي بحسب الوزير العماني, ورفضهم عودة سورية إلى الجامعة العربية, وعرقلة بدء معركة تحرير إدلب, والحديث عن الهدايا المتنوعة التي يتلقاها نتنياهو بغية تعويمه وعدم هزيمته في الإنتخابات ...
ناهيك عن الإشتباك الدولي مع الصين وروسيا المرتبط بملفات الشرق الأوسط وبالصراعات الساخنة فيه، الأمر الذي يرفع منسوب الاهتمام الأمريكي بأمن الكيان الصهيوني بالتوازي مع إنتصارات سوريا ومحور المقاومة مجتمعا ً، خصوصا ًمع إقتراب إنتهاء مهلة الإستثناء التي منحتها واشنطن لبعض الدول الأوروبية وبعض دول المنطقة حيال استمرار استيرادها للنفط الإيراني لفترة محدودة.
أمور قد تثير دهشة واستغراب البعض ... لكن من خلال نظرة جامعة متكاملة، يمكن ربط الأمور واستنتاج الخط والخطة التي تسير وفقها أجندات الولايات المتحدة الأمريكية وسلطة الكيان الغاصب وأدواتهما، الرامية لإستمرار إشاعة الفوضى وزعزعة الأمن والسلم الدوليين، بما يخدم مصالحهما في المنطقة والعالم.
لا يمكن النظر إلى القرار الأمريكي الجديد حيال الحرس الثوري الإيراني، والرد المماثل والمباشر الذي اتخدته القيادة الإيرانية بوضع القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة على لوائح الإرهاب، والذي رأى فيه الوزير ظريف أنه: "هدية خاطئة وغير محسوبة إلى نتنياهو على أعتاب الإنتخابات" ... ولا بد من مقاربة الموضوع من زاوية الدور والنفوذ الإيراني والقدرات التي تتمتع بها والتي سخرتها ووضعتها في مواجهة المشروع الصهيو – أمريكي في المنطقة منذ اليوم الأول لإنتصار الثورة الإسلامية في إيران, ومن خلال الوزن والثقل العسكري والإقتصادي والسياسي الذي تقدمه إيران ليضاف إلى كافة إمكانات وقدرات محور المقاومة, ليزيد من غلة الإنتصارات التي يحققها, والذي فرض على الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" الدخول في دوامة الحسابات الجديدة, فالدولة السورية ماضية نحو النصر الأكيد, وتستعيد قوتها وتوازنها بسرعة كبيرة, مع تغير قواعد الإشتباك وتوحيد جبهات المقاومة, فأصبحت واشنطن وتل أبيب في موقف صعب ... وقد يفرض عليهما العمل على مواجهة شاملة قد لا تحتملها "إسرائيل", فإختارتا الضغط على إيران للحد من حصتها في دعم الدولة السورية في كافة المجالات, بهدف عدم تفويت فرصة الإنهاك الذي تسببتا به للدولة السورية, من خلال إعتقادهما أن إبعاد إيران أو إشغالها سيمنحهما فرصة مناسبة للإستفراد بسورية, وإجبارها على القبول بما رفضته وقاتلت من أجله.
فأخذت تعد العدة لمواجهة الدولة الإيرانية، واعتمدت على تشكيل حلف عربي يناصب إيران العداء من جهة ويتخلى عن معادة إسرائيل من جهة أخرى، وذهبت إلى أبعد من ذلك ودفعت بعلاقات بعض الدول العربية إلى العلن، ولتتحول إلى حلف عربي – إسرائيلي ضد إيران (مؤتمر وارسو)، وأن تسرّع خطاها نحو دفع العرب إلى تصفية القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن.
وبدأت تزيد محاصرة سورية وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، وعبر المزيد من العقوبات الإقتصادية ... ومع ذلك لم تعد إسرائيل قادرة على تجاهل كوابيسها، ووعود المقاومة اللبنانية بالزحف نحو الجليل، والكشف عن 200 ألف صاروخ تمتلكها المقاومة، وعن منظومة ال S300 التي أصبحت بحوزة الجيش السوري.
يبدو أن السلام ما زال بعيدا ً مع إدارة الرئيس ترامب أيضا ً، فالمنطقة حبلى بالكثير من الأسرار والمفاجئات، تستمر معها معادلات كسر الإرادات ... وعلى واشنطن أن تقبل بما يُعرض عليها اليوم من خروج اّمن لقواتها قبل أن تضطر للإنسحاب والفرار ليلا ً، فعمليات المقاومة السورية في تصاعد، والصبر السوري ينفذ، بالإضافة لقرار المواجهة الإيراني ووضع القوات الأمريكية على لوائح الإرهاب يجعلها هدفا ً مباشرا ً لقوات الحرس الثوري الإيراني في سورية والمنطقة.